كتابات
26/01/2022

مفهومُ الأصوليّة بينَ النَّظرتين الإسلاميَّةِ والغربيَّةِ

مفهومُ الأصوليّة بينَ النَّظرتين الإسلاميَّةِ والغربيَّةِ

[الغرب يتّهم الأصوليّة بالتحجُّر، وأنّها ضدّ كلّ تطوّر وانفتاح، ما تعليقكم على ذلك؟].

ربّما كانت مشكلة بعض المصطلحات، أنّها لا تتحرَّك في الجانب الفكري الثقافي لتبحث في العمق عن قاعدتها الفكريّة، وفي الأفق عن امتداداتها الإنسانيّة، بل إنّها تحوَّلت إلى عنوان سياسيّ استهلاكيّ، يحاول أن يفرض المصطلح على موقع هنا وموقع هناك، من أجل تجميع كثير من الإيحاءات السلبيّة حول خطّ هنا أو خطّ هناك، معتمداً على أنَّ الاستهلاك السياسي بوسائله المتنوّعة، ولا سيّما الإعلاميَّة، يعمل على استلاب التفكير، فيما هي العلاقة بين المصطلح في خطّ النظريّة والتطبيق.

وبذلك، فإنَّنا عندما تُطرَح مسألة الأصوليَّة، لا نجد أنّ هناك فكراً يتوقّف عند عناصرها الذاتيّة وبداية انطلاقها في التّنظير لكثير من الاتّجاهات، ولا سيّما الاتجاهات الدينية، لِيُغلّب المسألة على الواقع كلّه.

ونبدأ بالمسألة: إنَّنا إذا أردنا أن نتحدّث عن "الأصوليّة" في معناها الاشتقاقي في لغتنا العربيَّة، نجد أنّها تعبِّر عن حركة تنطلق من جَذْرٍ في التاريخ، يختزنُ في داخله معنىً فكرياً، أو معنى دينياً، يتحرَّك الناس نحوه في امتداد الزمن ليرجعوا إليه دائماً، بعيداً من طبيعة هذا "الأصل"؛ هل هو أصل متحرِّك أم جامد، هل يحبس الإنسان داخل زنزانة فكريّة لا تسمح له أن يتنفَّس الفكرة في الهواء الطَلْق، أم أنَّه يمكن أن يختزن في داخل مضمونه الحيويّة التي تجعله يتحرّك مع الزمن، بحيث يكون "الأصل" نقطة الانطلاق لا نهاية المطاف؟

من هنا، فنحن عندما نريد أن نتبنَّى المصطلح من خلال إيحاءات لغتنا العربيّة... فإنَّنا نجد أنّ مسألة أن ترجع إلى "الأصل"، هي مسألة مدلول هذا الأصل، ومسألة تعاملك معه، فربَّما يتعامل بعض النَّاس مع "الأصل" على أساس أن يكون نقطة البداية، لا أن يكون البداية والنَّهاية معاً، وقد يتحرَّك الناس في داخل "الأصل" على أساس أنّه يختزن في داخله حيويّة تمنحهم حريّة الحركة في كثيرٍ من جوانب حياتهم، لأنَّ طبيعة المفردات التي يحرِّكها في مفهومه الفكريّ أو الشّرعيّ، قد تكون مفردات تطوِّر الواقع بدلاً من أن تجمّده..

هذا في الأُفق العام.. أمّا إذا أردنا أن ننطلق من الأصوليَّة فيما تتحدَّث عنه المعاجم الغربيَّة، فإنَّنا نتصوَّر أنّ الأصوليَّة نشأت في الغرب، فقد عاش الغرب الكثير من مشاكل الأصولية في المسألة الدينية التي كانت تتمثّل في التجربة المسيحيّة، باعتبار أنّها كانت تتّخذ موقفاً سلبيّاً من التطوُّر العلميّ، وكانت تتّخذ موقفاً متحجِّراً من قضايا حقوق الإنسان.. وهكذا انطبعت مسألة الأصوليَّة في ذهنيَّة الغربي، من خلال التجربة التي عاشها في المسألة الدينيّة.

أمّا نحن كمسلمين، فإنَّنا لا نُعاني ـــ فيما هو المفهوم الإسلامي للحياة ـــ شيئاً من ذلك، لأنَّنا نتصوَّر أنّ الأصوليَّة تحوَّلت في الخطوط الحركية للإنسان إلى أن تتمثَّل في نقطتين بارزتين، هما اللّتان يتعامل معهما الواقع السياسيّ المضادّ للخطّ الإسلامي، وهما، مسألة إلغاء الآخر، ومسألة اعتبار العنف أساساً في الحركة الفكرية والسياسية والاجتماعية، وما إلى ذلك.. ونحن في مفهومنا الإسلاميّ، لا نعاني ذلك، لأنَّنا عندما نقف أمام مسألة إلغاء الآخر، نجد أنَّ القرآن تحرَّك على أساس احترام الآخر، لأنّه يطرح الحوار، ويُقِرُّ بالوجود المميَّز للآخر: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }[آل عمران: 64]...

أمّا مسألة العنف، فإنَّنا نجد أنّ الإسلام يطرح أمام كلّ حركة الصِّراع الإنساني قوله تعالى: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }[فصّلت: 34]. إنّ عليك أن تدخل مع الآخر في المشاكل التي تحدث بينك وبينه، باعتمادك الأسلوب الَّذي تحوِّل فيه عدوّك إلى صديق. ومعنى ذلك، أنّ الإسلام يعتبر الصداقة الإنسانية هدفاً من أهداف الحركة في خطّ الصراع الإنساني في مشاكل الإنسان الفكرية والثقافية والسياسية.

وعندما تحدَّث الإسلام عن الجهاد، فإنّه لم يتحدَّث عنه على أساس أنّه حركة من أجل إسقاط حريّة الإنسان، ولكنّه تحدّث عنه كحركة وقائيَّة لدفع العدوان ولمنعه.. ولهذا رأينا أنّ الإسلام عندما يتحدّث عن القتال، فإنّما يتحدّث عن القتال في سبيل الله والمستضعفين، وفي سبيل ألا يضطهد الإنسان إنساناً آخر..

وبذلك نعتبر أنّ عملية القتال ـــ العنف ـــ لا تختلف عن أيّ عملية عنف أو قتال في أيّ حضارة أخرى، وأيّ نظام آخر، فليس هناك حضارة تطرد العنف تماماً من قاموسها الحركي، لأنَّ قضيَّة حماية الحضارة من الذين يريدون إسقاطها، تفرض أن تدخل الحضارة في صراع قد يؤدّي إلى قتال..

لذلك، نحن لا نعتبر أنَّنا معنيّون بالأصوليَّة بالمفهوم الغربي، لأنَّنا لا نلغي الآخر، ولا نعتبر العنف أساساً في حركتنا. ومن هنا نقول: ليس هناك "أصولية" إسلامية.

* من كتاب "للإنسان والحياة".

[الغرب يتّهم الأصوليّة بالتحجُّر، وأنّها ضدّ كلّ تطوّر وانفتاح، ما تعليقكم على ذلك؟].

ربّما كانت مشكلة بعض المصطلحات، أنّها لا تتحرَّك في الجانب الفكري الثقافي لتبحث في العمق عن قاعدتها الفكريّة، وفي الأفق عن امتداداتها الإنسانيّة، بل إنّها تحوَّلت إلى عنوان سياسيّ استهلاكيّ، يحاول أن يفرض المصطلح على موقع هنا وموقع هناك، من أجل تجميع كثير من الإيحاءات السلبيّة حول خطّ هنا أو خطّ هناك، معتمداً على أنَّ الاستهلاك السياسي بوسائله المتنوّعة، ولا سيّما الإعلاميَّة، يعمل على استلاب التفكير، فيما هي العلاقة بين المصطلح في خطّ النظريّة والتطبيق.

وبذلك، فإنَّنا عندما تُطرَح مسألة الأصوليَّة، لا نجد أنّ هناك فكراً يتوقّف عند عناصرها الذاتيّة وبداية انطلاقها في التّنظير لكثير من الاتّجاهات، ولا سيّما الاتجاهات الدينية، لِيُغلّب المسألة على الواقع كلّه.

ونبدأ بالمسألة: إنَّنا إذا أردنا أن نتحدّث عن "الأصوليّة" في معناها الاشتقاقي في لغتنا العربيَّة، نجد أنّها تعبِّر عن حركة تنطلق من جَذْرٍ في التاريخ، يختزنُ في داخله معنىً فكرياً، أو معنى دينياً، يتحرَّك الناس نحوه في امتداد الزمن ليرجعوا إليه دائماً، بعيداً من طبيعة هذا "الأصل"؛ هل هو أصل متحرِّك أم جامد، هل يحبس الإنسان داخل زنزانة فكريّة لا تسمح له أن يتنفَّس الفكرة في الهواء الطَلْق، أم أنَّه يمكن أن يختزن في داخل مضمونه الحيويّة التي تجعله يتحرّك مع الزمن، بحيث يكون "الأصل" نقطة الانطلاق لا نهاية المطاف؟

من هنا، فنحن عندما نريد أن نتبنَّى المصطلح من خلال إيحاءات لغتنا العربيّة... فإنَّنا نجد أنّ مسألة أن ترجع إلى "الأصل"، هي مسألة مدلول هذا الأصل، ومسألة تعاملك معه، فربَّما يتعامل بعض النَّاس مع "الأصل" على أساس أن يكون نقطة البداية، لا أن يكون البداية والنَّهاية معاً، وقد يتحرَّك الناس في داخل "الأصل" على أساس أنّه يختزن في داخله حيويّة تمنحهم حريّة الحركة في كثيرٍ من جوانب حياتهم، لأنَّ طبيعة المفردات التي يحرِّكها في مفهومه الفكريّ أو الشّرعيّ، قد تكون مفردات تطوِّر الواقع بدلاً من أن تجمّده..

هذا في الأُفق العام.. أمّا إذا أردنا أن ننطلق من الأصوليَّة فيما تتحدَّث عنه المعاجم الغربيَّة، فإنَّنا نتصوَّر أنّ الأصوليَّة نشأت في الغرب، فقد عاش الغرب الكثير من مشاكل الأصولية في المسألة الدينية التي كانت تتمثّل في التجربة المسيحيّة، باعتبار أنّها كانت تتّخذ موقفاً سلبيّاً من التطوُّر العلميّ، وكانت تتّخذ موقفاً متحجِّراً من قضايا حقوق الإنسان.. وهكذا انطبعت مسألة الأصوليَّة في ذهنيَّة الغربي، من خلال التجربة التي عاشها في المسألة الدينيّة.

أمّا نحن كمسلمين، فإنَّنا لا نُعاني ـــ فيما هو المفهوم الإسلامي للحياة ـــ شيئاً من ذلك، لأنَّنا نتصوَّر أنّ الأصوليَّة تحوَّلت في الخطوط الحركية للإنسان إلى أن تتمثَّل في نقطتين بارزتين، هما اللّتان يتعامل معهما الواقع السياسيّ المضادّ للخطّ الإسلامي، وهما، مسألة إلغاء الآخر، ومسألة اعتبار العنف أساساً في الحركة الفكرية والسياسية والاجتماعية، وما إلى ذلك.. ونحن في مفهومنا الإسلاميّ، لا نعاني ذلك، لأنَّنا عندما نقف أمام مسألة إلغاء الآخر، نجد أنَّ القرآن تحرَّك على أساس احترام الآخر، لأنّه يطرح الحوار، ويُقِرُّ بالوجود المميَّز للآخر: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }[آل عمران: 64]...

أمّا مسألة العنف، فإنَّنا نجد أنّ الإسلام يطرح أمام كلّ حركة الصِّراع الإنساني قوله تعالى: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }[فصّلت: 34]. إنّ عليك أن تدخل مع الآخر في المشاكل التي تحدث بينك وبينه، باعتمادك الأسلوب الَّذي تحوِّل فيه عدوّك إلى صديق. ومعنى ذلك، أنّ الإسلام يعتبر الصداقة الإنسانية هدفاً من أهداف الحركة في خطّ الصراع الإنساني في مشاكل الإنسان الفكرية والثقافية والسياسية.

وعندما تحدَّث الإسلام عن الجهاد، فإنّه لم يتحدَّث عنه على أساس أنّه حركة من أجل إسقاط حريّة الإنسان، ولكنّه تحدّث عنه كحركة وقائيَّة لدفع العدوان ولمنعه.. ولهذا رأينا أنّ الإسلام عندما يتحدّث عن القتال، فإنّما يتحدّث عن القتال في سبيل الله والمستضعفين، وفي سبيل ألا يضطهد الإنسان إنساناً آخر..

وبذلك نعتبر أنّ عملية القتال ـــ العنف ـــ لا تختلف عن أيّ عملية عنف أو قتال في أيّ حضارة أخرى، وأيّ نظام آخر، فليس هناك حضارة تطرد العنف تماماً من قاموسها الحركي، لأنَّ قضيَّة حماية الحضارة من الذين يريدون إسقاطها، تفرض أن تدخل الحضارة في صراع قد يؤدّي إلى قتال..

لذلك، نحن لا نعتبر أنَّنا معنيّون بالأصوليَّة بالمفهوم الغربي، لأنَّنا لا نلغي الآخر، ولا نعتبر العنف أساساً في حركتنا. ومن هنا نقول: ليس هناك "أصولية" إسلامية.

* من كتاب "للإنسان والحياة".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية