كتابات
19/11/2019

التّدقيق والتّحقيق لحماية العقيدة والشّريعة

التّدقيق والتّحقيق لحماية العقيدة والشّريعة

قد تقتضينا الأمانة الفكريّة للإسلام أن نعالج الأفكار الإسلاميّة، أو الأحكام الشرعيّة، من موقع المسؤوليّة التي تعيش القلق الروحي أمام الحقيقة.

فلا يفرض أحدنا النتائج التي يتوصّل إليها، كنتائج حاسمة نهائية، بل يعتبرها استنتاجاً ذاتيّاً قابلاً للأخذ والردّ والتّغيير والتّبديل في المستقبل من خلال تفكيره أو تفكير الآخرين؛ فقد يختلف الإيحاء في التعبير بين الأسلوب الذي يجعل القضية رأي الإسلام النهائي، وبين الأسلوب الذي يجعلها وجهة نظر شخصيّة في فهم الإسلام، لأنَّ الأسلوب الأوّل يضع الفكرة في إطارها الثَّابت النّهائيّ، بينما يضع الأسلوب الثّاني الفكرة في إطار متحرِّك مرن لا يمنع الآخرين من التَّفكير الجديد الذي يبحث عن وجهة نظر أخرى.

وقد يفيدنا ـ في هذا الجوّ ـ الإشارة إلى طريقة الفقهاء في التّعبير عن الفتوى الشرعيّة في بعض الموارد بكلمة "لا يبعد حرمة ذلك أو حليّته" أو "الظاهر" أو "الأقرب"، أو غير ذلك من الكلمات التي توحي بالمرونة في تقرير النتائج الفقهيّة، والإفساح في المجال للتفكير في نتائج مغايرة من وجهة نظر أخرى.

وقد لا يختلف الأمر كثيراً عندما يتعلّق البحث ببعض الشخصيّات المقدَّسة الموجودة في التاريخ، سواء في ما يتعلّق بعرض فضائلهم وكراماتهم، أو في ما يتعلّق بالحديث عن كلماتهم وأحاديثهم، لأنَّ القضيّة تتصل بالجانب العقيدي، في تصوّرنا للطبيعة المقدَّسة التي تتمثّل في شخصيّة النبيّ أو الإمام أو الأولياء الّذين يتمتّعون بقداسة روحيّة لدى المؤمنين، الأمر الذي ينعكس على التصوّر الدّيني لقضية النبوَّة والإمامة، في اعتبارها قضيّة يتحوّل فيها الإنسان إلى كائن غيبي يتحرَّك في حياته من خلال الأسرار القدسية، والآفاق غير المنظورة بشكل مستمرّ، سواء ذلك في خصائصه الذاتية، أو في علمه الغيبي، أو في غير ذلك من الأمور، أو اعتبار النبوَّة والإمامة قضية تتحرَّك في نطاق إعطاء إنسان، مميّز في خصائصه البشرية، امتياز الاصطفاء من قبل الله لحمل الرسالة، أو لحراستها في المجال الفكري وحمايتها من الانحراف في مرحلة ما بعد الرسول، من دون أن يخرج بها عن نطاق البشرية إلاَّ في بعض الموارد الخاصّة التي تقتضيها طبيعة الرّسالة أو الإمامة في مواجهة بعض التحدّيات أو العقبات.

وفي هذا المجال، لا بُدَّ من التّدقيق في الأحاديث التي تنقل، والقصص التي تُروَى، والكرامات التي تذكَر لمعرفة مدى صحّتها من فسادها، واستقامتها من انحرافها، لأنَّنا نعرف ـ من خلال تاريخ الفِرق في الإسلام ـ أنَّ الغلاة والباطنيّين وغيرهم من الفرق المنحرفة، قد دأبوا على الدسّ والتّلفيق لمفاهيمهم في العقيدة، بوضع الأحاديث والقصص التي تؤيّد وجهة نظرهم، الأمر الذي دعا الأئمّة من أهل البيت (ع) منذ عهد الإمام محمَّد الباقر إلى عهد الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، إلى شنّ حملة كبيرة مركّزة على هؤلاء، لكشف الجوانب المنحرفة التي يتمثّلها هؤلاء، وقد كان من وسائل هذه الحملة، إعطاء الضوابط الأساسية لتمييز الصحيح من الفاسد، واعتبار كتاب الله هو المرجع الأوّل والأخير في قبول ما يقبل، ورفض ما يرفض، لأنَّه الكتاب الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلّت: 42].

وقد يجب علينا أن لا نقف في هذه الأحاديث في موقع الإمكان والاستحالة العقليّين، ليكون المبدأ قبول ما هو ممكن ورفض ما هو مستحيل، لأنَّ الوضَّاعين لا يلجأون إلى المستحيل في أكاذيبهم وأحاديثهم الموضوعة، لأنها لا تقنع أحداً مهما كانت لباقة الواضع ودقّة الوضع، بل يلجأون إلى الأشياء الممكنة التي قد تشابه بعض الأمور المعروفة لدى النّاس في قضايا العقيدة والشريعة.. فلا بُدَّ لنا من التدقيق في الشروط الموضوعيّة من قبل المختصّين، قبل أخذ الحديث أو ردّه، لتظلّ الحقيقة هي الهاجس الّذي يحكم بحوثنا ودراساتنا، لئلا تفسد العقيدة من حيث نريد صلاحها، أو نرتبط بالباطل في الطّريق إلى الحقّ.

إنَّ القضيّة لا تتّصل بمشاعر الحبّ والولاء والعاطفة، بل تتّصل بالتصوّر الإسلاميّ للعقيدة والشّريعة والحياة، ما يجعل لها الأهميّة الكبرى في حساب التحقيق والتدقيق، لأنَّ الانحراف في التصوّر، يقود إلى الانحراف في عملية بناء الشخصية وبناء الحياة.

*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".

قد تقتضينا الأمانة الفكريّة للإسلام أن نعالج الأفكار الإسلاميّة، أو الأحكام الشرعيّة، من موقع المسؤوليّة التي تعيش القلق الروحي أمام الحقيقة.

فلا يفرض أحدنا النتائج التي يتوصّل إليها، كنتائج حاسمة نهائية، بل يعتبرها استنتاجاً ذاتيّاً قابلاً للأخذ والردّ والتّغيير والتّبديل في المستقبل من خلال تفكيره أو تفكير الآخرين؛ فقد يختلف الإيحاء في التعبير بين الأسلوب الذي يجعل القضية رأي الإسلام النهائي، وبين الأسلوب الذي يجعلها وجهة نظر شخصيّة في فهم الإسلام، لأنَّ الأسلوب الأوّل يضع الفكرة في إطارها الثَّابت النّهائيّ، بينما يضع الأسلوب الثّاني الفكرة في إطار متحرِّك مرن لا يمنع الآخرين من التَّفكير الجديد الذي يبحث عن وجهة نظر أخرى.

وقد يفيدنا ـ في هذا الجوّ ـ الإشارة إلى طريقة الفقهاء في التّعبير عن الفتوى الشرعيّة في بعض الموارد بكلمة "لا يبعد حرمة ذلك أو حليّته" أو "الظاهر" أو "الأقرب"، أو غير ذلك من الكلمات التي توحي بالمرونة في تقرير النتائج الفقهيّة، والإفساح في المجال للتفكير في نتائج مغايرة من وجهة نظر أخرى.

وقد لا يختلف الأمر كثيراً عندما يتعلّق البحث ببعض الشخصيّات المقدَّسة الموجودة في التاريخ، سواء في ما يتعلّق بعرض فضائلهم وكراماتهم، أو في ما يتعلّق بالحديث عن كلماتهم وأحاديثهم، لأنَّ القضيّة تتصل بالجانب العقيدي، في تصوّرنا للطبيعة المقدَّسة التي تتمثّل في شخصيّة النبيّ أو الإمام أو الأولياء الّذين يتمتّعون بقداسة روحيّة لدى المؤمنين، الأمر الذي ينعكس على التصوّر الدّيني لقضية النبوَّة والإمامة، في اعتبارها قضيّة يتحوّل فيها الإنسان إلى كائن غيبي يتحرَّك في حياته من خلال الأسرار القدسية، والآفاق غير المنظورة بشكل مستمرّ، سواء ذلك في خصائصه الذاتية، أو في علمه الغيبي، أو في غير ذلك من الأمور، أو اعتبار النبوَّة والإمامة قضية تتحرَّك في نطاق إعطاء إنسان، مميّز في خصائصه البشرية، امتياز الاصطفاء من قبل الله لحمل الرسالة، أو لحراستها في المجال الفكري وحمايتها من الانحراف في مرحلة ما بعد الرسول، من دون أن يخرج بها عن نطاق البشرية إلاَّ في بعض الموارد الخاصّة التي تقتضيها طبيعة الرّسالة أو الإمامة في مواجهة بعض التحدّيات أو العقبات.

وفي هذا المجال، لا بُدَّ من التّدقيق في الأحاديث التي تنقل، والقصص التي تُروَى، والكرامات التي تذكَر لمعرفة مدى صحّتها من فسادها، واستقامتها من انحرافها، لأنَّنا نعرف ـ من خلال تاريخ الفِرق في الإسلام ـ أنَّ الغلاة والباطنيّين وغيرهم من الفرق المنحرفة، قد دأبوا على الدسّ والتّلفيق لمفاهيمهم في العقيدة، بوضع الأحاديث والقصص التي تؤيّد وجهة نظرهم، الأمر الذي دعا الأئمّة من أهل البيت (ع) منذ عهد الإمام محمَّد الباقر إلى عهد الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، إلى شنّ حملة كبيرة مركّزة على هؤلاء، لكشف الجوانب المنحرفة التي يتمثّلها هؤلاء، وقد كان من وسائل هذه الحملة، إعطاء الضوابط الأساسية لتمييز الصحيح من الفاسد، واعتبار كتاب الله هو المرجع الأوّل والأخير في قبول ما يقبل، ورفض ما يرفض، لأنَّه الكتاب الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}[فصلّت: 42].

وقد يجب علينا أن لا نقف في هذه الأحاديث في موقع الإمكان والاستحالة العقليّين، ليكون المبدأ قبول ما هو ممكن ورفض ما هو مستحيل، لأنَّ الوضَّاعين لا يلجأون إلى المستحيل في أكاذيبهم وأحاديثهم الموضوعة، لأنها لا تقنع أحداً مهما كانت لباقة الواضع ودقّة الوضع، بل يلجأون إلى الأشياء الممكنة التي قد تشابه بعض الأمور المعروفة لدى النّاس في قضايا العقيدة والشريعة.. فلا بُدَّ لنا من التدقيق في الشروط الموضوعيّة من قبل المختصّين، قبل أخذ الحديث أو ردّه، لتظلّ الحقيقة هي الهاجس الّذي يحكم بحوثنا ودراساتنا، لئلا تفسد العقيدة من حيث نريد صلاحها، أو نرتبط بالباطل في الطّريق إلى الحقّ.

إنَّ القضيّة لا تتّصل بمشاعر الحبّ والولاء والعاطفة، بل تتّصل بالتصوّر الإسلاميّ للعقيدة والشّريعة والحياة، ما يجعل لها الأهميّة الكبرى في حساب التحقيق والتدقيق، لأنَّ الانحراف في التصوّر، يقود إلى الانحراف في عملية بناء الشخصية وبناء الحياة.

*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية