كتاب "الإنسان والإسلام"، للمفكِّر علي شريعتي، صادر عن "دار الأمير" في طبعته الأولى العام 2006، ترجمة الدكتور عباس الترجمان.
يركّز شريعتي في هذا الكتاب على إنسانيَّة الإنسان، كذاتٍ فاعلة ومؤثّرة، ووعاءٍ للانطلاق نحو البناء والتقدّم. وفي سبيل عرض قيمة الإنسان في الإسلام، يعرج على القرآن الكريم وآيات الخلق فيه، والّتي تعتبر أنّ الإنسان خليفة الله في الأرض: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: 30]، وهي الميزة الّتي تميّز هذا الخلق، ما يعطي الإنسان بُعداً وعمقاً دلاليّاً وقيمياً، يفوق برمزيّته ما هو موجود مثلاً في التصوّرات الدينيّة والفلسفيّة في أوروبا في العصور الوسطى، حيث الإنسان هناك مهزوم الذّات، ومنكسر، ومطيّة، وآلة لتحقيق جملة من رغبات المتنفذين والمنتفعين، إلى أيّ طبقة وسلطة انتموا.
يرى شريعتي أنَّ الإنسان بما أنّه تتنازعه الشَّهوات والقوّة العاقلة، فهو يعيش صراعاً مستمرّاً، إمّا نحو الجنوح إلى عوالم الرغبة والشَّهوة والمادّة، أي إلى الأسفل، وإمّا نحو الأعلى نحو السّموّ. والإرادة هي من تحدِّد طبيعة موقفه وبيئته وشخصيَّته وغاياته.
وغير مفردة "الخليفة"، فإنَّ الإنسان يتفوَّق على الملائكة بميزة العلم وميزة المعرفة، فالملائكة لا تعلم، ولكنَّه ـ أي الإنسان ـ يعلم ويتقدّم في المعرفة إلى مراحل متقدّمة بوعيه وإبداعه وعقله.
ويخلص شريعتي إلى القول: "قيمة الكائن وأصالته، هما بمقدار عمله ومعرفته، وليس بعنصره"(ص 2)، والمقصود بعنصره طبيعته الإنسانيَّة، مقابل طبيعة الشَّيطان والملائكة.
ويتابع شريعتي في كتابه، بأنَّ الإنسان يتميّز بفضيلة الأمانة الَّتي هي في بعدها الأصيل عبارة عن إرادة الإنسان واختياره، بما يتناسب مع دوره ومسؤوليّاته في تأكيد علاقته بالآخر والمحيط، بما يرفع مستوى الجميع، ويصبح في موقع فرض إرادته على التّاريخ، فهو كائن فاعل لا منفعل.
الناس، عند شريعتي، وبحسب فهمه، إخوة في اشتراكهم في الطّبيعة الواحدة والمسؤوليَّة والرّسالة. يتعرَّض شريعتي لرؤية الكون، ويعطي ذلك تفسيراً فلسفيّاً، إذ يعتبر أنَّ الإنسان المنفتح لا يرى العالم محدوداً، بل في تغيير مستمرّ، على عكس الإنسان المنغلق الَّذي يراه ضيّقاً وجامداً.
شريعتي لا يؤيّد النَّظرة المحدودة الماديّة التي تفسّر الكون، حيث تنفي أيّ بعدٍ وغاية للخلق، فذلك في نظره، زاد من حالة الاغتراب عند الإنسان، إذ إنّ هذا لا يبرز أصالة ذاته وإرادته.
ويقارن شريعتي بين هذه الرّؤية المادّية للكون، والَّتي ألحقت الضَّرر به، والرّؤية الدينيَّة المنحرفة أيضاً، والَّتي أساءت إلى الدّين والإنسان، حيث جعلت منه شيئاً مسلوب الإرادة، وبدون وعي، وناكراً لذاته، من خلال نشر الخرافة وهجران الوعي والتجديد.
يشير شريعتي بعد عرضه مراحل تطوّر التاريخ البشري، بدءاً من هابيل وقابيل، إلى أنَّ الإنسان في غاياته النهائيَّة، لا بدَّ من أن يكون وعاءً فعّالاً لتجسيد صفات الله.
يدعو شريعتي إلى ثورة ثقافيّة تعيد إلى الشَّرق أصالته وجدّته، في وجه الانعزال والاستلاب والتقليد الأعمى، بغية إيجاد مجتمع مبنيّ على الإبداع والوعي والعمل والتّفكير والنّهضة، وهذا لا يتحقّق إلا من خلال إنسان واعٍ بالتّاريخ والخصوصيّات الثقافيّة، ويمتلك الإرادة والاختيار بين ما هو مفروض من الآخر، وما هو موروث من الذات.
الدّين، بحسب شريعتي، ليس تقليداً وعقائد موروثة، ولا هو أيضاً عواطف يكون المرء إزاءها عاجزاً ومستسلماً، بل هو عقيدة منتخبة ومختارة بصفة واعية ومتلائمة مع حاجات الإنسان وتطلّعاته، عبر الإرادة والوعي والحركة والفعل المؤثّر في المجتمع والتاريخ.
كتابٌ فيه الكثير من الطّروحات والمباحث لمفكّر ترك أثراً كبيراً من حيث الأسلوب والتّفكير، وهو جدير بالقراءة...