كتابات
20/02/2022

مِنْ شعبِ الجهادِ بالنَّفسِ الجهادُ بالعلمِ

مِنْ شعبِ الجهادِ بالنَّفسِ الجهادُ بالعلمِ

[يقول تعالى في كتابه الكريم عن المؤمنين]: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ}[الحجرات: 15].

والجهاد - عندما تكون مؤمناً - هو أن تجاهد بنفسك. والجهاد بالنّفس يتنوّع، وهو في عنوانه الشَّامل، أن تعطي من نفسك في سبيل الله. فمن الجهاد بالنَّفس، أن تعطي الأمَّة عقلك وكلّ ما ينتجه عقلك، فهو جهاد النّفس، لأنَّ العقل يقف في القمة من خصائص النفس، فلذلك، لا يجوز للعالم في أيِّ موقع من مواقع العلم، ولا سيَّما علم الإسلام، أن يكتم علمه، بل يجب عليه أن يبذله: "ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا، حتى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا"، ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159].

فالبعض يرى أنّ "يكتمون" تعني إذا سألهم النَّاس فلا بدَّ لهم أن يجيبوا، والحقيقة ليست كذلك، فانَّ "تكتم" تعني أن لا تبادر إلى نشر ذلك، فقد يرى بعض النَّاس أنَّ العالم كالشَّجرة، لا بدَّ أن تهزّها إذا أردت أن تأكل منها، وإذا لم تهزّها، فليس واجباً عليه أن يبادرك بالعلم، فماذا ـ يا ترى ـ عن النَّاس الذين لا يفهمون مفاهيم الإسلام، ولا الحلول المناسبة للمشاكل الفكريَّة والاجتماعيَّة التي يعيشونها؟!

فعلى العالم أن ينطلق ويدرس كلَّ المشاكل الموجودة في العالم، سواء في المفاهيم الإسلاميَّة، أو الأحكام الشرعيَّة، أو في الواقع السياسيّ أو الواقع الاجتماعيّ، عليه أن يدرس ذلك ويبيِّنه للأمَّة، وأن يبيّن ما هو حكم الإسلام في ذلك كلِّه.

وقد ورد عن النبيّ (ص): "إذا ظهرت البدع - كلّ البدع، سواء التي تتعلَّق بالأحكام أو المفاهيم أو بالعقائد أو بالواقع – فليظهر العالم علمه، وإلّا فعليه لعنة الله" . فالعلم أمانة، وجهاد العالم أن يجاهد في بذل علمه.

فأنا أفهم - وقد يحتمل فهمي الخطأ والصَّواب - أنّه يجب على العالم أن يبادر، وأعطيكم على ذلك مثلاً، فلو انتشر وباء ما - أجاركم الله وجميع المسلمين - فالدولة حينئذٍ تطلب من الأطبَّاء أن يستنفروا جهودهم، وأن يقفوا عل مفارق الطّرق، وأن يدخلوا البيوت ليقوموا بتلقيح النَّاس ضد الوباء المستشري ولو بالقوَّة، فالشخص الذي يرفض التَّلقيح، وكان يُخاف منه على المجتمع، يجب أن يلقَّح بالقوَّة، وكذلك الحال في العلم، ففي بعض الحالات، لا بدَّ من تعليم الناس بالقوَّة، ولا أعني بالتعسّف، فلا تعليم بهذه الطريقة، ولكن من باب ما جاء عن الإمام الصّادق (ع): "لوددتُ أنَّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسُهم بالسياطِ حتَّى يتفقَّهوا" , ومعنى ذلك، أنَّه عند انتشار البدع والخرافات الَّتي تأكل روح الإسلام وحيويّته، حتى تصبح ديناً يُدان به، لا بدَّ هنا للعالِم من أن يُظهر علمه.. والإمام عليّ (ع) يقول: "النّاس ثلاثة: فعالمٌ ربانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق" .

لذلك، فإنَّ من شعب الجهاد بالنفس، هو الجهاد بالعلم، بأن تقدِّم علمك وخبرتك للنَّاس، وليس المراد بذاك العلم الدّيني فقط، بل كلّ علم يحتاجه النَّاس، لأنّك إذا لم تعط علمك للمجتمع، فسوف يحتاج إلى الآخرين، وأنت تعرف أنّ أيّ دولة من الدول، لا تعطيك خبرة إلا إذا أعطيتها شيئاً من عزَّتك وحرّيتك وكرامتك، فهناك ـ مثلاً ـ معاهدات ثقافيَّة، وأخرى تربويَّة، وثالثة اجتماعيَّة، لا توقَّع إلَّا في مقابل شروط سياسيَّة، وفي ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) فيما ينسب إليه: "امننْ على من شئْتَ تكنْ أميرَه، واحتجْ إلى من شئْتَ تكنْ أسيرَه، واستغنِ عمَّن شئْتَ تكنْ نظيرَه" . فالحاجة هي أساس الذّلّ، فبمقدار ما تملك حاجاتك، تملك حريّتك وعزَّتك وتقرير مصيرك بنفسك.

لذلك، نقول لكلِّ شبابنا في كلّ الأمّة الإسلامية: خذوا بكلّ أسباب العلم، فقد يكون واجباً أن ترتقوا في درجات العلم، لأنّ الصّراع الآن ليس صراع البندقيّة فقط، بل حتى صراع البندقيّة والمدفع والصّاروخ وغيرها من الأسلحة يحتاج إلى علم، وإذا لم يكن لديك علم، فإنك لا تستطيع أن تطوِّر هذه الأسلحة، فضلاً عن أن تنتجها، فنحن نحتاج إلى أمَّة تنتج سلاحها، وإلى أمَّة تنتج غذاءها، وإلى أمَّة تنتج ما يلبِّي حاجاتها حتَّى تستطيع أن تكون الأمَّة الَّتي يحتاجها الآخرون ولا تحتاج الآخرين في القضايا الحيويَّة.

وبطبيعة الحال، فإنَّنا لا يمكن أن لا نحتاج إلى أحد، لكن في الأمور الحيويَّة، علينا أن نعمل وفقاً لسياسة الاكتفاء الذّاتيّ والثقافيّ والعلميّ والاقتصاديّ والاجتماعي.ّ

* من كتاب "النَّدوة"، ج 4.

[يقول تعالى في كتابه الكريم عن المؤمنين]: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ}[الحجرات: 15].

والجهاد - عندما تكون مؤمناً - هو أن تجاهد بنفسك. والجهاد بالنّفس يتنوّع، وهو في عنوانه الشَّامل، أن تعطي من نفسك في سبيل الله. فمن الجهاد بالنَّفس، أن تعطي الأمَّة عقلك وكلّ ما ينتجه عقلك، فهو جهاد النّفس، لأنَّ العقل يقف في القمة من خصائص النفس، فلذلك، لا يجوز للعالم في أيِّ موقع من مواقع العلم، ولا سيَّما علم الإسلام، أن يكتم علمه، بل يجب عليه أن يبذله: "ما أخذ الله على الجهّال أن يتعلّموا، حتى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا"، ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}[البقرة: 159].

فالبعض يرى أنّ "يكتمون" تعني إذا سألهم النَّاس فلا بدَّ لهم أن يجيبوا، والحقيقة ليست كذلك، فانَّ "تكتم" تعني أن لا تبادر إلى نشر ذلك، فقد يرى بعض النَّاس أنَّ العالم كالشَّجرة، لا بدَّ أن تهزّها إذا أردت أن تأكل منها، وإذا لم تهزّها، فليس واجباً عليه أن يبادرك بالعلم، فماذا ـ يا ترى ـ عن النَّاس الذين لا يفهمون مفاهيم الإسلام، ولا الحلول المناسبة للمشاكل الفكريَّة والاجتماعيَّة التي يعيشونها؟!

فعلى العالم أن ينطلق ويدرس كلَّ المشاكل الموجودة في العالم، سواء في المفاهيم الإسلاميَّة، أو الأحكام الشرعيَّة، أو في الواقع السياسيّ أو الواقع الاجتماعيّ، عليه أن يدرس ذلك ويبيِّنه للأمَّة، وأن يبيّن ما هو حكم الإسلام في ذلك كلِّه.

وقد ورد عن النبيّ (ص): "إذا ظهرت البدع - كلّ البدع، سواء التي تتعلَّق بالأحكام أو المفاهيم أو بالعقائد أو بالواقع – فليظهر العالم علمه، وإلّا فعليه لعنة الله" . فالعلم أمانة، وجهاد العالم أن يجاهد في بذل علمه.

فأنا أفهم - وقد يحتمل فهمي الخطأ والصَّواب - أنّه يجب على العالم أن يبادر، وأعطيكم على ذلك مثلاً، فلو انتشر وباء ما - أجاركم الله وجميع المسلمين - فالدولة حينئذٍ تطلب من الأطبَّاء أن يستنفروا جهودهم، وأن يقفوا عل مفارق الطّرق، وأن يدخلوا البيوت ليقوموا بتلقيح النَّاس ضد الوباء المستشري ولو بالقوَّة، فالشخص الذي يرفض التَّلقيح، وكان يُخاف منه على المجتمع، يجب أن يلقَّح بالقوَّة، وكذلك الحال في العلم، ففي بعض الحالات، لا بدَّ من تعليم الناس بالقوَّة، ولا أعني بالتعسّف، فلا تعليم بهذه الطريقة، ولكن من باب ما جاء عن الإمام الصّادق (ع): "لوددتُ أنَّ أصحابي ضُرِبَتْ رؤوسُهم بالسياطِ حتَّى يتفقَّهوا" , ومعنى ذلك، أنَّه عند انتشار البدع والخرافات الَّتي تأكل روح الإسلام وحيويّته، حتى تصبح ديناً يُدان به، لا بدَّ هنا للعالِم من أن يُظهر علمه.. والإمام عليّ (ع) يقول: "النّاس ثلاثة: فعالمٌ ربانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركنٍ وثيق" .

لذلك، فإنَّ من شعب الجهاد بالنفس، هو الجهاد بالعلم، بأن تقدِّم علمك وخبرتك للنَّاس، وليس المراد بذاك العلم الدّيني فقط، بل كلّ علم يحتاجه النَّاس، لأنّك إذا لم تعط علمك للمجتمع، فسوف يحتاج إلى الآخرين، وأنت تعرف أنّ أيّ دولة من الدول، لا تعطيك خبرة إلا إذا أعطيتها شيئاً من عزَّتك وحرّيتك وكرامتك، فهناك ـ مثلاً ـ معاهدات ثقافيَّة، وأخرى تربويَّة، وثالثة اجتماعيَّة، لا توقَّع إلَّا في مقابل شروط سياسيَّة، وفي ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) فيما ينسب إليه: "امننْ على من شئْتَ تكنْ أميرَه، واحتجْ إلى من شئْتَ تكنْ أسيرَه، واستغنِ عمَّن شئْتَ تكنْ نظيرَه" . فالحاجة هي أساس الذّلّ، فبمقدار ما تملك حاجاتك، تملك حريّتك وعزَّتك وتقرير مصيرك بنفسك.

لذلك، نقول لكلِّ شبابنا في كلّ الأمّة الإسلامية: خذوا بكلّ أسباب العلم، فقد يكون واجباً أن ترتقوا في درجات العلم، لأنّ الصّراع الآن ليس صراع البندقيّة فقط، بل حتى صراع البندقيّة والمدفع والصّاروخ وغيرها من الأسلحة يحتاج إلى علم، وإذا لم يكن لديك علم، فإنك لا تستطيع أن تطوِّر هذه الأسلحة، فضلاً عن أن تنتجها، فنحن نحتاج إلى أمَّة تنتج سلاحها، وإلى أمَّة تنتج غذاءها، وإلى أمَّة تنتج ما يلبِّي حاجاتها حتَّى تستطيع أن تكون الأمَّة الَّتي يحتاجها الآخرون ولا تحتاج الآخرين في القضايا الحيويَّة.

وبطبيعة الحال، فإنَّنا لا يمكن أن لا نحتاج إلى أحد، لكن في الأمور الحيويَّة، علينا أن نعمل وفقاً لسياسة الاكتفاء الذّاتيّ والثقافيّ والعلميّ والاقتصاديّ والاجتماعي.ّ

* من كتاب "النَّدوة"، ج 4.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية