كيف عاشت فاطمة الزهراء طفولتها؟
عندما ندرس حياة الزهراء (ع)، نجد أنَّ التاريخ لا ينقل لنا الكثير من تفاصيل طفولتها وعلاقتها بأبيها محمَّد رسول الله (ص) من حيث المفردات الحياتيَّة، لكنّنا نعرف من خلاف ما وصلنا، أنّها وهي في سنّ الطفولة، لم تعش طفولة الأطفال الذين يلهون ويلعبون ويعبثون، كانت طفولتها لا تحمل أيّ فرصة للَّعب واللَّهو والعبث، بل كانت طفولة تختزن طاقة نلمح آثارها في ما نقل إلينا عنها من مواقف، ولم تكن طاقتها طاقة طفل يعيش براءة الطّفولة وبساطتها، بل طاقة طفل يختزن في نفسه إحساسه بالدَّور المنوط به في تلك المرحلة من حياة الرسول (ص) ومعاناته وآلامه التي كان يواجهها، كانت طفولة تتقمَّص شخصيَّة الأُمّ وتعيش روحيّتها وتقوم بدورها.
فها هي، ومنذ أنْ فتحت عينيها على الحياة، رأت أباها رسول الله (ص) يأتي بين وقتٍ وآخر مثقلاً بما يلاقيه من ضغوط وأعباء وأذى من المشركين، فتقوم باحتضان أبيها، وتخفِّف عنه آلامه، وترعاه بكلِّ عطف وحنوّ.
فذات يوم، رأت أباها (ص) في المسجد الحرام، وقد وضع المشركون الأوساخ والأقذار على ظهره، بينما كان قائماً يصلّي لربِّه، فما كان منها إلَّا أن تقدَّمت لتزيل عنه الأوساخ بيديها الصَّغيرتين، معبّرةً عن حزنها ومواساتها له (ص) بالدموع، وهذا ما جعلها تنفتح على المسؤوليَّة وهي في طفولتها الأولى، لتقف إلى جانب أبيها لترعاه وتحنو عليه، وهو الَّذي فقد أُمّه منذ أمدٍ طويل، وفقد زوجته الحانية التي وقفت إلى جانبه وهو يتحدّى بالرسالة، ويواجه التحدّي من خلال الرسالة؛ هذا يسبّه، وذاك يتّهمه بالجنون أو السِّحر، وثالث يلقي عليه الحجارة والأوساخ، وعمّه أبو لهب يصرخ: "جزماً سحركم محمَّد"1. وتثقله آلام الدَّعوة وهو يتحمّلها بصبرٍ، وعندما يعود إلى البيت، يرى حنان فاطمة وعاطفتها ورعايتها الَّتي لم تكن رعاية طفل يبكي دون وعي، بل رعاية وعي ينفتح ويبكي من أجل أن يواسي ويخفِّف الآلام عن رسول الله (ص)، فقد كانت تتحسَّس أنَّ آلامه آلامها، فتختزن في طفولتها آلام الرسالة، وآلام الرسول. ومَنْ يختزن في وعيه الطفولي المبكر آلام الرسول وآلام الرّسالة، لا يسمح له الوقت بأن يعبث أو يلهو أو يلعب؛ إنَّ اللَّعب واللَّهو والعبث يتحرّك في حياتنا من موقع الفراغ، فنحاول أن نملأه بالملاهي، أمَّا الإنسان الذي يشعر بأنَّ هناك فكراً يملأ عقله، وعاطفة تملأ قلبه، وواقعاً يملأ حياته، فلا يجد فرصة للّهو والعبث واللّعب.
وهكذا نشأت الزهراء (ع)، لا كما ينشأ الأطفال، نشأت رساليَّة في مشاعرها وعواطفها ومواقفها وكلِّ حركتها.
وإنّنا نستوحي من هذا الحنوّ وتلك العاطفة الَّتي ملأت بها فاطمة (ع) قلب أبيها وإحساسه، أن تكون تربيتنا لأطفالنا قائمة على أساس تنمية العاطفة وتقوية الحنان لديهم، ما يعطينا كآباء وأُمَّهات رصيداً من حنان الأبناء والبنات عندما نحتاج إلى ما يخفِّف متاعبنا، وبذلك يتحوَّل الطفل إلى أب وأُمّ، كما يتحوّل الأب والأُم إلى أطفال مع أولادهم عندما يلاعبونهم ويلاطفونهم، وقد أكَّد ذلك النبيّ الكريم (ص) بقوله: "مَنْ كان له صبيّ فليتصاب له"2.
* من كتاب "الزَّهراء القدوة".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج18، ص 181.
[2]ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص 854.
كيف عاشت فاطمة الزهراء طفولتها؟
عندما ندرس حياة الزهراء (ع)، نجد أنَّ التاريخ لا ينقل لنا الكثير من تفاصيل طفولتها وعلاقتها بأبيها محمَّد رسول الله (ص) من حيث المفردات الحياتيَّة، لكنّنا نعرف من خلاف ما وصلنا، أنّها وهي في سنّ الطفولة، لم تعش طفولة الأطفال الذين يلهون ويلعبون ويعبثون، كانت طفولتها لا تحمل أيّ فرصة للَّعب واللَّهو والعبث، بل كانت طفولة تختزن طاقة نلمح آثارها في ما نقل إلينا عنها من مواقف، ولم تكن طاقتها طاقة طفل يعيش براءة الطّفولة وبساطتها، بل طاقة طفل يختزن في نفسه إحساسه بالدَّور المنوط به في تلك المرحلة من حياة الرسول (ص) ومعاناته وآلامه التي كان يواجهها، كانت طفولة تتقمَّص شخصيَّة الأُمّ وتعيش روحيّتها وتقوم بدورها.
فها هي، ومنذ أنْ فتحت عينيها على الحياة، رأت أباها رسول الله (ص) يأتي بين وقتٍ وآخر مثقلاً بما يلاقيه من ضغوط وأعباء وأذى من المشركين، فتقوم باحتضان أبيها، وتخفِّف عنه آلامه، وترعاه بكلِّ عطف وحنوّ.
فذات يوم، رأت أباها (ص) في المسجد الحرام، وقد وضع المشركون الأوساخ والأقذار على ظهره، بينما كان قائماً يصلّي لربِّه، فما كان منها إلَّا أن تقدَّمت لتزيل عنه الأوساخ بيديها الصَّغيرتين، معبّرةً عن حزنها ومواساتها له (ص) بالدموع، وهذا ما جعلها تنفتح على المسؤوليَّة وهي في طفولتها الأولى، لتقف إلى جانب أبيها لترعاه وتحنو عليه، وهو الَّذي فقد أُمّه منذ أمدٍ طويل، وفقد زوجته الحانية التي وقفت إلى جانبه وهو يتحدّى بالرسالة، ويواجه التحدّي من خلال الرسالة؛ هذا يسبّه، وذاك يتّهمه بالجنون أو السِّحر، وثالث يلقي عليه الحجارة والأوساخ، وعمّه أبو لهب يصرخ: "جزماً سحركم محمَّد"1. وتثقله آلام الدَّعوة وهو يتحمّلها بصبرٍ، وعندما يعود إلى البيت، يرى حنان فاطمة وعاطفتها ورعايتها الَّتي لم تكن رعاية طفل يبكي دون وعي، بل رعاية وعي ينفتح ويبكي من أجل أن يواسي ويخفِّف الآلام عن رسول الله (ص)، فقد كانت تتحسَّس أنَّ آلامه آلامها، فتختزن في طفولتها آلام الرسالة، وآلام الرسول. ومَنْ يختزن في وعيه الطفولي المبكر آلام الرسول وآلام الرّسالة، لا يسمح له الوقت بأن يعبث أو يلهو أو يلعب؛ إنَّ اللَّعب واللَّهو والعبث يتحرّك في حياتنا من موقع الفراغ، فنحاول أن نملأه بالملاهي، أمَّا الإنسان الذي يشعر بأنَّ هناك فكراً يملأ عقله، وعاطفة تملأ قلبه، وواقعاً يملأ حياته، فلا يجد فرصة للّهو والعبث واللّعب.
وهكذا نشأت الزهراء (ع)، لا كما ينشأ الأطفال، نشأت رساليَّة في مشاعرها وعواطفها ومواقفها وكلِّ حركتها.
وإنّنا نستوحي من هذا الحنوّ وتلك العاطفة الَّتي ملأت بها فاطمة (ع) قلب أبيها وإحساسه، أن تكون تربيتنا لأطفالنا قائمة على أساس تنمية العاطفة وتقوية الحنان لديهم، ما يعطينا كآباء وأُمَّهات رصيداً من حنان الأبناء والبنات عندما نحتاج إلى ما يخفِّف متاعبنا، وبذلك يتحوَّل الطفل إلى أب وأُمّ، كما يتحوّل الأب والأُم إلى أطفال مع أولادهم عندما يلاعبونهم ويلاطفونهم، وقد أكَّد ذلك النبيّ الكريم (ص) بقوله: "مَنْ كان له صبيّ فليتصاب له"2.
* من كتاب "الزَّهراء القدوة".
[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج18، ص 181.
[2]ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج4، ص 854.