مختارات
26/12/2014

هل شارك عليّ(ع) مع أبي بكر في حرب الردَّة؟

هل شارك عليّ(ع) مع أبي بكر في حرب الردَّة؟

تساءل بعض الأخوة عما أقدم عليه أحد المشايخ المعروف بالتهجّم على العلماء، عبر فضائيَّة تابعة له، إذ شنّ هجوماً عنيفاً على الشَّهيد السيّد محمّد باقر الصّدر، اتهمّه فيه بالجهل، على خلفية أنّ السيّد الشهيد قال في بعض كلماته: "إنّ عليّاً(ع) شارك في حرب الردّة تحت راية أبي بكر". ونفى الشَّيخ المذكور أن يكون عليّ(ع) قد شارك في تلك الحروب، بل ظلّ في بيته مدة خمسة وعشرين عاماً، مؤكّداً أنّ دعوى مشاركته في هذه الحرب، بلا مستند تاريخيّ، إلا ما ينقل من رواية سيف بن عمرو التميميّ... فسألنا الأخوة: ما رأيكم في ذلك؟ وهل لكلام السيّد الشّهيد مستند تاريخيّ؟

ونجيب عن ذلك بالآتي:

أوّلاً: إنّنا نستطيع الجزم بأنّ علياً(ع) لم يكن ليقف حيادياً في منعطف تاريخيّ خطير يهدّد الدَّعوة الإسلامية بالسّقوط، كما هو الحال في حجم حروب الردّة، الَّتي كانت ترمي إلى استئصال الإسلام. ولا يشكّ باحث أو عالم في حدوث الردّة، ولا في خطورتها، وإن كانت قد حدثت أخطاء في مواجهة المرتدّين، حيث نسب الارتداد إلى بعض الجماعات أو الأشخاص (كمالك بن نويرة)، دون وجه حقّ، وتمّت مقاتلتهم على هذا الأساس. وعليه، فإن كان لعليّ(ع) موقف معارض لحرب الردّة، لعرف واشتهر، ولكن لم يزعم أحد بأنّ له موقفاً معارضاً، ولذا، فإننا لا نتصوَّر عليّاً(ع) جالساً في بيته، احتجاجاً على الَّذين سلبوه حقّه، فيما يتعرّض الإسلام للخطر! فهل كانت الخلافة عند عليّ(ع) مطلوبة لذاتها؟! وما قيمة الخلافة عنده عندما يتعرَّض أساس الدّين للخطر؟

إنّ الخلافة (الإمرة)، لا تساوي عند عليّ(ع) شسع نعله، إلا أن تمكّنه من أن يقيم حقاً أو يزهق باطلاً... ولهذا، فإننا ـ ومن منطلق معرفتنا بعليّ(ع) وغيرته على الإسلام ـ لا نتصوّره إلّا على رأس تلك الحرب، حتى لو لم نجد نصّاً تاريخيّاً يؤكّد ذلك أو يشهد به. وكيف لا يكون عليّ(ع) مشاركاً في تلك الحرب، وهي حرب تستهدف إسقاط الإسلام، والعودة إلى الشّرك والوثنيّة؟! أيكون الآخرون أحرص على الإسلام من عليّ(ع)، وهو القائل: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلّا عليَّ خاصَّة"؟!

وهذا الكلام في نفي مشاركة الإمام عليّ(ع) في حروب الردّة، حذرَ أن يتَّخذها البعض ذريعة للحديث عن انخراط عليّ(ع) في جيش بقيادة أبي بكر، يذكّرنا بمن ينفي بنوّة كلّ من زينب ورقيَّة وأم كلثوم لرسول الله(ص)، ويدعي أنَّهن ربائبه، وذلك نفياً لما يرى فيه البعض منقبة لعثمان في مصاهرة النبي(ص)، مع أنّ هذا يشكّل طعناً في النبيّ(ص) نفسه، لأنَّه ـ طبقاً لهذا المنهج في التّفكير ـ يزوج ربائبه من أشخاص لا يرتضيهنّ أزواجاً لبناته !

ثانياً: دعنا من المصادر التاريخيَّة، ورواية سيف بن عمر التميمي المتّهم بالكذب، والَّتي تقول إنّ أبا بكر اتخذ في مواجهة المرتدّين تدبيرات معيّنة، وكان منها أنّه جعل عليّاً، وطلحة، والزبير، وعبد الله بن مسعود، على أنقاب (مداخل) المدينة[1]. دعنا من ذلك، ولنستمع إلى عليّ(ع) نفسه، وهو يحدّثنا عن دوره في تلك الأحداث، وهنا، سنكتشف أنَّ دوره لم يكن الجلوس في بيته، ولا لعب دور المستشار، كما يرى البعض[2]، بل كان دوره هو الأساس في قمع تلك الفتنة وإخمادها.

يقول(ع) بحسب ما جاء في رواية الشّريف الرضيّ في نهج البلاغة: "فما راعني (فاجأني) إلا انثيال (إقبال) الناس على فلان (أبي بكر) يبايعونه، فأمسكت يدي (كففت عن البيعة، وجلست في بيتي)، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السّراب، أو كما يتقشّع السّحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنَّ الدّين وتنهنه"[3].

إنّ هذه الكلمة لأمير المؤمنين(ع) تبرهن وتؤكّد جملةً من الحقائق:

الحقيقة الأولى: إنّ حركة الردّة لم تكن أمراً بسيطاً أو هامشياً، بل كانت حركة كبيرة، وفي غاية الخطورة، وإذا لم يتم التّصدّي لها بحزم، فإنها قد تقضي على الإسلام. والهدف الأساس للمرتدّين هو هدم الإسلام، وكان الناس قد بدأوا فعلاً بالخروج عن الدّين والرجوع عنه.

الحقيقة الثانية: إنّ علياً بمجرد ما استشعر الخطر، قطع اعتكافه، وهبّ مستجيباً لنداء الله تعالى، ونداء رسوله، بضرورة حفظ الإسلام وحماية التّجربة الإسلاميّة الَّتي أرساها رسول الله(ص)، وأعطانا درساً في فقه الأولويات، وأنّ علينا أن نقدّم المصلحة الإسلاميّة العليا على ما سواها. فمع أهميّة موقع الخلافة، لكنَّه ليس أهمّ من الإسلام ذاته.

الحقيقة الثالثة: إنّ دور عليّ في تلك الحرب، كان محورياً وحاسماً، كما يدلّ على ذلك قوله: "فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه"، وتذكّرنا هذه الكلمة في دلالتها على دوره(ع) المحوري في إجهاض الباطل وحماية الدين، بمواقفه البطولية في المعارك التي خاضها بين يدي رسول الله(ص)، كمعركة بدر وأحد والأحزاب.

وفي ضوء ما تقدّم، يتَّضح لكم مبلغ علم هذا الشَّخص المتطاول على الشَّهيد الصَّدر، والذي أقلّ ما يمكن أن يقال بشأنه، إنّ أمره مريب، والحقيقة أنّ كلامه إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على جهله بقدر عليّ(ع) وبكلماته، قبل أن يكون جاهلاً بقدر أحد أبطال خطّ علي(ع)، وعنيت به قمّة العلم والإيمان والولاء لمحمّد وآله، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، السيّد محمّد باقر الصّدر.


[1] تاريخ الطبري، ج 2، ص 476.

[2] ويظهر ذلك من بعض الأخبار، فقد روى المحبّ الطبري في الرياض النضرة، في مناقب العشرة، ج 1، ص 127، عن يحيى بن عمرو عن أبيه عن جده، قال: لما امتنع من امتنع من دفع الزكاة إلى أبي بكر، جمع أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاورهم في أمرهم، فاختلفوا عليه، فقال لعلي: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أقول لك: إن تركت شيئاً مما أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فأنت على خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما لئن قلت ذاك، لأقاتلنَّهم، وإن منعوني عقالاً.

[3] نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 3، ص 120.

*إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.


تساءل بعض الأخوة عما أقدم عليه أحد المشايخ المعروف بالتهجّم على العلماء، عبر فضائيَّة تابعة له، إذ شنّ هجوماً عنيفاً على الشَّهيد السيّد محمّد باقر الصّدر، اتهمّه فيه بالجهل، على خلفية أنّ السيّد الشهيد قال في بعض كلماته: "إنّ عليّاً(ع) شارك في حرب الردّة تحت راية أبي بكر". ونفى الشَّيخ المذكور أن يكون عليّ(ع) قد شارك في تلك الحروب، بل ظلّ في بيته مدة خمسة وعشرين عاماً، مؤكّداً أنّ دعوى مشاركته في هذه الحرب، بلا مستند تاريخيّ، إلا ما ينقل من رواية سيف بن عمرو التميميّ... فسألنا الأخوة: ما رأيكم في ذلك؟ وهل لكلام السيّد الشّهيد مستند تاريخيّ؟

ونجيب عن ذلك بالآتي:

أوّلاً: إنّنا نستطيع الجزم بأنّ علياً(ع) لم يكن ليقف حيادياً في منعطف تاريخيّ خطير يهدّد الدَّعوة الإسلامية بالسّقوط، كما هو الحال في حجم حروب الردّة، الَّتي كانت ترمي إلى استئصال الإسلام. ولا يشكّ باحث أو عالم في حدوث الردّة، ولا في خطورتها، وإن كانت قد حدثت أخطاء في مواجهة المرتدّين، حيث نسب الارتداد إلى بعض الجماعات أو الأشخاص (كمالك بن نويرة)، دون وجه حقّ، وتمّت مقاتلتهم على هذا الأساس. وعليه، فإن كان لعليّ(ع) موقف معارض لحرب الردّة، لعرف واشتهر، ولكن لم يزعم أحد بأنّ له موقفاً معارضاً، ولذا، فإننا لا نتصوَّر عليّاً(ع) جالساً في بيته، احتجاجاً على الَّذين سلبوه حقّه، فيما يتعرّض الإسلام للخطر! فهل كانت الخلافة عند عليّ(ع) مطلوبة لذاتها؟! وما قيمة الخلافة عنده عندما يتعرَّض أساس الدّين للخطر؟

إنّ الخلافة (الإمرة)، لا تساوي عند عليّ(ع) شسع نعله، إلا أن تمكّنه من أن يقيم حقاً أو يزهق باطلاً... ولهذا، فإننا ـ ومن منطلق معرفتنا بعليّ(ع) وغيرته على الإسلام ـ لا نتصوّره إلّا على رأس تلك الحرب، حتى لو لم نجد نصّاً تاريخيّاً يؤكّد ذلك أو يشهد به. وكيف لا يكون عليّ(ع) مشاركاً في تلك الحرب، وهي حرب تستهدف إسقاط الإسلام، والعودة إلى الشّرك والوثنيّة؟! أيكون الآخرون أحرص على الإسلام من عليّ(ع)، وهو القائل: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلّا عليَّ خاصَّة"؟!

وهذا الكلام في نفي مشاركة الإمام عليّ(ع) في حروب الردّة، حذرَ أن يتَّخذها البعض ذريعة للحديث عن انخراط عليّ(ع) في جيش بقيادة أبي بكر، يذكّرنا بمن ينفي بنوّة كلّ من زينب ورقيَّة وأم كلثوم لرسول الله(ص)، ويدعي أنَّهن ربائبه، وذلك نفياً لما يرى فيه البعض منقبة لعثمان في مصاهرة النبي(ص)، مع أنّ هذا يشكّل طعناً في النبيّ(ص) نفسه، لأنَّه ـ طبقاً لهذا المنهج في التّفكير ـ يزوج ربائبه من أشخاص لا يرتضيهنّ أزواجاً لبناته !

ثانياً: دعنا من المصادر التاريخيَّة، ورواية سيف بن عمر التميمي المتّهم بالكذب، والَّتي تقول إنّ أبا بكر اتخذ في مواجهة المرتدّين تدبيرات معيّنة، وكان منها أنّه جعل عليّاً، وطلحة، والزبير، وعبد الله بن مسعود، على أنقاب (مداخل) المدينة[1]. دعنا من ذلك، ولنستمع إلى عليّ(ع) نفسه، وهو يحدّثنا عن دوره في تلك الأحداث، وهنا، سنكتشف أنَّ دوره لم يكن الجلوس في بيته، ولا لعب دور المستشار، كما يرى البعض[2]، بل كان دوره هو الأساس في قمع تلك الفتنة وإخمادها.

يقول(ع) بحسب ما جاء في رواية الشّريف الرضيّ في نهج البلاغة: "فما راعني (فاجأني) إلا انثيال (إقبال) الناس على فلان (أبي بكر) يبايعونه، فأمسكت يدي (كففت عن البيعة، وجلست في بيتي)، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السّراب، أو كما يتقشّع السّحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأنَّ الدّين وتنهنه"[3].

إنّ هذه الكلمة لأمير المؤمنين(ع) تبرهن وتؤكّد جملةً من الحقائق:

الحقيقة الأولى: إنّ حركة الردّة لم تكن أمراً بسيطاً أو هامشياً، بل كانت حركة كبيرة، وفي غاية الخطورة، وإذا لم يتم التّصدّي لها بحزم، فإنها قد تقضي على الإسلام. والهدف الأساس للمرتدّين هو هدم الإسلام، وكان الناس قد بدأوا فعلاً بالخروج عن الدّين والرجوع عنه.

الحقيقة الثانية: إنّ علياً بمجرد ما استشعر الخطر، قطع اعتكافه، وهبّ مستجيباً لنداء الله تعالى، ونداء رسوله، بضرورة حفظ الإسلام وحماية التّجربة الإسلاميّة الَّتي أرساها رسول الله(ص)، وأعطانا درساً في فقه الأولويات، وأنّ علينا أن نقدّم المصلحة الإسلاميّة العليا على ما سواها. فمع أهميّة موقع الخلافة، لكنَّه ليس أهمّ من الإسلام ذاته.

الحقيقة الثالثة: إنّ دور عليّ في تلك الحرب، كان محورياً وحاسماً، كما يدلّ على ذلك قوله: "فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه"، وتذكّرنا هذه الكلمة في دلالتها على دوره(ع) المحوري في إجهاض الباطل وحماية الدين، بمواقفه البطولية في المعارك التي خاضها بين يدي رسول الله(ص)، كمعركة بدر وأحد والأحزاب.

وفي ضوء ما تقدّم، يتَّضح لكم مبلغ علم هذا الشَّخص المتطاول على الشَّهيد الصَّدر، والذي أقلّ ما يمكن أن يقال بشأنه، إنّ أمره مريب، والحقيقة أنّ كلامه إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على جهله بقدر عليّ(ع) وبكلماته، قبل أن يكون جاهلاً بقدر أحد أبطال خطّ علي(ع)، وعنيت به قمّة العلم والإيمان والولاء لمحمّد وآله، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، السيّد محمّد باقر الصّدر.


[1] تاريخ الطبري، ج 2، ص 476.

[2] ويظهر ذلك من بعض الأخبار، فقد روى المحبّ الطبري في الرياض النضرة، في مناقب العشرة، ج 1، ص 127، عن يحيى بن عمرو عن أبيه عن جده، قال: لما امتنع من امتنع من دفع الزكاة إلى أبي بكر، جمع أبو بكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشاورهم في أمرهم، فاختلفوا عليه، فقال لعلي: ما تقول يا أبا الحسن؟ قال: أقول لك: إن تركت شيئاً مما أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، فأنت على خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أما لئن قلت ذاك، لأقاتلنَّهم، وإن منعوني عقالاً.

[3] نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 3، ص 120.

*إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية