أن يكون الثوب ـ فضلاً عن البدن ـ طاهراً من كلّ نجاسة خَبَثِية مما تقدّم ذكره في مبحث النجاسات، سواء في ذلك الصلاة الواجبة أو المندوبة، وكذلك أجزاؤها المنسية، وسواء في ذلك الثوب الذي يحقّق الستر الفعلي والمباشر للعورة، أو غيره من الثياب الزائدة التي يلبسها المصلي، ويستثنى من ذلك ما لا يصلح لستر العورة، مثل القلنسوة والجورب ونحوهما كما سيأتي بيانه.
م ـ 548: إذا وضع المصلي على جسده غطاءً مثل البطانية ونحوها طلباً للدفء مثلاً، فإن إلتفّ به بنحو يصدق عليه أنه لباس وجب أن يكون طاهراً، وإلاَّ فلا.
م ـ 549: إذا اشتبه الثوب الطاهر بالثوب النجس لم تصح الصلاة بأحدهما، بل لا بُدَّ من تكرار الصلاة، مرة بهذا ومرة بهذا، كي يقطع بالإتيان بصلاةٍ في الثوب الطاهر. نعم إذا كانت أطراف الاشتباه غير محصورة، بحيث كانت بعض أطرافها خارجة عن محل الابتلاء فعلاً، جاز له الصلاة فيه، وذلك كما لو كان يعلم بنجاسة ثوبه أو ثوب صديقه الموجود في منزل صديقه، فإنه يجوز له الصلاة في ثوبه لكون ثوب صديقه خارجاً عن محل ابتلائه ومباشرته.
م ـ 550: إذا صلّى المكلّف مع علمه بوجود النجاسة على بدنه أو ثوبه وتَعَمُّدِه والتفاته لذلك، يحكم ببطلان صلاته إذا كان عالماً بأنَّ الطهارة شرط في صحة الصلاة، وكان عالماً بأنَّ الشيء الفلاني، كالمني مثلاً، من النجاسات، وهو ما يعبّر عنه بالعلم بالحكم، أمّا إذا كان جاهلاً بالحكم، فإن كان الجهل عن تقصير ولو لبطلان اجتهاده أو تقليده، فالظاهر الحكم ببطلان الصلاة في صورة الشك والتردّد، دون صورة الغفلة واعتقاد عدم كون الشيء مبطلاً أو نجساً، ودون ما لو كان الجهل عن قصور فإنها لا تبطل.
وأمّا إذا كان جاهلاً بالموضوع، كما لو لم يعلم أن هذا السائل دم، مع علمه بنجاسة الدم، فصلّى فيه ثُمَّ تبين أنه دم، لم تبطل صلاته حتى مع التهاون والتقصير في البحث، بل إنه ـ أساساً ـ لا يجب عليه البحث ليعلم طبيعة هذه المادة، أنها دم أو غيره.
هذا إذا كان عالماً بوجود النجاسة وصلى بها متعمداً، وكذا يحكم ببطلان صلاته فيما إذا صلى بها سهواً، فإن تذكر بعد الفراغ من الصلاة وكان في الوقت أعادها، وإن كـان خارج الوقت قضاهـا. وإن تذكر في أثناء الصلاة، فإنَّ صلاته تبطل ـ أيضاً ـ وعليه قطعها واستئنافها بالطهارة مع سعة الوقت، وأمّا مع ضيق الوقت فإن أمكنه أن يطهر ثوبه أو يغيره من دون فعل المنافي، كالالتفات أو ترك الموالاة ونحوهما، لزمه ذلك وأكمل صلاته، وإلاَّ صلّى بالنجاسة وصحت منه، والأحوط استحباباً قضاؤها فيما بعد.
م ـ 551: إذا كانت النجاسة موجودة على الثوب أو البدن قبل الصلاة، ولم يعلم بها المكلّف إلاَّ بعد الفراغ من الصلاة، فصلاته صحيحة، ولا فرق في ذلك بين من شك في وجودها قبل الصلاة ولم يفحص عنها وبين من فحص ولم يجد شيئاً، ويشمل هذا الحكم من طهر ثوبه أو بدنه من النجاسة ثُمَّ تبين له بعد الصلاة بقاء شيء من النجاسة وعدم حصول الطهارة.
أمّا إذا علم في أثناء الصلاة بوجود نجاسة سابقة على الصلاة، فإن كان الوقت واسعاً استأنفها مع الطهارة على الأحوط وجوباً، وإن كان الوقت ضيقاً، ولو عن إدراك ركعة، فإن أمكن النزع والتبديل أو التطهير دون الوقوع فيما ينافي الصلاة فعل ذلك وأكمل صلاته، وإلاَّ صلّى في النجاسة وصحت منه، وإن كان الأحوط استحباباً القضاء بعد ذلك.
م ـ 552: إذا طرأت النجاسة على الثوب أو البدن أثناء الصلاة، فإن أمكن التطهير أو التبديل على وجه لا ينافي الصلاة فعل ذلك واستمر في صلاته ولا شيء عليه، وإن لم يمكن ذلك، فإن كان الوقت واسعاً قطعها وتطهر وأستأنفها من جديد، وإن كان ضيقاً أو كان عدم إمكان النزع لبرد أو لعدم الأمن من الناظر، أو أَمِنَ الناظر وكان قادراً على النزع ولكن لم يكن عنده ساتر غيره، أتـمّ صلاته حينئذ ولا شيء عليه.
ويثبت نفس الحكم لمن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة، ولكنَّه احتمل وجودها قبل الدخول في الصلاة.
ـ في ما يُعفى عنه من النجاسة في الصلاة:
ما ذكر من اشتراط طهارة البدن والثوب إنما هو في غير الحالات التي ورد الترخيص ببقاء النجاسة فيها، وذلك تسهيلاً على العباد وتلطفاً من الباري تبارك وتعالى، وهي أمور:
1 ـ دم الجروح والقروح: يعفى عن الدم النازف من الجرح أو الحرق أو الدمل أو غيرها طوال فترة نزف الدم، وذلك حتى ينقطع الدم ويصبح ممكن التطهير من دون أن يتسبب التطهير في نكأ الجرح وتجدّد جريان الدم منه، وهذا هو معنى انقطاع الدم انقطاع برء.
وإنما يعفى عن الدم في خصوص لزوم المشقة والحرج من إزالة الدم وتطهيره عند معظم النّاس، وهي ما تسمى "بالمشقة النوعية"، ولو لم يكن ثمة حرج ومشقة على نفس الشخص.
م ـ 553: لا بُدَّ أن يكون الجرح مما يعتد به في حجمه وبلاغته، فلا يعفى عن دم الجروح الطفيفة والصغيرة التي لا يطول نزفها ويسرع برؤها.
م ـ 554: لا يختلف حكم العفو بين الجروح الظاهرة والباطنة، مثل نزف البواسير، وكذا مثل الرعاف إذا كان ناتجاً عن قرح أو جرح في الأنف.
م ـ 555: كما يعفى عن الدم الموجود على نفس الجرح يعفى عن تنجس أطرافه أيضاً، وذلك بالمقدار الذي يتعارف وصول الدم إليه من تلك الأطراف، وكذا يعفى عمّا جاور موضع الجرح من الثوب الذي يصيبه شيء من ذلك الدم، دون ما لو تقاطر الدم على المواضع البعيدة من الثوب، ودون يد المعالج وأدوات الجراحة ونحوها من الأمور الخارجة عن هذا الحدّ.
م ـ 556: الجروح المتقاربة المعتبرة جرحاً واحداً يجري عليها حكم الجرح الواحد، فلو برأ بعضها لم يجب غسلها حتى يبرأ الجميع.
م ـ 557: تجوز المبادرة للصلاة بدم الجروح والقروح حتى مع العلم بحصول البرء بعد فترة من الزمن وسعة الوقت.
م ـ 558: لا يمنع من العفو عن دم الجروح والقروح اختلاطه بمثل القيح والدواء ونحوهما، فإنَّ جميع ذلك معفو عنه.
م ـ 559: إذا شك في دم أنه من دم ما يعفى عنه أو لا، لم يُعفَ عنه. وإذا شك في برء جرح وعدم برئه، بنى على عدم برئه، ولم يجب تطهير الدم الخارج منه حتى يحصل اليقين بالبرء، كما في حالة الظلمة أو كون الجرح داخلياً أو نحوهما من الموانع.
2 ـ الدم القليل: يعفى عن الدم الذي تقل مساحة انتشاره عن سعة الدرهم، والأحوط اعتبارها بمقدار عقد الإصبع السبَّابة، وهي المجاورة للإبهام، بلا فرق بين ما كان على البدن أو اللباس، ولا بين ما كان من دم النفس أو الغير.
م ـ 560: لا يُعفى عن دم الحيض والاستحاضة والنفاس، ولا عن دم نجس العين، كالكلب والخنزير، ولا عن دم الميتة، ولا عن دم ما لا يؤكل لحمه على الأحوط وجوباً، مهما كان يسيراً.
وكذا لا يعفى عن الدم المختلط بغيره، من قيح أو دواء أو ماء، ولا عمّا تنجس بالدم من الأشربة ونحوها كاليد والأثاث إذا لاقت ثوب المصلي وبدنه بالنحو الذي تقدّم في أحكام التنجس. (
أنظر المسألة:80).
م ـ 561: قد يكون الدم من الكثرة بنحو ينفذ إلى الجهة الأخرى من الثوب، فإنه مهما كان سميكاً يعتبر دماً واحداً، ويلحق به ما لو كان للثوب بطانة ملتصقة به بطريقة تجعلها امتداداً للثوب وجزءاً منه بنحو يَعتبر العرف الدم النافذ إليها هو نفسه ذلك الدم الذي وقع على الظاهر، لا دماً ثانياً، أمّا إذا كانت البطانة غير معدودة كذلك، بل هي بمنزلة الثوب الآخر المجاور للثوب الأول، فإن دم الثوب ودم البطانة يعتبران دمين منفصلين، ومن أجل العفو عنهما لا بُدَّ أن يكون معاً دون مساحة الدرهم.
م ـ 562: إذا شك في أنَّ هذا الدم هل يبلغ المقدار المعفو عنه أو أنه أكثر، يبنى على كونه معفواً عنه إلاَّ أن يكون المكلّف عالماً قبل ذلك الشك أنَّ الدم أكثر من المقدار المعفو عنه. وإذا كانت سعة الدم أقل من مقدار الدرهم، لكنَّه شك في كونه من الدم المعفو عنه أو من غيره بنى على العفو كذلك، ولا يجب عليه الفحص، وتصح الصلاة به حتى لو انكشف بعدها أنه من غير المعفو عنه.
3 ـ الثوب غير الساتر للعورة: يُعفى عن نجاسة الثوب الذي لا يصلح وحده لستر العورة، كمثل الجورب والقلنسوة والحزام وربطة العنق والمنديل (الفوطة)، ونحو ذلك.
ولا يشمل العفو ما إذا كان غير الساتر متخذاً من أجزاء الميتة، أو من أجزاء نجس العين كالكلب والخنزير.
4 ـ المحمول النجس أو المتنجس: يُعفى عن المحمول النجس أو المتنجس، سواء كان مما تتم فيه الصلاة أو من غيره، كالقلم والكتاب والساعة والدراهم والمنديل ونحوها. بلا فرق بين أنواع النجاسات، بما في ذلك الميتة، وكذا نجس العين وإن كان الاحتياط فيه بالترك مما لا ينبغي تركه.
م ـ 563: إذا تنجس موضعان من بدنه ومن ثوبه، ولم يجد من الماء إلاَّ ما يكفي لتطهير أحدهما، لزمه تقديم البدن على الثوب، وإذا تنجس موضعان في بدنه أو في ثوبه، وجب عليه تقديم أوسعهما مساحة وأشدهما نجاسة، وذلك كأن يكون أحدهما من دم شاة مثلاً والآخر من دم الكلب، فإن كانا في مستوى واحد تخير بينهما.
م ـ 564: يُعفى عن كلّ نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار، وذلك عندما لا يتمكن من تطهير بدنه أو تحصيل ثوب طاهر للصلاة فيه، لمرض يمنعه من نزعه، أو برد شديد يشقّ تحمله، أو لفقدان الماء، أو لغير ذلك من أسباب الاضطرار والحرج، فيصلي فيه ولا يصلي عارياً إذا انحصر الساتر بالثوب المتنجس، ولا بُدَّ لجواز الصلاة في النجس من إحراز عدم زوال العذر في وقت الصلاة، وإلاَّ وجب عليه الانتظار إلى حين التمكن من الصلاة مع الطهارة.
هذا ولا تجب عليه الإعادة في الوقت لو صادف ارتفاع العذر فيه، كما أنه لا يجب القضاء مطلقاً في خارج الوقت.