لنصنع القوّة ونعش الأمل بالله

لنصنع القوّة ونعش الأمل بالله

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض)، نتوقّف عند الخطبة الدينية التي ألقاها من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بتاريخ 15 ذو القعدة 1421 هـ / ٩/٢/٢٠٠٠، والتي تناول فيها قضايا متنوّعة تهمّ الساحة الإسلامية، مشيراً إلى دعوة القرآن لنا بالتسلّح بالمعرفة لننفتح على الكون كلّه، وإلى عدم اليأس والسقوط عند التحدّيات، بل الثبات وصنع القوّة، وتغيير أنفسنا من الداخل، وأن نعيش الأمل الكبير بالله تعالى. جاء في الخطبة:

"يقول الله تعالى في سورة يوسف: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، ويقول الله تعالى في حديثه عن إبراهيم (ع) عندما بشّره الملائكة بإسماعيل (ع) بعد أن بلغ من الكبر عتياً: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ}. ويحدّثنا الله تعالى عن الطبيعة الإنسانيّة في مسألة اليأس والأمل، فيقول سبحانه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.

وهكذا تتوالى الآيات القرآنية الكريمة التي تريد للإنسان المسلم أن يعيش الوعي للنظام الكوني والإنساني، فينفتح بالمعرفة على الله تعالى الذي لا حدّ لقدرته، ليتحرك في نظام متقن متنوّع، حيث لا يوجد شيء ثابت في الواقع الّذي يتحرك فيه الناس - فيما عدا الظواهر الكونية الثابتة - بل إنّ الأمور تتغيّر، فالحضارات تقوم ثم تسقط، والله يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء.

وهكذا، نجد أنّ الله تعالى يقول لنا: أيّها النّاس، عندما تعيشون حياتكم وتواجهون حالة من حالات الحياة، سواء كانت هذه الحالة حالة غنى أو فقر، حالة فرح أو حزن، حالة نجاح أو فشل، لا تستسلموا لهذه الحالة لتعيشوا الفرح كلّه عندما تأتيكم الحياة بما تشتهون، أو لتعيشوا الحزن كلّه عندما تواجهكم الحياة بما لا تحبّون، لا تيأسوا عندما تُسدّ أمامكم السبل في مرحلة معينة، ولكن اعرفوا الحقيقة الكونية التي ركّزها الله تعالى في حياة الإنسان: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فالله تعالى قد يفسح المجال لفئة من الناس أن تملك مفاصل الحياة لتكون لها السلطة والقوّة، ولكن ليست هناك قوّة خالدة. وربما يعيش فريق من الناس في الجوانب الخلفية من الحياة، فيعيشون الاضطهاد والضعف، ولكن ليس هناك ضعف خالد، الأقوياء في التاريخ تحوّلوا إلى ضعفاء، والضعفاء في التاريخ تحوّلوا إلى أقوياء، لأنّ للحياة أسبابها، حيث لا يوجد شيء في الحياة بدون سبب، أو خارج الظروف الموضوعية والقوانين التي أودعها الله تعالى في الكون، فإذا جاءت الأسباب وتوفّرت الظروف كانت النتائج، سلبية عندما تفرض الأسباب السلب، أو إيجابية عندما تفرض الأسباب الإيجاب.

لقد عاش الكثيرون منا، ورافقوا تطوّرات العالم السياسي، فماذا رأينا؟ لقد رأينا دولاً كانت تملك العالم، وأصبحت في الدرجة الرابعة أو الخامسة أو السادسة، وفي المقابل، كانت بعض الدول تعيش في خلفيات الواقع، فأصبحت تمثل الواجهة الكبرى في العالم، كيف كانت بريطانيا في الأربعينات؟ كانت "سيدة البحار"، وأصبحت الآن دولة من الدرجة الرابعة أو الخامسة تتحرّك على هامش أمريكا، وكانت أمريكا مستعمرة لبريطانيا، فأين أصبحت أمريكا الآن؟ كان المسلمون يمسكون بقيادة الكثير من مواقع العالم، وأصبحوا الآن مزقاً متناثرة، {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فيوم لنا ويوم علينا، ويوم نُساء ويوم نُسرّ.

وعلى ضوء هذا، فإن علينا كمسلمين في العالم، أن لا نسقط أمام الظروف السلبية التي تواجهنا، بل أن ندرس لماذا تحاصرنا هذه الظروف السلبية؟ قد نكون نحن السبب: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. لذلك، علينا أن نعمل عندما ندرك أن هذه السلبيات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية، كانت ناتجة من نقاط الضعف المزروعة في عقولنا أو قلوبنا أو حياتنا، أن نعمل على تغييرها، وإذا غيّرنا، فسوف يتغيّر الواقع من حولنا. وإن كانت الظروف ناتجة من قوة الآخرين، فعلينا أن ندرس نقاط ضعف الآخرين لنعمل على تحريكها من أجل إضعاف نقاط قوّتهم، ولنحرك نقاط قوتنا في مواجهة نقاط ضعفهم، أن لا نتجمّد أمام الرخاء والقوة لنحسب أننا سوف نخلد فيها، وأن لا نتجمّد أمام الشدة والضعف لنحسب أننا نخلد فيها، بل إن الله تعالى يغيّر الأمور من حال إلى حال.

في حياتك الشخصية، عندما يواجهك العسر قد تسقط أمامه، قد تسقط في دينك فتعطيه لمن يعطيك شيئاً من يسرك، وقد تسقط في عزتك، فتذلّ نفسك لمن يملك شيئاً مما يلبي حاجاتك أو ما أشبه ذلك، والله تعالى يقول لك: انفتح على ربّك والله على كل شيء قدير، لا تيأسوا من روح الله. أتعلم ما معنى أن تيأس؟ معناه أنّك تقول – والعياذ بالله – إن الله ليس بقادر، وهذا كفر، لأنّ الله تعالى هو كلّي القدرة.. الله تعالى يقول لك: سيجعل لك من بعد عسر يسراً، ليكن أملك بالله كبيراً، وليكبر أملك بالله وثقتك بنفسك، وثقتك بما أعطاك الله مما يمكن أن يحلّ مشكلتك، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.

ويقول الله تعالى للمتقين الذين يرفضون أن يذلّوا أنفسهم أمام حاجاتهم، والذين يرفضون أن يتنازلوا عن دينهم لمن يريد أن يشتري منهم دينهم لحساب الكفر، أو الذين يرفضون أن يبيعوا أمّتهم ووطنهم لمن يريدون أن يشتروا منهم مواقف تسيء إلى أمتهم ووطنهم: لماذا تحاصرون أنفسكم في دائرة اليأس، {... وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...}، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}.

لذلك، كن الإنسان الذي يعيش الأمل ويدرس طاقاته ليحركها في هذا الخط، كن الإنسان الذي يعيش الأمل بالنصر وبالنجاح، ويحضّر للنصر وللنجاح أسبابه، إن الله تعالى وضع بين أيدينا أسباب كلّ ما نحتاجه في الحياة، ولكن بعضنا لا يأخذ بها ويعيش في الخيال. هذا ما ينبغي لنا أن نعيشه، حتى لا نسقط ولا ننتحر، بعض الناس إذا ضاقت بهم الحياة فإنهم يحاولون الانتحار، لأنهم لا يعيشون رحابة قدرة الله في إيمانهم، وبعض الناس قد لا ينتحر جسدياً، بل ينتحر سياسياً ودينياً واجتماعياً.

ليبقَ الأمل بالله كبيراً في نفوسكم، حتى وأنتم تعيشون المعصية، كالكثيرين من الناس الذين تفرض عليهم ظروفهم البيئية، أو الذين يسيطر عليهم شيطانهم، أن يعصوا الله، فينحرفون وييأسون، والله يقول لكلّ واحد من هؤلاء: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}، و{يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، لا تيأس من رحمة الله، فإنّ الله يناديك: تعالَ إليّ، لماذا تهرب مني وتبتعد عني؟ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وورد في الحديث عن عليّ (ع) في النهج: "لا تيأسنّ لشر هذه الأمّة من روح الله لقوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}".

لذلك، عندما يواجهكم البلاء في أشدّ حاجاته، ارفعوا رؤوسكم إلى الله، وافتحوا قلوبكم له، ليزرع الله في قلوبكم الأمل بكلّ خضرته، لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه، فالله تعالى يعطي ويمنع ويوسّع ويضيّق، انفتح على الله وتحمّل، لأنّ الله أعطاك قوّة التحمّل، حتى تستطيع أن تسير في الحياة من موقع القوّة عندما تواجهك التحديات..

لنكن الأقوياء بالله، لنصنع القوّة في كلّ مواقع الضعف، ولنصنع العزة في مواقع الذل، ولنكن مع الله دائماً، فإن الله تعالى عند حسن ظن عبده المؤمن، وبذلك لن يستطيع أحد أن يهوّل علينا أو يحبطنا ويضعفنا، لأنّ الذي ينطلق من خلال الله، فلن يأتيه أيّ ضعف، ويحدّثنا الله تعالى عن أصحاب النبي (ص) الذين جاهدوا معه وأخلصوا له واتّبعوه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ – والناس في هذه الأياميقولون لنا كما كانوا يقولون للمسلمين من قبل – إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً – لماذا نخاف ونسقط؟ نحن الأقوياء – وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ – والله هو القوي العزيز، والقوة والعزّة لله جميعاً – فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ – شيطان الجن والإنس، شيطان السياسة والأمن والاقتصاد – يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، فوحده الذي يُخاف ويُتوكَّل عليه؛ لا يأس من روح الله، لا يأس من فرج الله، لا يأس من النّصر، لا يأس من النجاح، {وَقُلِ اعْمَلُواْ – لا تتجمدوا وتتراجعوا، حرّكوا طاقاتكم في سبيل أهدافكم – فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

بالعودة إلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض)، نتوقّف عند الخطبة الدينية التي ألقاها من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بتاريخ 15 ذو القعدة 1421 هـ / ٩/٢/٢٠٠٠، والتي تناول فيها قضايا متنوّعة تهمّ الساحة الإسلامية، مشيراً إلى دعوة القرآن لنا بالتسلّح بالمعرفة لننفتح على الكون كلّه، وإلى عدم اليأس والسقوط عند التحدّيات، بل الثبات وصنع القوّة، وتغيير أنفسنا من الداخل، وأن نعيش الأمل الكبير بالله تعالى. جاء في الخطبة:

"يقول الله تعالى في سورة يوسف: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، ويقول الله تعالى في حديثه عن إبراهيم (ع) عندما بشّره الملائكة بإسماعيل (ع) بعد أن بلغ من الكبر عتياً: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ}. ويحدّثنا الله تعالى عن الطبيعة الإنسانيّة في مسألة اليأس والأمل، فيقول سبحانه: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.

وهكذا تتوالى الآيات القرآنية الكريمة التي تريد للإنسان المسلم أن يعيش الوعي للنظام الكوني والإنساني، فينفتح بالمعرفة على الله تعالى الذي لا حدّ لقدرته، ليتحرك في نظام متقن متنوّع، حيث لا يوجد شيء ثابت في الواقع الّذي يتحرك فيه الناس - فيما عدا الظواهر الكونية الثابتة - بل إنّ الأمور تتغيّر، فالحضارات تقوم ثم تسقط، والله يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء.

وهكذا، نجد أنّ الله تعالى يقول لنا: أيّها النّاس، عندما تعيشون حياتكم وتواجهون حالة من حالات الحياة، سواء كانت هذه الحالة حالة غنى أو فقر، حالة فرح أو حزن، حالة نجاح أو فشل، لا تستسلموا لهذه الحالة لتعيشوا الفرح كلّه عندما تأتيكم الحياة بما تشتهون، أو لتعيشوا الحزن كلّه عندما تواجهكم الحياة بما لا تحبّون، لا تيأسوا عندما تُسدّ أمامكم السبل في مرحلة معينة، ولكن اعرفوا الحقيقة الكونية التي ركّزها الله تعالى في حياة الإنسان: {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فالله تعالى قد يفسح المجال لفئة من الناس أن تملك مفاصل الحياة لتكون لها السلطة والقوّة، ولكن ليست هناك قوّة خالدة. وربما يعيش فريق من الناس في الجوانب الخلفية من الحياة، فيعيشون الاضطهاد والضعف، ولكن ليس هناك ضعف خالد، الأقوياء في التاريخ تحوّلوا إلى ضعفاء، والضعفاء في التاريخ تحوّلوا إلى أقوياء، لأنّ للحياة أسبابها، حيث لا يوجد شيء في الحياة بدون سبب، أو خارج الظروف الموضوعية والقوانين التي أودعها الله تعالى في الكون، فإذا جاءت الأسباب وتوفّرت الظروف كانت النتائج، سلبية عندما تفرض الأسباب السلب، أو إيجابية عندما تفرض الأسباب الإيجاب.

لقد عاش الكثيرون منا، ورافقوا تطوّرات العالم السياسي، فماذا رأينا؟ لقد رأينا دولاً كانت تملك العالم، وأصبحت في الدرجة الرابعة أو الخامسة أو السادسة، وفي المقابل، كانت بعض الدول تعيش في خلفيات الواقع، فأصبحت تمثل الواجهة الكبرى في العالم، كيف كانت بريطانيا في الأربعينات؟ كانت "سيدة البحار"، وأصبحت الآن دولة من الدرجة الرابعة أو الخامسة تتحرّك على هامش أمريكا، وكانت أمريكا مستعمرة لبريطانيا، فأين أصبحت أمريكا الآن؟ كان المسلمون يمسكون بقيادة الكثير من مواقع العالم، وأصبحوا الآن مزقاً متناثرة، {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فيوم لنا ويوم علينا، ويوم نُساء ويوم نُسرّ.

وعلى ضوء هذا، فإن علينا كمسلمين في العالم، أن لا نسقط أمام الظروف السلبية التي تواجهنا، بل أن ندرس لماذا تحاصرنا هذه الظروف السلبية؟ قد نكون نحن السبب: {إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. لذلك، علينا أن نعمل عندما ندرك أن هذه السلبيات السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية، كانت ناتجة من نقاط الضعف المزروعة في عقولنا أو قلوبنا أو حياتنا، أن نعمل على تغييرها، وإذا غيّرنا، فسوف يتغيّر الواقع من حولنا. وإن كانت الظروف ناتجة من قوة الآخرين، فعلينا أن ندرس نقاط ضعف الآخرين لنعمل على تحريكها من أجل إضعاف نقاط قوّتهم، ولنحرك نقاط قوتنا في مواجهة نقاط ضعفهم، أن لا نتجمّد أمام الرخاء والقوة لنحسب أننا سوف نخلد فيها، وأن لا نتجمّد أمام الشدة والضعف لنحسب أننا نخلد فيها، بل إن الله تعالى يغيّر الأمور من حال إلى حال.

في حياتك الشخصية، عندما يواجهك العسر قد تسقط أمامه، قد تسقط في دينك فتعطيه لمن يعطيك شيئاً من يسرك، وقد تسقط في عزتك، فتذلّ نفسك لمن يملك شيئاً مما يلبي حاجاتك أو ما أشبه ذلك، والله تعالى يقول لك: انفتح على ربّك والله على كل شيء قدير، لا تيأسوا من روح الله. أتعلم ما معنى أن تيأس؟ معناه أنّك تقول – والعياذ بالله – إن الله ليس بقادر، وهذا كفر، لأنّ الله تعالى هو كلّي القدرة.. الله تعالى يقول لك: سيجعل لك من بعد عسر يسراً، ليكن أملك بالله كبيراً، وليكبر أملك بالله وثقتك بنفسك، وثقتك بما أعطاك الله مما يمكن أن يحلّ مشكلتك، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.

ويقول الله تعالى للمتقين الذين يرفضون أن يذلّوا أنفسهم أمام حاجاتهم، والذين يرفضون أن يتنازلوا عن دينهم لمن يريد أن يشتري منهم دينهم لحساب الكفر، أو الذين يرفضون أن يبيعوا أمّتهم ووطنهم لمن يريدون أن يشتروا منهم مواقف تسيء إلى أمتهم ووطنهم: لماذا تحاصرون أنفسكم في دائرة اليأس، {... وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ...}، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}.

لذلك، كن الإنسان الذي يعيش الأمل ويدرس طاقاته ليحركها في هذا الخط، كن الإنسان الذي يعيش الأمل بالنصر وبالنجاح، ويحضّر للنصر وللنجاح أسبابه، إن الله تعالى وضع بين أيدينا أسباب كلّ ما نحتاجه في الحياة، ولكن بعضنا لا يأخذ بها ويعيش في الخيال. هذا ما ينبغي لنا أن نعيشه، حتى لا نسقط ولا ننتحر، بعض الناس إذا ضاقت بهم الحياة فإنهم يحاولون الانتحار، لأنهم لا يعيشون رحابة قدرة الله في إيمانهم، وبعض الناس قد لا ينتحر جسدياً، بل ينتحر سياسياً ودينياً واجتماعياً.

ليبقَ الأمل بالله كبيراً في نفوسكم، حتى وأنتم تعيشون المعصية، كالكثيرين من الناس الذين تفرض عليهم ظروفهم البيئية، أو الذين يسيطر عليهم شيطانهم، أن يعصوا الله، فينحرفون وييأسون، والله يقول لكلّ واحد من هؤلاء: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}، و{يُحِبُّ التَّوَّابِينَ}، لا تيأس من رحمة الله، فإنّ الله يناديك: تعالَ إليّ، لماذا تهرب مني وتبتعد عني؟ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وورد في الحديث عن عليّ (ع) في النهج: "لا تيأسنّ لشر هذه الأمّة من روح الله لقوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}".

لذلك، عندما يواجهكم البلاء في أشدّ حاجاته، ارفعوا رؤوسكم إلى الله، وافتحوا قلوبكم له، ليزرع الله في قلوبكم الأمل بكلّ خضرته، لا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه، فالله تعالى يعطي ويمنع ويوسّع ويضيّق، انفتح على الله وتحمّل، لأنّ الله أعطاك قوّة التحمّل، حتى تستطيع أن تسير في الحياة من موقع القوّة عندما تواجهك التحديات..

لنكن الأقوياء بالله، لنصنع القوّة في كلّ مواقع الضعف، ولنصنع العزة في مواقع الذل، ولنكن مع الله دائماً، فإن الله تعالى عند حسن ظن عبده المؤمن، وبذلك لن يستطيع أحد أن يهوّل علينا أو يحبطنا ويضعفنا، لأنّ الذي ينطلق من خلال الله، فلن يأتيه أيّ ضعف، ويحدّثنا الله تعالى عن أصحاب النبي (ص) الذين جاهدوا معه وأخلصوا له واتّبعوه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ – والناس في هذه الأياميقولون لنا كما كانوا يقولون للمسلمين من قبل – إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً – لماذا نخاف ونسقط؟ نحن الأقوياء – وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ – والله هو القوي العزيز، والقوة والعزّة لله جميعاً – فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ – شيطان الجن والإنس، شيطان السياسة والأمن والاقتصاد – يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، فوحده الذي يُخاف ويُتوكَّل عليه؛ لا يأس من روح الله، لا يأس من فرج الله، لا يأس من النّصر، لا يأس من النجاح، {وَقُلِ اعْمَلُواْ – لا تتجمدوا وتتراجعوا، حرّكوا طاقاتكم في سبيل أهدافكم – فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية