كتابات
08/12/2022

الإيمانُ المستقرُّ والمستودَعُ

الإيمانُ المستقرُّ والمستودَعُ

جاء في بعض الأحاديث، أنَّ الإيمان ينقسم إلى مستقرٍّ ومستودَع. ومن ذلك، ما روي عن الإمام عليّ (ع): "فمِنَ الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصّدور إلى أجَلٍ معلوم، فإذا كانت لكم براءة من أحدٍ فقفوه"، يعني: لا تستعجلوا في الحكم عليه، "حتى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حدُّ البراءة"1.

في هذه الكلمة، يؤكِّد الإمام عليّ (ع) أنَّ هناك إيماناً عندما يدخل كيان الإنسان، فإنّه يتعمَّق حتى يستقرَّ في جذور الكيان الإنساني، بحيث يصبح جزءاً من ذات الإنسان، فيتجسَّد فكرةً في العقل، وعاطفةً في القلب، وحركةً في الواقع، ذلك أنَّ العقل ينطلق ليؤصِّل معرفته بإيمانه من خلال المعادلات الَّتي يقتنع بها، ممّا يقترب من المعادلة الرياضيّة التي تلتقي بالبداهة.

وعندما يتحرّك العقل في الواقع، فإنَّه يختزن التجربة، والتجربة تقود الإنسان إلى الفكرة، لأنَّ التجربة تختلف عن التأمّل، فالتأمّل يعطيك النظرية، أما التجربة، فتعطيك الأساس الفكري في واقعية النظرية. ثم ينطلق الإيمان ليتمظهر في حركة الإنسان في الواقع، في كلِّ الممارسات التي ترتبط بعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى، فيما يفعل، وفيما يترك، وفيما يواجه على مستوى العلاقات العامّة والخاصّة. وبذلك يدخل الإيمان في كلّ موقع من مواقع الوجود الإنساني، فينمو ويقوى ويتأصَّل، ويعطي الإنسان تطوّراً في مفرداته المعرفيَّة. وبذلك يبقى الإيمان في عمق الإنسان، فلا يزول، تماماً كما تبقى أجزاء الإنسان الوجودية معه ما دام حياً، لأنَّ الإيمان عندما يصبح جزءاً من الذات، فإنَّه يصبح جزءاً من وجود الإنسان، فلا يزول إلَّا بزوال الإنسان، وهذا هو الإيمان المستقرّ.

وهناك الإيمان المستودع والمُعار، وهو الإيمان الذي يظلّ حائراً بين القلوب والصّدور. والقلب هو العقل، وما في الصّدور هو ما يتعلَّق بالإحساس والمشاعر. هذا الإيمان يظلُّ حائراً، وربّما يدخل في عقل الإنسان، ولكنَّه قد يغيب عنه من خلال تحرك العاطفة التي تجعل المسألة العقليَّة مسألة غير ثابتة. وهذا هو الإيمان المعار الّذي ربما يبدأ في حياة الإنسان من خلال الوراثة أو التقليد، فقد يقرأ شيئاً هنا، ويتعلَّم شيئاً هناك، ولكن يبقى إيماناً مهتزاً، لأنَّه لم ينطلق من أسس ثابتة ليكون جزءاً من الذات، بل يكون شيئاً طافياً على الذات، وطارئاً عليها.

وربّما بسبب ذلك، نجد بعض النَّاس يبدأون مؤمنين ولكنَّهم ينتهون كافرين، باعتبار أنَّ الإيمان لم يدخل في ذاتهم، بحيث يتحوَّل إلى جوهرة فيها، أو إلى حالة صلبة حديديَّة، بل يبقى شيئاً طارئاً، فإذا جاءته هزَّة هنا وهزَّة هناك، وشُبهة من هنا وشُبهة من هناك، سقط الإيمان، كأيّ شيء مستعار ليس له ثبات. وهذا ما يقوله الإمام عليّ (ع) في حديثه، أن لا تحكموا على أيِّ إنسان بالبراءة إلى أن يحضره الموت، فإذا بقي إيمانه إلى حين أجله، فاعرفوا أنَّ إيمانه مستقرّ، فإذا زال إيمانه قبل الموت، فاعرفوا أنَّه إيمان مستعار.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.

[1]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١٣، الصفحة ١٠١.

جاء في بعض الأحاديث، أنَّ الإيمان ينقسم إلى مستقرٍّ ومستودَع. ومن ذلك، ما روي عن الإمام عليّ (ع): "فمِنَ الإيمان ما يكون ثابتاً مستقراً في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصّدور إلى أجَلٍ معلوم، فإذا كانت لكم براءة من أحدٍ فقفوه"، يعني: لا تستعجلوا في الحكم عليه، "حتى يحضره الموت، فعند ذلك يقع حدُّ البراءة"1.

في هذه الكلمة، يؤكِّد الإمام عليّ (ع) أنَّ هناك إيماناً عندما يدخل كيان الإنسان، فإنّه يتعمَّق حتى يستقرَّ في جذور الكيان الإنساني، بحيث يصبح جزءاً من ذات الإنسان، فيتجسَّد فكرةً في العقل، وعاطفةً في القلب، وحركةً في الواقع، ذلك أنَّ العقل ينطلق ليؤصِّل معرفته بإيمانه من خلال المعادلات الَّتي يقتنع بها، ممّا يقترب من المعادلة الرياضيّة التي تلتقي بالبداهة.

وعندما يتحرّك العقل في الواقع، فإنَّه يختزن التجربة، والتجربة تقود الإنسان إلى الفكرة، لأنَّ التجربة تختلف عن التأمّل، فالتأمّل يعطيك النظرية، أما التجربة، فتعطيك الأساس الفكري في واقعية النظرية. ثم ينطلق الإيمان ليتمظهر في حركة الإنسان في الواقع، في كلِّ الممارسات التي ترتبط بعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى، فيما يفعل، وفيما يترك، وفيما يواجه على مستوى العلاقات العامّة والخاصّة. وبذلك يدخل الإيمان في كلّ موقع من مواقع الوجود الإنساني، فينمو ويقوى ويتأصَّل، ويعطي الإنسان تطوّراً في مفرداته المعرفيَّة. وبذلك يبقى الإيمان في عمق الإنسان، فلا يزول، تماماً كما تبقى أجزاء الإنسان الوجودية معه ما دام حياً، لأنَّ الإيمان عندما يصبح جزءاً من الذات، فإنَّه يصبح جزءاً من وجود الإنسان، فلا يزول إلَّا بزوال الإنسان، وهذا هو الإيمان المستقرّ.

وهناك الإيمان المستودع والمُعار، وهو الإيمان الذي يظلّ حائراً بين القلوب والصّدور. والقلب هو العقل، وما في الصّدور هو ما يتعلَّق بالإحساس والمشاعر. هذا الإيمان يظلُّ حائراً، وربّما يدخل في عقل الإنسان، ولكنَّه قد يغيب عنه من خلال تحرك العاطفة التي تجعل المسألة العقليَّة مسألة غير ثابتة. وهذا هو الإيمان المعار الّذي ربما يبدأ في حياة الإنسان من خلال الوراثة أو التقليد، فقد يقرأ شيئاً هنا، ويتعلَّم شيئاً هناك، ولكن يبقى إيماناً مهتزاً، لأنَّه لم ينطلق من أسس ثابتة ليكون جزءاً من الذات، بل يكون شيئاً طافياً على الذات، وطارئاً عليها.

وربّما بسبب ذلك، نجد بعض النَّاس يبدأون مؤمنين ولكنَّهم ينتهون كافرين، باعتبار أنَّ الإيمان لم يدخل في ذاتهم، بحيث يتحوَّل إلى جوهرة فيها، أو إلى حالة صلبة حديديَّة، بل يبقى شيئاً طارئاً، فإذا جاءته هزَّة هنا وهزَّة هناك، وشُبهة من هنا وشُبهة من هناك، سقط الإيمان، كأيّ شيء مستعار ليس له ثبات. وهذا ما يقوله الإمام عليّ (ع) في حديثه، أن لا تحكموا على أيِّ إنسان بالبراءة إلى أن يحضره الموت، فإذا بقي إيمانه إلى حين أجله، فاعرفوا أنَّ إيمانه مستقرّ، فإذا زال إيمانه قبل الموت، فاعرفوا أنَّه إيمان مستعار.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.

[1]شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ١٣، الصفحة ١٠١.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية