كتابات
05/12/2022

الموانعُ من توظيفِ الإمكاناتِ في مشروعِ الأمَّةِ الواحدةِ

الموانعُ من توظيفِ الإمكاناتِ في مشروعِ الأمَّةِ الواحدةِ

هناك عدّة مفردات تؤهل العالـم الإسلامي لأن يمتدَّ في الجانب الحضاري، [منها] الموقع الجغرافي الاستراتيجي في وسط العالمين القديـم والحديث، وامتلاكه الإمكانات المادية الكبيرة التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي في مناحي متعدّدة منه، وامتلاكه طاقة بشريَّة كبيرة، إذ يُعدُّ سكَّان العالـم الإسلامي بمئات الملايين المهيّأين للتعبئة والتوظيف في كافة المجالات الإنتاجية والحيوية، ثُمَّ امتلاكه الثروات العينية والطبيعية على اختلافها. فالواقع الإسلامي الموضوعي يمتلك المؤهلات والمكونات الطبيعية لإقامة كيان حضاري يملك الكثير من الغنى المادي والبشري الذي يستطيع من خلاله تحويل هذه الخطوط الفكرية والتشريعية والمفاهيمية إلى واقع حيّ نابض متحرّك قادر على المنافسة والتحدي.

أمّا عن الموانع من توظيف الإمكانات الذاتية والموضوعية في مشروع الأمّة الواحدة، فهناك الموانع الذاتية، ومنها: عدم وجود رؤى جامعة للأمّة الواحدة، فالمسلمون ممزقون، مع العلم أنَّ الإسلام يدعوهم إلى الوحدة وإلى الاعتصام بحبل الله جميعاً: "من لـم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"(1)، "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"(2)، ما يعني أنَّ الإسلام يعني في شخصيَّة المسلم أن يعيش كلّ التفاعل الفكري والشعوري والعملي مع المسلم الآخر.

[ومنها] أنّ المسلمين تحوّلوا من منتجين إلى مستهلكين، ومن مبدعين إلى مقلدين، وهذا ما نلاحظه في كلّ نواحي الحياة الاقتصادية أو الأمنية والعسكرية، فنحن نستهلك السلاح والغذاء وكلّ أدوات الحياة، ونتحرّك تحت تأثير المصارف الدولية التي تفرض علينا نمط اقتصادنا، كما تفرض علينا حركة هذا الاقتصاد، بما قد يخلق لنا المشاكل الداخلية والخارجية.

[إضافةً إلى] أنَّ غياب الوحدة وسيادة الإقليميات والمناطقيات والعشائريات هو من أهم معوّقات الوحدة عندنا، فقد أصبح لكلّ منّا دائرة مغلقة، سواء كانت دائرة وطنية أو قومية أو عشائرية أو إقليمية.

ونحن نقول إنَّ الإسلام لا يمنع مسألة الدوائر، ولكنَّ هناك فرقاً بين دائرة مغلقة وأخرى منفتحة، وقد كنّا نقول دائماً ونحن في لبنان، إنَّ لبنان هو الوطن الأبدي السرمدي، ولكنَّنا رأينا ماذا أنتجت هذه الفكرة الخيالية اللاواقعية سياسياً وأمنياً، لأنَّ العالـم كلّه تحوّل إلى قرية واحدة. ليكن لنا لبناننا، ولكن لينفتح على المنطقة العربية، ولتنفتح المنطقة العربية على المنطقة الإسلامية، ولتنفتح المنطقة الإسلامية على العالـم، وهكذا، فمشكلتنا هي الدوائر المغلقة، الذات المغلقة، والعائلة المغلقة، والبلد المغلق، والقومية المغلقة، إلى آخر ما أتقنّاه من حالات الإغلاق والانغلاق.

[ثمّ إنَّ] الاختلاف تحوَّل من أطره العلمية المنتجة إلى أطر عصبيَّة ومذهبيَّة، وسادت لدينا قيم سلبيَّة من قبيل التعصّب والنزاع والقهر والغلبة والاستبداد، مقابل قيم العدالة والحرية والإنسانية والتنمية والعقل والإنتاج، ونحن نعرف جيّداً أنَّنا أمَّة تعبد الأصنام ونصنع في كلّ مرحلة صنماً هنا وصنماً هناك، في كلّ هذا العالـم الثالث، لنتعبّد له بطريقة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية.

وهكذا نجد التراث المختلط الفوضويّ الذي يمنع الأمّة من تأصيل تراثها، وكذلك يمنعها أن تتحرّك من موقع الأصالة.

ومن الموانع والمعوّقات الموضوعية: الغزو الاستثماري المستمرّ بأشكاله المتعددة؛ الثقافي والاجتماعي والإعلامي والأمني، وها نحن نتحرّك على أساس أنَّنا لا نملك أمرنا، ولعلّ الخطورة ليست في أنَّنا لا نملك أمرنا من الخارج، بل في أنَّنا لا نملكه من الداخل أيضاً، فقد أصبحنا مدمنين على الخضوع للآخر، فنحن ننطلق بوجوه مستعارة وعقول مستعارة.. فقد لا نملك قوّة أمام القوّة الكبرى، ولكن إذا استطاعوا محاصرتنا بأجسادنا، فلن يستطيعوا محاصرة فكرنا، فعلينا أن نخلق في داخلنا بذرة الرَّفض لكلّ ظلم واستكبار، فالحرية ليست مرسوماً تعطيه دولة، ولكنَّها إرادة يعيشها الإنسان في نفسه وطريقة عيشه.

وهناك حديثٌ للإمام جعفر الصَّادق (ع) وهو يتحدَّث عن الحريَّة، فيقول: "إنَّ الحرَّ حرٌّ في جميع أحواله؛ إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكَّت عليه المصائب لـم تكسره، وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسراً"(3). كن حراً في داخل الزنزانة، وقد تكون عبداً وأنت في الهواء الطَّلق.

* من كتاب "الإسلام وقدرته على التَّنافس الحضاري".

[1]البحار، ج:74، باب:20، ص:338، رواية:119.

[2](م.ن)، ج:74، باب:20، ص:339، رواية:120.

[3]البحار، ج:82، باب:18، ص:139، رواية:22.

هناك عدّة مفردات تؤهل العالـم الإسلامي لأن يمتدَّ في الجانب الحضاري، [منها] الموقع الجغرافي الاستراتيجي في وسط العالمين القديـم والحديث، وامتلاكه الإمكانات المادية الكبيرة التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي في مناحي متعدّدة منه، وامتلاكه طاقة بشريَّة كبيرة، إذ يُعدُّ سكَّان العالـم الإسلامي بمئات الملايين المهيّأين للتعبئة والتوظيف في كافة المجالات الإنتاجية والحيوية، ثُمَّ امتلاكه الثروات العينية والطبيعية على اختلافها. فالواقع الإسلامي الموضوعي يمتلك المؤهلات والمكونات الطبيعية لإقامة كيان حضاري يملك الكثير من الغنى المادي والبشري الذي يستطيع من خلاله تحويل هذه الخطوط الفكرية والتشريعية والمفاهيمية إلى واقع حيّ نابض متحرّك قادر على المنافسة والتحدي.

أمّا عن الموانع من توظيف الإمكانات الذاتية والموضوعية في مشروع الأمّة الواحدة، فهناك الموانع الذاتية، ومنها: عدم وجود رؤى جامعة للأمّة الواحدة، فالمسلمون ممزقون، مع العلم أنَّ الإسلام يدعوهم إلى الوحدة وإلى الاعتصام بحبل الله جميعاً: "من لـم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"(1)، "من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"(2)، ما يعني أنَّ الإسلام يعني في شخصيَّة المسلم أن يعيش كلّ التفاعل الفكري والشعوري والعملي مع المسلم الآخر.

[ومنها] أنّ المسلمين تحوّلوا من منتجين إلى مستهلكين، ومن مبدعين إلى مقلدين، وهذا ما نلاحظه في كلّ نواحي الحياة الاقتصادية أو الأمنية والعسكرية، فنحن نستهلك السلاح والغذاء وكلّ أدوات الحياة، ونتحرّك تحت تأثير المصارف الدولية التي تفرض علينا نمط اقتصادنا، كما تفرض علينا حركة هذا الاقتصاد، بما قد يخلق لنا المشاكل الداخلية والخارجية.

[إضافةً إلى] أنَّ غياب الوحدة وسيادة الإقليميات والمناطقيات والعشائريات هو من أهم معوّقات الوحدة عندنا، فقد أصبح لكلّ منّا دائرة مغلقة، سواء كانت دائرة وطنية أو قومية أو عشائرية أو إقليمية.

ونحن نقول إنَّ الإسلام لا يمنع مسألة الدوائر، ولكنَّ هناك فرقاً بين دائرة مغلقة وأخرى منفتحة، وقد كنّا نقول دائماً ونحن في لبنان، إنَّ لبنان هو الوطن الأبدي السرمدي، ولكنَّنا رأينا ماذا أنتجت هذه الفكرة الخيالية اللاواقعية سياسياً وأمنياً، لأنَّ العالـم كلّه تحوّل إلى قرية واحدة. ليكن لنا لبناننا، ولكن لينفتح على المنطقة العربية، ولتنفتح المنطقة العربية على المنطقة الإسلامية، ولتنفتح المنطقة الإسلامية على العالـم، وهكذا، فمشكلتنا هي الدوائر المغلقة، الذات المغلقة، والعائلة المغلقة، والبلد المغلق، والقومية المغلقة، إلى آخر ما أتقنّاه من حالات الإغلاق والانغلاق.

[ثمّ إنَّ] الاختلاف تحوَّل من أطره العلمية المنتجة إلى أطر عصبيَّة ومذهبيَّة، وسادت لدينا قيم سلبيَّة من قبيل التعصّب والنزاع والقهر والغلبة والاستبداد، مقابل قيم العدالة والحرية والإنسانية والتنمية والعقل والإنتاج، ونحن نعرف جيّداً أنَّنا أمَّة تعبد الأصنام ونصنع في كلّ مرحلة صنماً هنا وصنماً هناك، في كلّ هذا العالـم الثالث، لنتعبّد له بطريقة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية.

وهكذا نجد التراث المختلط الفوضويّ الذي يمنع الأمّة من تأصيل تراثها، وكذلك يمنعها أن تتحرّك من موقع الأصالة.

ومن الموانع والمعوّقات الموضوعية: الغزو الاستثماري المستمرّ بأشكاله المتعددة؛ الثقافي والاجتماعي والإعلامي والأمني، وها نحن نتحرّك على أساس أنَّنا لا نملك أمرنا، ولعلّ الخطورة ليست في أنَّنا لا نملك أمرنا من الخارج، بل في أنَّنا لا نملكه من الداخل أيضاً، فقد أصبحنا مدمنين على الخضوع للآخر، فنحن ننطلق بوجوه مستعارة وعقول مستعارة.. فقد لا نملك قوّة أمام القوّة الكبرى، ولكن إذا استطاعوا محاصرتنا بأجسادنا، فلن يستطيعوا محاصرة فكرنا، فعلينا أن نخلق في داخلنا بذرة الرَّفض لكلّ ظلم واستكبار، فالحرية ليست مرسوماً تعطيه دولة، ولكنَّها إرادة يعيشها الإنسان في نفسه وطريقة عيشه.

وهناك حديثٌ للإمام جعفر الصَّادق (ع) وهو يتحدَّث عن الحريَّة، فيقول: "إنَّ الحرَّ حرٌّ في جميع أحواله؛ إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكَّت عليه المصائب لـم تكسره، وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسراً"(3). كن حراً في داخل الزنزانة، وقد تكون عبداً وأنت في الهواء الطَّلق.

* من كتاب "الإسلام وقدرته على التَّنافس الحضاري".

[1]البحار، ج:74، باب:20، ص:338، رواية:119.

[2](م.ن)، ج:74، باب:20، ص:339، رواية:120.

[3]البحار، ج:82، باب:18، ص:139، رواية:22.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية