كتابات
08/02/2023

المؤمنُ قويٌّ بعزَّتِهِ ولا تهزُّهُ الإغراءاتُ والتحدّيات

المؤمنُ قويٌّ بعزَّتِهِ ولا تهزُّهُ الإغراءاتُ والتحدّيات

من المفاهيم القرآنيَّة التي اهتمَّ بها الإسلام في القرآن، مفهوم (العزّة)، فلقد جعلها الله تعالى لنفسه {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ}[فاطر: 10].

وقد تحدَّث هؤلاء الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، والَّذين سمّاهم الله سبحانه بــ (المنافقين): {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً}[النساء: 138 – 139].

وهكذا نرى أنّ الله سبحانه وتعالى يتحدَّث عن العزَّة لذاته المقدَّسة، كما يتحدَّث عن العزّة لرسوله وللمؤمنين، ما يوحي بأنَّ هذا المفهوم أصيلٌ في معنى القيمة في أيّ ذات، حتى الذات الإلهيَّة التي تختزن العزّ كلَّه، من حيث إنّها تختزن القوَّة كلّها، لأنَّ قضيَّة أن تكون عزيزاً هي قضيَّة أن لا ينفذ الضّعف إليك، ذلك لأنَّ الذلّ ينفذ إلى الإنسان من خلال الضّعف الذي يستغلّه القويّ ليسقط ذاته أو يحطّم موقعه.

أمّا عندما يكون الوجود كلّه قوَّة، لا ضعف فيه ولو بأصغر نسبة، فإنَّ من الطبيعي أن تكون العزّة له. فلقد تحدَّث الله عن نفسه بقوله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً}[البقرة: 165]، لأنَّ كل قويّ يستمدّ قوَّته منه، ومن خلال ذلك، فإنّ كل عزيز يستمدّ عزّته منه، من خلال هذه القوة الموهوبة له.

ولهذا رأينا أنَّ الله يتحدّث بالتفصيل في هذه المسألة العامَّة، في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 26]، فالعزّة منه، والذلّة منه، لأنَّ القوَّة منه والضَّعف منه، ولأنّه الخالق لذلك كلّه.

وفي ضوء هذا، أراد الله لرسوله أن يأخذ بالعزّة، فلا يضعف أمام أيّ مخلوق، وأمام أيّ موقع، ليبقى عزيزاً قويّاً أمام الإغراء، فلا يذلّ نفسه من أجل إغراء يجتذبه، فهو أكبر من الشَّهوة ومن اللّذَّة، وبذلك يكون أقوى من الإغراء، وهذا ما تمثّلناه في كلمة الرَّسول (ص)، عندما جاءه عمّه "أبو طالب" يعرض عليه ما عرضته قريش من الملك إنْ شاء مُلْكاً، ومن المال إنْ شاء مالاً، ومن الجاه إنْ شاء جاهاً، فقال له الكلمة الخالدة: "يا عمّ، والله لو وضعوا الشَّمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتَّى يظهره الله أو أهلك فيه"1. وهكذا رأيناه يصمد أمام التخويف، فقد اندفع إليه كلّ أولئك العتاة من أهل (الطائف)؛ هذا يشتمه، وهذا يرميه بحجر، وذاك يدفعه، حتى أخرجوه من الطائف، واستند إلى شجرة هناك، وقال كلمته الخالدة التي يخاطب الله فيها: "إنْ لم يكن بكَ عليّ غضبٌ فلا أُبالي"2.

ومن هنا، كان رسول الله (ص) القويّ أمام التخويف، الذي لا يجد في نفسه أيّ ضعف، لأنّ نفسه اختزنت القوَّة من الله سبحانه وتعالى، فلم يبقَ فيها شيء من الضّعف، وانعكس ذلك عندما {أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}[التوبة: 40].

وهكذا أراد للمؤمنين أن يكونوا الأعزّاء {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8]، لأنَّ الله أراد للمؤمنين أن يكونوا أقوياء أمام الإغراء، فلا يسقطوا أمام لذّةٍ تعرض عليهم، أو شهوة تجتذبهم، أو مال يمكن أن يسقط إرادتهم، ولا يسقطوا أمام التخويف أيضاً، وهذا ما حدّثنا الله عنه في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}وسيهجمون عليكم، وسيقتلونكم، وسيسقطونكم، وسيصادرون كلّ شيء فيكم {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً}[آل عمران: 173]، لأنّهم عندما خوَّفهم الناس بقوَّة الناس، انفتحت عليهم قوّة الله كمثل الشَّمس، وبدأوا يقارنون بين قوَّة الناس المتناثرة في إنسان يملك بعض القوَّة ومعها الكثير من الضّعف، ويتطلّعون إلى الله القويّ الَّذي له القدرة جميعاً، ويشعرون بأنَّ هؤلاء الأقوياء استمدّوا القوَّة من الله، وهو القادر على أن يسلبهم قوّتهم، لأنّه الذي أعطاهم الحياة، وهو القادر على أن يسلبهم الحياة، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ}[فاطر: 15 – 17].

* من كتاب "النّدوة"، ج2.

[1]أعيان الشّيعة، السيّد محسن الأمين، ج8، ص 115.

[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج: 19، ص: 309.

من المفاهيم القرآنيَّة التي اهتمَّ بها الإسلام في القرآن، مفهوم (العزّة)، فلقد جعلها الله تعالى لنفسه {فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ}[فاطر: 10].

وقد تحدَّث هؤلاء الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، والَّذين سمّاهم الله سبحانه بــ (المنافقين): {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً}[النساء: 138 – 139].

وهكذا نرى أنّ الله سبحانه وتعالى يتحدَّث عن العزَّة لذاته المقدَّسة، كما يتحدَّث عن العزّة لرسوله وللمؤمنين، ما يوحي بأنَّ هذا المفهوم أصيلٌ في معنى القيمة في أيّ ذات، حتى الذات الإلهيَّة التي تختزن العزّ كلَّه، من حيث إنّها تختزن القوَّة كلّها، لأنَّ قضيَّة أن تكون عزيزاً هي قضيَّة أن لا ينفذ الضّعف إليك، ذلك لأنَّ الذلّ ينفذ إلى الإنسان من خلال الضّعف الذي يستغلّه القويّ ليسقط ذاته أو يحطّم موقعه.

أمّا عندما يكون الوجود كلّه قوَّة، لا ضعف فيه ولو بأصغر نسبة، فإنَّ من الطبيعي أن تكون العزّة له. فلقد تحدَّث الله عن نفسه بقوله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعاً}[البقرة: 165]، لأنَّ كل قويّ يستمدّ قوَّته منه، ومن خلال ذلك، فإنّ كل عزيز يستمدّ عزّته منه، من خلال هذه القوة الموهوبة له.

ولهذا رأينا أنَّ الله يتحدّث بالتفصيل في هذه المسألة العامَّة، في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 26]، فالعزّة منه، والذلّة منه، لأنَّ القوَّة منه والضَّعف منه، ولأنّه الخالق لذلك كلّه.

وفي ضوء هذا، أراد الله لرسوله أن يأخذ بالعزّة، فلا يضعف أمام أيّ مخلوق، وأمام أيّ موقع، ليبقى عزيزاً قويّاً أمام الإغراء، فلا يذلّ نفسه من أجل إغراء يجتذبه، فهو أكبر من الشَّهوة ومن اللّذَّة، وبذلك يكون أقوى من الإغراء، وهذا ما تمثّلناه في كلمة الرَّسول (ص)، عندما جاءه عمّه "أبو طالب" يعرض عليه ما عرضته قريش من الملك إنْ شاء مُلْكاً، ومن المال إنْ شاء مالاً، ومن الجاه إنْ شاء جاهاً، فقال له الكلمة الخالدة: "يا عمّ، والله لو وضعوا الشَّمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتَّى يظهره الله أو أهلك فيه"1. وهكذا رأيناه يصمد أمام التخويف، فقد اندفع إليه كلّ أولئك العتاة من أهل (الطائف)؛ هذا يشتمه، وهذا يرميه بحجر، وذاك يدفعه، حتى أخرجوه من الطائف، واستند إلى شجرة هناك، وقال كلمته الخالدة التي يخاطب الله فيها: "إنْ لم يكن بكَ عليّ غضبٌ فلا أُبالي"2.

ومن هنا، كان رسول الله (ص) القويّ أمام التخويف، الذي لا يجد في نفسه أيّ ضعف، لأنّ نفسه اختزنت القوَّة من الله سبحانه وتعالى، فلم يبقَ فيها شيء من الضّعف، وانعكس ذلك عندما {أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}[التوبة: 40].

وهكذا أراد للمؤمنين أن يكونوا الأعزّاء {وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: 8]، لأنَّ الله أراد للمؤمنين أن يكونوا أقوياء أمام الإغراء، فلا يسقطوا أمام لذّةٍ تعرض عليهم، أو شهوة تجتذبهم، أو مال يمكن أن يسقط إرادتهم، ولا يسقطوا أمام التخويف أيضاً، وهذا ما حدّثنا الله عنه في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}وسيهجمون عليكم، وسيقتلونكم، وسيسقطونكم، وسيصادرون كلّ شيء فيكم {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً}[آل عمران: 173]، لأنّهم عندما خوَّفهم الناس بقوَّة الناس، انفتحت عليهم قوّة الله كمثل الشَّمس، وبدأوا يقارنون بين قوَّة الناس المتناثرة في إنسان يملك بعض القوَّة ومعها الكثير من الضّعف، ويتطلّعون إلى الله القويّ الَّذي له القدرة جميعاً، ويشعرون بأنَّ هؤلاء الأقوياء استمدّوا القوَّة من الله، وهو القادر على أن يسلبهم قوّتهم، لأنّه الذي أعطاهم الحياة، وهو القادر على أن يسلبهم الحياة، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ}[فاطر: 15 – 17].

* من كتاب "النّدوة"، ج2.

[1]أعيان الشّيعة، السيّد محسن الأمين، ج8، ص 115.

[2]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج: 19، ص: 309.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية