قد تكون بعض مشاكلنا، أنّ مسألة الثّقافة عندنا، هي مسألة أن يحوِّل الإنسان عقله إلى مكتبة، مكتبة تتجمَّع فيها الكتب بطريقةٍ فنيّة، ولكنّه لا يحوّل كيانه إلى فكر يمتصّ كلّ ما في هذه الكتب، ليكون الإنسان الّذي يعيش الكتاب ولا يستهلكه، تلك هي المشكلة في الثّقافة عندنا، لدينا مثقّفون كثيرون، ولكن لا نتحسّس هذه الثقافة في الوجدان الروحيّ للإنسان، لأنّ الإنسان يفكّر بعقله ولكن يتحرَّك بغريزته، وربما تفرض الغرائزيّة نفسها على العقل، فيتحوّل إلى شيء فوضويّ، لا تُعرف فيه حدود العقل من حدود الغريزة.. وهذا ما جعل المسألة الثقافيّة في كثيرٍ من مواقعها، مسألةً بعيدةً عن إنسانيّة الإنسان في حركته الإنسانيّة، لتكون مجرّد شيء يختزنه الفكر، ولكنّه لا يجري مجرى الدّم في العروق.
ربما نحتاج أن نحرّك الثقافة في وجداننا الشعوريّ وفي وجداننا الحركيّ، حتَّى نستطيع أن نؤنْسِنَ الثَّقافة، فنجعل هناك إنسان ثقافة، ولا تبقى عندنا مجرّد ثقافة إنسان.. وهناك فرق بين أن تكون هناك ثقافة إنسان، وبين أن يكون هناك إنسان ثقافة.
إنّ مسألة أن يكون الإنسان إنسان ثقافة، معناه أنّ الثّقافة تتحرّك في الأرض، وتمثّل روح الإنسان وفكره ووجدانه وتطلّعاته وحتّى أحلامه، لأنّنا قد نحتاج إلى أن تكون لدينا أحلام مثقّفة، لأنّ الأحلام المثقّفة تستطيع أن توازن تطلّعات الإنسان في حركته في الواقع، وفي حركته نحو المستقبل.
تشكّل الوعي
وهكذا عندما نريد أن نتحدّث عن مسألة الوعي، الّذي هو نتيجة ثقافة علمٍ نقرأه ونسمعه، وثقافة علم نجرّبه ونعيشه.. مسألة الوعي ليست مسألة تُصنع، ولكنّها مسألة تُعاش.. قد تجد إنساناً تصنعه الجامعات، ولكنّه لا يملك أيّ وعي، وقد تجد إنساناً أميّاً، فيما هي القراءة والكتابة، ولكنّه يعيش أعمق معاني الوعي، لأنّه استطاع أن يرتبط بالحياة بشكلٍ مباشر، بحيث يجد في كلّ ما يواجهه في حركة هذه الحياة شيئاً يفتح عقله ويفتح قلبه.
أظنّ أنّ أمثالنا يمثّل خلاصة التّجربة الإنسانيّة الّتي تجمّعت لدى الأجيال من خلال ما عاشته.. هناك مثل عاميّ [لبناني] يقول: "اسأل مجرِّباً ولا تسأل حكيماً"، طبعاً يقصدون من الحكيم [ الطبيب]، المتعلّم.. إنّ المجرّب يصنع الفكرة من خلال التّجربة، أمّا الذي يقرأ، فإنّه يقرأ تجربة الآخرين، الفكرة عند هذا الإنسان هي سمعه وبصره وشمّه وذوقه.
وإنّني أتصوّر ـ فيما هي التّجربة والفكرة ـ لو أنّنا كتبنا ألف قصيدةٍ في وصف العِطر، لما استطعنا أن نختزن في داخلنا معنى العِطر، فيما إذا انطلقنا من شمّة عطرٍ تنفذُ إلى كلّ إحساسنا وعروقنا.. إنّ الإنسان في كلّ إبداعه في وصف الحياة، لم يستطع أن يجعل حركة الفنّ بديلاً من الارتباط بالحياة، ولذلك فنحن قد نحتاج من أجل أن نحصل على هذا الوعي، إلى أن نحدّق بالواقع أكثر مما نقرأ الكتب.
أنا لا أريد هنا أن أهوِّن من قراءة اكتب، فالكتب هي تجارب الأجيال، وهي تمثّل عمق الإحساس بالقضايا الكبرى في الحياة، ولكنّنا نريد أن نقول: إنها لا تمثّل البديل من الارتباط بالحياة.
ولعلّ مشكلة الكثيرين منّا، أنهم يصنعون عقولهم وقلوبهم من خلال ما يقرأون، ثم يحاولون أن يسْخروا مما يعيشون؛ إنّهم هؤلاء المثقّفون الّذين ينظرون إلى الحياة من فوق، وإلى الإنسان من فوق، فيُخيّل إليهم أنّهم تفوّقوا على هذا الإنسان، ولكنّهم في الواقع لم يكونوا صورة حياتهم، بل كانوا صورة الآخرين.
إنّ المسألة هي أنّ حركة الوعي لا يمكن أن تنطلق من خلال تراثٍ نقرأه، أو نفكّر فيه، لأنّ مشكلة ذلك التراث، أنّه كان يمثّل وعي بعض النّاس في تجربتهم، وفي الظّروف الموضوعيّة الّتي تحيط بهم، ولذلك فقد يكون وعينا من خلال ظروفنا، مختلفاً في حركة التّجربة، عن وعي الآخرين ، لأنّ تجربتهم تختلف عن تجربتنا...
لذلك، لا بدَّ من أن يكون لدينا تمازج بين حركة ما هو الفكر في التَّاريخ، وما هو الواقع في حياتنا، من أجل أن نصنع في حياتنا شيئاً جديداً ينطلق من خلال تجربتنا الجديدة...
[كتاب: للإنسان والحياة].
قد تكون بعض مشاكلنا، أنّ مسألة الثّقافة عندنا، هي مسألة أن يحوِّل الإنسان عقله إلى مكتبة، مكتبة تتجمَّع فيها الكتب بطريقةٍ فنيّة، ولكنّه لا يحوّل كيانه إلى فكر يمتصّ كلّ ما في هذه الكتب، ليكون الإنسان الّذي يعيش الكتاب ولا يستهلكه، تلك هي المشكلة في الثّقافة عندنا، لدينا مثقّفون كثيرون، ولكن لا نتحسّس هذه الثقافة في الوجدان الروحيّ للإنسان، لأنّ الإنسان يفكّر بعقله ولكن يتحرَّك بغريزته، وربما تفرض الغرائزيّة نفسها على العقل، فيتحوّل إلى شيء فوضويّ، لا تُعرف فيه حدود العقل من حدود الغريزة.. وهذا ما جعل المسألة الثقافيّة في كثيرٍ من مواقعها، مسألةً بعيدةً عن إنسانيّة الإنسان في حركته الإنسانيّة، لتكون مجرّد شيء يختزنه الفكر، ولكنّه لا يجري مجرى الدّم في العروق.
ربما نحتاج أن نحرّك الثقافة في وجداننا الشعوريّ وفي وجداننا الحركيّ، حتَّى نستطيع أن نؤنْسِنَ الثَّقافة، فنجعل هناك إنسان ثقافة، ولا تبقى عندنا مجرّد ثقافة إنسان.. وهناك فرق بين أن تكون هناك ثقافة إنسان، وبين أن يكون هناك إنسان ثقافة.
إنّ مسألة أن يكون الإنسان إنسان ثقافة، معناه أنّ الثّقافة تتحرّك في الأرض، وتمثّل روح الإنسان وفكره ووجدانه وتطلّعاته وحتّى أحلامه، لأنّنا قد نحتاج إلى أن تكون لدينا أحلام مثقّفة، لأنّ الأحلام المثقّفة تستطيع أن توازن تطلّعات الإنسان في حركته في الواقع، وفي حركته نحو المستقبل.
تشكّل الوعي
وهكذا عندما نريد أن نتحدّث عن مسألة الوعي، الّذي هو نتيجة ثقافة علمٍ نقرأه ونسمعه، وثقافة علم نجرّبه ونعيشه.. مسألة الوعي ليست مسألة تُصنع، ولكنّها مسألة تُعاش.. قد تجد إنساناً تصنعه الجامعات، ولكنّه لا يملك أيّ وعي، وقد تجد إنساناً أميّاً، فيما هي القراءة والكتابة، ولكنّه يعيش أعمق معاني الوعي، لأنّه استطاع أن يرتبط بالحياة بشكلٍ مباشر، بحيث يجد في كلّ ما يواجهه في حركة هذه الحياة شيئاً يفتح عقله ويفتح قلبه.
أظنّ أنّ أمثالنا يمثّل خلاصة التّجربة الإنسانيّة الّتي تجمّعت لدى الأجيال من خلال ما عاشته.. هناك مثل عاميّ [لبناني] يقول: "اسأل مجرِّباً ولا تسأل حكيماً"، طبعاً يقصدون من الحكيم [ الطبيب]، المتعلّم.. إنّ المجرّب يصنع الفكرة من خلال التّجربة، أمّا الذي يقرأ، فإنّه يقرأ تجربة الآخرين، الفكرة عند هذا الإنسان هي سمعه وبصره وشمّه وذوقه.
وإنّني أتصوّر ـ فيما هي التّجربة والفكرة ـ لو أنّنا كتبنا ألف قصيدةٍ في وصف العِطر، لما استطعنا أن نختزن في داخلنا معنى العِطر، فيما إذا انطلقنا من شمّة عطرٍ تنفذُ إلى كلّ إحساسنا وعروقنا.. إنّ الإنسان في كلّ إبداعه في وصف الحياة، لم يستطع أن يجعل حركة الفنّ بديلاً من الارتباط بالحياة، ولذلك فنحن قد نحتاج من أجل أن نحصل على هذا الوعي، إلى أن نحدّق بالواقع أكثر مما نقرأ الكتب.
أنا لا أريد هنا أن أهوِّن من قراءة اكتب، فالكتب هي تجارب الأجيال، وهي تمثّل عمق الإحساس بالقضايا الكبرى في الحياة، ولكنّنا نريد أن نقول: إنها لا تمثّل البديل من الارتباط بالحياة.
ولعلّ مشكلة الكثيرين منّا، أنهم يصنعون عقولهم وقلوبهم من خلال ما يقرأون، ثم يحاولون أن يسْخروا مما يعيشون؛ إنّهم هؤلاء المثقّفون الّذين ينظرون إلى الحياة من فوق، وإلى الإنسان من فوق، فيُخيّل إليهم أنّهم تفوّقوا على هذا الإنسان، ولكنّهم في الواقع لم يكونوا صورة حياتهم، بل كانوا صورة الآخرين.
إنّ المسألة هي أنّ حركة الوعي لا يمكن أن تنطلق من خلال تراثٍ نقرأه، أو نفكّر فيه، لأنّ مشكلة ذلك التراث، أنّه كان يمثّل وعي بعض النّاس في تجربتهم، وفي الظّروف الموضوعيّة الّتي تحيط بهم، ولذلك فقد يكون وعينا من خلال ظروفنا، مختلفاً في حركة التّجربة، عن وعي الآخرين ، لأنّ تجربتهم تختلف عن تجربتنا...
لذلك، لا بدَّ من أن يكون لدينا تمازج بين حركة ما هو الفكر في التَّاريخ، وما هو الواقع في حياتنا، من أجل أن نصنع في حياتنا شيئاً جديداً ينطلق من خلال تجربتنا الجديدة...
[كتاب: للإنسان والحياة].