لعلَّ قيمة هذا اليوم، هو أنّه يربطنا بيوم ولادة الإسلام، فقد ولد الإسلام
رسالةً ودعوةً وحركةً ومنهجاً في واقع النّاس في ذلك اليوم.
وعندما نريد أن نتذكّر ذلك اليوم، فليست المسألة عندنا مسألة ذكرى في التّاريخ،
ولكنّها مسؤوليّة يعيشها كلّ مسلم ومسلمة، في أن ينطلق بالإسلام في خطّ الدعوة
والحركة والجهاد في سبيل الله، من حيث انطلق رسول الله(ص)، ومن حيث تحرَّك المسلمون
الّذين آمنوا به، فقد كان المسلم يؤمن بالإسلام عندما يستمع إلى القرآن من رسول
الله(ص)، فيفهم الإسلام انتماءً فكرياً وعاطفياً وروحياً وحركياً، حيث كانت الحركية
في وجدان الإنسان المسلم تتصل بمعنى الإسلام في شخصيته.
ولذلك، فإنَّ السيرة النبويّة الشريفة تقصّ علينا أنَّ أيَّ مسلم كان يدخل في
الإسلام، كان يأتي في اليوم الثاني أو الثالث بمسلم آخر، وهكذا كانت الدعوة
الإسلامية مسؤوليّة الإنسان المسلم في أن يدعو أكبر عدد ممكن من النّاس إلى الإسلام
ليدخلوا فيه، وقد كانوا ـ من خلال ذلك ـ يعملون على أن يتثقَّفوا بالإسلام بما
يتوفّر لديهم مما يحفظونه من القرآن ومما يسمعونه من كلام رسول الله(ص(.
حتى إنّ النساء كُنّ يعشن الدّعوة بشكل عميق وقويّ ومنفتح، فنقرأ مثلاً في قصّة
امرأة مسلمة، كانت متزوجة من شخص كافر مشرك هو (أبو العاص بن الربيع)، ولم يكن
التشريع الإسلامي ـ آنذاك ـ يحرّم زواج المسلمة من المشرك، فأقنعت زوجها بأن يُسلم،
فلم يقبل، وولدت له ولداً، وعندما بلغ ولدها السنّ التي يمكنه فيها أن ينطق، كانت
تعلّمه أن يقول كلمة الله، وأن يقول اسم النبيّ(ص)، وقال لها زوجها إنك تفسدين عليّ
ولدي، فقالت له ما مضمونه إنّني أصلحه.
وقد كان إحساس المسلمين الأوّلين بقيمة الإسلام في عقيدتهم، بالمستوى الّذي يجعلهم
يتحمّلون أقسى الآلام في مقابل أن لا يخضعوا للمشركين، الذين يعذّبونهم ويضطهدونهم،
في قول كلمة الكفر، ونحن نقرأ كيف أنّ (ياسر) و(سميّة) ماتا تحت التعذيب ولم ينطقا
بكلمة الكفر، أمّا ولدهما (عمّار)، فقد كان شابّاً طريّ العود، فبلغ به التعذيب
مبلغاً لم يستطيع أن يتحمّله، فنطق بكلمة الكفر، وعندما نطلق بكلمة الكفر، جاء إلى
النبيّ(ص) وهو يعيش حالة الرّعب النفسي، وقال له: لقد هلكت أو كفرت يا رسول الله،
فقال له إنّ الله أنزل فيك قرآناً، وهو قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}، فإن عادوا يا عمّار فعُد..
وهكذا رأينا بقيّة المسلمين الذين حاولت قريش أن تفتنهم عن دينهم بمختلف الضّغوط،
وكانوا ضعفاء، حتى اضطرّ النبيّ(ص) إلى أن يخفّف عنهم، فأرسلهم إلى الحبشة.
لقد عاش المسلمون، كما قلنا، إلى جانب التزامهم الإسلامي في أنفسهم، التزامهم
بالحركيّة الإسلاميّة في الواقع، وهذا ما ينبغي لنا أن نتعرَّفه، وقد مرّ على
الدعوة الإسلامية أكثر من أربعة عشر قرناً، أن نتطلَّع إلى المسلمين كيف كانوا،
لنأخذ منهم العبرة والدرس والإحساس بالمسؤوليّة.
المسؤولية الآن هي مسؤوليّتنا نحن المسلمين الذين نعيش في مرحلة من أصعب المراحل
التي مرّت في التاريخ الإسلامي في المطلق، لأنّ التحدّيات الكبرى التي يعيشها
المسلمون اليوم، هي تحدّيات الكفر المثقّف، فكلّ الجامعات في العالم، أو أكثرها،
تعمل على محاربة الإسلام في عقيدته وفي فكره، كما تواجهنا تحدّيات في الواقع
السياسي، فنحن نعرف أنّ الاستكبار العالمي المتحالف مع الكفر العالمي، يعمل على
إسقاط الإسلام سياسياً في قضايا الحريّات: حريّة الإسلام، وحريّة المسلمين في إدارة
شؤونهم الإداريّة بشكل مستقلّ، إنهم يعملون على إسقاط ذلك، وعلى أن تكون سياسة
المسلمين على هامش سياسة الاستكبار العالميّ.
*من كتاب "النَّدوة، ج5".
لعلَّ قيمة هذا اليوم، هو أنّه يربطنا بيوم ولادة الإسلام، فقد ولد الإسلام
رسالةً ودعوةً وحركةً ومنهجاً في واقع النّاس في ذلك اليوم.
وعندما نريد أن نتذكّر ذلك اليوم، فليست المسألة عندنا مسألة ذكرى في التّاريخ،
ولكنّها مسؤوليّة يعيشها كلّ مسلم ومسلمة، في أن ينطلق بالإسلام في خطّ الدعوة
والحركة والجهاد في سبيل الله، من حيث انطلق رسول الله(ص)، ومن حيث تحرَّك المسلمون
الّذين آمنوا به، فقد كان المسلم يؤمن بالإسلام عندما يستمع إلى القرآن من رسول
الله(ص)، فيفهم الإسلام انتماءً فكرياً وعاطفياً وروحياً وحركياً، حيث كانت الحركية
في وجدان الإنسان المسلم تتصل بمعنى الإسلام في شخصيته.
ولذلك، فإنَّ السيرة النبويّة الشريفة تقصّ علينا أنَّ أيَّ مسلم كان يدخل في
الإسلام، كان يأتي في اليوم الثاني أو الثالث بمسلم آخر، وهكذا كانت الدعوة
الإسلامية مسؤوليّة الإنسان المسلم في أن يدعو أكبر عدد ممكن من النّاس إلى الإسلام
ليدخلوا فيه، وقد كانوا ـ من خلال ذلك ـ يعملون على أن يتثقَّفوا بالإسلام بما
يتوفّر لديهم مما يحفظونه من القرآن ومما يسمعونه من كلام رسول الله(ص(.
حتى إنّ النساء كُنّ يعشن الدّعوة بشكل عميق وقويّ ومنفتح، فنقرأ مثلاً في قصّة
امرأة مسلمة، كانت متزوجة من شخص كافر مشرك هو (أبو العاص بن الربيع)، ولم يكن
التشريع الإسلامي ـ آنذاك ـ يحرّم زواج المسلمة من المشرك، فأقنعت زوجها بأن يُسلم،
فلم يقبل، وولدت له ولداً، وعندما بلغ ولدها السنّ التي يمكنه فيها أن ينطق، كانت
تعلّمه أن يقول كلمة الله، وأن يقول اسم النبيّ(ص)، وقال لها زوجها إنك تفسدين عليّ
ولدي، فقالت له ما مضمونه إنّني أصلحه.
وقد كان إحساس المسلمين الأوّلين بقيمة الإسلام في عقيدتهم، بالمستوى الّذي يجعلهم
يتحمّلون أقسى الآلام في مقابل أن لا يخضعوا للمشركين، الذين يعذّبونهم ويضطهدونهم،
في قول كلمة الكفر، ونحن نقرأ كيف أنّ (ياسر) و(سميّة) ماتا تحت التعذيب ولم ينطقا
بكلمة الكفر، أمّا ولدهما (عمّار)، فقد كان شابّاً طريّ العود، فبلغ به التعذيب
مبلغاً لم يستطيع أن يتحمّله، فنطق بكلمة الكفر، وعندما نطلق بكلمة الكفر، جاء إلى
النبيّ(ص) وهو يعيش حالة الرّعب النفسي، وقال له: لقد هلكت أو كفرت يا رسول الله،
فقال له إنّ الله أنزل فيك قرآناً، وهو قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}، فإن عادوا يا عمّار فعُد..
وهكذا رأينا بقيّة المسلمين الذين حاولت قريش أن تفتنهم عن دينهم بمختلف الضّغوط،
وكانوا ضعفاء، حتى اضطرّ النبيّ(ص) إلى أن يخفّف عنهم، فأرسلهم إلى الحبشة.
لقد عاش المسلمون، كما قلنا، إلى جانب التزامهم الإسلامي في أنفسهم، التزامهم
بالحركيّة الإسلاميّة في الواقع، وهذا ما ينبغي لنا أن نتعرَّفه، وقد مرّ على
الدعوة الإسلامية أكثر من أربعة عشر قرناً، أن نتطلَّع إلى المسلمين كيف كانوا،
لنأخذ منهم العبرة والدرس والإحساس بالمسؤوليّة.
المسؤولية الآن هي مسؤوليّتنا نحن المسلمين الذين نعيش في مرحلة من أصعب المراحل
التي مرّت في التاريخ الإسلامي في المطلق، لأنّ التحدّيات الكبرى التي يعيشها
المسلمون اليوم، هي تحدّيات الكفر المثقّف، فكلّ الجامعات في العالم، أو أكثرها،
تعمل على محاربة الإسلام في عقيدته وفي فكره، كما تواجهنا تحدّيات في الواقع
السياسي، فنحن نعرف أنّ الاستكبار العالمي المتحالف مع الكفر العالمي، يعمل على
إسقاط الإسلام سياسياً في قضايا الحريّات: حريّة الإسلام، وحريّة المسلمين في إدارة
شؤونهم الإداريّة بشكل مستقلّ، إنهم يعملون على إسقاط ذلك، وعلى أن تكون سياسة
المسلمين على هامش سياسة الاستكبار العالميّ.
*من كتاب "النَّدوة، ج5".