الأرباح:
نريد بالأرباح ما يدخل في ملك المكلّف من أي سبب محلل كان، ولكن الخمس لا يجب في فاضل كلّ ربح منها، بل ميّزت الشريعة بين تلك الأرباح فأوجبت الخمس في بعضها ولم توجبه في بعضها الآخر، أمّا ما يجب خمس فاضله من الأرباح فهو: فوائد ونتاج الحرف والصناعة والزراعة والتجارة والإجارة وحيازة المباحات، وكذا ما يستفيده مجاناً بدون جهد، كالهدية والهبة والمال الموصى له به، والميراث غير المتوقع، وعوائد الأوقاف، وما يأخذه الفقير من سهم السادة والزكاة والصدقات والكفارات وردّ المظالم، أمّا سهم الإمام فإنْ أخذه المستحق بعنوان الفقر فزاد بعضه عن حاجته بعدما صار غنياً لم يملك هذا المقدار منه، وحينئذ لا يجب عليه خمسه، وإن أخذه بعنوان آخر غير الفقر، كالسهم الذي يعطى لطالب العلم أو المُبلِّغ أو المجاهد مثلاً، فإنَّ الآخذ يملكه وعليه خمسه إن فضل منه شيء عن مؤنته.
وأمّا ما لا يجب الخمس فيه فهو أمور:
الأول: في المال الموروث المنتقل للوارث بعد الموت، فلا يشمل ما يتوهمه النّاس ميراثاً مما يهبه الأب لأولاده حال حياته، ولا ما يوصي لهم به بعد موته من ثلثه الخاص به، بل الميراث المُعفى من الخمس هو خصوص المال الذي ينتقل إلى الوارث بعد الموت مما تركه الميت ليوزع حسب الشريعة من أمواله التي سبق له تملكها في حياته، إلاَّ أن يكون المال قد تعلّق به الخمس عند مالكه قبل الموت فيجب ـ حينئذ ـ على الورثة تخميسه قبل توزيعه إبراءً لذمة الميت منه.
أمّا إذا اكتسب الورثة ـ بسبب موت مورثهم ـ مالاً بعد موته، من دون أن يكون قد سبق لذلك الميت تملكه حال حياته فإنه لا يعدّ ـ حينئذ ـ من نوع الميراث الذي لا يخمس، وذلك مثل التعويض الذي يعطى لأولاده من المؤسسة التي كان يعمل فيها، أو مثل الأموال التي تعطى باسمه بسبب موته شهيداً، أو مثل مال التأمين، أو دية الجناية عليه بالقتل، ونحو ذلك، فإنها لا تعتبر ميراثاً معفواً من الخمس حتى لو وزع كتوزيع الميراث.
الثاني: مهر الزواج للمرأة، وكذا عوض الطلاق الخلعي الذي تعطيه المرأة للرّجل ليطلقها.
الثالث: ما يجب تخميسه فوراً من الأرباح، وذلك كالمعدن والكنز، فإنَّه إذا خمسه المكلّف وبقي عنده إلى آخر سنة الخمس دون أن يصرفه في مؤنته، لم يجب عليه تخميسه رغم طروء عنوان جديد عليه هو عنوان "فاضل المؤونة".
م ـ 1123: مثلما تعتبر أصول الأموال المملوكة أرباحاً كذلك يعتبر نماؤها ونتاجها أرباحاً مشمولة لأحكام الخمس، والنماء الذي يجب فيه الخمس لا يختلف الحكم فيه بين ما إذا كانت الزيادة والنماء منفصلاً، كالولد واللبن والصوف للماشية، والثمر للشجرة، ونحو ذلك، وبين ما إذا كانت الزيادة متصلة، كنمو الشجرة التي تكون صغيرة فتكبر، والشاة تكون ضعيفة فتسمن، ونحو ذلك. وهذا الحكم ثابت في جميع الأموال، سواء التي تعلّق بها الخمس فخمست فعلاً أو لم تخمس، أو التي هي مما لا يتعلّق بها الخمس كأموال الميراث، وسواء أعدّت للاقتناء أو للتجارة، لأنَّ النماء ربح جديد حادث مستقل عن أصله فيخمس كغيره من الأرباح عند تمامية الشروط فيه.
أمّا إذا كان النماء من نوع زيادة القيمة السوقية الناتجة من طبيعة الحركة الاقتصادية، لا من طروء زيادة متصلة أو منفصلة على العين، فإنَّ حكمها يختلف على ثلاثة أنحاء:
1 ـ أن تكون العين التي زادت قيمتها معدّة من أجل الإتجار بها، وهي على نحوين: فتارة تكون العين مما يُراد الإتجار بنمائها مع بقاء أصولها سنة بعد سنة، مثل أبقار الحليب ودجاج البيض وسيارة النقل ونحو ذلك، ففي هذه الحالة لا يخمس الزائد على قيمتها السوقية ما دامت تلك الأعيان عنده، فإذا باعها بعد ذلك عُدَّ ذلك الزائد على سعرها من أرباح سنة البيع، فإن صرفه خلال سنته أعفي من الخمس، وإن ظلّ إلى آخر سنة الخمس خمسه. ومثله ما يدخل في مقدّمات الإنتاج، مثل صالة العرض والمصنع وآلات الإنتاج وخلو الدكان ونحوها. وتارة أخرى تكون العين نفسها في معرض التجارة فيشتري عقاراً أو حيواناً أو سيارة ليبيعها ويشتري غيرها ليربح من ذلك، ففي هذه الحالة تعتبر كلّ زيادة في القيمة السوقية ربحاً، فيجب تخميسها ولو لم يبعها.
2 ـ أن تكون العين معدّة للانتفاع الشخصي والاقتناء، فلا يجب تخميس زيادة القيمة لما ملكه بالشراء مثلاً إذا زادت قيمته السوقية عنده إلاَّ إذا باعه، فمن اشترى داراً ليسكنها بعشرين ألفاً فباعها بخمسين، وجب عليه خمس الثلاثين الزائدة عند حلول رأس السنة وزيادتها عن مؤنته.
3 ـ أن يكون المال مما لا يتعلّق به الخمس أصلاً، كالمال الموروث، فإن زادت قيمته فباعه أو أتجر به لم يجب خمس الزائد عن قيمته التي كان عليها حين تملكه.
ومثله في الحكم المال الذي يملك بالهبة أو الحيازة، أي بغير طريق الشراء والمعاوضة عليه، ولم يتعلّق به الخمس من الأول، كما لو كان من حاجاته واستعمله فور تملكه، أو تعلّق به الخمس وخمَّسه من نفس العين، ففي هاتين الحالتين لا يجب الخمس في زيادة القيمة حتى لو اتخذه للتجارة.
وفي فرض تعلّق الخمس به، كما في أرض موات أحياها ولم يستعملها في بناءٍ مثلاً حتى مضى عليها العام، ولكنَّه عندما خمسها دفع مقابل خمس العين مالاً، فهنا لا يجب عليه تخميس زيادة القيمة لما يقابل أربعة أخماس العين لأنها قد ملكت بالحيازة، أمّا الخمس الخامس من العين فبما أنه دفع مقابله مالاً بنحو يعد كأنه اشتراه، فإنَّ عليه أن يدفع خمس زيادة القيمة لخصوص هذا القسم الخامس من الأرض إذا أتجر به.
م ـ 1124: لا فرق فيما تزيد قيمته السوقية بين ما يكون من النقد أو من غيره، فمن كان عنده دينار أو ليرة فحوله إلى دولار أو مارك مثلاً، فزادت قيمته خلال السنة فصارت ضعف ما كان عليه، فإنَّ هذه الزيادة تعدّ ربحاً وتشملها الأحكام السالفة والآتية، من جهة كونه للتجارة أو للإقتناء، ومن جهة جَبْر الخسارة وعدمها، ونحو ذلك من الأحكام. ومثال ذلك رجل حَوَّلَ مبلغ ألف دينار عراقي مخمسة إلى ألف دولار أمريكي، وصار يتعامل في مصاريفه وتجارته بالدولار، ثُمَّ هبطت قيمة الدينار بنحو صارت الألف دولار تساوي ألفي دينار عراقي في آخر السنة، فإنَّ على هذا المكلّف أن يدفع خمس الألف دينار الثانية، رغم أنَّه لا يتعامل بها الآن، باعتبارها ربحاً متضمناً في الألف دولار، في خصوص ما لو كان يتجر بالعملة، أمّا إذا كان ذلك التبديل بقصد حفظ القيمة فلا خمس فيه، سواء صرف المبلغ في مؤنته أو في أمور تجارية اشتراها للإسترباح ببيعها أو لاستخدامها في الإنتاج مع بقاء أعيانها، كالآلة والسيارة ونحوهما.
وخلاصة ما تضمنه هذا العنوان هو: أنَّ الخمس واجب على المكلّف في فاضل كلّ ربح يكسبه، وأنه لا يفرق في الربح بين أن يكون نقداً أو عيناً، ولا في العين بين الأصول والنماء، ويستثنى من ذلك مال الميراث والمهر وبعض حالات زيادة القيمة السوقية.