كتابات
08/02/2023

مسؤوليّةُ التَّوبةِ والابتعادِ عن أجواءِ المعصيةِ والانحراف

مسؤوليّةُ التَّوبةِ والابتعادِ عن أجواءِ المعصيةِ والانحراف

إنَّ علينا أن نفكِّر أنَّ من حقّ الله علينا، وهو الَّذي خَلَقَنَا وَرَزَقَنا ويرعانا في كلّ شيء، أن نطيعه، وأن لا نعصيه، فإذا عصيناه، فقد أسأنا إلى حقّه علينا، وإذا أسأتَ إلى مَنْ أنعم عليك بكلّ النِّعَم التي تحيط بك، فإنَّ من الطبيعي إذا كنتَ واعياً لمعنى النِّعمة، وواعياً لعظمة الله، أن تبادر إلى طلب المسامحة منه، وأن تستغفره، وأن تعلن النَّدم على ما أسلفت في مواجهته وفي الإساءة إليه؛ ألا تفعلون ذلك أمام النَّاس الذين لا قيمة لهم مع الله؟ ألا تفعلون ذلك عندما تخطئون مع الَّذين ترغبون في ثوابهم وتخافون من عقابهم؟ ألا تعمدون إلى أن تعلنوا لهم الاعتذار والنَّدم؟ فلماذا لا نفعل مع الله ما نفعله مع عباد الله؟ لماذا لا نفوّت التَّوبة مع الذين نخطئ معهم من الَّذين يملكون بعض القوّة في الحياة، ولماذا نسوِّف التَّوبة مع الله؟

لا بدَّ من أن نفكّر في المسألة من موقع علاقتنا بربّنا، ومن موقعنا كعباد الله أمام الله سبحانه وتعالى، ثم أنتَ تفكّر، إنّي أتوب بعد عشرين سنة، فلنناقش المسألة: مَن يضمن لكَ أنّك تعيش بعد عشرين سنة، ثمّ مَن يضمن لك عندما تعيش عشرين سنة، أن تبقى عندك عقليَّة التوبة بعد ذاك؟! إنَّ الإنسان عندما تعيش الخطيئة في شخصيَّته، وعندما تتعمَّق الأخطاء في ذاته، فإنّه لن يتوب بعد ذلك، إنَّ القلب ينتكس. الأحاديث الشريفة تقول: إنَّ الإنسان إذا أذنب ذنباً، نقطت في قلبه نقطة سوداء، فإذا تاب زالت تلك النقطة، ثمّ إذا أخطأ تتوسَّع تلك النقطة، وبتتابع الخطايا، تتوسّع النقطة السوداء في قلبه، حتّى يسودّ القلب وينتكس، حتّى يصبح أسفله أعلاه، وأعلاه أسفله، فيرى الحسن قبيحاً والقبيح حَسَناً.

إنَّك عندما تمتدّ في الخطايا، فإنّها تترك تأثيراً في عقليَّتك، وتترك تأثيراً في روحيَّتك، وتترك تأثيراً في إرادتك، فتكون عقليَّتك عقليَّة الضَّلال، وروحيَّتك روحيَّة الانحراف، وتكون إرادتك إرادة المعصية لله سبحانه وتعالى، لهذا ليس هناك من طمأنينة في هذا المجال. والمطلوب أن نلتفت جيِّداً إلى أنفسنا، لنحافظ على سلامة الخطّ الإلهيّ المستقيم في شخصيَّتنا، وذلك بأن ننفصل دائماً عن الأجواء التي نعيش فيها [المعصية والانحراف].

إنَّنا مشدودون إلى الحياة الاجتماعيَّة من حولنا، وإلى أهلنا، وإلى أصدقائنا، وإلى الأجواء السياسيّة والأمنية والاقتصادية من حولنا، ومن خلال هذا الإنشداد إلى كلّ هذه الأجواء، نحن نعيش الغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، ونعيش الغفلة عن ذكر الآخرة. إنَّنا نستغرق في الجوّ الاجتماعيّ، نستغرق في أجواء أهلنا وأولادنا وأزواجنا، نستغرق في أجواء العائلة، فنتعصَّب للأجواء العائليَّة تعصُّباً نستسيغ فيه حتّى قتل النَّفس التي حرَّم الله، وهكذا نستغرق في أجواء العصبيَّة السياسيَّة، في ما ننتمي إليه من محاور حزبية سياسية، حتّى نندفع بالعصبية إلى الدرجة التي نبرِّر لأنفسنا كلّ خطيئة وكلّ معصية، ونكون الظالمين بعد أن كنّا الثَّورة على الظالمين.

هذا الاستغراق في الأجواء التي يخيَّل إلى الإنسان فيها من خلال بعده عن الله، وغفلته عن ذكر الله، وعدم حسبان اليوم الآخر، يجعلنا نرى سيّئات أعمالنا حسنات {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً...}[فاطر: 8].

هذا الجوّ يحتاج منّا إلى مراقبة وتدقيق لأعمالنا، "لا يغرَّنَّكَ سوادُ الناس من نفسك"1، ربّما توحي إليك نفسك، أيّها الخاطئ، بكلمات تزيّن لكَ أنّك مصيب، ربّما تكون في وضع اجتماعي أو سياسي يوحي إليك بأنَّك المحسن، فيما أنتَ في الواقع مسيء، وبهذا تمتدّ في إساءتك، وتمتدّ في معصيتك، وترى دائماً أنّكَ لستَ مخطئاً. ولأنَّ الناس يصفِّقون لك، ويمدحونك، ويقدِّسون أخطاءك، ويباركون سيِّئاتك، فإنَّك تشعر بأنّك سائر على الخطِّ، في الوقت الذي تعيش الانحراف الكبير عن الخطّ المستقيم.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

[1]نهج البلاغة، ج2، ص 15.

إنَّ علينا أن نفكِّر أنَّ من حقّ الله علينا، وهو الَّذي خَلَقَنَا وَرَزَقَنا ويرعانا في كلّ شيء، أن نطيعه، وأن لا نعصيه، فإذا عصيناه، فقد أسأنا إلى حقّه علينا، وإذا أسأتَ إلى مَنْ أنعم عليك بكلّ النِّعَم التي تحيط بك، فإنَّ من الطبيعي إذا كنتَ واعياً لمعنى النِّعمة، وواعياً لعظمة الله، أن تبادر إلى طلب المسامحة منه، وأن تستغفره، وأن تعلن النَّدم على ما أسلفت في مواجهته وفي الإساءة إليه؛ ألا تفعلون ذلك أمام النَّاس الذين لا قيمة لهم مع الله؟ ألا تفعلون ذلك عندما تخطئون مع الَّذين ترغبون في ثوابهم وتخافون من عقابهم؟ ألا تعمدون إلى أن تعلنوا لهم الاعتذار والنَّدم؟ فلماذا لا نفعل مع الله ما نفعله مع عباد الله؟ لماذا لا نفوّت التَّوبة مع الذين نخطئ معهم من الَّذين يملكون بعض القوّة في الحياة، ولماذا نسوِّف التَّوبة مع الله؟

لا بدَّ من أن نفكّر في المسألة من موقع علاقتنا بربّنا، ومن موقعنا كعباد الله أمام الله سبحانه وتعالى، ثم أنتَ تفكّر، إنّي أتوب بعد عشرين سنة، فلنناقش المسألة: مَن يضمن لكَ أنّك تعيش بعد عشرين سنة، ثمّ مَن يضمن لك عندما تعيش عشرين سنة، أن تبقى عندك عقليَّة التوبة بعد ذاك؟! إنَّ الإنسان عندما تعيش الخطيئة في شخصيَّته، وعندما تتعمَّق الأخطاء في ذاته، فإنّه لن يتوب بعد ذلك، إنَّ القلب ينتكس. الأحاديث الشريفة تقول: إنَّ الإنسان إذا أذنب ذنباً، نقطت في قلبه نقطة سوداء، فإذا تاب زالت تلك النقطة، ثمّ إذا أخطأ تتوسَّع تلك النقطة، وبتتابع الخطايا، تتوسّع النقطة السوداء في قلبه، حتّى يسودّ القلب وينتكس، حتّى يصبح أسفله أعلاه، وأعلاه أسفله، فيرى الحسن قبيحاً والقبيح حَسَناً.

إنَّك عندما تمتدّ في الخطايا، فإنّها تترك تأثيراً في عقليَّتك، وتترك تأثيراً في روحيَّتك، وتترك تأثيراً في إرادتك، فتكون عقليَّتك عقليَّة الضَّلال، وروحيَّتك روحيَّة الانحراف، وتكون إرادتك إرادة المعصية لله سبحانه وتعالى، لهذا ليس هناك من طمأنينة في هذا المجال. والمطلوب أن نلتفت جيِّداً إلى أنفسنا، لنحافظ على سلامة الخطّ الإلهيّ المستقيم في شخصيَّتنا، وذلك بأن ننفصل دائماً عن الأجواء التي نعيش فيها [المعصية والانحراف].

إنَّنا مشدودون إلى الحياة الاجتماعيَّة من حولنا، وإلى أهلنا، وإلى أصدقائنا، وإلى الأجواء السياسيّة والأمنية والاقتصادية من حولنا، ومن خلال هذا الإنشداد إلى كلّ هذه الأجواء، نحن نعيش الغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى، ونعيش الغفلة عن ذكر الآخرة. إنَّنا نستغرق في الجوّ الاجتماعيّ، نستغرق في أجواء أهلنا وأولادنا وأزواجنا، نستغرق في أجواء العائلة، فنتعصَّب للأجواء العائليَّة تعصُّباً نستسيغ فيه حتّى قتل النَّفس التي حرَّم الله، وهكذا نستغرق في أجواء العصبيَّة السياسيَّة، في ما ننتمي إليه من محاور حزبية سياسية، حتّى نندفع بالعصبية إلى الدرجة التي نبرِّر لأنفسنا كلّ خطيئة وكلّ معصية، ونكون الظالمين بعد أن كنّا الثَّورة على الظالمين.

هذا الاستغراق في الأجواء التي يخيَّل إلى الإنسان فيها من خلال بعده عن الله، وغفلته عن ذكر الله، وعدم حسبان اليوم الآخر، يجعلنا نرى سيّئات أعمالنا حسنات {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً...}[فاطر: 8].

هذا الجوّ يحتاج منّا إلى مراقبة وتدقيق لأعمالنا، "لا يغرَّنَّكَ سوادُ الناس من نفسك"1، ربّما توحي إليك نفسك، أيّها الخاطئ، بكلمات تزيّن لكَ أنّك مصيب، ربّما تكون في وضع اجتماعي أو سياسي يوحي إليك بأنَّك المحسن، فيما أنتَ في الواقع مسيء، وبهذا تمتدّ في إساءتك، وتمتدّ في معصيتك، وترى دائماً أنّكَ لستَ مخطئاً. ولأنَّ الناس يصفِّقون لك، ويمدحونك، ويقدِّسون أخطاءك، ويباركون سيِّئاتك، فإنَّك تشعر بأنّك سائر على الخطِّ، في الوقت الذي تعيش الانحراف الكبير عن الخطّ المستقيم.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

[1]نهج البلاغة، ج2، ص 15.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية