{إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب؛ 33].
نلتقي بذكرى وفاة الإمام عليّ بن الحسين، زين العابدين (ع)، الَّذي هو من أهل البيت،
حيث تصادف ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهر محرَّم. وعندما نتذكّر هذا الإمام،
نستوحي مع ذكر اسمه، كلّ ما عاش في وجدانه، وكلّ ما تحدّث به في دعائه مع الله، وكلّ
ما تجسّد في حياته مع النَّاس، وكلّ رسالته الّتي انطلقت لتكون امتداداً لرسالة
رسول الله (ص).. فأئمّة أهل البيت (ع) يجسّدون رسالة الإسلام فكراً وروحاً
وروحانيّة ومنهجاً، فكلّ ما عندهم هو من عند رسول الله (ص)، وليس لهم حساب خاصّ،
إلاَّ من خلال حساب الله ورسوله.
أدعية الصّحيفة السّجاديّة
عندما نتمثَّل الإمام السجاد ـ زين العابدين (ع) ـ في هذه الأجواء، فإنَّنا نشعر
بأنَّ أبواب السماء قد انفتحت علينا، لنعيش مع الله سبحانه وتعالى في كلِّ مدارج
الروح، وفي كلِّ أجواء الروحانيّة، نعيش معه في أدعيته في الصحيفة السجاديّة، هذه
الأدعية الّتي لا تُمثِّل مجرّد كلمات ابتهاليّة يبتهل فيها الإنسان مع الله،
ولكنَّها تُمثِّل إلى جانب ذلك، برامج أخلاقيّة ومفاهيم إسلاميّة وحركةً في الحياة،
يتحرّك بها النَّاس في خط الله ورسوله.
وقيمة أدعية الصحيفة السجاديّة ـ الّتي نُريد لجامعاتنا أن تدرسها دراسة جيّدة
وعميقة، لتعرف قيمة الدعاء في الإسلام ـ أنَّ الإمام (ع) يحشد كلّ القضايا الّتي
يعيشها الإنسان في لغته مع نفسه ومع ربِّه ومع النَّاس من حوله، وكلّ نقاط الضعف في
نفس الإنسان عندما يتحرّك في الحياة ليُعالج الإنسان نفسه بين يدي ربِّه، فنجده
يقول في أحد أدعيته: «اللّهمّ لا ترفعني في النَّاس درجةً، إلاَّ حططتني عند نفسي
مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً، إلاَّ أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها».
ويقول أيضاً: «اللّهمّ وعمِّرني ما كان عمري بذلةً في طاعتك، فإذا كان عمري مرتعاً
للشّيطان، فاقبضني إليك، قبل أن يسبق مقتك إليَّ، أو يستحكم غضبك عليَّ».
الأخلاق في مفهوم الإمام (ع)
وفي المسألة الأخلاقيّة، ينطلق الإمام (ع) أيضاً مع أخلاقيَّة الإسلام، حيث تعلَّم
من القرآن ومن رسول الله (ص)، أنّ الأخلاق تنبع من ذاتك، ولا تكون ردَّ فعلٍ لسلوك
الآخرين معك.. فلو غشَّك الآخرون، أو قاطعوك، أو هجروك، أو اغتابوك، فلا يكن عملك
معهم ردّ فعلٍ، فنجده (ع) يقول: «وسدِّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح، وأجزي من
هجرني بالبرّ، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافي من قطعني بالصّلة، وأخالف من اغتابني
إلى حسن الذّكر، وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيّئة».
وهكذا، يلتفت الإمام (ع) ليعلّمنا أنَّ على كلِّ واحدٍ منّا أن لا يفكّر فقط أن لا
يظلمه الآخرون، بل أن يفكِّر بين يدي الله أن لا يظلم هو الآخرين، لنسمعه يقول: «ولا
أُظلمَنّ وأنت مطيقٌ للدّفع عني»، أي يا ربّ، إذا ظلمني النَّاس، فإنّي أطلب منك أن
تدفع عني ظلمهم، ويقول أيضاً: «ولا أَظلِمنَّ وأنت القادر على الأخذ مني». إنَّه
يقول: يا ربّ، إذا دفعتني نفسي إلى أن أظلم النَّاس، فإنّي أطلب منك يا ربّ، أن
تطبق بكلّ قوتك عليّ، حتّى تمنعني من أن أظلم النَّاس، وهذا هو خطّ التوازن في
الإسلام.
ونلتقي مع الإمام زين العابدين (ع) أيضاً، عندما يؤكّد لنا خطأ المفاهيم الّتي
نتحرّك فيها في حياتنا الاجتماعيّة، حيث نرفع النَّاس الَّذين يملكون الغنى، وننزل
النَّاس الَّذين يعيشون الفقر، فيقول (ع): «اللّهمّ واعصمني من أظنّ بذي عدم خساسة،
أو أظنّ بصاحب ثروة فضلاً، فإنَّ الشّريف من شرّفته طاعتك، والعزيز من أعزَّته
عبادتك». فشرف الإنسان هو بمقدار ما يرضى الله عنه، وعزّة الإنسان بمقدار ما يكون
قريباً من الله. ولذلك، من أطاع الله ورضي الله عنه وأحبّه، فهو الشّريف، وأيّ شرفٍ
أعظم من أن تكون قريباً إلى الله ومحلّ محبّته ورضاه؟!
أسلوب الحديث مع الله
ويقف الإمام (ع) بين يدي الله وهو يتذكَّر، لا بصفة خاصَّة، مع كونه هو الإمام
المعصوم، ولكن بصفة الإنسانيّة الّتي يتحدَّث باسمها في دعائه إلى الله، ليستعرض كلّ
ما عند الإنسان، فيعتبر في حديثه مع الله، أنَّ الإنسان المؤمن لا يعصي الله وهو
جاحد بربوبيّته، ولا يعصي الله وهو مستخفّ بحرمته، فيقول (ع): «إلهي، ما عصيتك وأنا
بربوبيّتك جاحد، ولا لعقوبتك متعرّض، ولا بأمرك مستخفّ، ولا بوعيدك متهاون، ولكن
خطيئة عرضت وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي، وأعانتني عليها شقوتي، وغرّني سترك المرضي
عليّ، فلقد عصيتك وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من يستنقذني، ومن أيدي الخصماء غداً
من يخلّصني، وبحبل من أتّصل إن أنت قطعت حبلك عني؟!».
إنَّه يريد أن يوصي الإنسان بأن لا تكون معصيتك معصية تمرّد، ولا خطيئتك خطيئةً عن
سابق إصرار، حتّى تجسّد عظمة الله في نفسك، ولتعظّم ربوبيته في عقلك، ولتتحرك دائماً
على أساس أن تفكّر في عقوبة الله، وتفكّر في وقوفك بين يدي الله، حتَّى إذا حدثت
الخطيئة عندك، كانت خطيئة طارئة، على طريقة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ
إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم
مُّبْصِرُونَ}[الأعراف؛ 201]. فعندما تتذكّر خطاياك، تذكّر وقوفك غداً بين يدي الله:
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس؛ 34 ـ37]،
لتفكّر الآن كيف تتخفّف من معصيتك، لتقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، وأنت المتخفّف
من ذنوبك من خلال توبتك.
أستاذ المرحلة
وهكذا، أيّها الأحبة، نعيش مع الإمام زين العابدين (ع) في كلِّ أدعيته، لنتعرف في
أدعيته أساس التوحيد في كلِّ مفاهيم حديثه عن الله، ولنتعرّف في أدعيته إلى كل حركة
الرسالة في كلّ حديثه عن رسول الله، ولنتعرّف في حديثه إلى كلِّ مفاهيم الإسلام
وإلى مسؤوليّات الإنسان بين يدي ربِّه.
وكان الإمام عليّ بن الحسين (ع) الإنسان الَّذي أعطى من علمه في مرحلة حياته، ما
استطاع من خلاله أن يكون أستاذ تلك المرحلة في كلِّ المواقع الثقافيّة في ذلك الوقت،
فقد روى عنه المؤرّخون وروى عنه المفسّرون، وروى عنه الفقهاء... قال الشيخ المفيد (رحمه
الله( في (الإرشاد): "روى عنه الفقهاء من العلوم ما لا يُحصى كثرة، وحفظ عنه من
المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين
العلماء".
محرّر العبيد
وكان من صفاته أيضاً، أنَّه كان يعتق العبيد، حيث كان نظام العبيد والإماء موجوداً
في الواقع الإسلامي في تلك المرحلة، كما كان موجوداً في واقع النَّاس كلّهم، فكان
يشتري العبيد ليعلّمهم وليثقّفهم وليرفع من مستواهم، ثُمَّ يعمل على أن يعتقهم في
يوم الفطر، بعد أن يغنيهم بما لا يحتاجون النَّاس معه، وكان ـ كما تذكر سيرته ـ
يشتري العبيد في الموسم في عرفات، من أجل أن يخدموا النَّاس ويقضوا حاجاتهم ويسدّوا
الثغرات الموجودة هناك، حتّى إذا انتهى الموسم حرّرهم جميعاً، وأغناهم بما يعطيهم
من المال الَّذي يحفظ ماء وجوههم. لذلك، فإنَّنا نستطيع من خلال ما نقرأه من تحرير
الإمام (ع) للعبيد في كلِّ سنة، نستطيع أن نقول إنَّه كان محرِّر العبيد بما لا
يعهد من قبله، وكان عندما يعيش معهم، لا يعاملهم معاملة السيِّد للعبد، ولكن معاملة
المؤمن مع المؤمن، ومعيشة الإنسان الَّذي يحترم إنسانيّة الآخر.
تعامله التربويّ مع العبيد
ويذكر لنا السيِّد ابن طاووس (رحمه الله)، كيف كان الإمام زين العابدين (ع) يتحدّث
مع عبيده في أسلوبٍ تربويّ يُمثِّل أرفع الأساليب في التواضع وفي التربية وفي
الإيمان وفي الروحانيّة. لنستمع إلى السيِّد ابن طاووس في روايته عن الإمام زين
العابدين، وهي قصّة مهمّة يجب أن نغتني بها:
«كان عليّ بن الحسين (ع) إذا دخل شهر رمضان، لا يضرب عبداً له ولا أمة، وكان إذا
أذنب العبد والأمة، يكتب عنه أذنب فلان، وأذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه،
فيجتمع عليهم الأدب، حتّى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، دعاهم وجمعهم حوله، ثُمَّ
أظهر الكتاب، ثُمَّ قال: يا فلان، فعلت كذا وكذا ولم أؤدّبك، أتذكر ذلك؟ فيقول: بلى
يا بن رسول الله، حتّى يأتي على آخرهم ويقرّرهم جميعاً، ثُمَّ يقوم في وسطهم ويقول
لهم: ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين، أنت الآن أحصيت علينا كلَّ ذنوبنا،
ولكن إنَّ ربَّك قد أحصى عليك كلَّ ما عملت، كما أحصيت علينا كلَّ ما عملنا، ولديه
كتاب ينطق بالحقّ، {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا
أَحْصَاهَا}[الكهف؛ 49]، وتجد كلّ ما عملتَ لديه حاضراً، كما وجدنا كلّ ما عملنا
لديك حاضراً، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح، فإنَّه ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: {وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ}[النّور؛ 22].
علَّمَهم وهو ينادي على نفسه في عمليّة ابتهال وحالة طوارئ روحية مع الله، وهو
ينادي بذلك على نفسه، ويلقّنهم وينادون معه، وهو واقف بينهم يبكي ويقول: «ربَّنا
إنَّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا، وقد عفونا عمّن ظلمنا كما أمرت، فاعف عنا، فإنَّك
أولى بذلك منّا ومن المأمورين. إلهي كرمت فأكرمني، إذ كنتُ من سؤّالك وجُدتَ
بالمعروف، فاخلطني بأهل نوالك يا كريم»، ثُمَّ يُقبل عليهم ويقول: «قد عفوت عنكم،
فهل عفوتم عني؟»، أنتم أخطأتم معي، ولكنّي ربَّما أخطأت معكم، وهو لا يخطئ لأنَّه
المعصوم، لكنَّه يُريد أن يعلّمنا كيف يواجه الإنسان الَّذي تحت يده، قد لا نكون في
مجتمع العبيد والإماء الآن، ولكن في مجتمع العمّال وفي مجتمع الموظّفين وفي مجتمع
العائلة والزوجة ممن هم تحت يدك، فيقول لهم: «قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عني؟ ما كان
مني إليكم من سوء ملكة، فإنِّي مليكُ سوءٍ لئيم ظالم مملوك لكريمٍ جوادٍ عادلٍ محسنٍ
متفضِّلٍ». فيقولون قد عفونا عنك يا سيِّدنا، وما أسأت... فيقول لهم: «قولوا أعف عن
عليّ بن الحسين كما عفا عنّا، واعتقه من النَّار كما أعتق رقابنا من الرّقّ»،
فيقولون ذلك فيقول: «اللّهمّ آمين ربَّ العالمين، اذهبوا، فقد عفوت عنكم، وأعتقت
رقابكم رجاءً للعفو عني وعتق رقبتي». فإذا كان يوم الفطر، أجازهم بجوائز تصونهم
وتغنيهم عما في أيدي النَّاس».
أخلاق رساليّة
هذه سيرته مع عبيده، وتلك هي سيرته مع النَّاس وحتّى مع الحيوان، كان يركب النّاقة،
فإذا امتنعت عليه في سيرها، أهوى إليها بالسّوط في يده، ثُمَّ امتنع عن ضربها وقال:
«آه! لولا القصاص»، يعني كأنَّ الإمام يُمثِّل أنّ الإنسان إذا ضرب الحيوان، فإنَّ
الله سيقتصّ منه يوم القيامة.
وهكذا كان مع الَّذين يسيئون إليه، فقد مرَّ عليه بعض بني عمّه ذات يوم، ووقف على
رأسه ومعه أصحابه، وتكلّم مع الإمام بكلام فيه شتم وسبّ، ولم يردّ عليه الإمام، ثُمَّ
بعد أن ذهب الرّجل، قال الإمام (ع) لأصحابه: امضوا بنا إليه حتّى نردّ عليه، وكان
يقرأ في سيره إليه: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ
يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران؛ 134]. وطرق الباب على الرَّجل، فخرج، وعندما رأى
الإمام مع جماعته، خرج متوثّباً للشّرّ، فقال له الإمام: «إنَّك قلت فيَّ مقالاً،
فإن كان ذلك فيَّ، فأسأل الله أن يغفر لي، وإن لم يكن فيَّ، فأسأل الله أن يغفر لك».
فقال له، وقد هزّته أريحيّة الإمام، وهو يعرف أنَّ الإمام قادر على الاقتصاص منه: «إنَّ
الَّذي قلته ليس فيك، وأسأل الله أن يغفر لي، والله أعلم حيث يجعل رسالته».
وهذا هو خطّ الإمام (ع) في كلِّ من أساء إليه، ولا يتّسع الوقت للحديث عن ذلك كلّه،
ولكن عليكم أن تقرأوا أئمّة أهل البيت (ع) في أخلاقهم الرساليّة، لتعرفوا كيف
تحرّكون أخلاقكم في هذا الخطّ.
دخول الجنّة بغير حساب!
ونختم حديثنا عن الإمام (ع) بما تحدّث به عن النَّاس الَّذين يدخلون الجنَّة بغير
حساب، فلعلّنا نكون من هؤلاء، قال فيما روي عنه: «إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ:
ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس من النَّاس، فيُقال: انطلقوا إلى الجنَّة، فتتلقّاهم
الملائكة، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنَّة، قالوا: قبل الحساب؟ قالوا: نعم،
قالوا: من أنتم؟ قالوا: أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنَّا إذا جُهل
علينا حلمنا، فإذا النَّاس سبّتنا وشتمتنا واتهمتنا، نقابل ذلك بالحلم ولا نقابله
بردّ الفعل، وإذا ظُلمنا صبرنا، وإذا أُسيء إلينا غفرنا، فقالوا: ادخلوا الجنَّة
فنعم أجر العاملين. ثُمَّ ينادي منادٍ: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من النَّاس،
فيُقال لهم: انطلقوا إلى الجنَّة، فتتلقّاهم الملائكة، فيُقال لهم مثل ذلك، فيقولون:
نحن أهل الصّبر، قالوا وما كان صبركم؟ قالوا: صبَّرنا أنفسنا على طاعة الله،
وصبّرناها عن معصية الله عزَّ وجلّ. قالوا: ادخلوا الجنَّة فنِعم أجر العاملين، ثُمَّ
ينادي منادٍ: ليقم جيران الله في داره، فيقوم ناس من النَّاس وهم قليل، فيُقال لهم:
انطلقوا إلى الجنَّة، فتتلقاهم الملائكة، فيُقال لهم مثل ذلك، وقالوا: وبم جاورتم
الله في داره؟ قالوا: كنّا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتباذل ـ يبذل كلّ
واحدٍ منا نفسه لصاحبه ـ في الله، قالوا: ادخلوا الجنَّة فنعم أجر العاملين». وهكذا
نعرف من خلال هذا الحديث، أنَّ الإنسان يستطيع أن يدخل إلى الجنَّة بأخلاقه إذا
انطلق بأخلاقه بما يحبّه الله.
معنى الموالاة لأهل البيت (ع)
أيّها الأحبة، عندما نذكر عليّ بن الحسين ـ زين العابدين (ع) ـ فإنَّنا نذكر الإمام
الَّذي ملأ الدنيا في مرحلته علماً كأفضل ما يكون العلم، وروحانيّة كأعمق ما تكون
الروحانيّة، وأخلاقاً كأفضل ما تكون الأخلاق، وهكذا بقي الإمام زين العابدين (ع) في
امتداد الحياة، لنتعلّم منه دائماً، ولنعيش معه دائماً عندما عاش مع الله. وهذا هو
معنى الموالاة لأهل البيت (ع)، ليس الولاء لأهل البيت عاطفة في قلبك كعاطفتك تجاه
النَّاس الآخرين، ولكنَّ الولاء رسالة تعيشها في خطّ رسالتهم الّتي هي رسالة
الإسلام، وموقفاً في مواجهة الكفر كلّه، والاستكبار كلّه، والانحراف كلّه.
تعالوا لنتعلّم في ذكرى الإمام عليّ بن الحسين كيف نكون مسلمين، صادقين، مخلصين،
واعين، نتحابب في الله، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله، ونصبر على طاعة الله،
ونصبّر أنفسنا عن معصية الله وعن بلاء الله.
*خطبة الجمعة التي ألقاها سماحته في مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك،
بتاريخ 23 محرَّم 1418هـ، الموافق: 30 أيار 1997م.