كتابات
11/12/2022

صبرُ المؤمنِ على التَّرهيبِ والإغراءِ ونوازعِ النَّفس

صبرُ المؤمنِ على التَّرهيبِ والإغراءِ ونوازعِ النَّفس

[إنَّ عليك كمؤمن] أن تصبر على الإغراء وعلى الترهيب، وأن تصبر أيضاً على نوازع نفسك، وأن تصبر على الشَّياطين الذين يريدون أن يحرفوك، لأنَّ المشكلة أنّك قد تصبر أمام عدوّ في الخارج، ولكنَّك لا بدَّ أن تصبر على عدوّك في داخل كيانك، حتّى تستطيع أن تقف أمام نوازع نفسك وأمام شهوات نفسك. فقد ورد في بعض الأحاديث: "المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضلّه"1.

لهذا، لا يكفي أن تكون المؤمن في ساحة القتال، بل لا بدَّ أن تكون المؤمن في ساحة الإيمان والصِّراع الدّاخلي، وهو الجهاد الأكبر، أن تجعل الإيمان عنواناً لتصرّفاتك مع الآخرين، أن تحمي النّاس من نفسك، ألَّا تظلم الناس وأنتَ تحارب ظلم الحكم أو ظلم الطّغاة، ألَّا تؤذي الناس، ألَّا تعمل على أساس إذلال النَّاس عندما تكون لك سلطة وقوّة، ألَّا تعمل على أساس أن تتصرَّف بما لا يجوز لك بأموال النَّاس عندما تكون أموالهم تحت تصرّفك، أو أعراضهم تحت تصرّفك، أو نفوسهم تحت تصرّفك، أن تتَّقي الله في ذلك. إنَّ البطولة في هذا الجانب أعظم من البطولة في ذاك الجانب، وإنَّ الانتصار على النفس حتّى تتوازن النفس في طاعة الله، وحتّى تثبت النفس في مواقع المزالق، هي أعظم من البطولة في معركة الحرب الحارّة الساخنة.

هذا ما نريد أن ننطلق فيه، عندما نواجه كلّ الواقع الذي يريد أن يجعل من المؤمنين شيئاً شاذّاً، ويجعل منهم حالة عدوانيّة، ويجعل من المؤمنين حالة تآمريّة... لا بدَّ للمؤمن من أن يثبت عندما يكون إيمانه حقيقياً، وعلينا أن نفهم جيّداً أنّ رسول الله (ص) كان يواجه هجمة إعلاميَّة حاصرته من كلّ جانب، كان يقدِّم نفسه إلى النّاس كنبيّ، وقالوا إنّه ليس نبيّاً، بل هو ساحر، عامله أهل مكَّة كما يعاملون السحرة، وقالوا عنه عندما لم تنجح هذه التهمة، قالوا عنه وهو يريد أن يعطيهم كلمة الصدق، إنّه كاذب فلا تصدّقوه في ما يقول، وعندما سقطت هذه التهمة قالوا عنه إنّه كاهن يفعل ما يفعله الكهَّان من الحديث عن بعض الغيب من دون أن يكون له عمق في وحي السَّماء، قالوا عنه ذلك وسقطت التهمة، بعد ذلك قالوا إنّه مجنون، في عقله خلل، لا يفكِّر باتّزان، ولا يتحرّك باتّزان، وقال لهم بكلِّ وداعته وبكلِّ محبَّته التي يفيض بها على الناس كلّهم، قال لهم ما قاله الله له: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[سبأ: 46].

هذا هو الزاد الذي نتزوَّد به، قالوا عن عليّ بن أبي طالب (ع): إنّ فيه دعابة، وكان معاوية في ما يروى، يقول لأهل الشَّام: إنَّنا نقاتِل عليّاً لأنّه لا يصلّي ونحن نقاتله حتّى يصلّي، ورأى أنَّ المسألة لا تنطلي، ماذا يفعل؟ كان يربّي الناس على سبّ عليّ (ع)، وفرضها في خطبة الجمعة، وفرضها على كلّ المنابر، على كلِّ الذين يصلُّون في المساجد من خلال دائرته التي يعيّن فيها أئمَّة المساجد، ليحبسهم في دائرة ضيِّقة، كان يريد لهم أن يسبُّوا عليّ بن أبي طالب (ع)، وكان يضيِّق هو وغيره على كلّ مَن يلتزم ولاية عليّ، وكان يضطهد كلّ من يحبّه وكلّ مَن يتحدَّث عن فضائله، وجاء الحديث عن الإمام أحمد بن حنبل عندما قال: "ما أقول في رجل جهد محبُّوه في إخفاء فضائله خوفاً، وجهد مبغضوه في إخفاء فضائله حسداً، فظهر بين ذين ما ملأ الخافقين"، لأنَّ المسألة أنَّ عليّاً كان مع الحقّ، وكان الحقّ معه. ولذلك، فمهما اشتدّ الباطل ليحارب عليّاً، فإنّ الحقّ لا بدَّ أن يفضح الباطل في أيّ وقت.

لهذا، ليست المشكلة هي ما يقول النَّاس في خطّ الإيمان والإسلام، بل المشكلة كيف يحفظ المؤمنون إيمانهم في أنفسهم. لا تشغلوا أنفسكم في الحديث عمّا يقوله الناس عنكم.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

[1]كنز العمَّال، المتَّقي الهندي، ج1، ص 166.

[إنَّ عليك كمؤمن] أن تصبر على الإغراء وعلى الترهيب، وأن تصبر أيضاً على نوازع نفسك، وأن تصبر على الشَّياطين الذين يريدون أن يحرفوك، لأنَّ المشكلة أنّك قد تصبر أمام عدوّ في الخارج، ولكنَّك لا بدَّ أن تصبر على عدوّك في داخل كيانك، حتّى تستطيع أن تقف أمام نوازع نفسك وأمام شهوات نفسك. فقد ورد في بعض الأحاديث: "المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضلّه"1.

لهذا، لا يكفي أن تكون المؤمن في ساحة القتال، بل لا بدَّ أن تكون المؤمن في ساحة الإيمان والصِّراع الدّاخلي، وهو الجهاد الأكبر، أن تجعل الإيمان عنواناً لتصرّفاتك مع الآخرين، أن تحمي النّاس من نفسك، ألَّا تظلم الناس وأنتَ تحارب ظلم الحكم أو ظلم الطّغاة، ألَّا تؤذي الناس، ألَّا تعمل على أساس إذلال النَّاس عندما تكون لك سلطة وقوّة، ألَّا تعمل على أساس أن تتصرَّف بما لا يجوز لك بأموال النَّاس عندما تكون أموالهم تحت تصرّفك، أو أعراضهم تحت تصرّفك، أو نفوسهم تحت تصرّفك، أن تتَّقي الله في ذلك. إنَّ البطولة في هذا الجانب أعظم من البطولة في ذاك الجانب، وإنَّ الانتصار على النفس حتّى تتوازن النفس في طاعة الله، وحتّى تثبت النفس في مواقع المزالق، هي أعظم من البطولة في معركة الحرب الحارّة الساخنة.

هذا ما نريد أن ننطلق فيه، عندما نواجه كلّ الواقع الذي يريد أن يجعل من المؤمنين شيئاً شاذّاً، ويجعل منهم حالة عدوانيّة، ويجعل من المؤمنين حالة تآمريّة... لا بدَّ للمؤمن من أن يثبت عندما يكون إيمانه حقيقياً، وعلينا أن نفهم جيّداً أنّ رسول الله (ص) كان يواجه هجمة إعلاميَّة حاصرته من كلّ جانب، كان يقدِّم نفسه إلى النّاس كنبيّ، وقالوا إنّه ليس نبيّاً، بل هو ساحر، عامله أهل مكَّة كما يعاملون السحرة، وقالوا عنه عندما لم تنجح هذه التهمة، قالوا عنه وهو يريد أن يعطيهم كلمة الصدق، إنّه كاذب فلا تصدّقوه في ما يقول، وعندما سقطت هذه التهمة قالوا عنه إنّه كاهن يفعل ما يفعله الكهَّان من الحديث عن بعض الغيب من دون أن يكون له عمق في وحي السَّماء، قالوا عنه ذلك وسقطت التهمة، بعد ذلك قالوا إنّه مجنون، في عقله خلل، لا يفكِّر باتّزان، ولا يتحرّك باتّزان، وقال لهم بكلِّ وداعته وبكلِّ محبَّته التي يفيض بها على الناس كلّهم، قال لهم ما قاله الله له: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[سبأ: 46].

هذا هو الزاد الذي نتزوَّد به، قالوا عن عليّ بن أبي طالب (ع): إنّ فيه دعابة، وكان معاوية في ما يروى، يقول لأهل الشَّام: إنَّنا نقاتِل عليّاً لأنّه لا يصلّي ونحن نقاتله حتّى يصلّي، ورأى أنَّ المسألة لا تنطلي، ماذا يفعل؟ كان يربّي الناس على سبّ عليّ (ع)، وفرضها في خطبة الجمعة، وفرضها على كلّ المنابر، على كلِّ الذين يصلُّون في المساجد من خلال دائرته التي يعيّن فيها أئمَّة المساجد، ليحبسهم في دائرة ضيِّقة، كان يريد لهم أن يسبُّوا عليّ بن أبي طالب (ع)، وكان يضيِّق هو وغيره على كلّ مَن يلتزم ولاية عليّ، وكان يضطهد كلّ من يحبّه وكلّ مَن يتحدَّث عن فضائله، وجاء الحديث عن الإمام أحمد بن حنبل عندما قال: "ما أقول في رجل جهد محبُّوه في إخفاء فضائله خوفاً، وجهد مبغضوه في إخفاء فضائله حسداً، فظهر بين ذين ما ملأ الخافقين"، لأنَّ المسألة أنَّ عليّاً كان مع الحقّ، وكان الحقّ معه. ولذلك، فمهما اشتدّ الباطل ليحارب عليّاً، فإنّ الحقّ لا بدَّ أن يفضح الباطل في أيّ وقت.

لهذا، ليست المشكلة هي ما يقول النَّاس في خطّ الإيمان والإسلام، بل المشكلة كيف يحفظ المؤمنون إيمانهم في أنفسهم. لا تشغلوا أنفسكم في الحديث عمّا يقوله الناس عنكم.

* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

[1]كنز العمَّال، المتَّقي الهندي، ج1، ص 166.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية