واقع الأمَّة، وأهميَّة التّجديد في مفاصلها، وضرروة إعادة إنتاج العقلانيّة في
العالم الإسلاميّ، إضافةً إلى حال الانقسامات السياسية والمذهبية على الساحة...
عناوين كان سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (رض) قد تناولها في حوارٍ مع
مجلّة "الشّراع" اللّبنانيّة، بتاريخ 20 تشرين أوّل 2008م. ومما جاء فيه:
س: كيف تصف الحقبة الراهنة التي تمرّ فيها المنطقة بعد تراجع المشروع القومي، وعودة
الغزاة بلباسٍ أميركي، وتفشّي الصراعات والانقسامات السياسية والمذهبية؟
ج: يمكن أن نصف هذه المرحلة بأنها مرحلة تنطلق من حركة الصراع الذي يسيطر على
العالم، والذي يتمثل، سياسياً، بموقف الغرب من المنطقة العربية والإسلامية، من جهة
ما لها من مصالح في العالمين الإسلامي والعربي، أو من جهة التزام الغرب القوي، وإن
بدرجات متفاوتة بإسرائيل وبكل الخطوط السياسية والأمنية التي تدعمها، وخصوصاً بعد
أحداث 11 أيلول 2001، التي استغلتها أمريكا للهجوم على كلّ المواقع المعارضة
لسياستها في العالم، وفي مقدّمها العالم العربي والإسلامي، على أساس أنّ الذين
قاموا بهذه العملية هم العرب المسلمون، ما أعطى أميركا الفرصة لفرض قناعاتها هي،
ولم تقبل من أيّ دولة غربية غيرها تحديد مصطلح الإرهاب، حتى إنّ بريطانيا عندما
حاولت أن تثير جدلاً حول مفهوم الإرهاب لم تقبل أميركا بذلك.
وبهذا أصبحت أميركا تتحرّك على أساس تطويق العالم العربي والإسلامي بمسألة مكافحة
الإرهاب، فكان احتلال أفغانستان، ثم العراق، ثم تحريك الفوضى في السودان، والثأر من
الصّومال بسبب الهزيمة الأميركيّة فيها سابقاً، وإثارة الجدل المذهبـي والطائفي في
لبنان، وخلق المشاكل بين الدول العربية... هذا كلّه يجعل من الممكن القول إنّ
المرحلة الحالية هي مرحلة الحرب النفسية والسياسية والاقتصادية والأمنية على العالم
بشكل عام، وعلى العالم العربي والإسلامي بشكلٍ خاص، وخصوصاً إيران... ومن الطبيعي
القول إنّ الخطة الأميركية الغربية لا تريد الإفساح في المجال لإعادة إنتاج المسألة
العربية، بشكل يجمع العرب ويوحدهم حول القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا، بل
تريد أيضاً أن تمنعهم من التفكير في أن يكون العالم العربي عالماً ينهض ويتطوّر
ويستثمر هو ثرواته الطبيعيّة، ليكون عالماً إنتاجياً لا استهلاكياً، كما كان جمال
عبد الناصر يفكّر.
أمّا الأدوات التي تُستخدم في إيجاد هذه الفوضى التي يسمّيها الأميركيون الفوضى
البناءة أو الخلاقة، فهي محاولة إنتاج أو تجديد نقاط الضعف لدى العرب، ومنها
المسألة المذهبية، بعدما تضاءلت فرص استغلال المسألة الطائفية بالمعنى الإسلامي ـ
المسيحي، وهذا ما لاحظناه من خلال بعض علماء المسلمين من السنة والشيعة، الذين
يعملون على إثارة الحساسيات المذهبية، حيث نجد فتاوى التكفير تنطلق هنا وهناك، كما
تنطلق قضية الإساءة إلى الصحابة أو إلى بعض أهل البيت(ع)، ومحاولة تصوير مسألة
التداخل في المجتمعات بين السنة والشيعة، على أنها عملية غزو لا بدّ من الوقوف ضدها،
أو إعلان الحرب عليها، وهذا كلّه من قبيل الأدوات التي تستخدمها المخابرات الدولية،
ومنها الأميركية المنفتحة على المخابرات المحليّة في كل دولة.
فأميركا، إذاً، تحاول خلق نوع من الفوضى لا تسمح للعالم العربي والإسلامي على مستوى
الشعوب والأنظمة، بالاستقرار الفكري الذي يمكنه من الانفتاح على الاختلافات بطريقة
موضوعية وعلمية، بل إنها تدفعه إلى التحرّك بالطريقة الانفعاليّة والارتجاليّة
لاستعادة أحقاد الماضي، ليبقى العالم العربي والإسلامي يعيش في الماضي وينسى الحاضر
والمستقبل.
ولذلك، فإنّ علينا إعادة إنتاج العقلانية في العالم الإسلامي، والبحث المعمق في
مسألة العلاقة بين الإسلام والعروبة، ونحن نلاحظ أنّ الإسلام حين انطلق في البيئة
العربية، لم يجد العرب فيه أيّ مشكلة ضدّ عروبتهم، بل دخلوا فيه لأنهم كانوا
منفتحين على القيم التي لا تبتعد عن الفطرة العربيّة، كما أن الإسلام لم يجد في
العروبة مشكلة له، لأنها ليست عروبةً عنصريةً، وإنما هي عروبة إنسانيّة منفتحة على
العالم كله، وبذلك استطاعت العروبة أن تعطي الإسلام الكثير من عناصرها، كما أعطاها
الإسلام الكثير من قيمه ومعانيه.
ولكن علينا أن نتحرّر من الضغط الأميركي أوّلاً. وقد ذكر لي بعض مسؤولي الجامعة
العربية الكبار، أنّ أميركا، كما رأى في متابعته لها، تريد تدمير الإسلام. ولذلك
علينا أن نأخذ بالحرية، سواء الحرية القومية، أو الإسلامية، أو الحرية الوطنية
المحلية، إن صحّ التعبير، حتى نستطيع أن نعرف أين نحن، ومن نحن، وإلى أين المسير،
ولنعرف كيف يمكن أن نحول العالم العربي الإسلامي إلى عالم يشارك في قرارات العالم،
بدلاً من أن يبقى عالماً مستهلكاً لقرارات الآخرين.