يقول الإمام زين العابدين (ع) في دعاء مكارم الأخلاق:
"اللّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِه، وادْرأ عنّي بِلُطْفِكَ، واغْذني بنِعْمَتِكَ، وأصْلِحْني بكَرَمِكَ، ودَاوِني بِصُنْعِكَ، وأظِلّني في ذَرَاكَ، وجَلِّلنيَ رضاكَ، ووَفِّقْني إذا اشْتَكَلَتْ عليَّ الأمُورُ لأهدَاها، وإذا تشابَهَتِ الأعمالُ لأزْكاها، وإذا تناقَضَتِ المِلَلُ لأرْضاها".
يا ربّ، حاجتي إليك لا تقف عند حدّ، وانفتاحي عليك لا يغلقه شيء، فأنت سرّ وجودي، وغاية حياتي في كلّ أموري، ففي اقتحام المكروه لي، وسيطرته عليّ في نفسي ومالي وأهلي وشؤوني العامّة والخاصّة، ألجأ إلى لطفك الّذي يتمثّل ببِرِّكَ وإحسانك ليدفع عني ذلك.
وفي جوعي الفاغر فاه لكلّ ما أحتاجه من غذاءٍ روحيّ وعقليّ، أفزع إلى نعمتك التي شملت كلّ مخلوق لتغذّيني، فتشبع جوعي وتروي ظمئي، وتملأ عقلي بالشّهيّ من الفكر الّذي يعصمني من الخطأ.
وفي حركة الفساد في أموري وأوضاعي وشؤوني وقضاياي وأقوالي وأفعالي وأفكاري، أجد في مواقع الصّلاح في الرعاية الإلهيّة لخلقك المنهج الذي يصلح كلّ ما فسد مني، ويسدّ الخلل في كلّ حياتي، وفي هجوم المرض الجسدي والنفسي والعقلي والحركي عليّ، أرجع إليك لأجد لديك الدواء الشافي من كلّ عناصر ذلك المرض، في ما تصطنعه لي من صحةٍ وسلامةٍ وخيرٍ وإحسان.
وفي مواقع الخطر، التي تتكشّف فيها نقاط ضعفي لتذلّني وتقمعني وتعرّضني للأخطار، وتكشف عيوبي وأخطائي وخطاياي وتسقطني من عيون النّاس، أطلب منك ـ يا ربّ ـ أن تظلّني بظلّك الذي لا ظلّ إلا ظلّه، فألوذ به، لأجد فيه الأمن والحفظ والرعاية والستر والعزّ والسلطان، وفي خوفي من غضبك عند تعرّضي لمعصيتك، وابتعادي عن طاعتك، مما يعرّضني للعري الفاضح أمامك، وللفراغ الهائل عندك، أهرب إليك، لتلبسني من رضاك ثوباً يغطّي عليّ الذنوب والتّبعات، وتسترها عليَّ بعفوك ومغفرتك، وتهديني إلى سواء السّبيل.
اللّهمّ قد تختلط الأمور عليّ، وتلتبس القضايا المتصلة بحياتي، فتتملّكني الحيرة في ما آخذه أو أدعه، وقد أقع في قبضة الضّلال من خلال ذلك، فامنحني توفيقك للانفتاح على أقربها إلى الصّواب، وأعظمها في الدلالة على الحقّ، لأحصل على الطمأنينة الروحية والفكرية في طريقي إلى الهدى، ورحلتي إلى الحقّ.
وقد تتشابه الأعمال التي أحرّك طاقاتي تجاهها، وتتوجّه طموحاتي إليها، فلا أعرف وجه الخير فيها من وجه الشرّ، لاختفاء الملامح البارزة في أوضاعها وأشكالها ومقاصدها، ما يبعدني عن وضوح الرؤيا، فتتدافع المواقف عندها، فأعطني الوعي العميق والرؤيا الواضحة لما هو الأطهر منها عند دوران الأمر بين الطهارة والقذارة، وأكثرها نفعاً عند اشتباه الأمر بين الضّرر والنفع، وأعظمها ثواباً عند اختلاف الحال بين الثّواب القليل والكثير، لأعرف كيف أوجّه خياراتي العمليّة في الاتجاه الصّحيح، وأركّز إرادتي في الموقع الثّابت.
وقد تتناقض المذاهب في أفكارها ووسائلها وأهدافها وأوضاعها، فيبطل بعضها بعضاً، فأفقد النّظرة النافذة التي تميّز المذهب الحقّ من المذهب الباطل، وأتجه يميناً وشمالاً في قلقٍ فكريّ يبحث عن الحقيقة في ضباب الأفكار وغبار الأهواء، وأبتعد عن الطّريق الواضح، فأرشدني ـ يا ربّ ـ إلى المذهب الحقّ الذي ينفتح بي على مواقع رضاك، لأنال رضاك بالدّرجة العليا التي لا يقترب إليها الباطل.
*من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".