صدر عن "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات"، طبعة جديدة من كتاب "العرب واليونان وأوروبّا ـ قراءة في الفلسفة"، من مؤلَّفات الكاتب المعروف عمر فرّوخ، الَّذي توفّي في العام 1987. وقد تمّ إعادة إصدار الكتاب، لما له من أهميَّة علميَّة تاريخيَّة وفلسفيَّة.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، يتناول الأوَّل "أحوال الفلسفة والفكر بعامَّة في أوروبّا في العصور الوسطى"، والقسم الثَّاني "الفلسفة والمفكِّرون المسلمون الّذين أثّروا في أفكار الأوروبّيين"، أمّا القسم الأخير، فهو "الأفكار الأوروبيَّة في الأزمنة الوسيطة".
في القسم الأوَّل، تتبَّع فرّوخ معارف الأوروبيّين بين القرنين الخامس والحادي عشر للميلاد، أي حتى وقوع الحروب الصَّليبيَّة، والَّتي يظهر معها التّأثير العربيّ الإسلاميّ في المرحلة الثّانية، كما يشير إلى أنَّ هذا التّأثير أخذ طرقاً أخرى عبر مواقع وصلها العرب في أوروبّا، مثل صقلية والأندلس، وعبر الرّحلات والتَّبادل التّجاريّ.
ويتحدَّث فرّوخ عن إعجاب الفكر الغربيّ بأفكار المعتزلة، وإخوان الصَّفا، والكندي، والرّازي، والفارابي، والمعرّي في "رسالة الغفران"، وخصوصاً تأثّرهم وإعجابهم الكبير بآراء الغزالي الّذي قال بنفي السَّببيَّة، والأمر نفسه مع ابن باجه وابن طفيل. كما يشرح التّأثير الكبير لابن رشد من خلال شروحه لأرسطو، وهو ما برز في الجامعات الأوروبيَّة، حيث نشأت مدارس تؤيِّده وأخرى تعارضه. بعد ذلك، يدرس الكاتب ثلاث شخصيّات من خلال التّأثير العربيّ الإسلاميّ فيهم، وهم موسى بن ميمون، وألبرت الكبير، وتوما الإكويني.
ويعتمد فرّوخ في كتابه منهجاً تاريخيّاً يتناول عبقريَّة الفلسفة اليونانيَّة، ويعيدها إلى عدّة عوامل داخليَّة، وأخرى خارجيَّة "جرى تجاهلها"، على حدِّ تعبيره.
وعن نظريَّته هذه يقول: "أمَّا العامل الخارجيّ، فهو احتكاك اليونان بالمدنيَّات الشرقيَّة، فقد كان الطّبّ والهندسة والرّيّ مزدهرةً في مصر، وكان الفلك خاصّةً مزدهراً في العراق. وكذلك، حمل الفينيقيّون الأحرف الهجائيَّة من الشَّرق إلى اليونان، وحملوا معها ورق البَرْدى، فساعدت الكتابةُ على نضج التَّفكير وعلى انتشار نتائجه. ولقد تمَّ احتكاك اليونان بالشَّرق من طريق التِّجارة ومن طريق الرّحلات العلميّة خاصَّة، فإنَّ طاليس ـ أوّل فلاسفة اليونان ـ قد زار مصر، وزار العراق في الأغلب. وكذلك تعلَّم فيثاغوراس في مصر من الكهّان".
وبخصوص العامل الدَّاخليّ، يعتبر فرّوخ أنّه "راجع إلى البيئة اليونانيَّة في ذلك العهد. فلمَّا أطلَّ القرن السَّادس قبل الميلاد، كانت اليونان قد ازدهرت سياسيّاً واقتصاديّاً، وأصبح لها مستعمرات منثورة في حوض البحر المتوسّط. على أنَّ المهمّ في الموضوع، هو أنَّ الفلسفة اليونانيَّة لم تنشأ في شبه جزيرة اليونان نفسها؛ بل في المستعمرات اليونانيَّة على السَّواحل الغربيَّة من آسيا الصّغرى، حيث كان السّكّان قليلي الاحتفال بالآلهة المتعدِّدة، فلم تكن تلك الآلهة تملك عليهم عواطفهم أو تصرِفُهم عن التَّفكير. وما إن خطر لهؤلاء أن يضربوا بالخرافات عرض الحائط، حتّى نشأت بينهم حركة فكريَّة فتحت أمامهم مجال التّفلسف".
كتاب عمر فرّوخ من الكتب الهامَّة الَّتي تلقي الضَّوء على العلاقة بين الفلسفة اليونانيَّة والفلسفة العربيَّة، حيث يقدِّم من خلاله منهجاً علميّاً أكاديميّاً يفيد كلَّ المهتمّين في هذا المجال، ويضيء على دور العرب والمسلمين في مسيرة الحضارة الإنسانيَّة.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.
صدر عن "المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات"، طبعة جديدة من كتاب "العرب واليونان وأوروبّا ـ قراءة في الفلسفة"، من مؤلَّفات الكاتب المعروف عمر فرّوخ، الَّذي توفّي في العام 1987. وقد تمّ إعادة إصدار الكتاب، لما له من أهميَّة علميَّة تاريخيَّة وفلسفيَّة.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، يتناول الأوَّل "أحوال الفلسفة والفكر بعامَّة في أوروبّا في العصور الوسطى"، والقسم الثَّاني "الفلسفة والمفكِّرون المسلمون الّذين أثّروا في أفكار الأوروبّيين"، أمّا القسم الأخير، فهو "الأفكار الأوروبيَّة في الأزمنة الوسيطة".
في القسم الأوَّل، تتبَّع فرّوخ معارف الأوروبيّين بين القرنين الخامس والحادي عشر للميلاد، أي حتى وقوع الحروب الصَّليبيَّة، والَّتي يظهر معها التّأثير العربيّ الإسلاميّ في المرحلة الثّانية، كما يشير إلى أنَّ هذا التّأثير أخذ طرقاً أخرى عبر مواقع وصلها العرب في أوروبّا، مثل صقلية والأندلس، وعبر الرّحلات والتَّبادل التّجاريّ.
ويتحدَّث فرّوخ عن إعجاب الفكر الغربيّ بأفكار المعتزلة، وإخوان الصَّفا، والكندي، والرّازي، والفارابي، والمعرّي في "رسالة الغفران"، وخصوصاً تأثّرهم وإعجابهم الكبير بآراء الغزالي الّذي قال بنفي السَّببيَّة، والأمر نفسه مع ابن باجه وابن طفيل. كما يشرح التّأثير الكبير لابن رشد من خلال شروحه لأرسطو، وهو ما برز في الجامعات الأوروبيَّة، حيث نشأت مدارس تؤيِّده وأخرى تعارضه. بعد ذلك، يدرس الكاتب ثلاث شخصيّات من خلال التّأثير العربيّ الإسلاميّ فيهم، وهم موسى بن ميمون، وألبرت الكبير، وتوما الإكويني.
ويعتمد فرّوخ في كتابه منهجاً تاريخيّاً يتناول عبقريَّة الفلسفة اليونانيَّة، ويعيدها إلى عدّة عوامل داخليَّة، وأخرى خارجيَّة "جرى تجاهلها"، على حدِّ تعبيره.
وعن نظريَّته هذه يقول: "أمَّا العامل الخارجيّ، فهو احتكاك اليونان بالمدنيَّات الشرقيَّة، فقد كان الطّبّ والهندسة والرّيّ مزدهرةً في مصر، وكان الفلك خاصّةً مزدهراً في العراق. وكذلك، حمل الفينيقيّون الأحرف الهجائيَّة من الشَّرق إلى اليونان، وحملوا معها ورق البَرْدى، فساعدت الكتابةُ على نضج التَّفكير وعلى انتشار نتائجه. ولقد تمَّ احتكاك اليونان بالشَّرق من طريق التِّجارة ومن طريق الرّحلات العلميّة خاصَّة، فإنَّ طاليس ـ أوّل فلاسفة اليونان ـ قد زار مصر، وزار العراق في الأغلب. وكذلك تعلَّم فيثاغوراس في مصر من الكهّان".
وبخصوص العامل الدَّاخليّ، يعتبر فرّوخ أنّه "راجع إلى البيئة اليونانيَّة في ذلك العهد. فلمَّا أطلَّ القرن السَّادس قبل الميلاد، كانت اليونان قد ازدهرت سياسيّاً واقتصاديّاً، وأصبح لها مستعمرات منثورة في حوض البحر المتوسّط. على أنَّ المهمّ في الموضوع، هو أنَّ الفلسفة اليونانيَّة لم تنشأ في شبه جزيرة اليونان نفسها؛ بل في المستعمرات اليونانيَّة على السَّواحل الغربيَّة من آسيا الصّغرى، حيث كان السّكّان قليلي الاحتفال بالآلهة المتعدِّدة، فلم تكن تلك الآلهة تملك عليهم عواطفهم أو تصرِفُهم عن التَّفكير. وما إن خطر لهؤلاء أن يضربوا بالخرافات عرض الحائط، حتّى نشأت بينهم حركة فكريَّة فتحت أمامهم مجال التّفلسف".
كتاب عمر فرّوخ من الكتب الهامَّة الَّتي تلقي الضَّوء على العلاقة بين الفلسفة اليونانيَّة والفلسفة العربيَّة، حيث يقدِّم من خلاله منهجاً علميّاً أكاديميّاً يفيد كلَّ المهتمّين في هذا المجال، ويضيء على دور العرب والمسلمين في مسيرة الحضارة الإنسانيَّة.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.