وهذه قاعدةٌ قرآنيّةٌ في منهج المعرفة الذي يكون أساساً للإيمان والعمل، في المجال السلبي الذي يتحوَّل إلى المجال الإيجابي، وذلك بالابتعاد عن المجال الأوّل... {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، أي لا تتّبع في قولك أو عقيدتك أو عملك ما لم ترتكز فيه على أساس من علمٍ يتمثل بالحجّة التي تكشف الحقيقة، وتجلو الغموض، وتثبت الفكر، وتؤدّي إلى الإيمان المستقرّ الثّابت في عمق الفكر والشعور...
وعلى ضوء ذلك، أنكر القرآن العلم على الملحدين والمشركين والمنكرين للنبوّة والرافضين للمعاد، لأنهم لم يرتكزوا في أفكارهم ورفضهم على أساس من الحجّة التي تثبت أمام النقد، وتكشف الحقيقة، وتواجه الفكرة المؤمنة بالفكر العلمي المنفتح، بل اعتمدوا في ذلك على بعض الوسائل التي لا تمثّل شيئاً في حساب القيمة العلميّة، كالاستناد إلى عقائد الآباء الذين لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون... ولعلّ المقصود بالآية، هو توجيه الإنسان إلى الأخذ بأسباب العلم، من خلال النّهي عن اتِّباع ما ليس له به علم، فإنّ نفي الأخذ بالسلب يؤكّد ضرورة الأخذ بالإيجاب.
وهذا ما نريد أن نثيره في ساحة الصّراع الفكري، كمسلمين، في ما نريد أن نلتزمه، أو نناقشه، أو نرفضه، وهو البحث في الوسائل الّتي تكون أساساً للمعرفة، لتكون هي الأساس للأدوات التي نستخدمها في الحوار، لأنّ الابتعاد عن تحديد ذلك يجعل الحوار عقيماً، عندما يلتزم كلّ فريقٍ وسيلةً يرفضها الفريق الآخر، فلا يلتقيان على قاعدة، بينما يعطي التّوافق على الوسيلة الثابتة علمياً قوّةً للحوار، وذلك لما يعطيه من إمكانات الوصول إلى نتيجةٍ إيجابيّةٍ محدّدةٍ.
وهذا ما ينبغي أن يلتزمه المسلمون في فكرهم العقيدي والعملي على مستوى المفاهيم العامة والتشريعات العملية والأسس الأخلاقية، بحيث يؤكّدون الأساس العلمي الذي يمثل جانب الحجّة المقنعة أو الدامغة، تماماً كما لو كانت المسألة مسألة فتوى شرعيّة بالوجوب أو بالتحريم، لأننا لا نجد فرقاً بين الحديث عن الحكم الشّرعيّ والحديث عن المفهوم الإسلاميّ العقيدي والأخلاقي في اعتباره حكماً إسلاميّاً على مستوى الفتوى، غير أنّ تلك فتوى في التشريع، وهذه فتوى في العقيدة والأخلاق، فهما سواء في مسؤوليّة انتساب الرأي إلى الله ورسوله، مما لا يجوز إلا بحجّة قويّة واضحة، وربما كان التّسامح في تفاصيل العقيدة أو في مفردات الأخلاق أكثر خطورةً وتأثيراً في الإسلام من التسامح في حكمٍ شرعيٍّ جزئيٍّ على مستوى بعض المجالات العبادية الخاصة.
ولعل المسألة لا تقف عند هذا الحدّ المتصل بالجانب الفكري في العقيدة والأخلاق والتشريع، بل تتعدّاه إلى تحديد الواقع الموضوعي لدى الأشخاص والأشياء والمواقف السياسية والاجتماعية على مستوى التقييم والانتماء والحركة...
وخلاصة الفكرة، أن الإسلام يريد للحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية أن تتحرك على أساس العلم، الذي يستمدّ وسائله من حركة الحواس وحركة العقل في مجال المعرفة، في واقع الفرد والمجتمع، وفي واقع الحياة العامّة والخاصّة.
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وذلك باعتبار أنّ هذه هي وسائل المعرفة الحسية والعقليّة التي تعتبر الحجّة على الحقيقة، فيُسأل السمع عما سمع، وكيف سمع، وما النّتائج الصحيحة لذلك؟ ويُسأل البصر عمّا رأى، وكيف رأى، وما النّتائج؟ ويُسأل الفؤاد ـ وهو العقل ـ عمّا وعاه من حقائق الحياة التي ترصدها الحواسّ الخمس وتكتشفها الملاحظة، وكيف كانت تفاصيل وعيه، وكيف استطاع أن يحتوي ذلك كلّه ليحوِّله إلى معادلةٍ عقليّة ثابتةٍ كأساسٍ للمعرفة والإيمان.
إن الله سيسأل هذه الوسائل الداخلية والخارجية عن طبيعة النتائج التي اختزنها الإنسان في وعيه، مما يتصل بدورها في عالم المعرفة لديه؛ فهل هو صادقٌ في ما يملكه من مصادر المعرفة، أو غير صادقٍ في ذلك؟ وستجيب بالحقيقة الموضوعيّة في حياته، وتتحدّد ـ من خلال ذلك كلّه ـ طبيعة التقييم لقناعته، ونوعية المسؤوليّة التي يواجهها على هذا الأساس، ولن يستطيع أن ينكر شيئاً من ذلك، لأنّ الشّهادة لا تأتيه من الخارج، بل من الدّاخل الذي يصرخ بالحقيقة من أقرب طريق.
*تفسير من و حي القرآن، ج 14.
وهذه قاعدةٌ قرآنيّةٌ في منهج المعرفة الذي يكون أساساً للإيمان والعمل، في المجال السلبي الذي يتحوَّل إلى المجال الإيجابي، وذلك بالابتعاد عن المجال الأوّل... {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، أي لا تتّبع في قولك أو عقيدتك أو عملك ما لم ترتكز فيه على أساس من علمٍ يتمثل بالحجّة التي تكشف الحقيقة، وتجلو الغموض، وتثبت الفكر، وتؤدّي إلى الإيمان المستقرّ الثّابت في عمق الفكر والشعور...
وعلى ضوء ذلك، أنكر القرآن العلم على الملحدين والمشركين والمنكرين للنبوّة والرافضين للمعاد، لأنهم لم يرتكزوا في أفكارهم ورفضهم على أساس من الحجّة التي تثبت أمام النقد، وتكشف الحقيقة، وتواجه الفكرة المؤمنة بالفكر العلمي المنفتح، بل اعتمدوا في ذلك على بعض الوسائل التي لا تمثّل شيئاً في حساب القيمة العلميّة، كالاستناد إلى عقائد الآباء الذين لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون... ولعلّ المقصود بالآية، هو توجيه الإنسان إلى الأخذ بأسباب العلم، من خلال النّهي عن اتِّباع ما ليس له به علم، فإنّ نفي الأخذ بالسلب يؤكّد ضرورة الأخذ بالإيجاب.
وهذا ما نريد أن نثيره في ساحة الصّراع الفكري، كمسلمين، في ما نريد أن نلتزمه، أو نناقشه، أو نرفضه، وهو البحث في الوسائل الّتي تكون أساساً للمعرفة، لتكون هي الأساس للأدوات التي نستخدمها في الحوار، لأنّ الابتعاد عن تحديد ذلك يجعل الحوار عقيماً، عندما يلتزم كلّ فريقٍ وسيلةً يرفضها الفريق الآخر، فلا يلتقيان على قاعدة، بينما يعطي التّوافق على الوسيلة الثابتة علمياً قوّةً للحوار، وذلك لما يعطيه من إمكانات الوصول إلى نتيجةٍ إيجابيّةٍ محدّدةٍ.
وهذا ما ينبغي أن يلتزمه المسلمون في فكرهم العقيدي والعملي على مستوى المفاهيم العامة والتشريعات العملية والأسس الأخلاقية، بحيث يؤكّدون الأساس العلمي الذي يمثل جانب الحجّة المقنعة أو الدامغة، تماماً كما لو كانت المسألة مسألة فتوى شرعيّة بالوجوب أو بالتحريم، لأننا لا نجد فرقاً بين الحديث عن الحكم الشّرعيّ والحديث عن المفهوم الإسلاميّ العقيدي والأخلاقي في اعتباره حكماً إسلاميّاً على مستوى الفتوى، غير أنّ تلك فتوى في التشريع، وهذه فتوى في العقيدة والأخلاق، فهما سواء في مسؤوليّة انتساب الرأي إلى الله ورسوله، مما لا يجوز إلا بحجّة قويّة واضحة، وربما كان التّسامح في تفاصيل العقيدة أو في مفردات الأخلاق أكثر خطورةً وتأثيراً في الإسلام من التسامح في حكمٍ شرعيٍّ جزئيٍّ على مستوى بعض المجالات العبادية الخاصة.
ولعل المسألة لا تقف عند هذا الحدّ المتصل بالجانب الفكري في العقيدة والأخلاق والتشريع، بل تتعدّاه إلى تحديد الواقع الموضوعي لدى الأشخاص والأشياء والمواقف السياسية والاجتماعية على مستوى التقييم والانتماء والحركة...
وخلاصة الفكرة، أن الإسلام يريد للحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية أن تتحرك على أساس العلم، الذي يستمدّ وسائله من حركة الحواس وحركة العقل في مجال المعرفة، في واقع الفرد والمجتمع، وفي واقع الحياة العامّة والخاصّة.
{إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}، وذلك باعتبار أنّ هذه هي وسائل المعرفة الحسية والعقليّة التي تعتبر الحجّة على الحقيقة، فيُسأل السمع عما سمع، وكيف سمع، وما النّتائج الصحيحة لذلك؟ ويُسأل البصر عمّا رأى، وكيف رأى، وما النّتائج؟ ويُسأل الفؤاد ـ وهو العقل ـ عمّا وعاه من حقائق الحياة التي ترصدها الحواسّ الخمس وتكتشفها الملاحظة، وكيف كانت تفاصيل وعيه، وكيف استطاع أن يحتوي ذلك كلّه ليحوِّله إلى معادلةٍ عقليّة ثابتةٍ كأساسٍ للمعرفة والإيمان.
إن الله سيسأل هذه الوسائل الداخلية والخارجية عن طبيعة النتائج التي اختزنها الإنسان في وعيه، مما يتصل بدورها في عالم المعرفة لديه؛ فهل هو صادقٌ في ما يملكه من مصادر المعرفة، أو غير صادقٍ في ذلك؟ وستجيب بالحقيقة الموضوعيّة في حياته، وتتحدّد ـ من خلال ذلك كلّه ـ طبيعة التقييم لقناعته، ونوعية المسؤوليّة التي يواجهها على هذا الأساس، ولن يستطيع أن ينكر شيئاً من ذلك، لأنّ الشّهادة لا تأتيه من الخارج، بل من الدّاخل الذي يصرخ بالحقيقة من أقرب طريق.
*تفسير من و حي القرآن، ج 14.