بسم الله الرحمن الرحيم
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم}.
كثيراً ما يتردّد على لساننا القول بأنّ الحسين بن علي(ع) قد أحيا بتضحياته رسالة الإسلام من جديد، وسقى شجرته بدمائه الزكية الطاهرة، ونقرأ في زيارته كذلك: "أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمَرْتَ بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده".
عاشوراء نفخت روحاً إسلامية جديدة
ولا بد لنا أن نتساءل هنا عن العلاقة الموجودة بين شهادة الحسين بن علي(ع) وبين استنهاض قوة الإسلام، وإحياء أصول الدين وفروعه؟ ذلك أنّ مجرد سيل الدم لوحده لا يمكن أن يكون منشأ لمثل هذه الأمور، فما هي العلاقة حقاً بين نهضة الحسين، وقيامه وشهادته، وهذه الآثار التي نتحدث عنها وندّعي حصولها، وهو ما يبرهنه التاريخ لنا بالفعل؟ وانطلاقا ًمما تقدم نحاول أن ندرس هذه الحركة.
فلو كانت شهادة الحسين بن علي(ع) مجرد حادثة حزن أو محض مصيبة، أو ليست أكثر من عملية إهراق لدم بريء من الأبرياء، وبتعبير آخر ليست سوى عملية هدرٍ لدم شخصية من الشخصيات الاجتماعية وإن كانت بارزة جداً، فإنه لا يمكن لها أن تُعطي تلك الآثار.
إن شهادة الحسين بن علي(ع) لم يكن بمقدورها توليد كل تلك الآثار لولا كونها، وكما عبّرنا عنها قد شكّلت تعبيراً للنهضة أو ملحمة إسلامية وإلهية كبرى. إنها لم تكن أبداً عبارة عن قصة وواقعة كارثيّة ولا محض عملية جريمة أو ظلم ارتكبه عدد من الظلمة والجناة، بل إنها بطولة عظيمة، وعظيمة جداً، رسم معالمها ذلك الطرف الذي ارتكبت بحقه الجرائم.
إن شهادة الحسين بن علي نفخت روحاً جديدة في الإسلام، ولذلك نقول إن الأثر الناتج عن أية خطبة أو واقعة أو شخصية حماسية نراه في الواقع في موج الحركة الذي ينبعث في الروح وفي الحمية والغيرة التي تتولد معها والشجاعة والصلابة المترتبة على ذلك. إنها تعبير عن حركة الدماء وغليانها في الأبدان وخروج الأجسام من حالة الكسل والخمول إلى عالم النشاط والفعالية وخفة الحركة. فهناك عمليات سيل للدماء كثيرة تحدث هنا وهناك، لكنها لم تكن تحمل معها إلا بُعد النزيف الدموي، لذلك فإن أثرها يقتصر على إيجاد الرعب والهول في نفوس الناس وإضفاء مزيد من الوحشية عليهم وخنق للأنفاس في الصدور وسلب للقوة الشعبية.
في حين أن هناك عمليات استشهاد في الدنيا تخلق معها وتولد رونقاً من الضياء والصفاء للمجتمع، وكما نرى بوضوح على المستوى الفردي كيف أن بعض الأعمال تُكدِّر قلب الإنسان في الوقت الذي تُضيء بعض الأعمال الأخرى قلبه وتصقل روحه، وتدخل إليها الصفاء. وهذا ما ينطبق تماماً على المجتمع، فبعض الظواهر الاجتماعية تُسبب الكدورة للروح الاجتماعية، كما توجد الرعب والخوف في الناس، وتخلق حالة من الإحساس بالأسر والعبودية، لكن بعضها الآخر يمنح الصفاء والنورانية والإشراق للمجتمع، كما تُزيل الخوف من صفوفه وتطرد كل إحساس بالأسر والعبودية لديه ثم تشحن النفوس بالجرأة والشهامة.
وهذا ما حصل بالضبط بعد استشهاد الإمام الحسين(ع)، حيث انبعث الإسلام برونق جديد، وهذا الأثر النوراني إنما برز في المجتمع من خلال حركة المقاومة والصمود الحسينية التي أحيَت روح المسلمين وأزالت عنهم حسّ العبودية والأسر التي كانت سائدة منذ أواخر عصر عثمان وفي أثناء دورة حكم معاوية وكسرت حاجز الخوف المتزايد لديهم.. بعبارة أخرى أعادت صياغة الشخصية للمجتمع الإسلامي.
الشخصية المستقلة مصدر لقوة المجتمعات
لقد وضع الحسين يده على الجُرح ـ كما يقول المثل ـ أي إنه بعمله هذا حرّك حس الشخصية في المجتمع، وهذه المسألة مهمة للغاية، إذ ليس هناك رأسمال أثمن وأغلى من هذا الرأسمال لأي مجتمعٍ كان، أن يحسّ المجتمع بوجود شخصية خاصة به وأن يتولّد عنده إحساس بالعزة والكرامة وامتلاك لقيم مثالية تخصّه دون غيره من المجتمعات الأخرى، بحيث إنه يصبح مكتفياً ذاتياً، وعندما يصل مجتمع ما في سُلّم التطور إلى مثل هذه الحالة، أي أن تصبح لديه فلسفة مستقلة في الحياة، يستطيع المباهاة بها، والفخر بحياته المستقبلية القائمة على تلك الفلسفة، عندها يمكن القول بأنّ هذا المجتمع استطاع الحفاظ على حماسه وملحميته، ذلك لأنه استطاع أن يحافظ على فلسفته المستقلة الخاصة النابعة من كيانه ووجوده، وأن يؤمن بها ويعتقد بأنها هي الأفضل والأرقى والأحسن، وأن من حقه التباهي بها بين الأمم.
تعساً للمجتمع الذي يفقد مثل هذا الإحساس، لأنه سيصبح لا شك مجتمعاً مريضاً، وبالطبع فإن هذا الإحساس المقصود هنا غير ذلك الحس المنحرف الذي يتمثل بالغرور والأنانية وحب الذات وشهوة التسلط والطغيان.
إن المجتمعات التي تفقد مثل هذه الأخلاق القائمة على حسّ امتلاك الفلسفة المستقلة الخاصة بها، وضرورة الاعتماد عليها، أو ترفض الإيمان بوجود فلسفة مستقلة خاصة بها، فإنها سرعان ما تفقد كل شيء، في حين يبقى باستطاعة المجتمعات التي تُحافظ على مثل هذه العقيدة، حتى وإن سلبوا منها كل شيء، أن تصمد وتقف على قدميها، وبعبارة أخرى يمكن القول بأنّ القوة الوحيدة التي تمنع ذوبان أي أمة في أمة أخرى أو أي فرد في فرد آخر هي القوة النابعة من هذا الخُلُق العظيم، خُلُق امتلاك الشخصية المستقلة.
من المعروف أن الألمان قد اعترفوا بخسارة كل شيء في الحرب الكونية الثانية ما عدا شيء واحد هو شخصيتهم المستقلة، ولما كنّا، كما يقول الألمان، لم نفقد هذه الشخصية فإننا استطعنا الحصول على كل شيء مرة أخرى، وقد صدقوا بالفعل. ولكن لو حدث أن أمةً ما ظلت تملك كل شيء وخسرت شخصيتها، فإنها سوف لن تستطيع الحفاظ على أي شيء مما تملك، وسيكون مصيرها الذوبان في الأمم الأخرى شاءت ذلك أم أبت.
تعساً لحالة الاستلاب هذه، وهي الحالة التي تسود مجتمعنا اليوم بكل أسف.
لقد قرأت لإقبال اللاهوري ـ الشاعر والفيلسوف الباكستاني العظيم ـ قوله إنّ موسوليني قال: "على الإنسان امتلاك الحديد حتى يمتلك الرغيف"، أي أنك لو أردت امتلاك الرغيف لا بد لك من امتلاك القوة، لكن إقبال يقول مقابل ذلك: إن هذا الكلام ليس صحيحاً، فأنت لو أردت امتلاك الرغيف عليك أن تكون كالحديد، فهو لا يريد لنا أن نمتلك الحديد، بل أن نكون كالحديد، أي أن نملك شخصية صلبة كالحديد، إنه يقول بضرورة امتلاك الشخصية، وعندها لا حاجة للتوسل بالزور والقوة، ولا حاجة للاستعانة بالسلاح، وبذلك تسقط فلسفة موسوليني التي تريد للإنسان أن يتوسل بالسلاح من أجل امتلاك الرغيف، وفي مقابل ذلك تسود الفلسفة القائلة بأنك تحصل على ما شئت عندما تكون كالحديد، كالفولاذ، وتمتلك الشخصية الصلبة، وحس العزة والفخار، إن الأمة التي تفقد الإيمان بفلسفتها الخاصة المستقلة للحياة وتصبح مرعوبة من قبل أمة أخرى، تصبح تابعة لتلك الأمة في كل تفكيرها وتتصور أنّ الآخرين هم الذين يفكرون بدلاً عنها، وأنها في الأساس غير قادرة على الحكم والبتّ في قضايا الحياة بدون الآخرين.
وعند ذلك يصبح كل أمر عندها مقبولاً ما دام قد أصبح "موضة العصر" أو ظاهرة القرن المعاصرة أو أنها الفكرة المقبولة في المجتمع الأمريكي أو المجتمع الأوروبي وفي مثل هذه الحالة فإن المنطق لم يعُد له دور في حياة هذه الأمة.
مخاطر استلاب الشخصية
قبل حوالي السنتين قرأت لأحد المجددين الإيرانيين كتاباً يذكر فيه أنه عندما كان يعيش في (لندن) حصلت حادثة لطيفة وملفتة للنظر، مفادها أن بنت سفير بريطانيا السابق في موسكو، وهو لا شكّ من الشخصيات الكبيرة والمرموقة في المجتمع البريطاني، عشقت رجلاً أسود ثم تزوجته، الأمر الذي أثار ضجةً كبرى في لندن، فكيف يمكن تصور زواج بنت بيضاء من رجل أسود، وهي بنت أحد الشخصيات البريطانية المرموقة، حتى تحول الأمر إلى حديث دائم للصحف اليومية، ولكن إحدى الصحف كتبت تقول: "ولماذا كل هذا العجب وهذه الضجة؟! فالعالم يتجه نحو المساواة والمجتمعات اليوم تؤمن بفكرة المساواة والإخاء بين الألوان، وترفض التمييز العنصري بالإضافة إلى أن ديناً كبيراً من أديان العالم كالإسلام كان قد رفض التمييز بين البشر على أساس الألوان قبل أربعة عشر قرناً مضت!".
ويضيف الكاتب الإيراني أنه صادف في تلك الأيام أن حضر أحد المجالس التي كان يشترك فيها عدد من الإنكليز إلى جانب عدد من الشباب الإيراني المقيم في لندن، ولمّا تطرّق الحاضرون إلى هذه القصة وكيف أنّ إحدى الصحف البريطانية كتبت عن الإسلام ورأيه في المساواة بين الأسود والأبيض قبل أربعة عشر قرناً، قام أحد الإنكليز من الحاضرين في المجلس وقال، نعم فدين وسخ كالإسلام لا بدّ له أن يحمي الوسخين (المقصود السود).
ويضيف الكاتب الإيراني هنا، أن اثنين من الشباب الإيراني الحاضر شعرا بخيبة أمل كبيرة وصارا يندبان حظهما ويتساءلان عن سبب انتمائهما إلى مثل هذا الدين الذي يُسبب لهما إحساساً بالانكسار والذل! ثم صارا ينقلان هذه الصورة البائسة! من مجلس إلى مجلس ويصرّحان بأن الدين الإسلامي دين الأوساخ، لأنه يحمي الأوساخ ويتساءلان كيف أن الإسلام لم يستطع إدراك الفرق الموجود بين الرجل الأبيض والرجل الأسود!
إن هذا ما يسمى استلاب الشخصية، فهؤلاء لم يكن لهم أن يفكروا كذلك، بل يذوبوا في المحيط الذي يدور حولهم، فلو كان عندهم ذرة من الاستقلال الفكري لكانوا ردّوا صاحب هذا الرأي رداً محكماً، وأثبتوا له تفاهة حديثه، وتخلُّف عقليته، لأنه ما معنى أن يكون للّون والبشرة أي دور في التمايز في فضائل البشر! وأن يصبح مثل هذين الشابين مخذولين ومكسورين! إنه مرض استلاب الشخصية فقط، لأن هذه الحالة هي التي تخلق فكرة القول بأن ما يقوله الإفرنج لا بد وأن يكون صحيحاً!
نحن الشعب الإيراني عندنا صفة حسنة كما عندنا صفة سيئة، الصفة الحسنة التي لدينا هي عدم وجود حسّ التعصّب لدينا تجاه الحقائق وربما نستطيع القول إنه لا تعصب لدينا أبداً، أي إننا إذا ما واجهنا الحقائق وأدركنا صحتها بعقولنا فإننا نُسلِّم بها ونأخذ بها أكثر وأسرع من أية أمة أخرى. لكننا بالمقابل نملك صفة سيئة تعتبر نقيصة كبرى فينا وهي: إنه في الوقت الذي نقبل بالحقائق ونُسلم بها إلا أننا لا نرتبط كثيراً بملاحم أمتنا وأركان شخصيتنا ونتخلى عنها ونُضيّعها عند أول مجادلةٍ أو مماحكة ركيكة، فليست هناك أمة تملك حس اللامبالاة تجاه شعائرها مثلنا.
انظروا إلى الهنود واليابانيين والعرب، إنهم من الأمم الشرقية مثلنا أيضاً، لكنهم ليسوا مثلنا من هذه الزاوية، ليست هناك أمة تستسلم مقابل العادات واللغات الأجنبية بقدر أمتنا نحن، انظروا إلى صور كتب العلوم سترون أن علماء الدرجة الأولى من الهند وقد تزيّوا بأزيائهم الوطنية الخاصة بهم.
انظروا إلى نهرو ذلك الرجل السياسي الكبير، والشخصية العالمية البارزة، تروه كان يتجول في كل أنحاء العالم بلباسه الهندي، ولا يمكن لطول اللباس أو قصره أو لون البشرة أن تؤثّر في شخصية الإنسان، لكن ذلك العالم الذي يضع عمامته على رأسه، أو عندما يلبس نهرو لباسه الأبيض الطويل، وبذلته الخاصة بتقاليد شعبه، ويتجول بها في كل مكان إنما يريد القول لكل العالم بأنه هندي، ويجب أن يبقى كذلك، وإنه لا تعصب لديه أمام العلوم والصناعة من أي بلد جاءت، وإنه لا تعصب لديه أمام العقائد الفلسفية والدينية الكبرى، وإنه لا بد لكل واحد منا من التمسك بشعائره وتقاليده الوطنية المحلية.
فلماذا يجب علينا أن نحمل ونلوّح بشعارات وشعائر أمة أخرى؟ ويصبح الواحد منا يربط حزامين بدل حزام واحد، لأن الغربي قرر استخدام الحزام في لباسه مثلاً على الرغم من أن الغربي يستخدم ذلك ضمن سياق التزامه بتقاليده الخاصة به.
كل يوم يخرجون علينا بمشروع جديد وحكاية جديدة وبين فترة وأخرى تراهم يعودون ويطرحون من جديد مسألة تغيير الخط وأنه لا بد من تبديل أحرفنا الوطنية إلى أحرف لاتينية دون أن يفكروا ما سيحل بثقافتنا ومدنيتنا وشخصيتنا ومعارفنا ومشاعرنا الوطنية والشعبية من ويلات بسبب هذا التحول والتغيير.
إن لدى شعبنا آثاراً نفيسة لا نظير لها في الدنيا، وهل يملك العالم كله أثراً أدبياً نفيساً مثل مثنويات المولوي؟ أو يملك العالم كتاباً مثل كتاب سعدي؟ إنها كتب قيلت وكتبت في قالب هذه الخطوط والأحرف الوطنية. فلو حصل أن غيّرنا هذا الخط الذي تتقارب (صاده) مع (سينه) و(ثائه) أو تتقارب أصوات نطق حروف (الزاي) مع (الضاد) و(الظاء) فيه ونسخناه من الاستعمال وغيّرنا هذا القالب اللغوي فهل يمكن لنا بعد مائة عام قراءة كتاب المثنوي؟! لا أعرف كيف نسمح لأنفسنا بمثل هذا التفكير؟!
ماذا أعطى نبي الإسلام للعرب؟ وماذا يملك إنسان فقير ويتيم كمحمد(ص)، وقف كافة أفراد قبيلته ضده ؟ لكنه مع ذلك نقلهم (العرب) من عالم الحضيض إلى أوج العزة والكرامة الإنسانية، فكيف حصل ذلك؟
لقد منحهم الإيمان الذي أوجد في داخلهم الكيانية والشخصية، وفجأة تحوّل ذلك العربي الآكل للجراد، والشارب لحليب الجمال، والغارق في حروب القبائل الجاهلية، والعاجز عن تأمين الحياة والعزة لبناته، والتي كان يدفنها خشية إملاق وهي حيةً، تحوّل بفضل هذا الإحساس الجديد بالكيانية والشخصية إلى إنسان يفكر في ضرورة خلاص العالم، من حسّ العبودية والأسر والانقياد لغير وجه الله إلى حس الحرية والانقياد لله وحده. ثم لا يهمه بعد ذلك أيضاً من الاعتراف بماضيه التعيس بل ويفتخر في القول بأن ماضيه لم يكن سوى ماضٍ سيّىء وحقير، وأنه لم يكن يمتلك يوماً مفاخر وطنية تُذكر، في حين أنه أصبح، بعد الدعوة الإسلامية، صاحب فكر سام يتباهى به على غيره من الأمم، وهذا يُقال له حس الكيانية والشخصية.
أروني كلمة تُشعل الحماس في روح الإنسان وتصنع شخصية لبني البشر أكثر من كلمة "لا إله إلا الله"؟ إنه لا مطاع ولا معبود سوى الله، فأين الأجرام الفلكية والحيوانات والصخور والأشجار من ركوع البشر وسجودهم! إنني لا أركع لأي شيء مهما كان وأياً كان، إنني لا أركع سوى لله الواحد القهار، ولا أقف إلا إلى جانب العدالة والحق والإحسان والفضيلة، ولهذا الإنسان يقال بأنه صاحب شخصية وكيان.
دروس في تأسيس روح الاستغناء
لقد دأب الأمويون بشكل حثيث على إماتة الشخصية الإسلامية في صفوف المسلمين، والكوفة كانت آنذاك مركزاً لجيش الإسلام ولو لم يذهب الإمام الحسين إليها لتوجّه إليه اللوم من مؤرخي العالم كافة، ولقالوا له كيف تترك الكوفة ولا تُلبي دعوتها، وهي التي بايعت ممثلك من خلال التفاف ثمانية عشر ألفاً من أهلها واثني عشر ألفاً من الرسائل والكتب التي وصلت إليك؟ وهل كان هناك مكان للنهضة أفضل وأرقى من العراق؟
والكوفة أساساً أمر ببنائها عمر بن الخطاب بعد الحروب التي خاضها المسلمون في صدر الإسلام، وقد أشرف على بنائها جيش الإسلام نفسه، ثم إنه لم يكن هناك شعب أشجع وأقوى وأشدّ صلابةً على القتال من أهل الكوفة وأهل العراق.
ولكن هؤلاء أنفسهم، وهم الذين خرج من بينهم ثمانية عشر ألفاً من المناصرين للحسين ومن بينهم كانت الكتب الإثنا عشر ألفاً، تراهم يفرون من المعركة بعد قدوم ابن زياد إليها. فلماذا يحصل مثل ذلك؟ لأن زياد بن أبيه كان قد حكم الكوفة لسنوات طويلة لم يترك خلالها جريمةً إلا ارتكبها من قلع العيون، إلى قطع الأيدي والأرجل، إلى بقر البطون، إلى التعذيب والقتل والسجون، حتى فقدت الكوفة شخصيتها تماماً.
ولذلك تراهم ما أن سمعوا بقدوم ابن زياد حتى صارت المرأة تسحب يد زوجها، والأم تسحب يد إبنها، والأخت يد أخيها، والأب يد إبنه، ويخرجوهم بالقوة من بيعة مسلم.
ولا ريب في أنّ أهل الكوفة كانوا من شيعة علي بن أبي طالب(ع) وأن الذين قتلوا الإمام الحسين(ع) هم شيعته، ولهذا كتب المؤرخون عن أهل الكوفة يقولون: "قلوبهم معه وسيوفهم عليه". ذلك أنّ الأمويين كانوا قد سحقوا الشخصية الإسلامية في نفوس أهل الكوفة، ولم يعد فيها من يملك تلك الأحاسيس الإسلامية الوهاجة.
لكن الكوفة هذه، هي نفسها قامت وانتفضت بعد مرور ثلاث سنوات على استشهاد الحسين، وخرج منها خمسة آلاف نفر من التوابين، ذهبوا لزيارة قبر الحسين(ع) وأقاموا مجلس العزاء هناك، وبكوا عليه ثم عقدوا العهد مع الله، بعد طلب التوبة والغفران لتقصيرهم، بأنهم لن يستقروا ما لم ينتقموا لدم الحسين بن علي(ع) أو الموت دون ذلك، وقد فعلوا ذلك بالفعل وقتلوا قتلة الحسين والذين شاركوا في قتله في واقعة كربلاء.
وهذه النهضة كانت في الواقع قد بدأت معالمها تظهر منذ عصر يوم العاشر من محرّم نفسه أو يوم الثاني عشر من محرم بالتحديد، فمن كان وراء مثل هذه النهضة؟ إنه الحسين بن علي(ع).
إن منح الشخصية لأية أمة يتمثل في منحها العشق والمحبة والمثُل العليا، وإذا ما كان عندها مثل هذه المثل والقيم الأخلاقية العالية، لكنها مغطاة بالغبار، فإن العملية ستكون بإزالة الغبار عنها وإحيائها من جديد.
فعندما كان الحسين بن علي(ع) يتعرض لموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أقواله وخطبه كان يقول: "وعلى إذ الإسلام السلام قد بُليت الأمة بداعٍ مثل يزيد". أو: "إني لم أخرج أشِراً ولا بطِراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي".
لقد خرج فيهم الحسين بن علي(ع) بعد عشرين عاماً أو ثلاثين على تكدّس الغبار فوق شخصيتهم ومثُلهم ليطلب الإصلاح في أمة الإسلام ويمنحها العشق والمثل العليا من جديد، وهذا هو الركن الأول في إحياء الحماس والإحساس بالكيانية المستقلة لأية أمة، فالأمة التي تملك شخصيتها هي تلك الأمة التي تملك حسّ الاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة للخارج.
هذه دروس قيّمة يجب استخلاصها من قيام الحسين بن علي(ع) ونهضته. لقد أعطى الحسين الأمة درساً في حسّ الاكتفاء وعدم الحاجة للغير، إذ في اليوم الذي قرّر فيه الخروج من مكة لم يضع أي شرط لنهضته، بل قال: "خُطّ الموت على وُلد آدم"إلى أن قال: "فمن كان فينا باذلاً مهجته موطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فإنني راحلٌ مصبحاً إن شاء الله تعالى".
ليس هناك قولٌ فوق هذا القول يُعطي معنى الاستغناء والاكتفاء الذاتي في الدنيا كلها!
ثم انظروا إلى حديثه لأصحابه ليلة العاشر من محرم، وذلك بعد أن جمع أصحابه وأهل بيته وشكر الله وأثنى عليهم جميعاً وقال لهم: "...أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً، ألا وإني لأظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإني قد أذنتُ لكم جميعاً، فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام.." القول المعروف.
إن الحسين(ع) في خطبته هذه لم يقل لهم بأنني غريب، فلا تتركوني لوحدي، أنا المسكين المستكين، بل إنه أراد لهم بخطبته هذه أن يفهموا معنى الاستغناء والاكتفاء الذاتي للإنسان المسلم، لكنه بالطبع لم يرفع عنهم الواجب والتكليف الإلهي، ولذلك فإنه لو رأى، بعد إتمام الحجة عليهم عدم وجود رغبة منهم للبقاء معه، لكان قد أبعدهم عن ساحة المعركة فوراً، ذلك أنه لا يريد لهم الاكتواء بنار العذاب الرباني، ولأنه لو طلب منهم المدد والعون بعد ذلك ولم يتحركوا لإعانته لابتلاهم الله بعذاب نار جهنم.
إن درس الاستغناء والاكتفاء الذاتي هذا ليس درساً بسيطاً، فهذا الدرس هو الذي أوجد روح الاستغناء والاكتفاء الذاتي لاحقاً، والذي تبلور في الثورات والنهضات الحسينية المتتالية.
إن الحسين بن علي(ع) أعطى بنهضته درساً في الغيرة والحمية للناس. لقد أعطاهم درساً في الصبر والتحمل، درساً في احتمال المصاعب وركوب الشدائد، ولقد كانت هذه دروساً بالغة الأهمية بالنسبة للمسلمين، فإذا عندما يقال ماذا عمل الحسين(ع) وكيف استطاع إجراء إحياء الإسلام بدمه؟ يكون جواب ذلك أن الحسين بن علي(ع) قد نفخ روحاً جديدة في النفوس وحرّك دماء المسلمين وجعلها تغلي في العروق وأثار الغيرة ومنح العشق والقيم المثالية للناس، لقد أوجد فيهم حسّ الاستغناء والاكتفاء الذاتي، لقد أعطاهم درساً بليغاً في المقاومة والصمود وتحمّل الشدائد والصبر على الصعاب، وأسقط عنهم حاجز الخوف والرعب وخلق منهم بطولات وشجاعة بعد أن كانوا غارقين في جبنهم حتى النخاع.
بين قراءة التعزية وإشعال روح الماس الحسيني
هناك قصة معروفة في التاريخ الإيراني يقال: إن نادر شاه [أحد ملوك السلسلة الإيرانية القاجارية] لاحظ في إحدى المعارك جندياً من جنوده وقد أبدى شجاعة فائقة، فتعجب كثيراً واستدعاه يوماً، وقال له: أين كنت وأين كانت شجاعتك وبطولتك يوم أغار الأفغان على أصفهان وسلبوها ونهبوها؟ فقال له الجندي: كنتُ في أصفهان. قال: كنتَ في أصفهان ودخلها الأفغان وقتلوا من قتلوا وارتكبوا كل تلك الجرائم؟ قال بلى! فقال له: وأين كانت شجاعتك آنذاك؟ قال: لم يكن نادر في الوجود آنذاك. فما أملكه اليوم من الشجاعة هو ما اكتسبته من روحية نادر شاه، فإني عندما أراك تتحرك الغيرة فيّ فأصبح شجاعاً وباسلاً.
لذلك فإنني عندما أؤكد على أن المطلوب دراسة الملحمة الحسينية، وواقعة كربلاء، ونهضة عاشوراء، من هذه الزاوية الحماسية أكثر من أية زاوية أخرى، فإن مقصودي في ذلك هو الاستفادة من هذه الدروس العظيمة التي يمكن لها أن تعطينا إياها. إنني لستُ مخالفاً للرثاء وقراءة التعزية، لكنني أقول: إن علينا أن نُرثي الحسين ونقرأ التعازي بشكل نستطيع معه أيضاً تحريك حسّ البطولة والشجاعة الحسينية، وإحياء روح الحماس الحسيني في صفوف الأمة.
إن الحسين بن علي(ع) امتياز اجتماعي كبير، وشعار دائم كان يرفعه كل من أراد القيام ضد الظلم إذ كان شعاره:"يا لثارات الحسين"، واليوم كذلك هو شعارنا وموضوعنا الكبير، من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة لإقامة الصلاة، وإحياء الإسلام، وتجديد حياة العواطف والأحاسيس الإسلامية والمثل العليا في وجودنا، وهنا لا بد لي من الاقتراب إلى نهاية الموضوع، رغم أن الحديث ذو شجون، لكنني أعود مرة أخرى إلى الآية الكريمة التي قرأتها عليكم أول الحديث. بسم الله الرحمن الرحيم: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
ثروة الأمم بامتلاك الشخصية المستقلة
نعم، فحياة كل أمةٍ ليس بثرواتها الكثيرة، ولا حتى بعلومها، فالعلم وحده ليس كافياً لإحياء الأمم، بل إن حياة الأمة تتمثل في إحساس تلك الأمة بشخصيتها وكيانيتها، فما أكثر الأمم المتعلّمة التي لا تملك شخصيتها، وما أكثر الأمم الجاهلة، ولكنها متمسكة بشخصيتها. فإذا كان الجزائريون قد استطاعوا تركيع الاستعمار الفرنسي، بعد مضي مائة وخمسين عاماً من النضال، وتمكنوا من نيل استقلالهم أيضاً، فإن ذلك يعود لكونهم يمتلكون حس الحماس، وحس امتلاك الأخلاق، والمثُل العالية.
وإذا كانت هناك أمة أخرى تناضل وتكافح ضد أقوى أمم العالم وأغناها، فهل سألنا أنفسنا بماذا تقاتل تلك الأمة؟ أتقاتل بأعدادها أو بثرواتها؟ أبداً فتلك الأمة إنما تقاتل بشخصيتها، وأخلاقها، وهي تقول للمعتدي: إنني لا أقبل بسيادتك أبداً، وأنا إما أن أعيش واقفةً على قدميّ ودون أن يحكمني أحد، أو أن يتسلط عليّ أحد، أو أن أفنى من الوجود.
إن الذي أخذ هذا الدرس وتعلّمه من الملحمة الحسينية أكثر من غيره، وانعكست ظلال المدرسة الحسينية على روحه المقدسة أكثر من أي إنسان آخر هي أخته الجليلة زينب عليها السلام، إنه موضوع عجيب بالفعل، فزينب ورغم كل تلك العظمة التي كانت تملكها والمتأتية من تربية أبيها علي(ع) وأمها فاطمة الزهراء(ع) وزينب هذه بعد كربلاء هي غيرها زينب ما قبل كربلاء، أي إن زينب ما بعد كربلاء قد تزايدت عظمتها وتضاعف حجم شخصيتها عما كانت عليه قبل كربلاء.
فنحن نرى زينب في ليلة العاشر من محرم تقترب مرة أو مرتين من حالة الانهيار العاطفي وتبكي إلى الحد الذي تقع فيه على جسم أخيها الحسين(ع)، ولا يهدِّىء من روعها إلاّ تدخّل الحسين(ع) بمخاطبته لها وقوله: "لا يذهبنّ حِلمَك الشيطان"، ويطلب منها التحمل والصبر، ثم يسألها(ع): ولماذا تصنعين بحالك هكذا، ألم تشهدي وفاة جدي رسول الله(ص)؟ فوالله إن جدي خير مني، وأبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني. فتردّ عليه زينب: بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله، فإن أولئك عندما رحلوا كنت أنت ملجأي وملاذي، لكنه مع ذهابك اليوم سوف لن يبقى بعدك أي ملجأ أو ملاذ. فهذه زينب نفسها بعد انقضاء أيام عاشوراء وبعد أن شاهدت بنفسها وعايشت روح الحسين(ع) القوية والمقتدرة وسمعت خُطبه وتعليماته، صارت زينب (ع) أخرى، ليس لأحد دونها أدنى شخصية تُذكر. يقول الإمام زين العابدين(ع) بأننا كنا اثني عشر نفراً رُبطنا جميعاً بسلسلة واحدة ينتهي أحد طرفيها بساعدي والطرف الآخر بساعد عمتي زينب.
زينب ترسم ملامح الملحمة
يقولون إن تاريخ ورود الأسرى إلى الشام صادف في اليوم الثاني من صفر، وعليه فإنه يكون قد انقضى اثنان وعشرون يوماً من الأسر على زينب(ع)، اثنان وعشرون يوماً من المعاناة والعذاب المستمر وهي في هذه الحالة يُدخلونها إلى مجلس يزيد بن معاوية وهو في قصره الأخضر، أي القصر الذي بناه معاوية عندما كان والياً على الشام، ذلك البناء الفخم الذي يقال إن كل من كان يراه ويرى خدمه وحشمه وكل تلك الفخامة والعظمة المحيطة به كان يفقد قدرته على التوازن.
وكما ينقل بعض الرواة، فإن على القادم إلى مجلس يزيد أن يمرّ عبر سبع قاعات حتى يصل إلى القاعة الضخمة الأخيرة، حيث يجلس يزيد على تخته المزيّن والمرصّع بالجواهر وهو مُحاطٌ بالأعيان والأشراف والسفراء المعظّمين للدول الأجنبية الذين يجلسون على مقاعدهم الذهبية أو الفضية. نعم فقد أدخلوا الأسرى في مثل هذه الظروف، ومعهم زينب الأسيرة، التي شاهدت كل تلك الفظائع في عاشوراء، وعانت كل تلك المعاناة طوال مدة الأسر المذكورة، وإذا بزينب وهي في تلك الحال تموج روحها بشكل يُثير موجةً رهيبة في جمع الحاضرين، يصبح معها يزيد الذي كان يتبجّح بفصاحته وبلاغته أخرساً وعاجزاً عن مواجهة زينب(ع).
ففي الوقت الذي يبدأ فيه يزيد بترديد أبيات الشعر الشهيرة لابن الزبعري ويفخر لنفسه بالإنجازات التي حقّقها سلطانه، تردّ عليه زينب(ع) منادية: "أظننت يا يزيد حيث أخَذْتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نُساقُ كما تُساق الأسارى، أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة؟ وأنّ ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك"، نعم فهي تريد أن تقول له والله إنك أمامي صغير جداً وحقير ودنيء ولا أرى فيك ذرةً من الشخصية والكيانية الإنسانية، فانظروا إلى هذه المجموعة من الأسرى من آل بيت الرسول(ص)، فهم عملياً قد فقدوا كل شيء يملكونه، ما عدا الإيمان والشخصية الروحية والمعنوية. ألا تتوقعون إذاً لشخصية مثل شخصية زينب(ع) أن ترسم ملامح ملحمة حسينية جديدة وتُحدِث انقلاباً وثورة حقيقية في الشام؟ وهذا هو ما حصل بالفعل.
لقد أُجبر يزيد من الآن أن يُغيّر أسلوبه في معاملة الأسرى، فأمر بإرسالهم إلى المدينة بشكل محترم، كما اضطر كذلك للإعلان عن تبرّئه من قتلة الحسين(ع) وألقى باللائمة على ابن زياد، وقال ألا لعنة الله على ابن زياد، فإني لم آمره بهذا، وإنه هو ابن زياد قد فعلها من عنده!! فمن كان وراء تلعثم يزيد وارتباكه؟ إنها العقيلة زينب(ع).
وهي التي أنهت خطبتها في ذلك المجلس قائلةً: "يا يزيد كِد كيدَك واسعَ سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا"، فها هي زينب تُنادي مَنْ يخافه الناس، ويرتعبون منه، ويُنادونه بأمير المؤمنين بكلّ احتقار ـ يا يزيد ـ اعمل ما شئت، ولكنك كن على ثقةٍ بأنّ ذكرنا غير قابل للفناء، بل إنما أنت الفاني والمنهزم على الدوام.
لقد كانت خطبة العقيلة زينب(ع) كافيةً لأن تُخرس يزيد وتُسكته تماماً، فاشتعل غضباً، وزاد غيظ ذلك الشقي اللعين، وسيطر على وجوده كله، ولكنه لما كان عاجزاً عن ردّ الحجة بالحجّة، ومواجهة التحدي بمثله، اضطر ليُظهِر حقده ودناءته بطريقة، أراد من ورائها، إحراق قلب زينب، وإسكاتها، وقلب الموقف ضدها، من خلال عمل يفتقد إلى الرجولة والإباء، عندما أشار بعصاه الخيزران إلى شفاه وأسنان أبي عبد الله الشريفة الطاهرة.
المصدر : الملحمة الحسينية
المؤلف : الشيخ مرتضى مطهري
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .