كتابات
14/02/2023

هل الدِّينُ قواعدُ ثابتةٌ أم عناوينُ متغيِّرة؟

هل الدِّينُ قواعدُ ثابتةٌ أم عناوينُ متغيِّرة؟

ربما يُثار سؤال عن الدين: هل يطالُ الدّينُ تفاصيلَ الاجتماع الإنساني، بحيث يضع لكلّ مفردة من مفردات الحياة حكماً أو عنواناً تفصيليَّاً يحدِّد فيه للإنسان طبيعة التحرك الجزئي فيها، أم أنَّه عبارة عن قواعد وعناوين كليَّة تتحرَّك وتتبدَّل بتغير الأزمنة والأحوال؟

والجواب، أنَّ الخطوط الدينيَّة قد تختلف في هذه المقاربة، فقد نجد أحكاماً تفصيليَّة تتصل بالأفعال الإنسانيَّة في الواجبات والمحرّمات، لتلزم الإنسان بالفعل أو الترك في عناوين محدَّدة، مما لا مجال لتجاوزه حتى مع تغيّر الزمان والمكان والأحوال، إلَّا في الأوضاع التي يسقط فيها اختيار الإنسان وإرادته عن الفعل أو الترك بفعل الضّغوط الخارجيَّة المؤثّرة في هذا أو ذاك.

وربما تنطلق هذه المسألة من ثبات المصالح والمفاسد الَّتي يختزنها الفعل في عناصره الذاتيَّة التي لا علاقة فيها للطَّوارئ الخارجيَّة السلبيَّة والإيجابيَّة، وقد نجد هناك عناوين عامَّة متحركة في الواقع، بحيث يمكن لتطبيقها أن يحمل معنى واقعيّاً في هذا المجال، ومعنى غير واقعيّ في ذاك، بلحاظ ما يحيط بها من عناصر وعوامل وأوضاع، كما في عنوان الضَّرر والحرج وقضايا الحريَّة والعدل والظّلم، مما لا بدَّ فيه للفقيه من ملاحقة الواقع في تطبيق هذا العنوان على هذا الموضوع أو على ذاك الموضوع، فقد يكون الشَّيء عدلاً في وقت لثبوت الحقّ الَّذي يُراد إعطاؤه لهذا الشَّخص، وقد يكون ظلماً في وقت، لانتفاء الحقّ، فلا يبقى موضوعاً للعدل.

ومن الطبيعيّ أنَّ تمييز ذلك وتطبيقه يحتاجان إلى الفقيه في دراسته للخطّ الفقهيّ مقارناً بالواقع، مما يمكن للاجتهادات أن تختلف فيه، ومما يمكن للزمان والمكان أن يتدخَّلا فيه، وإذا كانت الاختلافات التقويميَّة في الاجتهادات التطبيقيَّة قد توجد بعض السلبيَّات، فإنَّ إيجابيَّات التعدّدية الفقهيَّة قد تمنح السَّاحة الكثير من الحيويَّة التي قد يكتشف الناس في تنوّعاتها أكثر من عنصر حيّ فاعل في الواقع الإنساني كلّه، ولا سيَّما أنَّ النصَّ الَّذي قد يكون محدوداً في المعنى، قد يحمل الكثير من الإيحاءات الَّتي تعطي الحركية الحيَّة للمعنى في الواقع.

وفي إطار تناول هذه المسألة، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الممارسة الدينيَّة في تنوّع التصوّر الإنساني للدّين وانفتاحه عليه، قد تحمل بعض السلبيَّات النَّاتجة من الخطأ في التصور، أو الانحراف في الحركة، أو التخلّف في الوعي، أو التعصّب في الانتماء، الأمر الَّذي يؤدّي إلى نتائج سلبيَّة في غير صالح المجتمع.

ولعلّ هذا هو السبب في المشاكل المعقَّدة التي عاشت في الماضي والحاضر في الخلافات الطائفيَّة، والحروب الدينيَّة، والحساسيات المذهبيَّة، فالناس الذين عاشوا في هذا الواقع، لم يأخذوا بالرحابة الدينيَّة في آفاق القيم الروحيَّة والأخلاقيَّة، بل أخذوا بالدّوائر الضيّقة التي تحبس الفكر في زنزانة الجهل، وتحاصر الرّوح في زوايا التخلّف.

ولمعالجة هذه المسألة، لا بدَّ من العمل الدَّائم على رفع مستوى الوعي الدّيني في ذهنيّة المتديّنين، وتوضيح القيم الدينيّة في أصولها وفروعها، في الأبحاث والوصايا والمواعظ في الخطاب الديني، وملاحقة كلّ عناصر التخلف في الواقع المألوف، لأنَّ المشاكل الناتجة من التخلف والجهل، لا يمكن معالجتها بعيداً من ذلك. ومن هنا، يفترض أن تأتي الحلول لأيّ مشكلة من خلال دراسة كلّ عناصرها وجذورها، لتكون الحلول واقعيّة وشاملة.

إنها مهمَّة الفقهاء في الأفق الواسع الذي ينفتحون فيه على الفقه في أبعاده الإنسانيَّة، ومهمَّة المفكرين والمرشدين والواعظين في تحريك الفكرة والحكمة والجوّ نحو دين منفتح على الآخر، بدلاً من الانغلاق عليه.

* من كتاب "الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل".

ربما يُثار سؤال عن الدين: هل يطالُ الدّينُ تفاصيلَ الاجتماع الإنساني، بحيث يضع لكلّ مفردة من مفردات الحياة حكماً أو عنواناً تفصيليَّاً يحدِّد فيه للإنسان طبيعة التحرك الجزئي فيها، أم أنَّه عبارة عن قواعد وعناوين كليَّة تتحرَّك وتتبدَّل بتغير الأزمنة والأحوال؟

والجواب، أنَّ الخطوط الدينيَّة قد تختلف في هذه المقاربة، فقد نجد أحكاماً تفصيليَّة تتصل بالأفعال الإنسانيَّة في الواجبات والمحرّمات، لتلزم الإنسان بالفعل أو الترك في عناوين محدَّدة، مما لا مجال لتجاوزه حتى مع تغيّر الزمان والمكان والأحوال، إلَّا في الأوضاع التي يسقط فيها اختيار الإنسان وإرادته عن الفعل أو الترك بفعل الضّغوط الخارجيَّة المؤثّرة في هذا أو ذاك.

وربما تنطلق هذه المسألة من ثبات المصالح والمفاسد الَّتي يختزنها الفعل في عناصره الذاتيَّة التي لا علاقة فيها للطَّوارئ الخارجيَّة السلبيَّة والإيجابيَّة، وقد نجد هناك عناوين عامَّة متحركة في الواقع، بحيث يمكن لتطبيقها أن يحمل معنى واقعيّاً في هذا المجال، ومعنى غير واقعيّ في ذاك، بلحاظ ما يحيط بها من عناصر وعوامل وأوضاع، كما في عنوان الضَّرر والحرج وقضايا الحريَّة والعدل والظّلم، مما لا بدَّ فيه للفقيه من ملاحقة الواقع في تطبيق هذا العنوان على هذا الموضوع أو على ذاك الموضوع، فقد يكون الشَّيء عدلاً في وقت لثبوت الحقّ الَّذي يُراد إعطاؤه لهذا الشَّخص، وقد يكون ظلماً في وقت، لانتفاء الحقّ، فلا يبقى موضوعاً للعدل.

ومن الطبيعيّ أنَّ تمييز ذلك وتطبيقه يحتاجان إلى الفقيه في دراسته للخطّ الفقهيّ مقارناً بالواقع، مما يمكن للاجتهادات أن تختلف فيه، ومما يمكن للزمان والمكان أن يتدخَّلا فيه، وإذا كانت الاختلافات التقويميَّة في الاجتهادات التطبيقيَّة قد توجد بعض السلبيَّات، فإنَّ إيجابيَّات التعدّدية الفقهيَّة قد تمنح السَّاحة الكثير من الحيويَّة التي قد يكتشف الناس في تنوّعاتها أكثر من عنصر حيّ فاعل في الواقع الإنساني كلّه، ولا سيَّما أنَّ النصَّ الَّذي قد يكون محدوداً في المعنى، قد يحمل الكثير من الإيحاءات الَّتي تعطي الحركية الحيَّة للمعنى في الواقع.

وفي إطار تناول هذه المسألة، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الممارسة الدينيَّة في تنوّع التصوّر الإنساني للدّين وانفتاحه عليه، قد تحمل بعض السلبيَّات النَّاتجة من الخطأ في التصور، أو الانحراف في الحركة، أو التخلّف في الوعي، أو التعصّب في الانتماء، الأمر الَّذي يؤدّي إلى نتائج سلبيَّة في غير صالح المجتمع.

ولعلّ هذا هو السبب في المشاكل المعقَّدة التي عاشت في الماضي والحاضر في الخلافات الطائفيَّة، والحروب الدينيَّة، والحساسيات المذهبيَّة، فالناس الذين عاشوا في هذا الواقع، لم يأخذوا بالرحابة الدينيَّة في آفاق القيم الروحيَّة والأخلاقيَّة، بل أخذوا بالدّوائر الضيّقة التي تحبس الفكر في زنزانة الجهل، وتحاصر الرّوح في زوايا التخلّف.

ولمعالجة هذه المسألة، لا بدَّ من العمل الدَّائم على رفع مستوى الوعي الدّيني في ذهنيّة المتديّنين، وتوضيح القيم الدينيّة في أصولها وفروعها، في الأبحاث والوصايا والمواعظ في الخطاب الديني، وملاحقة كلّ عناصر التخلف في الواقع المألوف، لأنَّ المشاكل الناتجة من التخلف والجهل، لا يمكن معالجتها بعيداً من ذلك. ومن هنا، يفترض أن تأتي الحلول لأيّ مشكلة من خلال دراسة كلّ عناصرها وجذورها، لتكون الحلول واقعيّة وشاملة.

إنها مهمَّة الفقهاء في الأفق الواسع الذي ينفتحون فيه على الفقه في أبعاده الإنسانيَّة، ومهمَّة المفكرين والمرشدين والواعظين في تحريك الفكرة والحكمة والجوّ نحو دين منفتح على الآخر، بدلاً من الانغلاق عليه.

* من كتاب "الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية