إنَّنا نحتاج أن نتربّى بالقرآن، بأن نأخذ من القرآن منهج المعرفة والتفكير، لأنَّ الظاهرة البارزة في واقعنا كمسلمين، هي أنّنا انفعاليّون، أو أنّنا لا ننطلق في الحياة من موقع الفكر، سواء على مستوى كثيرٍ من القناعات التي نتمثّلها، أو كثيرٍ من الأوضاع التي نعيشها.
ربّما نحتاج في قراءتنا للقرآن أن نتعرَّف المنهج العمليَّ لطريقة التفكير، أو لطريقة تحصيل المعرفة، أو لتكوين القناعة، لأنَّ القرآن أكَّد الجانب العلميَّ كأساسٍ للمسؤولية، بمعنى أنّ القرآن لا يحترم أيّ فكرٍ وأيّ عمل وأيّ قناعةٍ، إلّا إذا كانت منطلقة من قاعدة فكريّة لا مجال للشكّ والرّيب فيها.
إنَّنا نلاحظ ذلك من الآيات التي تواجه الآخرين الذين يملكون أفكاراً مضادّة، فتحاول أنْ تواجههم برفض طريقتهم بحمل هذه الأفكار، وبأنّها ليست طريقة فكرية، بل هي طريقة تقليدية أو عاطفية، وهذا ما نلمحه في الآيات التي تتحدّث عن هؤلاء الذين واجهوا الرسول (ص) في بداية الدعوة، وواجهوا الأنبياء من قبله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}(1)، فقد كانت الفكرة التي يُثيرها القرآن أمامهم على ضوء الآية: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}(2)، أو من خلال الآية: {أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ}(3)، إنَّ القرآن يحاول أن يناقشهم في المنهج، ويحاول إثارة المنهج الذي يجب أن يتّبعوه في طريقة تكوين القناعات والعقيدة.
وهكذا، نجد مثلاً، عندما يواجه الّذين يتحدّونه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(4)، أو عندما يدخلون معه ساحة الجدال: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ}(5).
وهكذا، نجدُ القرآن الكريم يؤكّد هذا الجانب، وهو أنّ الفكرة التي يمكن أنْ يحترمها، ويمكن أن يعيش الإنسان فيها من موقع المسؤوليّة، هي الفكرة المبنيّة على البرهان، والمبنيّة على حجّة، والمبنيّة على تفكير، وما إلى ذلك. حتّى إِنّنا نجد أنَّ القرآن الكريم يؤكّد أنّ علاقة الله تعالى بالناس عندما يحمّلهم المسؤوليّة، تنطلق من موقع الحجّة، فإذا كانت له تعالى حجّة على النّاس وانحرفوا فإنّه يعاقبهم، وإذا لم تكن له حجّة عليهم فإنّه لا يعاقبهم: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(6).
ولذا، فإنَّ القرآن الكريم عندما حدَّثنا عن عذاب الله للكافرين، لا على أساس أنَّ هناك شبهة انطلقت في تفكيرهم ولم يستطيعوا أن يحلُّوها، بل على أساس أنّ لهم قلوباً لا يعقلون بها، وآذاناً لا يسمعون بها، وأعيناً لا يبصرون بها، فهم جحدوا حركة وسائل المعرفة في حياتهم، فإنكارهم لم يكن من موقع أنَّ هناك حجّة مضادّة على الإنكار، بل كان إنكارهم بتركهم للحجّة التي يمكن أن تؤدّي إلى الإيمان.
من هنا، نفهم أنَّ القرآن الكريم يتعامل مع كلّ القضايا الفكرية، سواء كانت قضايا موافقة أو مخالفة، من موقع المنهج الذي يمكن أن يُوصل إلى فكرة مسؤولة، وهذا المنهج هو منهج الحجّة والبرهان، ومنهج الطريقة الفكريّة.
*من كتاب "للإنسان والحياة".
[1]سورة الزخرف، الآية: 23
[2]سورة البقرة، الآية: 170
[3]سورة الزخرف، الآية: 24
[4]سورة النمل، الآية: 64
[5] سورة آل عمران، الآية: 66
[6]سورة الإسراء، الآية: 15
إنَّنا نحتاج أن نتربّى بالقرآن، بأن نأخذ من القرآن منهج المعرفة والتفكير، لأنَّ الظاهرة البارزة في واقعنا كمسلمين، هي أنّنا انفعاليّون، أو أنّنا لا ننطلق في الحياة من موقع الفكر، سواء على مستوى كثيرٍ من القناعات التي نتمثّلها، أو كثيرٍ من الأوضاع التي نعيشها.
ربّما نحتاج في قراءتنا للقرآن أن نتعرَّف المنهج العمليَّ لطريقة التفكير، أو لطريقة تحصيل المعرفة، أو لتكوين القناعة، لأنَّ القرآن أكَّد الجانب العلميَّ كأساسٍ للمسؤولية، بمعنى أنّ القرآن لا يحترم أيّ فكرٍ وأيّ عمل وأيّ قناعةٍ، إلّا إذا كانت منطلقة من قاعدة فكريّة لا مجال للشكّ والرّيب فيها.
إنَّنا نلاحظ ذلك من الآيات التي تواجه الآخرين الذين يملكون أفكاراً مضادّة، فتحاول أنْ تواجههم برفض طريقتهم بحمل هذه الأفكار، وبأنّها ليست طريقة فكرية، بل هي طريقة تقليدية أو عاطفية، وهذا ما نلمحه في الآيات التي تتحدّث عن هؤلاء الذين واجهوا الرسول (ص) في بداية الدعوة، وواجهوا الأنبياء من قبله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}(1)، فقد كانت الفكرة التي يُثيرها القرآن أمامهم على ضوء الآية: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}(2)، أو من خلال الآية: {أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ}(3)، إنَّ القرآن يحاول أن يناقشهم في المنهج، ويحاول إثارة المنهج الذي يجب أن يتّبعوه في طريقة تكوين القناعات والعقيدة.
وهكذا، نجد مثلاً، عندما يواجه الّذين يتحدّونه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(4)، أو عندما يدخلون معه ساحة الجدال: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ}(5).
وهكذا، نجدُ القرآن الكريم يؤكّد هذا الجانب، وهو أنّ الفكرة التي يمكن أنْ يحترمها، ويمكن أن يعيش الإنسان فيها من موقع المسؤوليّة، هي الفكرة المبنيّة على البرهان، والمبنيّة على حجّة، والمبنيّة على تفكير، وما إلى ذلك. حتّى إِنّنا نجد أنَّ القرآن الكريم يؤكّد أنّ علاقة الله تعالى بالناس عندما يحمّلهم المسؤوليّة، تنطلق من موقع الحجّة، فإذا كانت له تعالى حجّة على النّاس وانحرفوا فإنّه يعاقبهم، وإذا لم تكن له حجّة عليهم فإنّه لا يعاقبهم: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}(6).
ولذا، فإنَّ القرآن الكريم عندما حدَّثنا عن عذاب الله للكافرين، لا على أساس أنَّ هناك شبهة انطلقت في تفكيرهم ولم يستطيعوا أن يحلُّوها، بل على أساس أنّ لهم قلوباً لا يعقلون بها، وآذاناً لا يسمعون بها، وأعيناً لا يبصرون بها، فهم جحدوا حركة وسائل المعرفة في حياتهم، فإنكارهم لم يكن من موقع أنَّ هناك حجّة مضادّة على الإنكار، بل كان إنكارهم بتركهم للحجّة التي يمكن أن تؤدّي إلى الإيمان.
من هنا، نفهم أنَّ القرآن الكريم يتعامل مع كلّ القضايا الفكرية، سواء كانت قضايا موافقة أو مخالفة، من موقع المنهج الذي يمكن أن يُوصل إلى فكرة مسؤولة، وهذا المنهج هو منهج الحجّة والبرهان، ومنهج الطريقة الفكريّة.
*من كتاب "للإنسان والحياة".
[1]سورة الزخرف، الآية: 23
[2]سورة البقرة، الآية: 170
[3]سورة الزخرف، الآية: 24
[4]سورة النمل، الآية: 64
[5] سورة آل عمران، الآية: 66
[6]سورة الإسراء، الآية: 15