كتابات
29/12/2022

استقبِلُوا السَّنةَ الجديدةَ بالوعيِ لا بالفوضى

استقبِلُوا السَّنةَ الجديدةَ بالوعيِ لا بالفوضى

يبدأ النَّاس سنة جديدة يتحرّكون فيها، ليتطلَّعوا إلى المستقبل الذي تمثّله هذه السنة، في أيّامها وشهورها، ويتنبَّأ المتنبّئون كثيراً بما سيحدث فيها من أحداث، وما يواجه فيها الناس من استحقاقات، على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي. ويعيش كثير من الناس في بدايات السنة حالة من الفوضى النفسية يسمّونها فرحاً، ولكنّها ليست الفرح الحقيقي، وإنّما هي حالة الهروب من النفس التي تثير أمام الإنسان كثيراً علامات الاستفهام. ويحاول الكثير من الناس أن يهربوا من أنفسهم وممّن حولهم. ومن الناس مَن يحاول أن يختصر كلّ أوضاعه المستقبلية بلعبة قمار أو بساعة سكر أو بلحظة عربدة، لأنّه يريد أن يواجه المستقبل بطريقة لا تعتمد التخطيط والعقل، ولهذا يهرب من فهم المستقبل بالتخطيط ليكون مستقبل لعبة حظّ، ولا يريد أن يواجه المستقبل بالعقل، لتكون بداية المستقبل حالة سكر وغياب عن الوعي، ولا يريد أن ينطلق نحو مستقبله من موقع ثبات واستقامة وتركيز. ولهذا، فإنّه ينطلق من حالة عربدة وفوضى. بعض الناس يبدأون زمانهم بهذا، والبعض الآخر لا يزالون يعيشون في حالات التخلُّف، التخلّف الذي يمثّل عبثيّة تعيش الجهل وتعيش التصرّفات التي لا معنى لها.

عندما تبدأ عقارب الساعة ينطلق الرصاص، لا ينطلق نحو العدوّ، ولكنّه ينطلق في الهواء. ماذا في الهواء؟ هل تريد أن تطلق الرصاص على سنة مضت، أم تريد أن تحتفل بالرصاص لسنة تأتي؟ ما معنى هذا؟

معناه أنّنا لا نزال متخلّفين، نحاول أن نطلق الرَّصاص بالهواء، ولا نحاول أن نطلقه أمام الأعداء!

نحن نتناقش كثيراً: هل نطلق الرصاص على أعدائنا أم لا نطلقه عليهم؟ وبعضنا يتحدّث عن حبّ السلام، وبعضنا يتحدّث عن التسويات، وبعضنا يتحدّث عن أمور كثيرة أخرى، ولكنّنا مستعدون لأن نطلق الرصاص في الهواء، وأن نطلق الكلام في الهواء، وأن نطلق المستقبل في الهواء، وأن نطلق كلّ عمرنا في الهواء.

إنَّنا مشدودون إلى ما أخذناه من الآخرين، وحاولنا أن نجعل تقاليدنا وعاداتنا تحت تأثير تقاليد الآخرين وعاداتهم. نحن ندرك أنّ الشعوب تتفاعل، ولكن عندما تريد أن تتفاعل مع عادات شعب آخر، عليك أن تدرس طبيعة هذه العادات؛ ماذا فيها من خير حتّى تأخذه، وماذا فيها من شرّ حتّى ترفضه، أمّا أن نعيش العادات كما نعيش العدوى، فإنَّ هذا قد لا يكون في مصلحة حاضرنا أو مستقبلنا.

لهذا، لا بدّ من وقفة فكر ووعي وعقل وإيمان، حتّى نستطيع أن نغربل كلّ ما يأتي إلينا لنختار الصالح من الفاسد، ولنكون كالطير عندما يطرح الحَبَّ أمامه، فإنّه لا يلتقط إلَّا الحَبَّ الجيّد. جرِّب أن تقنع طيراً أو دجاجة أو حشرة على أن تتناول حبّة لا ترى فيها مصلحة لغذائها؛ إنّها ترفض ذلك وتهرب منه ولا تلتقط الحَبَّ الذي يسيء إلى جسمها أو الَّذي لا يمثّل غذاءها الطبيعي، ولكنّنا نلتقط كلّ شيء؛ الحَبَّ الجيّد والرديء، العادات الجيّدة والرديئة، ما دام القويّ هو الذي يأتي إلينا بهذه العادات. والله جعل شعار المؤمن "الأحسن"، أن يختار الأحسن وأن يتبع الأحسن...

لماذا خلق الله لنا عقولاً؟.. ولماذا أرسل الله لنا رسالة؟

لتكون عقولنا هي التي تميِّز بين الحَسَن والقبيح، وبين النافع والضارّ، ولتكون رسالتنا هي الأساس التي نقبل ما يتوافق معها ونرفض ما لا يتوافق معها.

هل المسألة هي مسألة تعيش على الهامش، أم تعيش على طبيعة العمق الذي يعيش فيه الناس؟

حاولوا ولو ساعة تجلسون فيها في عملية جرد لا لحساباتكم الماليَّة، بل لحساب عاداتكم وتقاليدكم.. فكِّروا أنَّ لكم عادات في ما تأكلون، وفي ما تشربون، وفي ما تلبسون، وفي ما تنشئون من العلاقات وفي ما تلعبون وتلهون.. لكم عادات كثيرة. لماذا لا تفكِّرون كيف زحفت هذه العادات إلى واقعنا؟ ومن أين جاءت؟ وهل استطعنا أن نختارها على أساس القناعات أم لأنَّ الآخرين اختاروها لنا فاتّبعناها؟

ادرسوها جيّداً، لأنّكم إذا فعلتم ذلك، فستعرفون أنّ كثيراً من العادات فرضت علينا فرضاً، وقد فرضتها غفلتنا وظروفنا الصعبة التي تحكَّم فيها القويّ بنا، فأراد أن يلغيَ لنا شخصيّتنا، لأنّنا نعرف أنّ من بين ملامح الشخصية هي العادات، لأنّ لكلّ شعب عاداته، ولكلّ شعب تقاليده المستمدّة من أصوله الفكرية والتاريخية، ولهذا، فإنَّ أصالة الإنسان أن يجعل كلّ عاداته وتقاليده وكلّ أفكاره وانتماءاته خاضعة للقاعدة التي ينطلق منها.

هذا ما نريد أن نؤكّده في كلّ شيء، حتّى نستطيع أن نقف على أصالتنا، ولا يستطيع أحد أن يلغيَ لنا شخصيّتنا، لأنّنا إذا ما ألغيناها، فإمّا أن نتقمَّص شخصية الآخرين، وإمّا أن نعيش بلا شخصية.

فبعض الناس يستعير شخصيَّته من الظروف الطارئة، فيتقمَّص شخصية الجهة الأقوى حسب الظروف والزمن. ومعنى ذلك، إذا كنت تعيش بلا شخصيَّة، فستسحقك الأرجل، وستصادر حريّتك كلّ القوى التي تريد أن تستعبدك.

لهذا، لا بدّ أن تكون لك شخصيّتك، فحدِّد مَن أنت. وعندما تقول عن نفسك بأنّك مسلم، فلتكن شخصيّتك، التي هي قاعدتك في الحياة، تنطلق من إسلامك.. على هذا الأساس ندخل مسألة التاريخ.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

يبدأ النَّاس سنة جديدة يتحرّكون فيها، ليتطلَّعوا إلى المستقبل الذي تمثّله هذه السنة، في أيّامها وشهورها، ويتنبَّأ المتنبّئون كثيراً بما سيحدث فيها من أحداث، وما يواجه فيها الناس من استحقاقات، على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي. ويعيش كثير من الناس في بدايات السنة حالة من الفوضى النفسية يسمّونها فرحاً، ولكنّها ليست الفرح الحقيقي، وإنّما هي حالة الهروب من النفس التي تثير أمام الإنسان كثيراً علامات الاستفهام. ويحاول الكثير من الناس أن يهربوا من أنفسهم وممّن حولهم. ومن الناس مَن يحاول أن يختصر كلّ أوضاعه المستقبلية بلعبة قمار أو بساعة سكر أو بلحظة عربدة، لأنّه يريد أن يواجه المستقبل بطريقة لا تعتمد التخطيط والعقل، ولهذا يهرب من فهم المستقبل بالتخطيط ليكون مستقبل لعبة حظّ، ولا يريد أن يواجه المستقبل بالعقل، لتكون بداية المستقبل حالة سكر وغياب عن الوعي، ولا يريد أن ينطلق نحو مستقبله من موقع ثبات واستقامة وتركيز. ولهذا، فإنّه ينطلق من حالة عربدة وفوضى. بعض الناس يبدأون زمانهم بهذا، والبعض الآخر لا يزالون يعيشون في حالات التخلُّف، التخلّف الذي يمثّل عبثيّة تعيش الجهل وتعيش التصرّفات التي لا معنى لها.

عندما تبدأ عقارب الساعة ينطلق الرصاص، لا ينطلق نحو العدوّ، ولكنّه ينطلق في الهواء. ماذا في الهواء؟ هل تريد أن تطلق الرصاص على سنة مضت، أم تريد أن تحتفل بالرصاص لسنة تأتي؟ ما معنى هذا؟

معناه أنّنا لا نزال متخلّفين، نحاول أن نطلق الرَّصاص بالهواء، ولا نحاول أن نطلقه أمام الأعداء!

نحن نتناقش كثيراً: هل نطلق الرصاص على أعدائنا أم لا نطلقه عليهم؟ وبعضنا يتحدّث عن حبّ السلام، وبعضنا يتحدّث عن التسويات، وبعضنا يتحدّث عن أمور كثيرة أخرى، ولكنّنا مستعدون لأن نطلق الرصاص في الهواء، وأن نطلق الكلام في الهواء، وأن نطلق المستقبل في الهواء، وأن نطلق كلّ عمرنا في الهواء.

إنَّنا مشدودون إلى ما أخذناه من الآخرين، وحاولنا أن نجعل تقاليدنا وعاداتنا تحت تأثير تقاليد الآخرين وعاداتهم. نحن ندرك أنّ الشعوب تتفاعل، ولكن عندما تريد أن تتفاعل مع عادات شعب آخر، عليك أن تدرس طبيعة هذه العادات؛ ماذا فيها من خير حتّى تأخذه، وماذا فيها من شرّ حتّى ترفضه، أمّا أن نعيش العادات كما نعيش العدوى، فإنَّ هذا قد لا يكون في مصلحة حاضرنا أو مستقبلنا.

لهذا، لا بدّ من وقفة فكر ووعي وعقل وإيمان، حتّى نستطيع أن نغربل كلّ ما يأتي إلينا لنختار الصالح من الفاسد، ولنكون كالطير عندما يطرح الحَبَّ أمامه، فإنّه لا يلتقط إلَّا الحَبَّ الجيّد. جرِّب أن تقنع طيراً أو دجاجة أو حشرة على أن تتناول حبّة لا ترى فيها مصلحة لغذائها؛ إنّها ترفض ذلك وتهرب منه ولا تلتقط الحَبَّ الذي يسيء إلى جسمها أو الَّذي لا يمثّل غذاءها الطبيعي، ولكنّنا نلتقط كلّ شيء؛ الحَبَّ الجيّد والرديء، العادات الجيّدة والرديئة، ما دام القويّ هو الذي يأتي إلينا بهذه العادات. والله جعل شعار المؤمن "الأحسن"، أن يختار الأحسن وأن يتبع الأحسن...

لماذا خلق الله لنا عقولاً؟.. ولماذا أرسل الله لنا رسالة؟

لتكون عقولنا هي التي تميِّز بين الحَسَن والقبيح، وبين النافع والضارّ، ولتكون رسالتنا هي الأساس التي نقبل ما يتوافق معها ونرفض ما لا يتوافق معها.

هل المسألة هي مسألة تعيش على الهامش، أم تعيش على طبيعة العمق الذي يعيش فيه الناس؟

حاولوا ولو ساعة تجلسون فيها في عملية جرد لا لحساباتكم الماليَّة، بل لحساب عاداتكم وتقاليدكم.. فكِّروا أنَّ لكم عادات في ما تأكلون، وفي ما تشربون، وفي ما تلبسون، وفي ما تنشئون من العلاقات وفي ما تلعبون وتلهون.. لكم عادات كثيرة. لماذا لا تفكِّرون كيف زحفت هذه العادات إلى واقعنا؟ ومن أين جاءت؟ وهل استطعنا أن نختارها على أساس القناعات أم لأنَّ الآخرين اختاروها لنا فاتّبعناها؟

ادرسوها جيّداً، لأنّكم إذا فعلتم ذلك، فستعرفون أنّ كثيراً من العادات فرضت علينا فرضاً، وقد فرضتها غفلتنا وظروفنا الصعبة التي تحكَّم فيها القويّ بنا، فأراد أن يلغيَ لنا شخصيّتنا، لأنّنا نعرف أنّ من بين ملامح الشخصية هي العادات، لأنّ لكلّ شعب عاداته، ولكلّ شعب تقاليده المستمدّة من أصوله الفكرية والتاريخية، ولهذا، فإنَّ أصالة الإنسان أن يجعل كلّ عاداته وتقاليده وكلّ أفكاره وانتماءاته خاضعة للقاعدة التي ينطلق منها.

هذا ما نريد أن نؤكّده في كلّ شيء، حتّى نستطيع أن نقف على أصالتنا، ولا يستطيع أحد أن يلغيَ لنا شخصيّتنا، لأنّنا إذا ما ألغيناها، فإمّا أن نتقمَّص شخصية الآخرين، وإمّا أن نعيش بلا شخصية.

فبعض الناس يستعير شخصيَّته من الظروف الطارئة، فيتقمَّص شخصية الجهة الأقوى حسب الظروف والزمن. ومعنى ذلك، إذا كنت تعيش بلا شخصيَّة، فستسحقك الأرجل، وستصادر حريّتك كلّ القوى التي تريد أن تستعبدك.

لهذا، لا بدّ أن تكون لك شخصيّتك، فحدِّد مَن أنت. وعندما تقول عن نفسك بأنّك مسلم، فلتكن شخصيّتك، التي هي قاعدتك في الحياة، تنطلق من إسلامك.. على هذا الأساس ندخل مسألة التاريخ.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية