من المبادئ (الّتي ترتبط بقضايا النّاس)، موضوع التّناجي الذي يمثّل الحديث بين
شخصين أو أكثر، والذي يأخذ طابع السريّة والتخفّي حذراً من اطّلاع أحد آخر عليه.
وقد جاءت هذه الآية لتتحدّث عن الموضوع في مستوى القاعدة، فأطلقت الحكم ـ في
البداية ـ على سبيل العموم: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ}، لأنّ
السرّيّة في الحديث في المجتمع الذي يرتكز على أسس العصبيّة، أو يخضع لبعض أعراف
الجاهليّة ورواسبها، قد تلتقي غالباً بالأفكار الشرّيرة التي يخشى أصحابها من
اطّلاع النَّاس عليها، فيحاولون أن يستفيدوا من أجواء السرّية التي تشعرهم بالأمن
والطّمأنينة في الحديث عن كلِّ ما يريدون من أوضاع التّآمر على الإسلام والمسلمين.
أمّا الذين يفكّرون في الخير، فإنهم لا يخافون من تحمُّل مسؤوليّته، ولا يحاذرون من
الإعلان عنه أمام النّاس، لأنه يلتقي بالجانب المشرق من حياة الأمّة، وبالأجواء
الطاهرة من قضاياها وأمانيها.
فليست هناك أيّة مشكلة طبيعيّة من هذه الناحية، إلا في بعض الحالات التي يحتاج فيها
الإنسان إلى الإسرار، حذراً من أعداء الأمّة الذين يريدون تعطيل فرص الصلاح
والإصلاح للنّاس.
وهذا هو ما استثناه القرآن في قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ...}. ففي موضوع الصّدقة التي تمثّل جانب
العطاء المادّي للفئات الكريمة المحرومة التي قد تجد حرجاً كبيراً في الإعلان عن
حاجتها، من خلال إظهار التصدّق عليها أمام النّاس، أو التّداول في الدعوة إلى
إعانتها بين الأغنياء، قد تمسّ الحاجة إلى الإسرار بها والتناجي في شأنها حفظاً
لكرامة الفقراء.
أما المعروف، فهو العنوان الكبير لكلّ أعمال الخير التي يحبها الله للناس، في ما
أمر به ورغّب فيه ودعا إليه، مما يفيد الفرد والمجتمع، في ما يدخل في الممارسات
الشخصيّة في شؤون الفرد الخاصّة، وفي ما يندرج في الأعمال الاجتماعيّة التي تتحرّك
في نطاق العلاقات الإنسانيّة، أو الأعمال السياسيّة التي تبني للنّاس حكم العدل،
وتهدّم حكم الظلم، وتطوّر حياتهم نحو الأفضل... فقد يكون التناجي بالقضايا المتصلة
به والإسرار بخصوصيّاته وتفاصيله، مما تدعو إليه الحاجة، حفاظاً على سلامة العمل
ونجاح الخطّة، وذلك إذا كان التنفيذ خاضعاً لخطّة معيّنة، فإنّ أعداء المعروف ـ ولا
سيّما ما يتصل بالجانب السياسي منه ـ قد يعطّلون الخطة التنفيذية إذا اطّلعوا على
أسرارها وأوضاعها.
أمّا الإصلاح بين الناس، فهو المبدأ الذي جعله الإسلام في مقدّمة النشاطات المهمّة
التي أرادها الله من المسلمين، حتى جاء الحديث الشّريف عن النبيّ محمّد (ص): «صلاح
ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام...»، فقد تمسّ الحاجة إلى التحرّك نحوه في
نطاق المفاوضات السريّة المعقّدة، والمشاورات الخاصّة الخفيّة، من أجل أن تتجمَّع
كلّ خيوط الخطة في يد القائمين بالإصلاح، حذراً من أن يمسكها أو يمسك بعضها الأشخاص
الّذين يكرهون ذلك، بسبب عقدةٍ ذاتيّةٍ أو بسبب أطماعٍ خاصّةٍ أو عامّة...
ثم تنطلق الآية في لفتةٍ روحيّةٍ تدفع الإنسان إلى أن يمارس هذه الأمور الثّلاثة،
طلباً لما عند الله، ورغبة في الحصول على رضاه، لئلا يكون جهده ضائعاً إذا سار فيها
تبعاً لنوازعه الذاتيّة، فإنَّ الله يعطي العاملين من أجله أجراً عظيماً...{وَمَن
يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَـتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}،
أمّا الذين لا يعملون له، فليس لهم على الله شيء.
*من تفسير "من وحي القرآن"، ج 7.
من المبادئ (الّتي ترتبط بقضايا النّاس)، موضوع التّناجي الذي يمثّل الحديث بين
شخصين أو أكثر، والذي يأخذ طابع السريّة والتخفّي حذراً من اطّلاع أحد آخر عليه.
وقد جاءت هذه الآية لتتحدّث عن الموضوع في مستوى القاعدة، فأطلقت الحكم ـ في
البداية ـ على سبيل العموم: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ}، لأنّ
السرّيّة في الحديث في المجتمع الذي يرتكز على أسس العصبيّة، أو يخضع لبعض أعراف
الجاهليّة ورواسبها، قد تلتقي غالباً بالأفكار الشرّيرة التي يخشى أصحابها من
اطّلاع النَّاس عليها، فيحاولون أن يستفيدوا من أجواء السرّية التي تشعرهم بالأمن
والطّمأنينة في الحديث عن كلِّ ما يريدون من أوضاع التّآمر على الإسلام والمسلمين.
أمّا الذين يفكّرون في الخير، فإنهم لا يخافون من تحمُّل مسؤوليّته، ولا يحاذرون من
الإعلان عنه أمام النّاس، لأنه يلتقي بالجانب المشرق من حياة الأمّة، وبالأجواء
الطاهرة من قضاياها وأمانيها.
فليست هناك أيّة مشكلة طبيعيّة من هذه الناحية، إلا في بعض الحالات التي يحتاج فيها
الإنسان إلى الإسرار، حذراً من أعداء الأمّة الذين يريدون تعطيل فرص الصلاح
والإصلاح للنّاس.
وهذا هو ما استثناه القرآن في قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ...}. ففي موضوع الصّدقة التي تمثّل جانب
العطاء المادّي للفئات الكريمة المحرومة التي قد تجد حرجاً كبيراً في الإعلان عن
حاجتها، من خلال إظهار التصدّق عليها أمام النّاس، أو التّداول في الدعوة إلى
إعانتها بين الأغنياء، قد تمسّ الحاجة إلى الإسرار بها والتناجي في شأنها حفظاً
لكرامة الفقراء.
أما المعروف، فهو العنوان الكبير لكلّ أعمال الخير التي يحبها الله للناس، في ما
أمر به ورغّب فيه ودعا إليه، مما يفيد الفرد والمجتمع، في ما يدخل في الممارسات
الشخصيّة في شؤون الفرد الخاصّة، وفي ما يندرج في الأعمال الاجتماعيّة التي تتحرّك
في نطاق العلاقات الإنسانيّة، أو الأعمال السياسيّة التي تبني للنّاس حكم العدل،
وتهدّم حكم الظلم، وتطوّر حياتهم نحو الأفضل... فقد يكون التناجي بالقضايا المتصلة
به والإسرار بخصوصيّاته وتفاصيله، مما تدعو إليه الحاجة، حفاظاً على سلامة العمل
ونجاح الخطّة، وذلك إذا كان التنفيذ خاضعاً لخطّة معيّنة، فإنّ أعداء المعروف ـ ولا
سيّما ما يتصل بالجانب السياسي منه ـ قد يعطّلون الخطة التنفيذية إذا اطّلعوا على
أسرارها وأوضاعها.
أمّا الإصلاح بين الناس، فهو المبدأ الذي جعله الإسلام في مقدّمة النشاطات المهمّة
التي أرادها الله من المسلمين، حتى جاء الحديث الشّريف عن النبيّ محمّد (ص): «صلاح
ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام...»، فقد تمسّ الحاجة إلى التحرّك نحوه في
نطاق المفاوضات السريّة المعقّدة، والمشاورات الخاصّة الخفيّة، من أجل أن تتجمَّع
كلّ خيوط الخطة في يد القائمين بالإصلاح، حذراً من أن يمسكها أو يمسك بعضها الأشخاص
الّذين يكرهون ذلك، بسبب عقدةٍ ذاتيّةٍ أو بسبب أطماعٍ خاصّةٍ أو عامّة...
ثم تنطلق الآية في لفتةٍ روحيّةٍ تدفع الإنسان إلى أن يمارس هذه الأمور الثّلاثة،
طلباً لما عند الله، ورغبة في الحصول على رضاه، لئلا يكون جهده ضائعاً إذا سار فيها
تبعاً لنوازعه الذاتيّة، فإنَّ الله يعطي العاملين من أجله أجراً عظيماً...{وَمَن
يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَآءَ مَرْضَـتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}،
أمّا الذين لا يعملون له، فليس لهم على الله شيء.
*من تفسير "من وحي القرآن"، ج 7.