كتابات
26/11/2018

الصحوة الإسلاميّة وبرنامج العمل الحركي

الصحوة الإسلاميّة وبرنامج العمل الحركي

إنّ علينا أن نثير أمامنا النقاط التالية في عمليّة رصدٍ وتفكير وحركة:

1 ــــ إن الصحوة الإسلامية قد بدأت من حركة الإسلام في الثورة الإسلامية المباركة في إيران، من خلال المواقع السياسية الثورية المتقدمة التي استطاعت تحريك الأمة في أمواج هادرة تكتسح أمامها كل شيء.. وهكذا نحتاج إلى إثارة التفكير حول قيمة العمل السياسي بالطريقة الثورية في انطلاقة الدعوة إلى الإسلام، من خلال هذا الربط بين حركة الإسلام في قضايا الحرية في الحياة، وبين حركة العقيدة في داخل هذا الإنسان الذي يبحث في الأفكار والفلسفات والشرائع عن قاعدة للانتماء والتفكير والعمل، فقد تكون السياسة هي المدخل للفكر بدلاً من أن يكون الأمر بالعكس، لأن الثورية في حركة السياسة قد تثير أعماق الإنسان في هزّة قوية مفاجئة تهزّ كل رواسبه من أجل أن يفكر في اتجاه جديد.. وبذلك تكون السياسة عنصراً فعالاً من عناصر إثارة الفكر في عملية انفتاح ونوعية وإيمان.

2 ــــ إن الصحوة الإسلامية قد صنعت في الجوّ الإسلامي حركة متقدمة في عالم الالتزام بطريقة جديدة. فالتحليل الفكري الدقيق لتفاصيل الأفكار والمبادئ هو الذي يحرك الإرادة نحو الالتزام بطريقة عقلانية هادئة.. ولكننا رأينا أن الصحوة الإسلامية في حركة الواقع السياسي الثوري قد اختصرت لنا ذلك كله، فإذا بالمشاعر الإيمانية الإسلامية التي صنعتها الثورة، تدفع الجيل المسلم من الفتيات والشباب إلى الالتزام الدقيق في الشكل والمضمون بطريقة فريدة رائعة، يتحرك فيها العمق الإيماني، ليدفع الحركة الإنسانية في اتجاهه من دون أي جدال أو نقاش، ليعود بعد ذلك، فيحلّل، ويعي ويحاكم من مواقع الالتزام نفسها...

3 ــــ إن الصحوة الإسلامية قد استطاعت أن تسقط حاجز الخوف في داخل الإنسان المسلم، وذلك من خلال التجربة الحية التي أسقطت عرش الطاووس الطاغوتي، بالرغم من كلّ القوى المحلية والإقليمية والدولية التي كانت تحميه، ما خلق لدى الشعوب المؤمنة شعوراً بأنّ الإرادة الإيمانية الحقيقية الواعية المنفتحة المتحدية، تستطيع أن تحقق الكثير من الانتصارات، من دون حاجة إلى المزيد من القوّة المادية، وذلك فيما تمنحه القوة الروحية من تركيز للإرادة، وامتداد للثورة. وقد أدى ذلك إلى تحول المواجهة إلى ظاهرة متحركة للقوى الكبرى الدولية وللقوى الإقليمية الكبيرة، بحيث سقطت أمامها كثير من الخطط والسياسات والمواقع التي لم يفكر أحد أن بالإمكان إسقاطها، نظراً إلى القوة الطاغية التي تحميها وتحيط بها من كل مكان، ولكن الله غالب على أمره.

4 ــــ إن علينا، في حركة الصحوة الإسلامية، أن لا نقف عند تجربة واحدة، لنعتبر أن هناك فكرة وحيدة هي التي يجب أن نحملها كقاعدة للتحرّك، باعتبارها التجربة الناجحة دون بقية التجارب، بل ربما كان علينا أن ندرس عناصر النجاح في هذه التجربة أو تلك، فلعلّ للظروف الموضوعية المحيطة دخلاً كبيراً في ذلك، ما يجعل لهذه الظروف الخاصة علاقة بالفكرة من خلال علاقتها بالتجربة. وفي ضوء ذلك، قد نجد أنّ بالإمكان الالتقاء في أكثر من تجربة على أساس الحصول على أكثر من فكرة أو ظاهرة، وبذلك نفسح المجال للتجدّد والحيوية والتطور في حركة الثّورة في الواقع، لنلتقي بالجديد في كلّ موقع الإسلام والمسلمين، فلا نتجمّد في موقع واحد أو إطار واحد.

5 ــــ إنّ علينا أن لا نركّز على الغيب في حركة الثّورة الإسلاميّة، بل علينا أن نؤكّد الواقع المنفتح على الغيب في بعض مراحله، لأنّ التركيز على الغيب كأساس في عملية التغيير، يخفف أو يلغي الدور الإنساني الذي أثاره القرآن كعنصر أساس في ذلك... وربما يبعدنا عن فهم العناصر الحقيقيّة التي ساعدت، أو قد تساعد على نجاح هذه الحركة أو تلك، ما يجعل من الحركة حركة في المطلق الذي لا يرتكز على قاعدة، بل يبقى خاضعاً لإمكانات الغيب الباحث في الزمن عن قاعدة للتحرّك والانطلاق.

إنّ حركة الواقع السياسي الثوري المتقدّم، في حركة الصحوة الإسلامية، يجب أن لا يبعدنا عن إمكانات الحاجة إلى واقع سياسي هادئ في بعض المراحل التي تحتاج إلى المزيد من المرونة والتكيف مع الظروف الموضوعيّة للأشياء، فلا يجوز الجمود أمام أسلوب سياسيّ واحد للعمل، بل لا بدّ من تعدد الأساليب والوسائل لتلاحق فرص النجاح التي قد تختلف حسب اختلاف المواقع والأشخاص والأساليب، فقد تكون الساحة بحاجة إلى إيصال التوتر إلى حافة الهاوية، من أجل تصعيد درجة التوتر النفسي التي تهزّ الأعماق، وتثير الشعور وتدفع بالناس كُلّهم للوصول إلى الحدّ الذي يوحي بالثورة ويقود إليها، وقد تكون الساحة بحاجة إلى تدبير معين، يعتمد على سياسة النفس الطويل الذي يعمل على تحضير الساحة، والجوّ والموقع والشخص، ما يدفع إلى العمل الهادئ الذي يوحي بالثقافة والصبر والانفتاح، والبحث عن الوسائل الكفيلة بإنهاء المشكلة من أقرب طريق.

7 ــــ إنّ العنف لا يمثّل الأسلوب الأمثل والأفضل في حركة الصحوة الإسلاميّة، بل هو أسلوب تفرضه طبيعة المرحلة، ونوعية التحرّك، وأجواء التحدّي، وحرارة المواجهة، وذلك في الحالات التي تشعر فيها بأنّ المسألة تمثّل الجبل الذي يريد أن يهوي عليك، من دون أن تملك طريق الخلاص منه في مستوى اللّحظة، فتضطرّ إلى أن تزلزله وتهزّه من أجل أن تجعله ينهار، ويتفجر بسهولة.

ولكن قد تكون هناك حالة مغايرة تفرض عليك الرّفق واللّين، والتخطيط البعيد المدى، الذي يحقّق لك النتائج بالمستوى الأفضل. ولذلك، فإنه لا يجوز وصف العمل الثوري بالعنف، بل قد يكون الرفق عملاً ثورياً، فيما نفهمه من الثورة التي تجعلك ترتبط بالفكرة وبالهدف، بالطريقة الحاسمة التي تدفعك لتحقيق الهدف بشكل مباشر أو غير مباشر، بما يتفق مع فرص النجاح الكبيرة في حركة الواقع.

8 ــــ إنّ علينا أن نفكّر دائماً في أن السياسة هي إحدى وسائل الدعوة كما هي إحدى وسائل التغيير، ولذلك، فإنه لا يجوز أن نترك العمل الدعوتي لمصلحة العمل السياسي، بحجّة أن المرحلة ليست مرحلة الدعوة بل مرحلة السياسة، لأن الدعوة هي التي تؤكّد العقيدة والمفهوم والشريعة والحركة في حياة الأمّة، الأمر الذي يعمّق للعمل السياسي جذوره، ويحقّق له امتداده، لأنه لن يكون منطلقاً من حالة سياسية طارئة تابعة للظروف الصعبة التي تفرضها، بل يكون منطلقاً من قاعدة فكرية وروحيّة تمدّه بالحياة والحيوية والقوة الروحية كلّما كانت الساعة محتاجة إليها. ولذلك، لا بدّ من تآخي العمل السياسي والعمل الدعوتي والعمل الجهادي، كما هو الحال في زمان النبي محمد(ص).

9 ــــ إن علينا عدم إغفال الجانب الروحي، فكراً وممارسةً ووعياً شعورياً، لأنّ له الدور الكبير الفاعل في شخصية الإنسان المسلم التي لا تمثّل حالة فكرية ثقافية مجرّدة، أو حالة عمليّة متحركة، بل هي إلى جانب ذلك، طاقة روحيّة إيمانية متجدّدة فياضة بالمعاني الروحيّة، التي تصل الإنسان بالله في صلاته ودعائه وخشوعه وخضوعه للقرآن، وابتهاله إلى الله في حالة الدعاء، لأنّ الإسلام هو فكر وعمل وحركة وروح ممتدّة في عمق الحسّ الإنساني.

10 ــــ إنّ علينا أن نلتفت جيداً إلى أساليب الاحتواء والتدجين التي تحاول الالتفاف على حركة الصحوة الإسلامية، لتتحول إلى مجرد حركة تابعة لهذا النظام أو ذاك في شكليات عبادية أو قانونية، أو استعراضيات سياسية إسلامية، أو صراعات عملية، كما يحدث في بعض الأنظمة المتحالفة مع الاستعمار التي تحاول أن تعطي لنفسها اسماً إسلامياً من خلال بعض التشريعات والقوانين الإسلامية، من دون أن تخضع في ذلك لدراسة معيّنة أو تخطيط عميق، لأن كلّ القضية عندها هي أن يصدّق الناس أنّ الإسلام هو الذي يحكم هذا البلد أو ذاك، لتتمكّن من تمرير كثير من الأوضاع السياسية المنحرفة باسم الإسلام وعلى أكثر من صعيد...

إنّ علينا رصد الساحة والأشخاص والأوضاع العامّة، لكي نتمكّن من اكتشاف اللعبة جيداً، من أجل أن لا نقع في التضليل الكافر باسم الإسلام.

11 ــــ إنّ هدفنا الكبير هو أسلمة العالم في الفكر والسياسة والاجتماع والاقتصاد. ولذلك، يجب علينا، كمسلمين، العمل فيما يشبه حالات الطوارئ على كلّ صعيد، من أجل تحريك الخطى كلّها نحو هذا الهدف الكبير، بالمزيد من التخطيط والتفكير والجهاد باليد واللّسان والقلب. وهكذا نحمل أمانة الله، ليسلّمها كلّ جيل إلى الجيل الذي بعده، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، عندما يخرج المصلح المنتظر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

*من كتاب "الحركة الإسلامية ما لها وما عليها".

إنّ علينا أن نثير أمامنا النقاط التالية في عمليّة رصدٍ وتفكير وحركة:

1 ــــ إن الصحوة الإسلامية قد بدأت من حركة الإسلام في الثورة الإسلامية المباركة في إيران، من خلال المواقع السياسية الثورية المتقدمة التي استطاعت تحريك الأمة في أمواج هادرة تكتسح أمامها كل شيء.. وهكذا نحتاج إلى إثارة التفكير حول قيمة العمل السياسي بالطريقة الثورية في انطلاقة الدعوة إلى الإسلام، من خلال هذا الربط بين حركة الإسلام في قضايا الحرية في الحياة، وبين حركة العقيدة في داخل هذا الإنسان الذي يبحث في الأفكار والفلسفات والشرائع عن قاعدة للانتماء والتفكير والعمل، فقد تكون السياسة هي المدخل للفكر بدلاً من أن يكون الأمر بالعكس، لأن الثورية في حركة السياسة قد تثير أعماق الإنسان في هزّة قوية مفاجئة تهزّ كل رواسبه من أجل أن يفكر في اتجاه جديد.. وبذلك تكون السياسة عنصراً فعالاً من عناصر إثارة الفكر في عملية انفتاح ونوعية وإيمان.

2 ــــ إن الصحوة الإسلامية قد صنعت في الجوّ الإسلامي حركة متقدمة في عالم الالتزام بطريقة جديدة. فالتحليل الفكري الدقيق لتفاصيل الأفكار والمبادئ هو الذي يحرك الإرادة نحو الالتزام بطريقة عقلانية هادئة.. ولكننا رأينا أن الصحوة الإسلامية في حركة الواقع السياسي الثوري قد اختصرت لنا ذلك كله، فإذا بالمشاعر الإيمانية الإسلامية التي صنعتها الثورة، تدفع الجيل المسلم من الفتيات والشباب إلى الالتزام الدقيق في الشكل والمضمون بطريقة فريدة رائعة، يتحرك فيها العمق الإيماني، ليدفع الحركة الإنسانية في اتجاهه من دون أي جدال أو نقاش، ليعود بعد ذلك، فيحلّل، ويعي ويحاكم من مواقع الالتزام نفسها...

3 ــــ إن الصحوة الإسلامية قد استطاعت أن تسقط حاجز الخوف في داخل الإنسان المسلم، وذلك من خلال التجربة الحية التي أسقطت عرش الطاووس الطاغوتي، بالرغم من كلّ القوى المحلية والإقليمية والدولية التي كانت تحميه، ما خلق لدى الشعوب المؤمنة شعوراً بأنّ الإرادة الإيمانية الحقيقية الواعية المنفتحة المتحدية، تستطيع أن تحقق الكثير من الانتصارات، من دون حاجة إلى المزيد من القوّة المادية، وذلك فيما تمنحه القوة الروحية من تركيز للإرادة، وامتداد للثورة. وقد أدى ذلك إلى تحول المواجهة إلى ظاهرة متحركة للقوى الكبرى الدولية وللقوى الإقليمية الكبيرة، بحيث سقطت أمامها كثير من الخطط والسياسات والمواقع التي لم يفكر أحد أن بالإمكان إسقاطها، نظراً إلى القوة الطاغية التي تحميها وتحيط بها من كل مكان، ولكن الله غالب على أمره.

4 ــــ إن علينا، في حركة الصحوة الإسلامية، أن لا نقف عند تجربة واحدة، لنعتبر أن هناك فكرة وحيدة هي التي يجب أن نحملها كقاعدة للتحرّك، باعتبارها التجربة الناجحة دون بقية التجارب، بل ربما كان علينا أن ندرس عناصر النجاح في هذه التجربة أو تلك، فلعلّ للظروف الموضوعية المحيطة دخلاً كبيراً في ذلك، ما يجعل لهذه الظروف الخاصة علاقة بالفكرة من خلال علاقتها بالتجربة. وفي ضوء ذلك، قد نجد أنّ بالإمكان الالتقاء في أكثر من تجربة على أساس الحصول على أكثر من فكرة أو ظاهرة، وبذلك نفسح المجال للتجدّد والحيوية والتطور في حركة الثّورة في الواقع، لنلتقي بالجديد في كلّ موقع الإسلام والمسلمين، فلا نتجمّد في موقع واحد أو إطار واحد.

5 ــــ إنّ علينا أن لا نركّز على الغيب في حركة الثّورة الإسلاميّة، بل علينا أن نؤكّد الواقع المنفتح على الغيب في بعض مراحله، لأنّ التركيز على الغيب كأساس في عملية التغيير، يخفف أو يلغي الدور الإنساني الذي أثاره القرآن كعنصر أساس في ذلك... وربما يبعدنا عن فهم العناصر الحقيقيّة التي ساعدت، أو قد تساعد على نجاح هذه الحركة أو تلك، ما يجعل من الحركة حركة في المطلق الذي لا يرتكز على قاعدة، بل يبقى خاضعاً لإمكانات الغيب الباحث في الزمن عن قاعدة للتحرّك والانطلاق.

إنّ حركة الواقع السياسي الثوري المتقدّم، في حركة الصحوة الإسلامية، يجب أن لا يبعدنا عن إمكانات الحاجة إلى واقع سياسي هادئ في بعض المراحل التي تحتاج إلى المزيد من المرونة والتكيف مع الظروف الموضوعيّة للأشياء، فلا يجوز الجمود أمام أسلوب سياسيّ واحد للعمل، بل لا بدّ من تعدد الأساليب والوسائل لتلاحق فرص النجاح التي قد تختلف حسب اختلاف المواقع والأشخاص والأساليب، فقد تكون الساحة بحاجة إلى إيصال التوتر إلى حافة الهاوية، من أجل تصعيد درجة التوتر النفسي التي تهزّ الأعماق، وتثير الشعور وتدفع بالناس كُلّهم للوصول إلى الحدّ الذي يوحي بالثورة ويقود إليها، وقد تكون الساحة بحاجة إلى تدبير معين، يعتمد على سياسة النفس الطويل الذي يعمل على تحضير الساحة، والجوّ والموقع والشخص، ما يدفع إلى العمل الهادئ الذي يوحي بالثقافة والصبر والانفتاح، والبحث عن الوسائل الكفيلة بإنهاء المشكلة من أقرب طريق.

7 ــــ إنّ العنف لا يمثّل الأسلوب الأمثل والأفضل في حركة الصحوة الإسلاميّة، بل هو أسلوب تفرضه طبيعة المرحلة، ونوعية التحرّك، وأجواء التحدّي، وحرارة المواجهة، وذلك في الحالات التي تشعر فيها بأنّ المسألة تمثّل الجبل الذي يريد أن يهوي عليك، من دون أن تملك طريق الخلاص منه في مستوى اللّحظة، فتضطرّ إلى أن تزلزله وتهزّه من أجل أن تجعله ينهار، ويتفجر بسهولة.

ولكن قد تكون هناك حالة مغايرة تفرض عليك الرّفق واللّين، والتخطيط البعيد المدى، الذي يحقّق لك النتائج بالمستوى الأفضل. ولذلك، فإنه لا يجوز وصف العمل الثوري بالعنف، بل قد يكون الرفق عملاً ثورياً، فيما نفهمه من الثورة التي تجعلك ترتبط بالفكرة وبالهدف، بالطريقة الحاسمة التي تدفعك لتحقيق الهدف بشكل مباشر أو غير مباشر، بما يتفق مع فرص النجاح الكبيرة في حركة الواقع.

8 ــــ إنّ علينا أن نفكّر دائماً في أن السياسة هي إحدى وسائل الدعوة كما هي إحدى وسائل التغيير، ولذلك، فإنه لا يجوز أن نترك العمل الدعوتي لمصلحة العمل السياسي، بحجّة أن المرحلة ليست مرحلة الدعوة بل مرحلة السياسة، لأن الدعوة هي التي تؤكّد العقيدة والمفهوم والشريعة والحركة في حياة الأمّة، الأمر الذي يعمّق للعمل السياسي جذوره، ويحقّق له امتداده، لأنه لن يكون منطلقاً من حالة سياسية طارئة تابعة للظروف الصعبة التي تفرضها، بل يكون منطلقاً من قاعدة فكرية وروحيّة تمدّه بالحياة والحيوية والقوة الروحية كلّما كانت الساعة محتاجة إليها. ولذلك، لا بدّ من تآخي العمل السياسي والعمل الدعوتي والعمل الجهادي، كما هو الحال في زمان النبي محمد(ص).

9 ــــ إن علينا عدم إغفال الجانب الروحي، فكراً وممارسةً ووعياً شعورياً، لأنّ له الدور الكبير الفاعل في شخصية الإنسان المسلم التي لا تمثّل حالة فكرية ثقافية مجرّدة، أو حالة عمليّة متحركة، بل هي إلى جانب ذلك، طاقة روحيّة إيمانية متجدّدة فياضة بالمعاني الروحيّة، التي تصل الإنسان بالله في صلاته ودعائه وخشوعه وخضوعه للقرآن، وابتهاله إلى الله في حالة الدعاء، لأنّ الإسلام هو فكر وعمل وحركة وروح ممتدّة في عمق الحسّ الإنساني.

10 ــــ إنّ علينا أن نلتفت جيداً إلى أساليب الاحتواء والتدجين التي تحاول الالتفاف على حركة الصحوة الإسلامية، لتتحول إلى مجرد حركة تابعة لهذا النظام أو ذاك في شكليات عبادية أو قانونية، أو استعراضيات سياسية إسلامية، أو صراعات عملية، كما يحدث في بعض الأنظمة المتحالفة مع الاستعمار التي تحاول أن تعطي لنفسها اسماً إسلامياً من خلال بعض التشريعات والقوانين الإسلامية، من دون أن تخضع في ذلك لدراسة معيّنة أو تخطيط عميق، لأن كلّ القضية عندها هي أن يصدّق الناس أنّ الإسلام هو الذي يحكم هذا البلد أو ذاك، لتتمكّن من تمرير كثير من الأوضاع السياسية المنحرفة باسم الإسلام وعلى أكثر من صعيد...

إنّ علينا رصد الساحة والأشخاص والأوضاع العامّة، لكي نتمكّن من اكتشاف اللعبة جيداً، من أجل أن لا نقع في التضليل الكافر باسم الإسلام.

11 ــــ إنّ هدفنا الكبير هو أسلمة العالم في الفكر والسياسة والاجتماع والاقتصاد. ولذلك، يجب علينا، كمسلمين، العمل فيما يشبه حالات الطوارئ على كلّ صعيد، من أجل تحريك الخطى كلّها نحو هذا الهدف الكبير، بالمزيد من التخطيط والتفكير والجهاد باليد واللّسان والقلب. وهكذا نحمل أمانة الله، ليسلّمها كلّ جيل إلى الجيل الذي بعده، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، عندما يخرج المصلح المنتظر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

*من كتاب "الحركة الإسلامية ما لها وما عليها".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية