المرجع فضل الله: سلامة الخاتمة في تدبّر عاقبة الأمور

المرجع فضل الله: سلامة الخاتمة في تدبّر عاقبة الأمور

بالعودة إلى الذاكرة، وإلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، نستحضر الدّروس والمواقف المهمّة الّتي أطلقها في الخطبة الدّينيّة لصلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، وذلك بتاريخ 25 ربيع أوّل العام 1420ه/ الموافق 9/7/1999م، حيث تحدّث عن جملة من الوصايا الأخلاقية، ومنها التّدبير في عاقبة الأمور، كما وردت في بعض الأحاديث النبوية الشّريفة. قال سماحته:

"في الحديث عن الإمام الصادق(ع)، أن رجلاً أتى النبيّ(ص) وقال له: أوصني يا رسول الله، فقال(ص) له: "فهل أنت مستوصٍ إذا أنا أوصيتك؟" - هل تعمل بهذه الوصيّة، أم تكون مجرد كلمة تدخل أذناً وتخرج من أخرى - فقال: نعم يا رسول الله، فقال(ص) له: "فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانته عنه". وقد كرّر رسول الله(ص) هذه الوصية في أكثر من موقع، فيُروى أن شخصاً أتى رسول الله(ص)، فقال: علّمني يا رسول الله، فقال(ص): "عليك باليأس عمّا في أيدي الناس، فإنه الغنى الحاضر"، يعني لا تفكّر في المال الذي في أيدي الناس، ولكن فكّر في الرزق في ابتهالك إلى الله تعالى، لأنّ الإنسان إذا كان قانعاً بما عنده، فإن ذلك يمثل نوعاً من الغنى، وهو غنى النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال(ص): "إياك والطمع، فإنه الفقر الحاضر"، لأن الإنسان إذا كان يعيش الطمع، ولا يكتفي بما أعطاه الله من الكفاف، فإنه يبقى فقيراً وإن كان يملك المال الكثير، لأنه يعيش فقر النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال(ص): "إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك خيراً ورشداً فاتّبعه، وإن يك شرّاً أو غيّاً فدعه". وقد جاءت هذه الوصية مما رواه "الطوسي" عن الشيخ المفيد."

ويشير سماحته إلى ضرورة وعي عاقبة الأمور وتدبّرها جيداً، قائلاً:

"وفي "البحار" نقلاً عن "الدرة الباهرة" قال: أوصى آدم ابنه شيث وقال له: "اعمل بها وأوص بها بنيك من بعدك".. إلى أن قال: "إذا عزمتم على أمر فانظروا إلى عواقبه، فإني لو نظرت في عاقبة أمري - الأكل من الشجرة -لم يصبني ما أصابني".. وورد في وصية الإمام عليّ(ع) لابنه محمد بن الحنفيّة قال: "ومن تورّط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرّض لمفظعات النوائب، والتّدبير قبل العمل يؤمنك من النّدم، والعاقل من وعظته التجارب، وفي التجارب علم مستأنَف، ومن نظر في العواقب، سَلِم من النّوائب".

ولو تأمّلنا هذه الوصايا، لرأينا أنّه من الضروري أن يلتزمها الإنسان ويحتكم إليها في كلّ قضايا الحياة، وفي كلّ ما يريد أن يأخذ به الإنسان من خيارات، لأنّ لكلّ شيء من الأشياء بداية ونهاية، وقد تكون البداية جيدة ولكن النهاية سيئة، ربما يجد الإنسان بداية الأشياء حلوة ولكن نهايتها مرّة، وكم من النّاس الذين فرحوا كثيراً عندما حصلوا على بعض ما كانوا يأملون، ولكن النتيجة كانت حزناً وبكاءً.

ومن الواضح أن التزام الإنسان بهذا الخطّ، يجعله يتفادى الكثير من النتائج السيئة في الدنيا والآخرة، لذا لا بدّ للإنسان من أن يدرس ذلك، فإذا أردت أن تدخل في مشروع شخصي لحياتك، في مشروع زواج مثلاً، فلا تنظر إلى ما يشوقك في الإنسان الآخر من جمال الوجه أو غنى المال أو ما إلى ذلك، ولكن انظر إلى النتائج التي يمكن أن تحصل لك من هذه العلاقة الإنسانية، ادرس الخصائص والعناصر الموجودة لدى هذا الإنسان، هل هي العناصر التي تؤدي بك إلى الحياة الزوجية السعيدة أو لا تؤدي بك إلى ذلك، فلا تستعجل قرارك وتنطلق فيه من موقع عاطفي أو من ضغوط اجتماعية أو عائلية، لأن العواقب عندما تكون سيئة، فإنها قد تدمّر لك حياتك وحياة الإنسان الآخر".

ويلفت سماحته إلى أهمية الحفاظ على المصلحة العامّة التي تعتبر القاعدة لحركة المؤمن وتصرفاته ومواقفه:

"وعندما ننفذ إلى واقعنا الاجتماعي، ولا سيما في المسائل التي تتصل بتأييد شخصية اجتماعية معينة أو رفضها، مما يترتب على أساس ذلك نتائج سيئة أو حسنة، ففي هذه المسألة، عليك أن تدرس العواقب، وتتساءل لو أنّ فلاناً أصبح رئيس الجمعية أو العائلة، أو أصبح الشخص المبرّز في هذا الجانب الاجتماعي أو في ذاك الجانب، ماذا يحدث؟ هل يصلح أمر العائلة أو الجمعية أم يفسد؟ إذاً لا بدَّ من أن تتخذ قرارك من خلال التفكير في النتائج التي يؤدّي إليها خيارك أنت. لا تنظر إلى أنّ هذا الإنسان المرشّح للجمعيّة أو ما إلى ذلك، أنه ابن عائلتك أو صديقك أو قريبك، أو أنه من جماعة السياسي الفلاني أو ذاك، بل انظر إليه من خلال مسؤوليّتك عن قرارك في القضايا الاجتماعية بما يحقّق للمجتمع سلامته وبما يرفع مستواه.

وكذلك الأمر عندما تهمّ بتأييد شخص في المسألة السياسيّة أو برفض شخص آخر، كأن تصوّت لمرشّح للنيابة أو ترفض مرشحاً آخر، فلا يكن همك محصوراً بتحقيق مصالحك، أي كم تنتفع من هذا شخصياً أو لا تنتفع، أو مصالحك العائلية، باعتبار هذا المرشح ابن عائلتك أو ابن بلدك، ولكن فكّر ما هي المصلحة السياسية للأمّة عندما ينجح هذا أو عندما يفشل ذاك، لأنك سوف تتحمّل المسؤوليّة في الدنيا أمام الأمّة التي خذلتها في التصويت لمن لا يستحقّ أن يكون نائباً عنها، أو خذلتها برفض التصويت لمن يستحقّ أن يكون نائباً عنها.

وبالاستناد إلى الخط نفسه، يجب أن نتعاطى مع قضايا الدنيا والآخرة، ففي هذا المجال، لا بدَّ للإنسان من أن يفكر في القضايا على مستوى الآخرة في مسألة الربح والخسارة، فلا يتجمد فقط أمام حسابات الدنيا الفانية، كأن لا يكون همه مثلاً من قيامه بتجارة معينة إلا أن تكون مربحة على مستوى الدنيا، ولو كانت خاسرة على مستوى الآخرة، كالناس الذين يبيعون الخمر ولحوم الميتة، أو الذين يفتحون النوادي للقمار أو الرقص واللهو والفجور، على أساس أن هذه التجارة يمكن أن تحقق لهم الربح الكبير.

من هنا، فإنّ على الإنسان - إذا كان مؤمناً بالله ورسوله واليوم الآخر - أن يفكر في أن الله تعالى هو الرزّاق، ما يدفعه إلى أن لا يتاجر بالحرام تجنّباً لغضب الله وسخطه، فإذا فعلت ذلك، ربما يبتليك الله بكلّ ما يُذهب مالك، قد يبتليك بمرض أو بغيره، فلا يكفيك كلّ مالك لمعالجته، في حين ينتظرك الحساب في الدّار الآخرة: {يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها}، ويومها، كيف تقدّم حساباتك أمام الله تعالى؟ وكيف تتفادى عقابه سبحانه {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.. لذلك، فكّر عندما يقول لك الشيطان إنّ "في الخمر ربحاً أو في تجارة الميتة أو في القمار ربحاً"، قل له كما قال الحرّ بن يزيد الرياحي، عندما عُرض عليه أن يترقى في مناصبه إلى أعلى الدرجات، مقابل أن يشارك في الحرب ضد الحسين(ع): "إني أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت أو حرّقت".

وبالموقف ذاته، عليك مقابلة الناس الذين يدعونك للانتماء إلى الظالمين، ولأن تساعدهم وتحارب في سبيلهم وتبرّر ظلمهم، لتكون من أعوان الظلمة، فهنا عليك أن لا تفكّر فيما تحصل عليه من ربح سريع، ولكن عليك أن تفكّر في الخسارة في الدار الآخرة، وتلك هي الخسارة، كلّ الخسارة، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، فما قيمة أن تحصل على حفنة مال من الحرام، مقابل أن تخسر نفسك عندما تضيّع الجنّة وتهوي إلى النار؟!".

ويضيف سماحته عارضاً لأمثلة من الواقع الاجتماعي الّذي لا بدَّ من أن نكون مسؤولين عنه وحريصين على عاقبته ومسيرته:

"إنّ هذه الوصايا الرسوليّة هي التي تجعل الإنسان متوازناً في كلّ حياته الخاصّة والعامّة، ما يعني أنّ عليك عندما تتكلم بأيّ كلمة في حال انفعال وغضب، أو راحة وفرح، أن تفكر في نتائج الكلمة على مستوى سلامتك وسلامة المجتمع، وعلى مستوى القضايا الحيوية فيه، كن العاقل الذي يفكّر في الكلمة قبل أن يقولها، ولا تكن الأحمق الّذي يفكر في الكلمة بعد أن يقولها، وهذا ما جاء عن عليّ(ع) عندما قال: "لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه"، وسُئل كيف يفسّر ذلك؟ فقال(ع) - بما مضمونه - لأن العاقل إذا أراد أن يتكلم بكلمة، درسها ودرس نتائجها السيئة أو الحسنة، فإذا رأى خيراً أبداه، وإذا رأى شراً أخفاه، أما الأحمق، فإنه عندما تخطر الكلمة في فكره، فإنّه يطلقها، ثم بعد أن تتفاعل هذه الكلمة في الواقع الاجتماعي، يفكّر في آثارها.

ولا شكّ في أنّ عدم تدبر العواقب، هو الّذي يخلق لنا الكثير من المشاكل، ولا سيما في الحياة العائلية، حيث ما إن يبدأ النـزاع بين الزوج والزوجة، حتى تُطلق الزوجة كلمة طلب الطلاق بانفعال، أو يطلق الزوج هذه الكلمة بانفعال، وذلك قبل أن يفكّرا في نتائج الطلاق عليهما وعلى العائلة بشكل عامّ. وهكذا نتصرف في القضايا الاجتماعية عندما نطلق الكلمات التي قد تؤدي إلى الفتنة وخراب الواقع الاجتماعي، ما يجعلنا نتحمل مسؤولية النتائج السلبية كلّها".

وختم سماحته بالقول:

أيها الأحبّة: انطلقوا مع رسول الله(ص) في خطّ هذه الكـلمة: "إذا أنت هممت بأمر - سواء كان أمراً خاصاً أو عاماً - فتدبّر عاقبته - ادرس العواقب قبل أن تبدأ البدايات - فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فدعه".. ونحن لا نزال نعيش ذكرى رسول الله(ص) في ذكرى مولده، وعلينا أن نتحرك معه في كلّ ما قال وفعل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيراً}، وكان رسول الله الذي لا يحتاج إلى مشورة أحد، يعلّم المسلمين أن لا يقوموا بأيّ خطوة، ولا يُصدروا أيّ قرار، إلا بعد أن يتداولوا الأمر فيما بينهم ويُحكموه دراسة، حتى يعرفوا نتائجه في الدّنيا والآخرة، {وقل اعملوا - اعملوا بوعي وحذر وتأمّل وتدبّر وتفكير - فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها. 

بالعودة إلى الذاكرة، وإلى أرشيف خطب الجمعة لسماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، نستحضر الدّروس والمواقف المهمّة الّتي أطلقها في الخطبة الدّينيّة لصلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، وذلك بتاريخ 25 ربيع أوّل العام 1420ه/ الموافق 9/7/1999م، حيث تحدّث عن جملة من الوصايا الأخلاقية، ومنها التّدبير في عاقبة الأمور، كما وردت في بعض الأحاديث النبوية الشّريفة. قال سماحته:

"في الحديث عن الإمام الصادق(ع)، أن رجلاً أتى النبيّ(ص) وقال له: أوصني يا رسول الله، فقال(ص) له: "فهل أنت مستوصٍ إذا أنا أوصيتك؟" - هل تعمل بهذه الوصيّة، أم تكون مجرد كلمة تدخل أذناً وتخرج من أخرى - فقال: نعم يا رسول الله، فقال(ص) له: "فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فانته عنه". وقد كرّر رسول الله(ص) هذه الوصية في أكثر من موقع، فيُروى أن شخصاً أتى رسول الله(ص)، فقال: علّمني يا رسول الله، فقال(ص): "عليك باليأس عمّا في أيدي الناس، فإنه الغنى الحاضر"، يعني لا تفكّر في المال الذي في أيدي الناس، ولكن فكّر في الرزق في ابتهالك إلى الله تعالى، لأنّ الإنسان إذا كان قانعاً بما عنده، فإن ذلك يمثل نوعاً من الغنى، وهو غنى النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال(ص): "إياك والطمع، فإنه الفقر الحاضر"، لأن الإنسان إذا كان يعيش الطمع، ولا يكتفي بما أعطاه الله من الكفاف، فإنه يبقى فقيراً وإن كان يملك المال الكثير، لأنه يعيش فقر النفس، فقال: زدني يا رسول الله، فقال(ص): "إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك خيراً ورشداً فاتّبعه، وإن يك شرّاً أو غيّاً فدعه". وقد جاءت هذه الوصية مما رواه "الطوسي" عن الشيخ المفيد."

ويشير سماحته إلى ضرورة وعي عاقبة الأمور وتدبّرها جيداً، قائلاً:

"وفي "البحار" نقلاً عن "الدرة الباهرة" قال: أوصى آدم ابنه شيث وقال له: "اعمل بها وأوص بها بنيك من بعدك".. إلى أن قال: "إذا عزمتم على أمر فانظروا إلى عواقبه، فإني لو نظرت في عاقبة أمري - الأكل من الشجرة -لم يصبني ما أصابني".. وورد في وصية الإمام عليّ(ع) لابنه محمد بن الحنفيّة قال: "ومن تورّط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرّض لمفظعات النوائب، والتّدبير قبل العمل يؤمنك من النّدم، والعاقل من وعظته التجارب، وفي التجارب علم مستأنَف، ومن نظر في العواقب، سَلِم من النّوائب".

ولو تأمّلنا هذه الوصايا، لرأينا أنّه من الضروري أن يلتزمها الإنسان ويحتكم إليها في كلّ قضايا الحياة، وفي كلّ ما يريد أن يأخذ به الإنسان من خيارات، لأنّ لكلّ شيء من الأشياء بداية ونهاية، وقد تكون البداية جيدة ولكن النهاية سيئة، ربما يجد الإنسان بداية الأشياء حلوة ولكن نهايتها مرّة، وكم من النّاس الذين فرحوا كثيراً عندما حصلوا على بعض ما كانوا يأملون، ولكن النتيجة كانت حزناً وبكاءً.

ومن الواضح أن التزام الإنسان بهذا الخطّ، يجعله يتفادى الكثير من النتائج السيئة في الدنيا والآخرة، لذا لا بدّ للإنسان من أن يدرس ذلك، فإذا أردت أن تدخل في مشروع شخصي لحياتك، في مشروع زواج مثلاً، فلا تنظر إلى ما يشوقك في الإنسان الآخر من جمال الوجه أو غنى المال أو ما إلى ذلك، ولكن انظر إلى النتائج التي يمكن أن تحصل لك من هذه العلاقة الإنسانية، ادرس الخصائص والعناصر الموجودة لدى هذا الإنسان، هل هي العناصر التي تؤدي بك إلى الحياة الزوجية السعيدة أو لا تؤدي بك إلى ذلك، فلا تستعجل قرارك وتنطلق فيه من موقع عاطفي أو من ضغوط اجتماعية أو عائلية، لأن العواقب عندما تكون سيئة، فإنها قد تدمّر لك حياتك وحياة الإنسان الآخر".

ويلفت سماحته إلى أهمية الحفاظ على المصلحة العامّة التي تعتبر القاعدة لحركة المؤمن وتصرفاته ومواقفه:

"وعندما ننفذ إلى واقعنا الاجتماعي، ولا سيما في المسائل التي تتصل بتأييد شخصية اجتماعية معينة أو رفضها، مما يترتب على أساس ذلك نتائج سيئة أو حسنة، ففي هذه المسألة، عليك أن تدرس العواقب، وتتساءل لو أنّ فلاناً أصبح رئيس الجمعية أو العائلة، أو أصبح الشخص المبرّز في هذا الجانب الاجتماعي أو في ذاك الجانب، ماذا يحدث؟ هل يصلح أمر العائلة أو الجمعية أم يفسد؟ إذاً لا بدَّ من أن تتخذ قرارك من خلال التفكير في النتائج التي يؤدّي إليها خيارك أنت. لا تنظر إلى أنّ هذا الإنسان المرشّح للجمعيّة أو ما إلى ذلك، أنه ابن عائلتك أو صديقك أو قريبك، أو أنه من جماعة السياسي الفلاني أو ذاك، بل انظر إليه من خلال مسؤوليّتك عن قرارك في القضايا الاجتماعية بما يحقّق للمجتمع سلامته وبما يرفع مستواه.

وكذلك الأمر عندما تهمّ بتأييد شخص في المسألة السياسيّة أو برفض شخص آخر، كأن تصوّت لمرشّح للنيابة أو ترفض مرشحاً آخر، فلا يكن همك محصوراً بتحقيق مصالحك، أي كم تنتفع من هذا شخصياً أو لا تنتفع، أو مصالحك العائلية، باعتبار هذا المرشح ابن عائلتك أو ابن بلدك، ولكن فكّر ما هي المصلحة السياسية للأمّة عندما ينجح هذا أو عندما يفشل ذاك، لأنك سوف تتحمّل المسؤوليّة في الدنيا أمام الأمّة التي خذلتها في التصويت لمن لا يستحقّ أن يكون نائباً عنها، أو خذلتها برفض التصويت لمن يستحقّ أن يكون نائباً عنها.

وبالاستناد إلى الخط نفسه، يجب أن نتعاطى مع قضايا الدنيا والآخرة، ففي هذا المجال، لا بدَّ للإنسان من أن يفكر في القضايا على مستوى الآخرة في مسألة الربح والخسارة، فلا يتجمد فقط أمام حسابات الدنيا الفانية، كأن لا يكون همه مثلاً من قيامه بتجارة معينة إلا أن تكون مربحة على مستوى الدنيا، ولو كانت خاسرة على مستوى الآخرة، كالناس الذين يبيعون الخمر ولحوم الميتة، أو الذين يفتحون النوادي للقمار أو الرقص واللهو والفجور، على أساس أن هذه التجارة يمكن أن تحقق لهم الربح الكبير.

من هنا، فإنّ على الإنسان - إذا كان مؤمناً بالله ورسوله واليوم الآخر - أن يفكر في أن الله تعالى هو الرزّاق، ما يدفعه إلى أن لا يتاجر بالحرام تجنّباً لغضب الله وسخطه، فإذا فعلت ذلك، ربما يبتليك الله بكلّ ما يُذهب مالك، قد يبتليك بمرض أو بغيره، فلا يكفيك كلّ مالك لمعالجته، في حين ينتظرك الحساب في الدّار الآخرة: {يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها}، ويومها، كيف تقدّم حساباتك أمام الله تعالى؟ وكيف تتفادى عقابه سبحانه {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}.. لذلك، فكّر عندما يقول لك الشيطان إنّ "في الخمر ربحاً أو في تجارة الميتة أو في القمار ربحاً"، قل له كما قال الحرّ بن يزيد الرياحي، عندما عُرض عليه أن يترقى في مناصبه إلى أعلى الدرجات، مقابل أن يشارك في الحرب ضد الحسين(ع): "إني أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت أو حرّقت".

وبالموقف ذاته، عليك مقابلة الناس الذين يدعونك للانتماء إلى الظالمين، ولأن تساعدهم وتحارب في سبيلهم وتبرّر ظلمهم، لتكون من أعوان الظلمة، فهنا عليك أن لا تفكّر فيما تحصل عليه من ربح سريع، ولكن عليك أن تفكّر في الخسارة في الدار الآخرة، وتلك هي الخسارة، كلّ الخسارة، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، فما قيمة أن تحصل على حفنة مال من الحرام، مقابل أن تخسر نفسك عندما تضيّع الجنّة وتهوي إلى النار؟!".

ويضيف سماحته عارضاً لأمثلة من الواقع الاجتماعي الّذي لا بدَّ من أن نكون مسؤولين عنه وحريصين على عاقبته ومسيرته:

"إنّ هذه الوصايا الرسوليّة هي التي تجعل الإنسان متوازناً في كلّ حياته الخاصّة والعامّة، ما يعني أنّ عليك عندما تتكلم بأيّ كلمة في حال انفعال وغضب، أو راحة وفرح، أن تفكر في نتائج الكلمة على مستوى سلامتك وسلامة المجتمع، وعلى مستوى القضايا الحيوية فيه، كن العاقل الذي يفكّر في الكلمة قبل أن يقولها، ولا تكن الأحمق الّذي يفكر في الكلمة بعد أن يقولها، وهذا ما جاء عن عليّ(ع) عندما قال: "لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه"، وسُئل كيف يفسّر ذلك؟ فقال(ع) - بما مضمونه - لأن العاقل إذا أراد أن يتكلم بكلمة، درسها ودرس نتائجها السيئة أو الحسنة، فإذا رأى خيراً أبداه، وإذا رأى شراً أخفاه، أما الأحمق، فإنه عندما تخطر الكلمة في فكره، فإنّه يطلقها، ثم بعد أن تتفاعل هذه الكلمة في الواقع الاجتماعي، يفكّر في آثارها.

ولا شكّ في أنّ عدم تدبر العواقب، هو الّذي يخلق لنا الكثير من المشاكل، ولا سيما في الحياة العائلية، حيث ما إن يبدأ النـزاع بين الزوج والزوجة، حتى تُطلق الزوجة كلمة طلب الطلاق بانفعال، أو يطلق الزوج هذه الكلمة بانفعال، وذلك قبل أن يفكّرا في نتائج الطلاق عليهما وعلى العائلة بشكل عامّ. وهكذا نتصرف في القضايا الاجتماعية عندما نطلق الكلمات التي قد تؤدي إلى الفتنة وخراب الواقع الاجتماعي، ما يجعلنا نتحمل مسؤولية النتائج السلبية كلّها".

وختم سماحته بالقول:

أيها الأحبّة: انطلقوا مع رسول الله(ص) في خطّ هذه الكـلمة: "إذا أنت هممت بأمر - سواء كان أمراً خاصاً أو عاماً - فتدبّر عاقبته - ادرس العواقب قبل أن تبدأ البدايات - فإن يك رشداً فأمضه، وإن يك غيّاً فدعه".. ونحن لا نزال نعيش ذكرى رسول الله(ص) في ذكرى مولده، وعلينا أن نتحرك معه في كلّ ما قال وفعل: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر وذكر الله كثيراً}، وكان رسول الله الذي لا يحتاج إلى مشورة أحد، يعلّم المسلمين أن لا يقوموا بأيّ خطوة، ولا يُصدروا أيّ قرار، إلا بعد أن يتداولوا الأمر فيما بينهم ويُحكموه دراسة، حتى يعرفوا نتائجه في الدّنيا والآخرة، {وقل اعملوا - اعملوا بوعي وحذر وتأمّل وتدبّر وتفكير - فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.

إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها. 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية