يتحدّث رئيس مجلس الوزراء الأسبق الدكتور سليم الحص، في هذه المقابلة، عن طبيعة العلاقة التي كانت تربطه بسماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(ره)، مشيراً إلى أنَّ المصداقية التي يتمتع بها، كانت عناصر جعلت منه شخصية مميزة حثت الكثيرين على الإصغاء إليه والأخذ بآرائه ومواقفه، الأمر الّذي جعل منه قوة سياسيَّة هائلة، لافتاً إلى أنَّ أبرز ما يميّزه، أنّه كان مقاوماً في الدّرجة الأولى، وقد كانت مواقفه الوطنيّة والإسلاميّة مشهودة، ومحلّ تقدير واحترام الجميع... وفي ما يلي نصّ اللقاء:
حضور على امتداد الوطن:
س: ربطتكم على المستوى الشخصي علاقة صداقة واحترام متبادل مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(ره). ما هي طبيعة هذه العلاقة؟
ج: كان سماحة السيد يتمتَّع بمكانةٍ عاليةٍ جداً ورفيعة بين اللبنانيين جميعاً، وكان الجميع ينظرون إليه بعين الاحترام الشديد، وكنت أنا أحدهم، ومع الوقت تنامت العلاقة بيننا بطبيعة الحال وأصبحت مصدر محبة واحترام متبادل.
وقد كان سماحته يتمتع بعقلٍ راجحٍ جداً، ولديه أفكار وطنية مشهودة كان الجميع يقدرها له ويحترمونه عليها، ولذلك، فإنَّ العلاقة كانت مبنية على هذا الواقع في كل جوانبه...
كان للسيّد فضل الله تأثير كبير في الرّأي العام، والكثيرون تأثّروا به وأخذوا بآرائه، الأمر الّذي جعل منه قوّة سياسيَّة هائلة.
س: ما هي أبرز المحطات التي لعب سماحة السيد فيها دوراً فاعلاً على مستوى لبنان والمنطقة؟
ج: كان لسماحة السيد وجود وحضور في كل المحطات المهمَّة، إذ لم يترك مناسبةً إلا وأدلى بموقفه منها بتصريح أو ببيان أو بأفكار معينة، فكان في كل هذه المواقف مقدّراً جداً.
س: كيف تصفون علاقتكم بسماحة السيّد؟
ج: لقد كان سماحة السيد رجلاً كبيراً، وقد ملأ صيته الساحة اللبنانية والإسلامية بأكملها، لقد فرض نفسه على الجميع، فكان من الطبيعي وقد شغلت موقع رئاسة الوزراء أكثر من مرة في وجوده، أن تكون لي علاقة مباشرة وحميمة معه...
س: كان العلامة المرجع فضل الله(ره) من أبرز الدعاة للإصلاح والوحدة الإسلامية والتجديد، ما هي مميزات شخصية السيد على المستوى الفكري والسياسي؟
ج: كان حيادياً وموضوعياً عند الإدلاء بمواقفه، وكان صريحاً جداً، فلم يكن يكتم عن المستمع شيئاً مما يفكر فيه، وهذه الصراحة والوضوح في الرؤيا جعلتا منه شخصيةً مميَّزة جداً في الساحة اللبنانية والإسلامية، وأنا أحد الذين يحترمون جداً رأي سماحة السيد ومواقفه، الأمر الذي جعلني أنفتح عليه وأناقشه وأستمع إلى آرائه دائماً، وقد كان رجلاً محترماً ومقدّراً على جميع المستويات...
قوة سياسية مؤثرة:
س: تعرض سماحة السيد إلى عدة عمليات اغتيال، من أبرزها تلك التي عرفت بـ "مجزرة بئر العبد" في الثامن من آذار/مارس 1985، ماذا تتذكرون من تلك المرحلة من خلال معايشتكم لها، وكيف قرأتم خلفيات تلك الحادثة؟
ج: من الطبيعي أن يكون لرجل بحجم سماحة السيد خصوم كثر، وهذه الخصومات لم تنبع منه، إنما نبعت من الآخرين الَّذين لم يوافقوه الرأي في ما يدلي به وكانوا يخالفونه المواقف التي يتخذها.
أنا أحد الّذين يحترمون جدّاً رأي سماحة السيّد ومواقفه، الأمر الّذي جعلني أنفتح عليه وأناقشه وأستمع إلى آرائه
لذلك، كان من الطَّبيعي أن يتعرض رجل بوزنه لمحاولة اغتيال، وخصوصاً أنَّ له تأثيراً كبيراً جداً على الرأي العام في لبنان، وقد عرف بالصدقية وهناك أناس كثيرون يصغون إليه ويأخذون بآرائه ومواقفه ويتأثرون به مباشرةً، الأمر جعل منه قوة سياسيَّة هائلة.
س: هل كان هذا الاستهداف نتيجة خطّه الجهادي المقاوم ضد العدوان الإسرائيلي؟
ج: هذا أبرز ما يميّزه فعلاً، كان مقاوماً في الدّرجة الأولى، وكان يتصدّى للعدوان الإسرائيلي بمواقف واضحة وصريحة يطمئنّ إليها الناس ويثقون بها، ولذلك كان يسيرون في طريق ما يدعو إليه...
مواقف وطنية ثابتة:
ـ بعد غياب سماحة السيد، وفي ظلِّ الأحداث المتسارعة الَّتي نشهدها، والتحدّيات الكبرى التي تعيشها المنطقة، في رأيكم، كم ستفتقد الأمَّة هذه الشخصيَّة الإنسانيَّة الوحدويَّة؟
ـ نحن نفتقده منذ أن غاب عنا، وغيابه هذا كان مؤذياً جداً للموقف الوطني، فقد كان رجلاً عظيماً وصاحب مواقف واضحة جداً وحاسمة، ناهيك بالصدقيَّة الكاملة التي يتمتع بها، وأنا كنت من الَّذين يتابعون دائماً ما يقوله ويدلي به.
التزم المرجع فضل الله بقضيَّة فلسطين، وكان مع الشَّعب الفلسطيني قلباً وقالباً، ولذلك بادله هذا الشّعب المحبّة والاحترام.
س: كيف تمايزت حركة السيد ومواقفه على المستوى السياسي، سواء بالنّسبة إلى لبنان أو العالم العربي، وخصوصاً في قضيَّة فلسطين؟
ـ كان ملتزماً بقضيَّة فلسطين بالكامل، فوقف مع الشَّعب الفلسطيني قلباً وقالباً من خلال كل مواقفه، وبالتالي، فإنَّ الشَّعب الفلسطيني يكنّ له مودّة واحتراماً خاصاً.
إنَّ قضيَّة فلسطين هي أساساً قضيّة شعب مشرّد من أرضه ويسعى إلى العودة إليها، وسماحة السيّد كان أوّل وأكثر من يدرك ذلك، وكان يقف الموقف عينه الّذي يقفه الشعب الفلسطيني من قضيته.
س: ماذا عن احتلال العراق ومناطق إسلاميَّة أخرى من قِبل الاحتلال الأمريكي؟
ـ بالطبع، هذه الأحداث أثارت حفيظة الكثيرين في حينها، وكان سماحته في طليعة من تصدى لها مطلقاً المواقف الوطنية الخالصة.