وبقيت لدى نوح ـ النبيّ ـ الإنسان، مسألةٌ يريد أن يعرف أبعادها، هي موضوع ولده،
فقد وعده الله أن ينقذ أهله، وولده من أهله، فكيف غرق؟ هذا ما أبهم أمره عليه،
فواجه ربّه بالسؤال، في خشوع واستعطاف.
{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ
الْحَقُّ}، في ما وعدتني أن تنقذ أهلي عندما أمرتني أن أحملهم، وهو منهم، ولكن ذلك
لم يحدث {وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} فلا يصدر عنك شيء إلا لحكمة لا يدركها
أحدٌ غيرك.
{قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الذين أمرتك بحملهم معك، وتعهّدت لك
بإنقاذهم، {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، أما أهلك، فهم الصالحون السائرون على
طريقك، لأنهم هم الذين يرثون الأرض ليصلحوها، أمّا غير الصالحين، فلا فرق بينهم
وبين الآخرين من الكافرين، ولا يمكن أن تطلب مني أن أقرّبهم إليّ لقربهم منك، فلا
فرق عندي بين عبادي جميعاً، لأنهم يتساوون أمامي في الخلق، فأقربهم إليّ أقربهم إلى
خطّ الرّسالات، وأبعدهم عني أبعدهم عنه.
وهكذا تتحدّد القرابة لا على أساس ما تربطه العاطفة النسبيّة بالرّسول، بل الأساس
هو العلاقة الرساليّة. وكان الأمر في بدايته واضحاً عند المراجعة والتأمّل، فالوعد
بحمل أهلك كان مختصاً بغير من سبق عليه القول بالهلاك، وقد كان ولدك منهم، فلا
تستسلم للعاطفة في انفعالاتك، {فَلاَ تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}،
ولعلّ المراد من هذا التعبير الكناية عن عدم كونه حقّاً لتعرف عنه ذلك، باعتبار أنّ
الباطل لا أساس له ليتعلّق به العلم، وربما كان المقصود به الكناية عن الفعل الإلهيّ
الذي يخفى سرُّه عن النّاس، أي: فلا تسأل ما لا تستطيع معرفته، وقد فسّره الكثيرون
بأنّه يتعلّق بنجاة ابنه، وهو غير واضح من سياق اللّفظ.
{إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الذين لا ينطلقون في رغباتهم من
الخطّ الصحيح الذي يتناسب مع خطّ الحقّ المرتبط بالإيمان، لأنّ ذلك يعبّر عن جهل في
شخصيّة الإنسان، بينما ينطلق العالمون بحقائق الأشياء وفق ارتباط رغباتهم بالحقّ،
لأن الإيمان يمثّل الانسجام بين الفكر والرّغبة، كيلا يعيش المؤمن الازدواجيّة بين
ما يفكر فيه، وبين ما يشتهيه ويطلبه.
* من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 12.

وبقيت لدى نوح ـ النبيّ ـ الإنسان، مسألةٌ يريد أن يعرف أبعادها، هي موضوع ولده،
فقد وعده الله أن ينقذ أهله، وولده من أهله، فكيف غرق؟ هذا ما أبهم أمره عليه،
فواجه ربّه بالسؤال، في خشوع واستعطاف.
{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ
الْحَقُّ}، في ما وعدتني أن تنقذ أهلي عندما أمرتني أن أحملهم، وهو منهم، ولكن ذلك
لم يحدث {وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} فلا يصدر عنك شيء إلا لحكمة لا يدركها
أحدٌ غيرك.
{قَالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} الذين أمرتك بحملهم معك، وتعهّدت لك
بإنقاذهم، {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، أما أهلك، فهم الصالحون السائرون على
طريقك، لأنهم هم الذين يرثون الأرض ليصلحوها، أمّا غير الصالحين، فلا فرق بينهم
وبين الآخرين من الكافرين، ولا يمكن أن تطلب مني أن أقرّبهم إليّ لقربهم منك، فلا
فرق عندي بين عبادي جميعاً، لأنهم يتساوون أمامي في الخلق، فأقربهم إليّ أقربهم إلى
خطّ الرّسالات، وأبعدهم عني أبعدهم عنه.
وهكذا تتحدّد القرابة لا على أساس ما تربطه العاطفة النسبيّة بالرّسول، بل الأساس
هو العلاقة الرساليّة. وكان الأمر في بدايته واضحاً عند المراجعة والتأمّل، فالوعد
بحمل أهلك كان مختصاً بغير من سبق عليه القول بالهلاك، وقد كان ولدك منهم، فلا
تستسلم للعاطفة في انفعالاتك، {فَلاَ تَسْأَلْنِـي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}،
ولعلّ المراد من هذا التعبير الكناية عن عدم كونه حقّاً لتعرف عنه ذلك، باعتبار أنّ
الباطل لا أساس له ليتعلّق به العلم، وربما كان المقصود به الكناية عن الفعل الإلهيّ
الذي يخفى سرُّه عن النّاس، أي: فلا تسأل ما لا تستطيع معرفته، وقد فسّره الكثيرون
بأنّه يتعلّق بنجاة ابنه، وهو غير واضح من سياق اللّفظ.
{إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الذين لا ينطلقون في رغباتهم من
الخطّ الصحيح الذي يتناسب مع خطّ الحقّ المرتبط بالإيمان، لأنّ ذلك يعبّر عن جهل في
شخصيّة الإنسان، بينما ينطلق العالمون بحقائق الأشياء وفق ارتباط رغباتهم بالحقّ،
لأن الإيمان يمثّل الانسجام بين الفكر والرّغبة، كيلا يعيش المؤمن الازدواجيّة بين
ما يفكر فيه، وبين ما يشتهيه ويطلبه.
* من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 12.