... عندما نريد أن نستذكر الزّهراء(ع) كإنسانة، فإنّنا نرى أنّها تمثّل النموذج الكامل للإنسانة المسلمة التي انفتحت على الله بكلّ عقلها وبكلّ روحها، وبكلّ حركيّتها وبكلّ مسؤوليّتها، ومن خلال انفتاحها على الله، انفتحت على الإنسان وعلى كلّ القضايا الحيّة التي تتّصل بمسؤوليّته في الحياة.
يوم عالمي للمرأة؟!
فإذا كنّا نريد أن نجري على ما جرى عليه النّاس من تقاليد، بأنْ جعلوا لكلّ عنوان من العناوين الحيّة في الواقع الإنساني يوماً معيَّناً، كـــ (يوم الأُمّ) أو (يوم المرأة) أو (يوم العامل)، فإنَّ أفضل يوم نجعله عنواناً للمرأة المسلمة، هو فاطمة الزهراء(ع)؛ الإنسانة التي تمثّل المثل والنموذج والقدوة للإنسان المسلم، لأنّها كانت البنت كأفضل ما تكون البنات، وكانت الزوجة كأفضل ما تكون الزّوجات، وكانت الأمّ كأفضل ما تكون الأُمّهات، وكانت المسلمة المسؤولة المتحركة في ثقافتها ومواقفها كأفضل ما تكون المسلمات، فهي تجمع كلّ هذه العناوين الإنسانيّة في المرأة وفي الإنسان المسلم، الأمر الذي يمكّننا من التحرّك من خلال ما اقترحه (الإمام الخميني) (قده)، من اعتبار يوم مولد الزّهراء(ع) في العشرين من شهر جمادى الثانية، يوماً للمرأة في العالم، لأنّنا نعرف أنّ ما جرى عليه الناس في المناسبات التي ينطلق منها اليوم، استمدّ عنوانه من خلال امرأة هنا أو عامل هناك، فيما نريد في (يوم المرأة) نموذجاً يمكن له أن يستجمع العناصر التي تمثّل كلّ نشاط المرأة في حياتها الخاصّة كبنت وزوجة وأمّ، وحياتها العامّة كمسلمة عاملة منفتحة على قضايا الإنسان في الحياة.
المرأة القدوة
وهناك نقطة لا بدَّ من أن ننتبه إليها، وهي أنّ القرآن الكريم عندما تحدَّث عن القدوة في المرأة، سواء في استحيائها في الجانب السلبي أو في الجانب الإيجابي، فإنّه لم يعتبر المرأة قدوة للنساء فحسب، بل اعتبرها قدوة للنّساء وللرجال معاً، فنحن نقرأ في قوله تعالى، فيما هو العنصر السلبي في المرأة الذي طرحه الإسلام ليبتعد الناس عمّا يتحرّك في هذا العنصر من سلبيات منفّرة:
{ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} خيانة الرسالة، وخيانة المسؤوليّة {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً}(1)، لأنَّ المسؤوليّة في الإسلام هي فردية، فالإنسان هو الذي يجزى بعمله ولا يُجزى غيره بعمله، كما أنّ الله لا يحابي إنساناً يعيش الكفر لمصلحة إنسان يمثّل الإيمان كلّه، ولذلك جعل الله امرأة نوح وامرأة لوط مثلين للرَّجل والمرأة، بأنَّ على الإنسان أن لا يعتمد على علاقته النسبية أو السببية بالإنسان الكبير جداً، ليفكِّر في أنّ الله سبحانه وتعالى يمكن أن يغفر له، أو يمكن أن يبعده عن المسؤوليّة التي يركّزها على الكافرين لحساب هذا الإنسان الكبير أو العظيم، لأنَّ الله لن يدخل الجنّة كافراً {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ}(2)، أي ينطلق الزوج الصالح مع الزوجة الصالحة، أمّا الزوجة الكافرة مع الزّوج المؤمن {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}.
{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}(3)، هذه الإنسانة التي عاشت في قلب مجتمع الكفر، وفي أعلى مواقعه ودرجاته المهيمنة، والمتمثّلة بادّعاء الربوبيّة، وقد انفتحت أمامها الحياة الرخيّة، بحيث كانت الإنسانة التي تأمر وتنهى فيستجاب لها في ذلك كلّه، كانت المرأة التي تجمّعت عندها كلّ الشهوات والامتيازات التي كانت موجودة آنذاك، ولكنّ انفتاحها على الله وعبادته ورسالته، وعلى القيم الرّوحيّة التي تفيض من الروح المنفتحة على الله، جعلها ترفض كلَّ ذلك النّعيم وتقول: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (4).
وإذاً، فإنّ الله ضرب (آسية) ـــ امرأة فرعون ـــ مثلاً للرجال والنساء المؤمنين معاً، بأن ينطلقوا في الحياة في الخطِّ الذي سارت عليه، فإذا طلبت الدّنيا منهم أن يخضعوا للظّلم على حساب إيمانهم وإسلامهم، وللحصول على الامتيازات الكبرى، فإنَّ عليهم أن يستحضروا هذا المثل الحيَّ الإنساني الذي يمثّل قمّةً في الالتزام، وقمّةً في الروحيّة، فهي المرأة التي رفضت كلّ ذلك، وتوسّلت إلى الله أن ينجّيها منه، كما لو كان مأزقاً تعيش فيه، وكما لو كان مشكلةً صعبة تواجهها، وكما لو كان سقوطاً في حياتها تريد أن ترتفع فوقه.
وكذلك هي {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا}، فكانت مثالاً للعفَّة وللطّهر وللنقاء، {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}(1)، هذه الإنسانة التي أنبتها الله نباتاً حسناً، والّتي كفلها سبحانه لزكريا، والّتي كانت تعيش مع ربّها في المحراب {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(2)، وهكذا استطاعت أن تعيش لتصدّق بكلمات ربها، وليمتلئ عقلها وقلبها وروحها وحركتها بها، {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} الخاشعين لله، المبتهلين له، العائشين معه في كلّ المجالات.
فالمرأة في القرآن ليست فقط مثلاً للمرأة في الجانب السّلبي والإيجابي، بل هي مثلٌ للرّجال والنّساء معاً.
فاطمة(ع): القدوة والمثال
... إنَّ الزّهراء(ع) لم تعرف مربّياً إلاّ رسول الله، حتى إنّ أمّها (خديجة) كانت قد ربّتها لوقت قصير كانت تعيش فيه روح رسول الله وأخلاقه، ولذلك، فإنّ قيمة الزهراء في تلك الروحانية يشير إليها نصّان:
النصّ الأوّل: ما ينقل عن أُمّ المؤمنين (عائشة)، عندما قالت: "ما رأيت أعبد في هذه الأُمَّة من فاطمة"، وبالطبع بعد رسول الله(ص). هذه الشهادة تدلّ على أنّ هذه الإنسانة التي كانت تعيش، وهي في مقتبل العمر، العبادة بهذه الدّرجة الرّفيعة، بحيث إنّك إذا قارنتها مع الذين يعبدون الله، فلن تجد هناك سبيلاً للتّوازن في المقارنة.
والنصّ الآخر: عن الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ع) قال: "رأيت أُمّي فاطمة(ع) قامت في محرابها ليلة جُمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتّى اتّضح عمود الصُّبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم وتكثر الدُّعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمّاه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ! الجار ثمَّ الدار"(1)، أي أنّنا أهل بيت نفكّر في الآخرين عندما نجلس مع الله، ونفكّر في آلامهم ومشاكلهم وفي كلّ حاجاتهم وقضاياهم، قبل أن نفكّر في أنفسنا، لأنّ الإنسان المؤمن هو الذي يحبّ عيال الله ويحبّ خلق الله، كما لو كان همّهم همّه، وكما لو كانت مشاكلهم مشاكله.
عطاء لوجه الله
وهكذا أيضاً في الآية الكريمة التي تدلّل على الروحية التي ينطلق بها المسلم والمسلمة، عندما يقدِّم عطاءه للناس، فيفكّر بردّ الفعل الإلهيّ برحمته وعفوه وغفرانه، قبل أن يفكّر برد فعل الناس في مدحهم وثنائهم. وذلك عندما نذرا أن يصوما ثلاثة أيام إذا شفي الحسن والحسين (عليهما السّلام)، واستجاب الله دعاءهما، فصاما في اليوم الأول، وجاء مسكين، فأعطياه إفطارهما. وفي اليوم الثاني، جاء يتيم وأعطياه إفطارهما، وهكذا في اليوم الثّالث، حيث جاء أسير فأعطياه إفطارهما، ونزلت الآية {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}، ويرى البعض أنَّ الضمير (هاء) في حبّه يرجع إلى (حبّ الطعام)، أي يطعمون الطعام وهم في حاجة شديدة إليه. وهناك تفسير آخر، أي على (حبّ الله) قربةً إلى الله سبحانه وتعالى {مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ}. والطّعام نموذج للخدمات الأخرى، فنطعمكم لوجه الله، تعني نخدمكم لوجه الله، ونقضي حاجاتكم لوجه الله، ونعلّمكم لوجه الله، وندافع عنكم لوجه الله، وندخل السّرور عليكم لوجه الله {لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}(1)، فالمؤمن يعمل ما يعمل من أجل أن يرضى الله عنه، ومن أجل أن يحبّه الله سبحانه وتعالى.
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}(2)، وجاءتهم الجائزة{فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}(3).
فنحن نجد هذا المثل الحيَّ في روحانية الإنسان مع الله، وهي روحانيّة لا تغيب عن الواقع. ذلك أنَّ هناك روحانيّة تستغرق في الله فتنسى الحياة، وتذوب فيه فتنسى عباده، وهي ليست الروحانية التي يريدها الله سبحانه وتعالى، إنّما يريد سبحانه أن ينطلق إيماننا ليحرّك حياتنا في خطّ المسؤوليّة، ويريدنا أن نحبّه لنحبّ الناس من خلال حبّه، وأن نحبّه ونتقرّب إليه من أجل أن يفجّر في عقولنا كلّ طاقات الحقّ، لتكون عقولنا حركة في الحقّ كلّه، ولأجل أن يفجّر في قلوبنا كلّ عواطف الحقّ، لتكون قلوبنا حقاً في العاطفة كلّها، وليفجّر طاقاتنا في حياتنا، لتكون حركتنا حقاً كلّها.
ماذا يعني حبّ الله؟!
لذلك، فأنْ تحبّ الله، يعني أن يتحوّل حبّك إلى مسؤوليّة وإلى حركة، وإلى أن يكون انفتاحاً على الإنسان الآخر {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ}، فإنَّ القضيّة قضيّة الحبّ الذي يُترجم إلى عمل، وليست أن تردِّدوا (الله حيّ.. الله حيّ)، وليست أن تتغزّلوا في الله:
شربنا على ذكرِ الحبيبِ مُدامةً سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكرمُ
فأنْ تحبّ الله، يقتضي أن تنزل إلى الواقع الذي خلقه الله، وأنْ تتحرَّك مع الإنسان، وأن تنطلق مع رسول الله في كلّ ما شرّع وعمل وهدى ودعا، وفي كلّ ما حارَب وسالَم، فلقد كان حبّ الرسول وأهل بيته لله حبّاً يتحرّك في مسؤولية الدعوة والجهاد في سبيل الله والعمل من أجله.
القدوة في الصِّدق
وفي حديث عن عائشة أيضاً: "ما رأيتُ أصدق منها إلاّ أباها". وهذا يمثّل كم هي قيمة الصدق، وكم تعلّمت الصّدق من رسول الله، فلقد كانت صفته أنّه "الصّادق"، والصدق يجعلك أميناً أيضاً، لأنّ الخائنين يكذبون على ربّهم وعلى أنفسهم وعلى الحياة والإنسان. فمن صدق الله في عقله وقلبه وإحساسه، ومن صدق النّاس في مسؤوليّته، ومن صدق الحياة في كلّ ما تحتاجه، فلا يمكن أن يكون خائناً. ولذلك، كان رسول الله(ص) "الصّادق الأمين"، وقد تعلّمت الصّدق كلّه من رسول الله، فأصبحت القدوة في الصّدق، فيما يعيش البعض الحياة كذباً كلّها؛ كذباً في الدّين مع كلّ الدجّالين والمنحرفين، وكذباً في السياسة مع كل الخائنين والمستكبرين، وكذباً في الواقع الاجتماعي مع كل التعقيدات الاجتماعية التي يتحرّك الكذب فيها من أجل مصلحة هنا وطمع هناك.
فكما كان رسول الله(ص) الأسوة الحسنة في كلّ شيء، فهو الذي جاء بالصدق وصدَّق به {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}(1)، وكذلك هي بضعة منه، وهي أمّه في العاطفة (أُمّ أبيها)، التي كانت قطعة من عقله وقلبه وإحساسه وحركته ورسالته، لأنّها كانت صورته، ولم تبلغ ما بلغه، لأنّه أكمل الخلق، لكنّها اقتربت من القمّة ـــ التي تتمثّل برسول الله(ص) ـــ لأنّها عاشت تحت أضواء القمّة وتحت ينابيعها.
انطلاقتها مع عليّ(ع)
وانطلقت مع عليّ في بيتها، لتعطي عليّاً بيتاً مسلماً في كلّ أوضاعه وروحانيته، وفي كلّ اهتماماته ومسؤولياته، والدعاة المجاهدون الكبار يحتاجون عندما يعيشون مع المرأة المسلمة، أن يتنفّسوا الإسلام في بيوتهم، وأن يعيشوا روحانيته وثقافته وفكره، وقد وجد عليّ(ع) كلّ ذلك في بيت فاطمة، وهذا ما تمثّل في رثائه لها وهو يتحدَّث عن عمق العاطفة الرساليّة بينها وبينه.
وكانت الأمّ التي استطاعت أن تعمِّق في الحسن والحسين(ع) كلّ معنى الحبّ لله، وكلّ معنى السَّير في خطِّ رسول الله(ص)، وكلَّ معنى الجهاد في سبيل الله، سلماً كان الجهاد، كما في قضيّة الإمام الحسن(ع)، أو حرباً، كما في قضيّة الحسين(ع). كما أعدّت ابنتها (زينب) لتكون مثلها تخطب في المسلمين من خلال قوّة المنطق وصفاء الرّوح وشجاعة الموقف، فلقد كانت كأمّها تمشي كما تمشي، وتتحدَّث كما تتحدّث الزّهراء(ع)، وذلك بفضل البذور الأولى التي وضعتها أمّها في عقلها وقلبها وفي حياتها، ومن ثم رعاها عليّ(ع) بالتنمية وبكلّ المعاني الطيّبة.
وفي قبال ذلك، تحرّكت في الوضع الصّعب الذي عاشه المسلمون، فوقفت لتدافع عن الحقّ الذي تعتقده في عليّ للقيادة الإسلامية، بالمنطق والحجّة، لا بالوسائل التي يتحدّث بها الناس؛ سبابٌ هنا وشتائم هناك، ولكن من خلال كتاب الله وحديث رسول الله وكلّ الحجج والبراهين، ولذلك كانت أوّل امرأة مسلمة دخلت ساحة الصّراع السياسي من موقع المسؤوليّة المثقّفة والمنفتحة على الإسلام وعلى المسلمين.
كيف نعيش الزّهراء؟
أيّها الأحبّة: عندما نستعيد الزهراء، فإنّنا نستعيد ذكرى المرأة التي جسّدت أعلى مثل للمرأة المسلمة في كلّ مواقعها، ومن خلال ذلك كلّه، نريد للمرأة كما للرّجل، أن يعيشا روحانيتها ومسؤوليتها، وأن يعيشا حركيّتها، وأن تعرف المرأة من خلال فاطمة أوّلاً، ومن خلال زينب ثانياً، أنّ لها دوراً في الصّراع السياسي على أساس خطِّ الإسلام، وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم، ولسنا ننظّر في المطلق: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(1)، فالمرأة إلى جانب الرّجل، والمؤمنون إلى جانب المؤمنات، يأمرون بالمعروف الذي ينطلق من خلال يدٍ تتحدَّى، وكلمة تثور، ومن خلال قلب يرفض. أمرٌ بالمعروف العقيديّ، والمعروف الشّرعي، والمعروف السياسي، وأمرٌ بالمعروف الاجتماعي والحربي والسّلمي، كما هو نهي عن المنكر في ذلك كلّه.
فإذا كان دور المؤمنين والمؤمنات هو التّكامل والنصرة والمعونة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا كانت سعة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في حجم كلّ نشاط إنساني سلباً أو إيجاباً، فهل يمكن لنا أن نقول إنّه لا دور للمرأة في حركة الصّراع؟
إنَّ الأمومة عظيمة جداً، وهي قيمة إسلاميّة، والأبوَّة عظيمة جداً، وهي قيمة إسلاميّة، فمسؤوليّة المرأة في الأمومة لا بدَّ من أن تكون كاملة بحكم ما أراداها الله لها وجوباً أو استحباباً، ومسؤوليّة الرّجل في الأبوّة، لا بدَّ من أن تكون كاملة كما أراده الله وجوباً أو استحباباً، وتبقى مسؤوليّتهما كمؤمنين وكمسلمين أن يسيرا في خطِّ الله ولا ينحرفا عنه {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً}، في الدّعوة، وأمراً في الجهاد، وأمراً في الحركة، وأمراً في العلاقات {أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}(1).
هكذا كانت فاطمة، وهكذا يجب أن يكون المؤمنون والمؤمنات، وذلك هو معنى الذكرى.
والحمد لله ربِّ العالمين.
[فكر وثقافة، ج2، الافتتاحية العشرون، بتاريخ: 26/10/1996]
(1) سورة التحريم، الآية: 10.
(2) سورة الرّعد، الآية: 23.
(3) سورة التحريم، الآية: 11.
(4) سورة التحريم، الآية: 11.
(1) سورة التحريم، الآية: 12.
(2) سورة آل عمران، الآية: 37.
(1) البحار، ج43، باب: 4، ص 253، رواية: 3.
(1) سورة الإنسان، الآيتان: 8- 9.
(2) سورة الإنسان، الآية: 10.
(3) سورة الإنسان، الآيتان: 11ـ 12.
(1) سورة الأحزاب، الآية: 21.
(1) سورة التوبة، الآية: 71.
(1) سورة الأحزاب، الآية: 36.