من القضايا الّتي سلَّط سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (رض) الضَّوء
عليها، قضيّة التفلّت الأخلاقيّ في المجتمع، عبر ما نراه من إعلانات ومظاهر فاضحة،
وضرورة مواجهة كلّ ذلك.
ففي ردّه على سؤال طرحته عليه مجلّة الأفكار بتاريخ 26/7/2004، أشار إلى أساليب
المافيات الإعلانيّة في جذب المستهلكين من خلال ما تثيره من غرائز، مضيفاً أنَّ
بيئتنا تفتقد إلى التّربية الأخلاقيّة والاجتماعيّة الكافية في البيت والمدرسة
والمجتمع بوجه عامّ، داعياً إلى ثورة أخلاقيّة تصحيحيّة. جاء في كلام سماحته:
"إنّ الحريّة التي يمارسها الناس عندنا، لا تنطلق من قاعدة أخلاقية بالمعنى الفكري
لفلسفة حرية الإنسان في جسده، ولكنَّ هناك جانباً كبيراً من حركة الحريّة، وهو
الجانب المادي الذي تستخدمه المافيات الإعلانيّة التي تحاول أن تجتذب المستهلك إلى
ما تريد أن تعلنه بما يثير غرائزه، وبما يجذبه إلى المشاهدة وما إلى ذلك.
هذا إضافةً إلى فقدان التربية الأخلاقيّة، لأننا في الشّرق، لانزال نضع الأخلاق
لافتة على مواقعنا وفي حياتنا الاجتماعيّة، ولايزال الكثيرون منا، حتى النخب،
يمارسون غسل العار والدّفاع عن الشّرف، وقتل المرأة الخاطئة التي تتكاثر حولها
الشبهات، وإعفاء الرّجل من ذلك، على طريقة أبي العلاء المعرّي عندما جيء له بفرّوج،
وهو النباتي، وكان في حالة مرضيّة، فسأل عنه، قيل له إنّ الطبيب وصف له الفروج
لمعالجة وضعه الغذائي المرضي، فقال: استضعفوك فوصفوك.. هلا وصفوا شبل الأسد؟!
إنهم يستضعفون المرأة فيقتلونها، ونحن نعرف أنّ الشّرف في الإسلام يخصّ كلّ شخص.
فالمرأة عندما تنحرف، فإنها لا تلطّخ شرف العائلة، والرّجل عندما ينحرف، لا يلطّخ
شرف العائلة أيضاً، لأنّ شرف كلّ إنسان يخصّه ولا يمتدّ إلى الآخرين. لذلك فإنّ
الذين يقتلون المرأة دفاعاً عن الشّرف وفق قول الشّاعر:
لا يسلم الشّرف الرّفيع من الأذى حتى يُـراق على جوانبه الدّم
هؤلاء لا يعيشون الشّرف بمعناه الأصيل، لذلك نرى الكثير منهم، وفي غالب الأحيان،
يحمون الّذين يعتدون على شرف الأمّة، ويساعدون الذين يسقطون شرف الأمّة من الخونة
والجواسيس والمحتلّين وما إلى ذلك، فهؤلاء يتحرّكون بعقلية جاهليّة، وإن كان بعضهم
يحمل أعلى الشّهادات الجامعيّة.
لذلك، نعتقد أنَّ هذا الانفلات الأخلاقي، إلى جانب التّجارة الإعلانيَّة، ينطلق
أيضاً من عدم التربية الأخلاقيّة في البيت وفي المدرسة وفي المجتمعات كلّها، ونحن
ندعو إلى ثورة تربويّة أخلاقيّة معاصرة، بحيث تتجاوز التقاليد التي يستعملها الوعاظ
والمرشدون من دون أيّ نبضة روح تنتقل إلى الجيل الجديد، لنرتفع بالجانب الأخلاقي
إلى مستوى القيمة التي تتّصل بكلّ أنواع الحياة التي يعيشها هو".