الإسلام لا يريدنا تنابل وكسالى

الإسلام لا يريدنا تنابل وكسالى

في خطبته التي ألقاها بتاريخ 1 صفر 1421 هـ، الموافق: ٥/٥/٢٠٠٠ م، تطرَّق سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) إلى قضيّة العمل ونظرة الإسلام إليه وإلى قيمته وقيمة العاملين في الحياة، وما لذلك من آثار مباشرة في إعمار الأرض وإغنائها، عارضاً لجملة من الأحاديث المباركة التي تؤكّد قدسية العمل والجهاد في سبيل تحصيل رزق العيال بشرف وكرامة، والسعي لحفظ ماء الوجه بطلب الحلال، داعياً إلى أن نكون منتجين، وأن نركّز على العمل كي نبني قوّتنا المستقلّة على الصّعد كافّة. جاء في خطبته:

"نحاول أن نتعرّف إلى نظرة الإسلام إلى مسألة العمل وقيمته في الإسلام، وهي تتجلّى في أن يطلب الإنسان رزقه من خلال جهده، سواء كان عاملاً في مصنع، أو فلاحاً في مزرعة، أو بائعاً في السوق، لأنّ مسألة العمل في الإسلام، هي أن لا يكون الإنسان بطّالاً وكلًّا على الناس، أن لا يكون شخصاً يواجه الحياة من دون أن يركِّز جهده في إغناء الحياة، لأنَّ مسألة العمل لا تتّصل بالإنسان وحده، بل تتّصل بكلّ النّاس، لأنّ العامل أو التاجر أو الفلّاح، كما ينفع نفسه في تحصيل رزقه من خلال العمل ممن يعمل معه أو يعمل له، فإنه يهيّئ للناس ما يحتاجونه.

ومن هنا، ذكر بعض الشعراء أن المسألة بالنّسبة إلى العامل أو صاحب العمل، رئيس المصنع أو العمّال، المدير أو الموظفين، هي أنّ كل إنسان هو خادم للإنسان الآخر، فيقول الشاعر:

الناسُ للناسِ من بدوٍ ومن حَضَرٍ          بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ

لقد ركّز الإسلام مفهوم العمل، وانطلق من الفكرة الّتي تقول: إنَّ الله تعالى خلق هذه الأرض، وأراد لنا أن نعمِّرها ونبنيها ونحقِّق كلَّ الإنتاج من خلالها، ولذلك، فإنَّ الله تعالى يريد لكلّ واحد منّا أن يكون عاملاً، أن يفجّر طاقاته في سبيل الإنتاج، سواء كان لنفسه أو كان للآخرين، فلنقرأ في أحاديث أئمَّة أهل البيت (ع) مما يستوحونه من كتاب الله المجيد، ومن سنَّة نبيّه (ص):

ففي الحديث عن الإمام موسى الكاظم (ع) أنّه قال: "من طلب هذا الرزق - الذي يسترزقه الإنسان - من حلّه - من مصدر حلال - ليعود به على نفسه وعياله - ليسدّ حاجة نفسه وحاجة عياله - كان كالمجاهد في سبيل الله"، بحيث يُعطى في هذا الجهد درجة المجاهد في سبيل الله، لأنّ المجاهد بجهاده إنما يعطي القوَّة للدين أو الناس أو الوطن، وهكذا العامل عندما يشارك في عمليّة الإنتاج ويكفّ ماء وجهه عن النّاس، فإنّه يعطي الناس والوطن قوّة.

وعن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنّه قال: "من طلب الدّنيا استعفافاً عن النّاس - حتى يحفظ ماء وجهه عنهم - وسعياً على أهله - ليتحمّل مسؤوليّته في رعاية أهله - وتعطّفاً على جاره، لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر في ليلة البدر"، لأن هذه طاعة من طاعات الله، والله تعالى يريد لك أن تطلب الدنيا لتحفظ ماء وجهك، ومن أجل أن تقوم بمسؤوليّتك تجاه عيالك، ولتعطف على جارك وعلى كلّ من يحتاج إليك.

ويروي الإمام الباقر (ع) عن رسول الله (ص) أنّه قال: "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال". فأنت عندما تعمل في أيّ موقع من مواقع عملك، طالباً للرزق الحلال لتقوم بمسؤوليّاتك على هذا الأساس، فأنت في أفضل عبادة، يتقبّلها الله تعالى منك كما يتقبَّل منك صلاتك وصومك، وأيّ قيمة للعمل أعظم من هذه القيمة التي ترتفع به إلى مستوى العبادة والجهاد في سبيل الله.؟! وفي الحديث عن النبيّ (ص): "من بات كالاً من طلب الحلال - إذا جئت إلى بيتك وأنت مجهد ومتعَب من خلال يوم العمل الذي أرهق جسدك - بات مغفوراً له". وفي الحديث عن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: "إنَّ الله يحبّ المحترف الأمين، لا يغشّ أحداً ولا يسيء إلى أحد".

يتحدّث الأئمة (ع) عن الإنسان الذي يترك العمل، ويجعل نفسه كلَّا على غيره، كبعض الشّباب الذين يملكون القوّة وإمكانية العمل، ولكنهم لا يعملون، بل يعيشون كلًّا على أهاليهم أو الناس المحسنين، فعن أحد أصحاب الإمام الصّادق (ع) أنّه قال: قلت لأبي عبد الله (ع) عن رجلٍ قال: لأقعدنّ في بيتي، ولأصلّينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربي، فأمّا رزقي فسيأتي، فقال أبو عبد الله الصّادق (ع): "هذا أحد الثّلاثة الذين لا يُستجاب لهم". وروي أنّ الإمام الصّادق (ع) سأل عن رجل كان يتردّد عليه فافتقده، فقيل: أصابته الحاجة، قال (ع): "فما يصنع اليوم؟"، قيل: في البيت يعبد ربّه، قال (ع): "فمن أين قوته؟"، قيل: من عند بعض إخوانه، فقال (ع): "والله، للّذي يقوته أشدّ عبادة منه". ومن الملاحظ أن الإمام (ع) لم يقل "أفضل منه"، بل قال إنّ هذا الإنسان الذي يذهب ويعمل ويعين الفقراء، هو أكثر عبادة من الذي يقضي وقته بالصّلاة والصوم من دون أن يعمل ويشتغل وهو قادر على العمل.

وفي الحديث عن هؤلاء الكسالى و"التّنابل" الّذين يقضون وقتهم بتقطيع الوقت من دون أن يعملوا، يقول الإمام الباقر (ع): "إني لأبغض للرّجل - ولاحظوا كلمة أبغض - أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومن كسَلَ عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل". وعن الإمام الصّادق (ع)، وهو يحدّثنا عن البطّالين الذين ينامون كثيراً، أنّه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ يُبغض كثرة النّوم وكثرة الفراغ". وفي الحديث عن الإمام الكاظم (ع): "إنّ الله تعالى ليُبغض العبد النوّام، إنّ الله ليُبغض العبد الفارغ".

وعلى هذا الأساس، يريد الإسلام منّا أن نكون العمّال، عمّال الله في هذه الدنيا، وقد ورد في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}، فقد حمّلنا الله تعالى مسؤولية الدنيا بكل ما جعله فيها من مسؤوليات، وحمّلنا مسؤولية الآخرة، وجعل الدنيا مزرعة الآخرة. وفي الحديث عن الإمام جعفر الصادق (ع) عن قول الله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}، قال (ع): "رضوان الله والجنّة في الآخرة، والسّعة في الرّزق والمعاش وحُسن الخلق في الدّنيا".

وكما تحدّث الإمام الصادق (ع) عن العمل، فإنه تحدّث عن التجارة، وهي كل بيع وشراء، فقال (ع): "من طلب التجارة استغنى عن النّاس"، فسُئل: وإن كان معيلاً؟ قال (ع): "وإن كان معيلاً، وإن تسعة أعشار الرزق في التجارة". وفي الحديث: "التجارة تزيد في العقل"، لأنّ التجارة تجعلك تتحرّك مع الناس، فتعطي فكرة وتأخذ فكرة، تعطي تجربة وتنفتح على تجربة، وبذلك ينمو العقل، وقد ورد في حديث الإمام عليّ (ع): "في التجارب عقل مستأنَف". وقد جاء في الحديث أيضاً، أنّ الإمام الكاظم (ع) كان يقول لبعض أصحابه: "اغدُ إلى عزّك"، ويقصد إلى السّوق، لأنّ الإنسان عندما يطلب رزقه بجهده، فإنه يحقّق عزّة نفسه أمام الآخرين الذين يمكن أن يسألهم حاجاته. وقد قال بعض أصحاب الإمام الصادق (ع) له: إني هممت أن أدع السوق وفي يدي شيء - فقد صار بيدي مال كثير - فقال له الإمام (ع): "إذاً يسقط رأيك، ولا يُستعان بك على شيء".

في الإسلام، مادمت تملك عقلاً وجسداً منتجين، فإنّ عليك أن تكون المنتج، ولعلّ مشكلتنا في هذا الشّرق، أننا تعوّدنا على أن نكون الأمّة المستهلكة التي تستهلك ما ينتجه الآخرون، لذلك تقدَّم الآخرون في صناعتهم وتأخّرنا وأصبحنا لا ننتج ما نلبسه ولا ما نأكله، حتى إنّه إذا وُجدت المنتوجات الوطنيّة، فإننا لا نشتريها، ونحن نعيش في عالم يمثّل الاقتصاد فيه أساس الاستقلال، لأنّك إذا لم تكن مستقلاً اقتصادياً، فإن استقلالك السياسي يسقط تحت تأثير حاجاتك الاقتصادية، وفي كلمة مأثورة لأمير المؤمنين (ع) تقول: "أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغنِ عمّن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".

نحن أسرى للغرب ولكل الدول الغنية، لأننا نحتاج إليهم، والإنسان تستعبده حاجاته، هل نريد أن نكون أحراراً في مواقفنا وإراداتنا؟ علينا أن لا نكون التنابل والكسالى، بل علينا أن نواجه حاجاتنا بجديّة، ونحقّق القوّة الاقتصاديّة لنحصل على القوّة السياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة.

في خطبته التي ألقاها بتاريخ 1 صفر 1421 هـ، الموافق: ٥/٥/٢٠٠٠ م، تطرَّق سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) إلى قضيّة العمل ونظرة الإسلام إليه وإلى قيمته وقيمة العاملين في الحياة، وما لذلك من آثار مباشرة في إعمار الأرض وإغنائها، عارضاً لجملة من الأحاديث المباركة التي تؤكّد قدسية العمل والجهاد في سبيل تحصيل رزق العيال بشرف وكرامة، والسعي لحفظ ماء الوجه بطلب الحلال، داعياً إلى أن نكون منتجين، وأن نركّز على العمل كي نبني قوّتنا المستقلّة على الصّعد كافّة. جاء في خطبته:

"نحاول أن نتعرّف إلى نظرة الإسلام إلى مسألة العمل وقيمته في الإسلام، وهي تتجلّى في أن يطلب الإنسان رزقه من خلال جهده، سواء كان عاملاً في مصنع، أو فلاحاً في مزرعة، أو بائعاً في السوق، لأنّ مسألة العمل في الإسلام، هي أن لا يكون الإنسان بطّالاً وكلًّا على الناس، أن لا يكون شخصاً يواجه الحياة من دون أن يركِّز جهده في إغناء الحياة، لأنَّ مسألة العمل لا تتّصل بالإنسان وحده، بل تتّصل بكلّ النّاس، لأنّ العامل أو التاجر أو الفلّاح، كما ينفع نفسه في تحصيل رزقه من خلال العمل ممن يعمل معه أو يعمل له، فإنه يهيّئ للناس ما يحتاجونه.

ومن هنا، ذكر بعض الشعراء أن المسألة بالنّسبة إلى العامل أو صاحب العمل، رئيس المصنع أو العمّال، المدير أو الموظفين، هي أنّ كل إنسان هو خادم للإنسان الآخر، فيقول الشاعر:

الناسُ للناسِ من بدوٍ ومن حَضَرٍ          بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ

لقد ركّز الإسلام مفهوم العمل، وانطلق من الفكرة الّتي تقول: إنَّ الله تعالى خلق هذه الأرض، وأراد لنا أن نعمِّرها ونبنيها ونحقِّق كلَّ الإنتاج من خلالها، ولذلك، فإنَّ الله تعالى يريد لكلّ واحد منّا أن يكون عاملاً، أن يفجّر طاقاته في سبيل الإنتاج، سواء كان لنفسه أو كان للآخرين، فلنقرأ في أحاديث أئمَّة أهل البيت (ع) مما يستوحونه من كتاب الله المجيد، ومن سنَّة نبيّه (ص):

ففي الحديث عن الإمام موسى الكاظم (ع) أنّه قال: "من طلب هذا الرزق - الذي يسترزقه الإنسان - من حلّه - من مصدر حلال - ليعود به على نفسه وعياله - ليسدّ حاجة نفسه وحاجة عياله - كان كالمجاهد في سبيل الله"، بحيث يُعطى في هذا الجهد درجة المجاهد في سبيل الله، لأنّ المجاهد بجهاده إنما يعطي القوَّة للدين أو الناس أو الوطن، وهكذا العامل عندما يشارك في عمليّة الإنتاج ويكفّ ماء وجهه عن النّاس، فإنّه يعطي الناس والوطن قوّة.

وعن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) أنّه قال: "من طلب الدّنيا استعفافاً عن النّاس - حتى يحفظ ماء وجهه عنهم - وسعياً على أهله - ليتحمّل مسؤوليّته في رعاية أهله - وتعطّفاً على جاره، لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر في ليلة البدر"، لأن هذه طاعة من طاعات الله، والله تعالى يريد لك أن تطلب الدنيا لتحفظ ماء وجهك، ومن أجل أن تقوم بمسؤوليّتك تجاه عيالك، ولتعطف على جارك وعلى كلّ من يحتاج إليك.

ويروي الإمام الباقر (ع) عن رسول الله (ص) أنّه قال: "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال". فأنت عندما تعمل في أيّ موقع من مواقع عملك، طالباً للرزق الحلال لتقوم بمسؤوليّاتك على هذا الأساس، فأنت في أفضل عبادة، يتقبّلها الله تعالى منك كما يتقبَّل منك صلاتك وصومك، وأيّ قيمة للعمل أعظم من هذه القيمة التي ترتفع به إلى مستوى العبادة والجهاد في سبيل الله.؟! وفي الحديث عن النبيّ (ص): "من بات كالاً من طلب الحلال - إذا جئت إلى بيتك وأنت مجهد ومتعَب من خلال يوم العمل الذي أرهق جسدك - بات مغفوراً له". وفي الحديث عن الإمام عليّ (ع) أنّه قال: "إنَّ الله يحبّ المحترف الأمين، لا يغشّ أحداً ولا يسيء إلى أحد".

يتحدّث الأئمة (ع) عن الإنسان الذي يترك العمل، ويجعل نفسه كلَّا على غيره، كبعض الشّباب الذين يملكون القوّة وإمكانية العمل، ولكنهم لا يعملون، بل يعيشون كلًّا على أهاليهم أو الناس المحسنين، فعن أحد أصحاب الإمام الصّادق (ع) أنّه قال: قلت لأبي عبد الله (ع) عن رجلٍ قال: لأقعدنّ في بيتي، ولأصلّينّ ولأصومنّ ولأعبدنّ ربي، فأمّا رزقي فسيأتي، فقال أبو عبد الله الصّادق (ع): "هذا أحد الثّلاثة الذين لا يُستجاب لهم". وروي أنّ الإمام الصّادق (ع) سأل عن رجل كان يتردّد عليه فافتقده، فقيل: أصابته الحاجة، قال (ع): "فما يصنع اليوم؟"، قيل: في البيت يعبد ربّه، قال (ع): "فمن أين قوته؟"، قيل: من عند بعض إخوانه، فقال (ع): "والله، للّذي يقوته أشدّ عبادة منه". ومن الملاحظ أن الإمام (ع) لم يقل "أفضل منه"، بل قال إنّ هذا الإنسان الذي يذهب ويعمل ويعين الفقراء، هو أكثر عبادة من الذي يقضي وقته بالصّلاة والصوم من دون أن يعمل ويشتغل وهو قادر على العمل.

وفي الحديث عن هؤلاء الكسالى و"التّنابل" الّذين يقضون وقتهم بتقطيع الوقت من دون أن يعملوا، يقول الإمام الباقر (ع): "إني لأبغض للرّجل - ولاحظوا كلمة أبغض - أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومن كسَلَ عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل". وعن الإمام الصّادق (ع)، وهو يحدّثنا عن البطّالين الذين ينامون كثيراً، أنّه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ يُبغض كثرة النّوم وكثرة الفراغ". وفي الحديث عن الإمام الكاظم (ع): "إنّ الله تعالى ليُبغض العبد النوّام، إنّ الله ليُبغض العبد الفارغ".

وعلى هذا الأساس، يريد الإسلام منّا أن نكون العمّال، عمّال الله في هذه الدنيا، وقد ورد في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ}، فقد حمّلنا الله تعالى مسؤولية الدنيا بكل ما جعله فيها من مسؤوليات، وحمّلنا مسؤولية الآخرة، وجعل الدنيا مزرعة الآخرة. وفي الحديث عن الإمام جعفر الصادق (ع) عن قول الله تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}، قال (ع): "رضوان الله والجنّة في الآخرة، والسّعة في الرّزق والمعاش وحُسن الخلق في الدّنيا".

وكما تحدّث الإمام الصادق (ع) عن العمل، فإنه تحدّث عن التجارة، وهي كل بيع وشراء، فقال (ع): "من طلب التجارة استغنى عن النّاس"، فسُئل: وإن كان معيلاً؟ قال (ع): "وإن كان معيلاً، وإن تسعة أعشار الرزق في التجارة". وفي الحديث: "التجارة تزيد في العقل"، لأنّ التجارة تجعلك تتحرّك مع الناس، فتعطي فكرة وتأخذ فكرة، تعطي تجربة وتنفتح على تجربة، وبذلك ينمو العقل، وقد ورد في حديث الإمام عليّ (ع): "في التجارب عقل مستأنَف". وقد جاء في الحديث أيضاً، أنّ الإمام الكاظم (ع) كان يقول لبعض أصحابه: "اغدُ إلى عزّك"، ويقصد إلى السّوق، لأنّ الإنسان عندما يطلب رزقه بجهده، فإنه يحقّق عزّة نفسه أمام الآخرين الذين يمكن أن يسألهم حاجاته. وقد قال بعض أصحاب الإمام الصادق (ع) له: إني هممت أن أدع السوق وفي يدي شيء - فقد صار بيدي مال كثير - فقال له الإمام (ع): "إذاً يسقط رأيك، ولا يُستعان بك على شيء".

في الإسلام، مادمت تملك عقلاً وجسداً منتجين، فإنّ عليك أن تكون المنتج، ولعلّ مشكلتنا في هذا الشّرق، أننا تعوّدنا على أن نكون الأمّة المستهلكة التي تستهلك ما ينتجه الآخرون، لذلك تقدَّم الآخرون في صناعتهم وتأخّرنا وأصبحنا لا ننتج ما نلبسه ولا ما نأكله، حتى إنّه إذا وُجدت المنتوجات الوطنيّة، فإننا لا نشتريها، ونحن نعيش في عالم يمثّل الاقتصاد فيه أساس الاستقلال، لأنّك إذا لم تكن مستقلاً اقتصادياً، فإن استقلالك السياسي يسقط تحت تأثير حاجاتك الاقتصادية، وفي كلمة مأثورة لأمير المؤمنين (ع) تقول: "أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغنِ عمّن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره".

نحن أسرى للغرب ولكل الدول الغنية، لأننا نحتاج إليهم، والإنسان تستعبده حاجاته، هل نريد أن نكون أحراراً في مواقفنا وإراداتنا؟ علينا أن لا نكون التنابل والكسالى، بل علينا أن نواجه حاجاتنا بجديّة، ونحقّق القوّة الاقتصاديّة لنحصل على القوّة السياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية