أُحُدْ بين التّخطيط النبويّ والتّآمر النفاقيّ

أُحُدْ بين التّخطيط النبويّ والتّآمر النفاقيّ

كانت واقعة أُحد من أهمّ الوقائع الإسلاميَّة الحربيَّة التي عاش المسلمون فيها حالة النّصر كأفضل ما يكون، ثُمَّ حوّلوها إلى هزيمة منكرة، بفعل الممارسات الخاطئة التي انحرف فيها الكثيرون من المقاتلين عن الهدف الّذي يفرض عليهم الانضباط في ما تقتضيه خطّة الحرب من مواقع ومواقف...

في هذه المعركة، انطلقت قريش إلى حرب النبيّ(ص) بعد هزيمتها السّاحقة في بدر، من أجل الثّأر لكرامتها وقتلاها، والقضاء على قوّة الإسلام المتنامية المتصاعدة في بداياتها. وعندما عرف النبيّ(ص) بالخبر، استعدّ لقتالهم، وخرج في ألف مقاتل. ولكنّ عبد الله بن أُبَي ـ رأس المنافقين في المدينة ـ استطاع أن يدفع ثلاثمائة منهم إلى التراجع... وحاول ذلك مع حيّين من الأنصار، وهما بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، فلم يفلح بعد أن كاد يصل إلى خطّته.

ورسم النبيّ(ص) الخطّة للمعركة، وكان من ضروراتها سدّ بعض الثغرات التي تطلّ على أرض المعركة، مما يعتبر نقطة ضعف في دفاعات المسلمين، فجعل على تلك الثغرة الواقعة في جبل خلف جيش المسلمين، خمسين من الرماة، بقيادة عبد الله بن جبير، وأمرهم بالثبات في كلّ الحالات، سواء كانت الغلبة للمسلمين أو للكافرين... ودارت المعركة التي تروي تفاصيلها كتب السيرة، وهُزِمَ المشركون، وتغلّب المسلمون عليهم، واندفعوا إلى جمع الغنائم... واعتبر الرماة الواقفون على الجبل أنَّ المعركة انتهت، وخافوا أن تفوتهم فرصة الحصول على نصيبهم من الغنائم، وبدأوا يخلون أماكنهم؛ وقد ناشدهم قائدهم أن يلتزموا بأوامر النبيّ(ص)، ولكن لم يستمع إليه إلا عشرة رجال منهم.

وحانت من خالد بن الوليد التفاتة ـ وكان من المنهزمين مع المشركين ـ فرأى خلوّ الثغرة، فقصدها بكتيبةٍ من المشركين، وقتل العشرة بأجمعهم، وانضمت فلول المشركين إلى خالد، فانطلقوا في عملية التفافٍ مباغتة، فدارت الدائرة على المسلمين، حتّى تعرّضت حياة الرسول(ص) للخطر، إذ أصابته حجارة من المشركين، فكُسرت رباعيّته، وشُجّ في وجهه، وجُرحت جبهته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجهه... وفرّ المسلمون عنه، ولم يبقَ معه إلا نفر قليل، كان في طليعتهم عليّ بن أبي طالب(ع)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، فدافعوا عنه دفاع المستميت... وقتل حمزة في المعركة بحربة وحشي، وذلك بإغراء هند له، واستخرجت كبده فلاكتها... وكان عدد القتلى من المشركين اثنين وعشرين قتيلاً، وعدد شهداء المسلمين سبعين...

بين تخطيط الرسول(ص) وحركة النفاق

يتحدّث القرآن عن الظروف التي أحاطت بمعركة أحد، وما قام به المنافقون من دور تثبيطي للعزائم، وهذا ما أشارت إليه هاتان الآيتان: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[1].

لقد بدأ الرَّسول(ص) يدبّر أمر المعركة في بداية النهار، {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}، والغدوة تمثِّل الفترة ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس؛ فقد انطلق(ص) لتحديد مواقع المسلمين في المعركة من أجل الإعداد للنصر، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فهو الذي لا يعزب عن علمه شيء مما يحتاج إلى أن يُسمع أو يُبصر، لأنَّه محيط بذلك كلّه.

وبدأت حركة النفاق تعمل لتخذل المؤمنين وتبعدهم عن المشاركة في القتال، من أجل إضعاف الجبهة الإيمانية، كوسيلة من وسائل تقوية خطّ الشرك وسلطته، لأنَّ ذلك هو الذي يمنحهم فرصة استعادة نفوذهم الذي فقدوه عند ظهور الإسلام، فاستطاعوا أن يزلزلوا بعض النفوس، ويضعفوا بعض العزائم، فـ {هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ}[2] وتتراجعا. وقد نلاحظ في هذه الفقرة من الآية، أنَّها لم تتحدّث عمّا تحدّث به المؤرّخون من انسحاب ثلاثمائة رجل من الذين أعدّهم الرَّسول(ص) للمعركة، ما يوحي بأنَّ ذلك غير صحيح، لأنَّ الآية تحدّثت عن حالة التردّد ومحاولة الانسحاب، كظاهرة من ظواهر الضعف الموجودة في المجتمع الإسلامي آنذاك، ولتنبّه المؤمنين إلى مثل هذه الحالة من أجل المستقبل. ولو كان ما نقله المؤرخون صحيحاً، لكان ذلك أشدّ خطورة على المسيرة، وأكثر حاجة لتأكيده، لأنَّه يمثّل حالة التراجع التي تعني الانسحاب من مسؤولية الإيمان بطريقة حاسمة.

وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالتأمّل، وهي أنَّ القرآن عبّر عن الانسحاب بكلمة "الفشل"... ما يوحي بأنَّ الإيمان الّذي لا يعبّر عن نفسه بالعمل في خطّ الطاعة، هو إيمان فاشل، لأنَّه لم ينجح في التجربة المرّة في صراع الإنسان مع الشَّيطان. وهذه نقطة لا بُدَّ من التركيز عليها في أساليب التربية، بالإيحاء بأنَّ الإيمان يمرّ ـ في الحياة ـ بتجربة النجاح والفشل، كما هو الحال في كلّ قضيّة تستتبع المعاناة، ما يرفع من درجة استعداد المؤمن في المجاهدة من أجل الحفاظ على نجاحه في خطّ الإيمان.

وإزاء ما قام به المنافقون، وما همّت به الطائفتان من المسلمين من التراجع في المواقف، مع ما يخلّفه ذلك من انعكاسات سلبيّة على المسيرة الإسلاميّة، يؤكّد القرآن الرعاية الإلهية للمؤمن، وذلك في قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}، التي تحمل في داخلها تعميق الشعور للمؤمن بالرّعاية الإلهية له في حالات الضّعف والزلزال النفسي الناتج من الضغوط الصعبة المحيطة به، ما يجعله يحسُّ بالأمن والطمأنينة بحماية الله له في أوقات الغفلة. وربَّما كان في التعبير بكلمة "الوليّ" من الحنان والحميميّة، ما يملأ النفس بأصفى المشاعر وأنقاها وأسماها في علاقة الإنسان باللّه.

وهذه الرعاية لا تقتصر على الطّائفتين، بل هي دعوة مفتوحة لكلّ المؤمنين للاتكال على الله، كما في قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، لأن يتحرّكوا من خلال فكرة: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[3]، ليتوجّهوا إليه في حالات الضّعف، أو في الأوضاع التي يخافون أن يضعفوا أمامها مستقبلاً، فإنَّ التوكل على اللّه يمثِّل أرقى أنواع الإيمان، لأنَّه يمثِّل الاستسلام لله، من خلال الثقة المطلقة به في أوقات الشدّة والرخاء، واليُسر والعُسر، الأمر الذي يزرع في نفس الإنسان الثقة بالحاضر والمستقبل في كلّ عمل من أعمال الدُّنيا والآخرة.

بدر في أجواء معركة أُحد

يستحضر القرآن موقعة بدر في أجواء معركة أحد، حيث جاء في سورة آل عمران في الآيات 123ـ 127، قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ} وما إلى ذلك من الآيات.

وتبرز أهميّة بدر في كونها أوّل معركة بين المسلمين والمشركين، وقد واجه فيها المسلمون التحدّي الكبير في صراع القوّة الّذي حدّد للمسيرة الإسلاميّة طريقها الطويل على هدى مواجهة القوّة بالقوّة على أساس الحقّ والعدل... وكانوا في موقع الضّعف من حيث العدد والعُدّة، بينما كانت قريش التي تمثِّل قوّة الشّرك، كبيرة فيهما معاً. ولكنَّ اللّه أراد للمسلمين النصر، فأودع بينهم ـ من خلال إيمانهم ـ روح الإرادة والعزم على المجابهة حتّى النهاية، والتضحية حتّى الاستشهاد، وأثار في جوّ المعركة لوناً من ألوان الغيب الإلهي، المتمثّل في نزول الملائكة بطريقة خفيّة من أجل دعم الرّوح المعنويّة التي كانت معرّضة للانهيار، بفعل الظروف الصّعبة المحيطة بالمعركة، التي لم تكن معدّة إعداداً دقيقاً.

ولكن لِمَ هذه الإثارة لمعركة بدر في أجواء معركة أُحد؟ هل المقصود هو ربط الذكريات بمثلها لخلق جوٍّ من التشجيع النفسي، حتّى يُقدم النَّاس على المعارك الجديدة بروحية المعارك القديمة، أو أنَّ المقصود هو ما ذكره البعض من بيان قضية حاسمة، وهي أنَّ الانتصار في معركة من المعارك لا يُعدُّ نصراً حاسماً، ولا الانكسار في معركةٍ من المعارك يكون انكساراً نهائياً، وإنَّما النصر النهائي للصابرين الثابتين والمتقين المخلصين، أو أنَّ هناك شيئاً آخر ربَّما يكون أبعد من هذا الوجه أو ذاك، وإن كان غير منافٍ لهما من حيث الجوّ العام؟

لعلّ المقصود من ذلك ـ واللّه العالم ـ هو تأكيد ربط النصر بالله في المعارك الإسلامية الفاصلة، حتّى يظلّ المؤمن مشدوداً إلى الله في حربه، في عمليّة تعميق الإحساس بالقوّة، وعدم الخضوع للأوضاع الاستعراضية المضادّة التي يُراد منها هزيمة المسلمين روحيّاً ونفسيّاً، وذلك باستحضار قوّة اللّه، وعنايته بعباده المؤمنين، ورعايته لهم في كلّ أوضاعهم ومشاكلهم، والشّعور بأنَّ قوّتهم لا تمثِّل إلا ظلاً خفيفاً من ظلال قوّة اللّه ورحمته؛ فهم يشكّلون ـ في هذا المجال ـ دور الإرادة المنفعلة بخالقها، لا دور القوّة المستقلّة بذاتها... فإذا كان النّصر، ذكروا الله بالإحساس بالامتنان على ما هيّأ لهم من أسبابه، وإذا كانت الهزيمة، ذكروا الله معها، وعرفوا أنَّها كانت نتيجةً طبيعيّة لعدم الأخذ بأسباب النّصر، ولنسيان اللّه في أكثر حالاتهم... وهكذا، يتأكّد الإيمان باللّه كحقيقةٍ تهزّ كيانهم بالحركة والإشراق والانفتاح على الحياة بكلّ عناصرها الفاعلة المتنوّعة، فلا يبقى مجرّد فكرة تعيش في زاوية مغلقةٍ من زوايا الشخصيّة الإنسانيّة بشكلٍ عاديٍّ جامدٍ. وهذا ما يريد القرآن أن يثيره في أعماق الشخصيّة، وفي كلّ النشاطات الإنسانيّة، بأن يظلّ الإنسان خاضعاً لعبوديته للّه، ومستسلماً له في أموره، ليشعر بأنَّه لا يستطيع أن يحرّك أيّ شيء إلا باللّه ومن اللّه، وهذا ما نواجهه بارزاً في هذه الآيات...

هل دخل الملائكةُ ساحة الحرب؟

ولكن هل دخل الملائكة ساحة الحرب؟ وهل كانت المهمّة الموكولة إليهم أن يقاتلوا المشركين؟ وإذا كان الأمر كذلك ـ كما تحبّ بعض الرِّوايات أن تقول ـ فما هي قيمة المسلمين؟ وما هو دورهم في المعركة؟ وكيف يمكن أن يُقتل من المسلمين العدد الّذي قتل منهم في المعركة، في الوقت الّذي يقف الملائكة كشركاء معهم في القتال؟! ربَّما توحي الآية بأنَّ القضية كانت إمداداً معنوياً، يقصد من خلاله رفع الروح المعنوية لدى المسلمين، بالشعور بأنَّ الملائكة يطوفون في أجواء المعركة، فيشعرون بالأمن والطمأنينة والاندفاع نحو العدوّ بشدّةٍ وقوّة، وهذا ما نستقربه، وإن كنّا لا نجزم به، لأنَّ من الممكن أن يكون هناك تفسيرات تتصل بالغيب الذي لا نستطيع تفسيره بطريقة مادية.

{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ}، فليست القضيَّة أن يُقاتل الملائكة ليكون النصر مستنداً إليهم، فإنَّ النصر من عند اللّه، فاللّه هو الذي يهيّئ للنصر أسبابه، ويرعاه بألطافه، ويخلق الظروف الموضوعية التي تنفتح به على النتائج الحاسمة، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[4]. أمّا هدف ذلك، فهو إسقاط قوّة الكفر أو إضعافها: {لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}[5]،  ويحطّم جانباً من قوّتهم العسكرية، ويسقط مواقعهم المتقدّمة وتأثيراتهم القوية في النَّاس عندما تنـزل الهزيمة بهم. وقد ذكر صاحب مجمع البيان، أنَّ هناك اختلافاً في وجه اتصاله بما قبله، "فقيل: يتصل بقول: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ}، ومعناه أعطاكم الله هذا النصر، وخصَّكم به، ليقطع طائفةً من الذين كفروا بالأسر والقتل، وقيل: هو متّصل بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ}[6]؛ أي: ولقد نصركم الله ببدرٍ ليقطع طرفاً، {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} بالهزيمة، {فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ}[7] خاسرين، لم يحصلوا على شيء مما أرادوه وعملوا له في الدُّنيا والآخرة.

وقفة نقد وتقويم

وبعد أن تحدّثت السورة عن موقعة بدر، تعود إلى الحديث عن معركة أحد، في وقفة نقدٍ وتقويمٍ لمواقف المسلمين فيها، فقد أدّت الهزيمة في هذه المعركة إلى حالةٍ شديدة في داخل الذات الإسلاميّة، من الشعور بالوهن والضعف والحزن، في تساؤل نفسي عنيف: كيف حدث كلّ هذا؟ ولماذا؟ ويواجه القرآن هذا كلّه بالرفض لهذه الحالة في موقف المؤمنين: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ}[8]، لأنَّ الوهن والحزن يعبّران عن انسحاقٍ داخلي أمام الهزيمة، في انطواءٍ روحيّ يسقط معه الشعور بالكرامة والإحساس بالعزّة.

إنَّ اللّه يستثير في المؤمنين انطلاقة الإيمان ودلالاته في موقع المؤمن من الحياة، فهو الأعلى بالمقياس الحقيقي للأشياء، لأنَّ ارتباطه باللّه يُشعره بالقوّة العليا، وانطلاقه من قاعدة الإيمان يوحي إليه بالفكرة العليا، وتحرّكه في خدمة الحياة يشدّه إلى الأعلى في أهداف الحركة... وبذلك، يتحوّل الإيمان إلى عنصر قوّةٍ يدفعه إلى الاستعلاء على كلّ عوامل الضّعف والخوف والحزن، ليدعوه إلى الإحساس بالقوّة والفرح الرّوحيّ بالألـم والتضحية في طريق الجهاد.

ولعلّ من الواضح أنَّ الآية الكريمة لا تريد أن توحي للمؤمنين بالموقع الأعلى في عمليّة استعلاء للذّات على الآخرين، لتصبّ في مجرى الأنانية الذاتية، بل كلّ ما تريده ـ في ما نستوحيه منها ـ هو الاستعلاء الروحي والرسالي على قوى الكفر والظلم والطغيان، وذلك من خلال ما تُعطيه كلمة: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، من مفاهيم وأحاسيس وإيحاءات.

ثُمَّ تلتفت إليهم في أسلوب واقعي يريد للقضية أن تعيش في نطاق أسبابها الطبيعية التي أخضع اللّه لها كلّ ما في الظواهر الكونيّة والإنسانيّة، فإنَّ قضية النصر والهزيمة في حياة الأفراد والجماعات، لا ترتبط بالجانب الغيبـيّ للحياة، ليواجه الإنسان قضاياها من هذا الموقع، فيدفعه ذلك إلى الشكّ في منطلقات الإيمان وخطواته، بل ترتبط بالجانب الواقعي للأشياء؛ فإذا أخذ النَّاس بأسباب النصر، فإنَّهم سينتصرون، وإن كانوا كافرين، وإذا تركوها انهزموا، وإن كانوا مؤمنين، لأنَّ اللّه لا يريد أن يُحارب بالنيابة عن المؤمنين، بل يريدهم أن يأخذوا بسنّته، ويسيروا على حسب قوانينه، فينطلقوا إلى ساحات الصراع من موقف الوعي للساحات ومتطلّباتها المادية والمعنوية... ولا مانع من اقتضاء حكمة اللّه أن يتدخّل في الحالات الصعبة التي تمثِّل فيها الهزيمة حالة انهيار للإسلام وللمسلمين ـ كما حدث في معركة بدر ـ ولكنَّها حالاتٌ طارئة لا تصل إلى مستوى القاعدة العامّة الثابتة.

وهكذا خاطب اللّه المسلمين بعد أن نهاهم عن الحزن والوهن، ودعاهم إلى الشعور بالعلوّ في خطّ الإيمان، ووضعهم في واجهة الصّورة؛ وذلك في قوله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ}[9]، فإذا كان المسلمون قد انهزموا في المعركة في أحد، وأصابهم القرح، فقد أصاب الكافرين مثل ذلك في بدر، فليست الهزيمة حالة ثابتة للمهزومين في بعض المعارك، وليس النصر قانوناً حتمياً دائماً في حياة المنتصرين في حالات النصر؛ فقد ينتصر المهزوم في معركة جديدة، وقد ينهزم المنتصر، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فقد تكون القوّة لفريق من النَّاس في ما هيّأ اللّه له من أسباب القوّة، وقد تتبدّل الحال، فتكون القوّة في الجانب الآخر، والضّعف في جانب الأقوياء؛ تلك هي سنّة اللّه في الأرض التي تدفع الحياة إلى خطّ التوازن، فلا ييأس المهزوم من النصر، بل يظلّ يُلاحق التجربة الحيّة التي تقود إلى النصر، ولا يطغى المنتصر بانتصاره ويستسلم لنتائجه، بل يبقى في هاجس الهزيمة المرتقبة، فيُحافظ ـ من خلال ذلك ـ على مواجهة المستقبل بروح متوازنة. وفي ذلك كلّه، تتجدّد الحياة، وتنمو، وتتكامل فُرَصها، وتتوازن حركاتها، ويتحرّك خطّ الصّراع في اتجاه سليم.

أسلوب قرآني مميّز

{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}، فإنَّ المواقف الصَّعبة التي يواجه فيها النَّاس الهزائم، قد تزلزل النفوس، وتدفع بعض المؤمنين إلى الرّيبة والشكّ والتراجع، وتزيد المؤمنين الآخرين ثباتاً وقوّةً وتحفّزاً وتصميماً على مواجهة التحدِّيات، وبذلك، ينكشف الإيمان المزيّف من الإيمان الخالص الصّحيح الثّابت، فإنَّ حالات الرخاء والأمن والدّعة، تجمع في داخلها كلّ النماذج الخيّرة والشرّيرة، لأنَّ الجوّ لا يفرض عمليّة الفرز الاجتماعي الإيماني ما دامت الفرصة تحتوي الجميع وتستوعبهم من دون سلبيّات.

وقد يوحي هذا التعبير، بأنَّ التجربة تستهدف علم اللّه بالمؤمنين، فهل يحتاج اللّه في علمه بالأشياء إلى وسيلة للعلم مما يحتاجه الإنسان في ذلك؟! ـ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ـ فما معنى ذلك إذاً؟! الظّاهر، أنَّ هذا أسلوب قرآني مميّز، يستعمل الأفعال المنسوبة إلى اللّه بالطّريقة التي تنسب إلى الإنسان، من أجل تأكيد ارتباط النتيجة بالمقدّمات في طبيعة الأشياء؛ وإن اختلفت في طريقة نسبتها إلى اللّه الّذي يعلم الأشياء قبل حصولها، ونسبتها إلى الإنسان الّذي يحتاج إلى الوسيلة التي تؤدّي إلى العلم...

وهذا أسلوب جرى عليه القرآن في طريقة المحاكاة، في الموارد الّتي لا يحمل فيها الفعل طبيعة المعنى الّذي أطلق عليه، كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[10]؛ مع أنَّ انتصار الإنسان لنفسه لا يعتبر اعتداءً، ولكنّ المشاكلة لا تخلو من المناسبة الّتي تُعطي الفكرة بتناسب الفعل مع ردّ الفعل. وفي ضوء ذلك، يكون المقصود: ليظهر اللّه الذين آمنوا من خلال التجربة. فالقضيّة قضيّة تعبيريّة فنيّة، ولا صلة لها بالمضمون، فلا حاجة إلى ما ذكره صاحب مجمع البيان في تفسيره، قال: «... وإذا كان اللّه تعالى يعلمهم قبل إظهارهم الإيمان، كما يعلمهم بعده، فإنَّما يعلم قبل الإظهار أنَّهم سيميزون، فإذا أظهروه علمهم متميّزين، ويكون التغيّر حاصلاً في المعلوم لا في العالم، كما أنَّ أحدنا يعلم الغد قبل مجيئه، على معنى أنَّه سيجيء، فإذا جاء علمه جائياً، وعلمه يوماً لا غداً، فإذا انقضى، فإنَّما يعلمه الأمس لا يوماً ولا غداً، ويكون التغيّر واقعاً في المعلوم لا في العالم".

{وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}[11]، الظّاهر أنَّ المراد منه جمع الشّاهد، لا جمع الشّهيد ـ كما ذكره صاحب تفسير الكشاف ـ وقد تكرّر في القرآن الحديث عن أنَّ اللّه جعل هذه الأمّة في موضع الشّهادة على النَّاس: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[12]؛ أمّا علاقة ذلك بالمعركة ـ التجربة ـ الامتحان، فهي تعميق الإيمان وتصفيته وتنميته في نفس الإنسان المؤمن، ما يجعله في مستوى الشّهادة الّتي تحتاج إلى عمق وصفاء وامتداد في الإيمان...

وربَّما تنطلق التجربة الصّعبة التي تتنوّع فيها المشاكل، وتتكرّر فيها الحلول، وتشتدّ فيها المعاناة، لتعمل ـ بأجمعها ـ على صنع الإنسان القيادي، والمؤمن الصّلب الواعي المتحدّي الفاعل، لأنَّ مسألة القيادة ليست مسألة تتّصل بالجانب الفكري للإنسان، بل هي ـ إلى جانب ذلك ـ مسألة مرتبطة بالتجربة الحيّة التي تتحرّك في وعي الإنسان في ساحة المعاناة ومواقع الصّراع، وهذا واقع دور الشهادة الذي يطلّ بالإنسان على واقع الأمّة، ليرصد كلّ حركتها الإيجابيّة أو السلبيّة في خطّ الاستقامة أو الانحراف، من خلال وعيه الحركي للجانبين معاً، ومعاناته في الإصرار على الموقف الحقّ في صراع الحقّ والباطل.

وفي ضوء هذا، قد نجد معنى الشّاهد في الشهادة أقرب من معنى الشّهيد، ولا سيّما أنَّ اللّه حدّثنا في القرآن في أكثر من آية عن الشّهداء على النَّاس، من دون أن يتحدّث عن الشّهيد بهذا التّعبير في آية واحدة، بل لم يعهد استعماله في القرآن، وإنَّما هو من الألفاظ المستحدثة الإسلامية ـ كما يقول صاحب الميزان ـ. مع ملاحظة أخرى، وهي أنَّ كلمة {وَيَتَّخِذَ} لا تتناسب مع الشهداء بمعنى قتلى المعركة، فقد لا يكون من المألوف أن يُقال: اتخذ اللّه فلاناً مقتولاً في سبيله أو شهيداً، كما يُقال: اتخذ اللّه إبراهيم خليلاً، أو اتخذ اللّه موسى كليماً، ومحمَّداً شهيداً يشهد على أمّته يوم القيامة، لأنَّ التعبير ـ على الظاهر ـ يُناسب المعنى الّذي يمنح صاحبه خصوصيّة له، كالخليل والكليم والحبيب، وهذا لا ينسجم مع المعنى المذكور، واللّه العالم.

{وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[13]، الّذين ظلموا أنفسهم بالانحراف عن الحقّ والتراجع عن الطّريق السويّ، {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}[14]، ويختبرهم بما يبتليهم به، ويقودهم إلى المواقف السليمة الثابتة، وذلك من خلال أنَّ الابتلاء المنفتح على التجربة المتنوّعة الأبعاد، المتعدّدة الجوانب، يمنح الإنسان المؤمن وعياً جديداً صافياً، بحيث تتغيّر نظرته إلى الأشياء وفهمه للأمور، لمصلحة تغيير الذهنيّة العامّة، والسلوك الأخلاقي، والقيمة العملية، فتتحوّل نقاط الضّعف إلى قوّة، والجوانب السلبيّة إلى جوانب إيجابيّة، فتزول كلّ الشوائب التي تبتعد بالإنسان عن صفاء الحقّ ونقاء الحقيقة.

{وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، وذلك بتوجيه الضّربات المتتالية إليهم، وتتابع الفرص أمام المؤمنين في الاندفاع مرّةً بعد أخرى، وذلك من دون فرقٍ بين المحق الفردي والجماعي، تبعاً للأسباب الحادثة في الواقع الّذي يعيشه الكافرون، حتّى يستقيم الأمر للخطّ الصّحيح في نهاية المطاف.

الجنَّة ليست منحة

كان حديث الآيات الثلاث السّابقة، هو حديث التجربة الحيّة في المعركة، وكيف يمكن الاستفادة منها بالتخفيف من سلبيّاتها ومضاعفة إيجابيّاتها، ودراسة أهدافها القريبة والبعيدة؛ أمّا في الآيتين الأخيرتين، فنُلاحظ أنَّ الحديث يتّخذ بُعداً آخر، وهو مواجهة المؤمنين في الآية الأولى بالميزان الإسلامي للدّخول إلى الجنّة، وهو العمل الصالح المتحرّك في خطّ الصّبر والجهاد، الذي يعبّر عن نفسه بالممارسات الصّعبة التي يخوضها المجاهدون والصّابرون، الذين يضعون حياتهم في كفّة الميزان، وإيمانهم وعقيدتهم في الكفّة الأخرى، فترجح كفّة الإيمان والعقيدة على كفّة الحياة، فيقدّمون حياتهم ضحيّة على مذبح إيمانهم وعقيدتهم. فليست الجنَّة منحة مجانيّة يمنحها اللّه للكسالى الذين يقضون أيامهم في استرخاء نظريّ كسول، يُمارسون فيه ترف الفكر وغيبوبة الرّوح في أجواء الفراغ، ثُمَّ يبدأون بالتّنديد بالطلائع المجاهدة التي تقف في مواقع الخطر في خطّ الجهاد، ليحطّموا معنوياتهم، ويهدّموا روحهم بالأساليب المتلوّنة الخبيثة، فمن أراد الجنَّة، لا بُدَّ من أن يسعى نحوها بوسائلها التي يقف الجهاد في طليعتها، ليقود الإنسان إلى جنّة اللّه، كما تزفّ العروس إلى زوجها في ليلة العرس، وذلك في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[15].

وفي هذا الجوّ، لا بُدَّ للإنسان المؤمن الذي يفكّر في الجنّة، من أن يطلبها في حركة الواقع الصّعب، وفي ساحات الجهاد المرّ، لا في ساحات المساجد ومحاريبها فحسب؛ حتّى المسجد كان في أيّام الإسلام الأولى منطلقاً لصيحات الجهاد الّتي تختلط بأذان الصّلاة، لتأكيد أنَّهما ينطلقان من قاعدة واحدة، وهي الإخلاص في مواقف العبوديّة الخالصة؛ ولكنَّ المدّ الإسلاميّ قد انحسر عن الحياة عندما ابتعد المسلمون عن الجهاد.

وتتحرّك الآية الثانية في خطّ التحدّي للتمنّيات السابقة على المعركة التي كان المؤمنون يعيشونها في داخل أنفسهم: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ}[16]. فقد كانوا يتمنّون قتلاً في سبيل اللّه، ليحصلوا على جنّته ورضوانه، مما كان القرآن يحدّثهم عمّا أعدَّ اللّه للمجاهدين من فضلٍ وكرامة وسعادة في الدار الآخرة عنده، ولكنَّ التمنيات كانت تعيش في الفراغ خارج نطاق التجربة الصعبة، فلم يكن هناك معارك تفرض نفسها على الساحة، ولا اضطهاد وتشريد ومواجهة أخطار، كما هي حالة الكثيرين منّا عندما يقفون خلف المنابر، فيهزّونها بخطاباتهم الحماسية، وأساليبهم البلاغية، ودعوتهم إلى الموت في سبيل اللّه...

وجاءت التجربة في معركة أحد، وكان الموت يركض في هذا الموقع، ويقف في ذلك، ويرفرف على رأس هذا، ويتحرّك حركة صاعدة وهابطة في هذا الاتجاه أو ذاك؛ وبدأ التردّد والقلق، وانطلقت نقاط الضّعف في حركة التفاف حول أحلام الإنسان ونوازعه الذاتيّة، وجاء القرآن ليُخاطب هؤلاء ويُخاطبنا من خلالهم، ويؤكّد أنَّ الأمنية قد تجسّدت في الموقف، فها هو الموت أمامكم، حدّقوا به كيف يتحرّك في خطّ الشّهادة، {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}، لقد رأيتموه، فكيف تواجهون الموقف؟! ويسود الصّمت، فلا تتحدّث الآية عن التّفاصيل، ولكنَّها تترك للمؤمن أن يفكّر، ليمتدّ تفكيره في اتجاه المسؤوليّة التي تقف في الخطّ الفاصل بين الدُّنيا والآخرة.

معركة أحد: النّصر أو الهزيمة؟

لقد وعد اللّه المسلمين بالنّصر في معركة أحد، على لسان رسول اللّه(ص): {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ}[17]، ولكنَّه لم يكن وعداً مطلقاً على كلّ حالٍ، بل كان وعداً مشروطاً بالسّير وفق الخطّة الموضوعة الّتي تنسجم مع الأسباب التي تهيّئ ظروف النصر للمعركة، وكان من بينها وضع الرّماة في الثغرة التي كانت تمثِّل نقطة الضّعف في دفاعات المسلمين في الجبل... وسارت الخطّة على ما يرام، فقد انتصر المسلمون في بداية المعركة عندما أخذوا بأسباب النّصر، ونفّذوا الخطّة الموضوعة من الرَّسول(ص) بدقّةٍ وأمانةٍ وإخلاص، {إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ}، وكان المسلمون يحسُّون الكافرين، أي يستأصلونهم بالقتل، فكأنَّ القاتل يبطل حسَّ المقتول، وكانت العمليّة بإذن اللّه وتوجيهه، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ}، ولكن المسلمين وقعوا في الفشل، وتركوا أسباب النجاح، {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ}، وتنازعوا في أمرهم، ففرقة كانت ترفض النزول إلى ساحة المعركة من أجل الحصول على الغنائم، وفرقةٌ كانت تصرّ على ذلك، {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}، وتغلّب الفريق المصرّ على المعصية الذي يريد الدُّنيا، على الفريق الذي يريد السير على خطّ الانضباط، لأنَّه يريد الحياة الآخرة، وابتعد المسلمون عن خطّ النصر عندما ابتعدوا عن روحه وإرادته وأجوائه.

{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}، وصرفهم اللّه عن المشركين من خلال الأسباب الاختياريّة التي ينصرف فيها المجاهد عن صنع النصر، ليبتلي المسلمين ويختبرهم، ويدفعهم إلى مواجهة الموقف بإيمان وصدق واستعداد للاستفادة من هذه التجربة الصّعبة في سبيل نصر جديد، على أساس الالتزام بالخطّة الحكيمة. وشعر المسلمون بالخطأ الّذي وقعوا فيه، وعاشوا روح الندم، وتعمّقت التجربة في داخلهم، ورجعوا إلى إيمانهم، وعادوا إلى اللّه يستغفرونه ويطلبون منه القوّة على الانطلاق نحو المستقبل بروح إسلاميّة عالية، وعلى صنع الموقف على أساس الإرادة. وعفا اللّه عن المؤمنين بفضله، وأنَّه ذو فضلٍ عليهم، وهذا ما يؤكّده قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، وهو يحبّ المؤمنين لإيمانهم وجهادهم في سبيله، ويعلم نقاط الضّعف الكامنة في نفوسهم والطّارئة عليهم، كما يعلم أنَّهم في ساعة الضّعف لا يبتعدون عنه، ولكنَّهم يغفلون عن ذكره بفعل الضّغوط الهائلة المسيطرة عليهم، ولذلك، لم يعاجلهم بالعقوبة، ولم يهملهم أو يكلهم إلى أنفسهم، بل تعهّدهم بفضله بما يثيره في نفوسهم من الرّغبة في العودة إليه، والتوبة والاندفاع ـ من جديد ـ نحو جولة جديدة من الجهاد في موقع جديد، لأنَّ الهزيمة في موقع معيّن، لا تُلغي الإيمان، ولا تُسقط الإرادة، ولا تبتعد بالمؤمن عن اللّه، لأنَّ الإيمان لا يمثِّل حالة طارئة، فينطلق هذا الفضل الإلهيّ الّذي يغمر به اللّه عباده المؤمنين في الحبّ الإلهي، لأنَّهم قدّموا له حبّاً في حركة الإيمان والطّاعة، فأعطاهم حبّاً في إرادة العفو والمغفرة.

من صور المعركة

في الآيتين 153ـ 154 من سورة آل عمران[18]، يعرض القرآن صورةً من صور معركة أُحد، في نهاياتها الّتي رافقت أجواء الهزيمة بعد النّصر، وأبرزت كثيراً من السلبيّات الفكرية والروحية في النماذج المتنوّعة المتواجدة في المعركة: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}، فقد انهزم المسلمون، وأبعدوا في الأرض هرباً من الموقف الصّعب الذي فرضته الهزيمة؛ وانطلق الرَّسول يدعوهم إلى أخراهم، فيقول: ارجعوا إليّ عباد اللّه، ارجعوا إنّي أنا رسول اللّه، من يكرّ فله الجنَّة، {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}، أي: غمّاً أذقتموه للرّسول بعصيانكم له، أو غمّاً مضاعفاً، أي غمّاً بعد غمّ، وغمّاً متّصلاً بغمّ، من الاغتمام، بما أرجف به من قتل رسول اللّه(ص) والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة... ما يوحي بأنَّهم كانوا ممتدّين في هربهم في خطّ طويل ابتعد أوّلهم عنه، واقترب آخرون منه؛ فقد كان يريدهم أن يتوقّفوا قليلاً ليدرس معهم طبيعة الموقف، ويُحاول من خلاله تحويل الهزيمة إلى نصر جديد، ولكنَّهم لا يلوون على أحد، فلا يلتفتون إلى نداء الرَّسول أو غيره، فقد أخذت الهزيمة الداخلية مأخذها منهم، فهربوا من الموت...

وعاشوا الغمّ النفسي الذي أثاره اللّه في نفوسهم، في ما واجهوه من حالة الانسحاق الذاتي والنّدم المرير على ما قاموا به، وأفاقوا على واقع لم يحسبوا له حساباً، وذلك كردّ فعلٍ على الغمّ الذي جلبوه للرّسول وللمسلمين وللإسلام. وقد أراد اللّه لهم من خلال ذلك، أن يعرّفهم كيف يربطون بين النتائج وأسبابها، فلا يُبادرون إلى الاندفاع في موقف إلا بعد التّفكير والتأمّل في عواقبه، لأنَّهم باندفاعهم يملكون الذهنيّة السّاذجة أمام مشاكل الحياة وآلامها وهزائمها، لذا، عليهم أن يملكوا الذهنيّة التي تحلّل وتناقش وتستنتج، من أجل أن تحوّل نقاط الضّعف إلى نقاط قوّة، وتغيّر السلبيّات إلى إيجابيّات. وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى: {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، فإنَّ الظّاهر منها، أنَّ اللّه أراد لهم أن يعيشوا الحالة النفسيّة التي تمثِّل ما يشبه الصّدمة في الداخل على أساس ما حدث، من أجل أن تكون تجربة ودرساً يُبعدهم عن مشاعر الحزن إزاء الخسارة أو المصيبة.

إنَّ الخطّ الإسلامي في أمثال هذه الحالات الصّعبة التي يمرّ بها المسلمون في الواقع السلبي الذي قد تتمخّض عنه الحرب بالهزيمة العسكرية، هو عدم السقوط أمام التجربة المرّة بالحزن العاطفي الذي يجتر معه الإنسان الآلام في حالة نفسيةٍ مدمّرة، كما لو كانت الهزيمة أو الفشل نهاية المطاف في حياته، فلا يصير إلى غلبة أو نجاح بعدها أبداً، فإنَّ الحزن عاطفة إنسانيّة نبيلة، ولكن لا بُدَّ للإنسان من أن يحرّكها في الاتجاه الإيجابي الّذي يثير في النفس المرارة، لتدخل في هذا الجوّ في وعي التجربة، لاستخلاص العبر منها، من أجل الدخول في تجربة جديدة في مستقبل جديد... وهكذا، يتحوّل هذا الغمّ الذي يمثِّل ضيقاً في الصّدر، وألماً في الإحساس، إلى انفتاح على كلّ مفردات القضيّة السلبيّة، من أجل أن يتفهّموا طبيعتها وتفاصيلها، على صعيد الخسائر البشريّة والماديّة والمعنويّة، فاللّه لا يريد للحزن أن يكون طابع المجاهدين العاملين في نتائج الأوضاع المعقّدة في حياتهم، فعليهم أن يراقبوا اللّه في ذلك، من خلال إيمانهم بأنَّه خبير بما يفعلونه، سواء كان ذلك من خلال باطن أفعالهم أو ظاهرها، لينفتحوا على مواقع الصّواب، من خلال المحاسبة الدّقيقة لكلّ الماضي المعقّد، في انتظار المستقبل المنفتح. وهكذا، يرتفع الحزن على الخسارة، ليحلّ محله الوعي والأمل، بانتظار الربح في المستقبل الآتي.

الفئة المؤمنة تأخذ دروساً

وعاد البعض إلى رسول الله، وهم يعيشون هذه الصّدمة الكبيرة، ويقارنون بين أسباب الهزيمة ونتائجها، وشعروا بالتّقصير والنّدم، وبدأوا بالتّخطيط لحسابات المستقبل. وكان لا بُدَّ من حالة استرخاء يستريحون فيها من متاعب المعركة وانفعالات النّدم، ليملكوا زمام تفكيرهم، فألقى عليهم النّعاس ليعيشوا الإحساس بالأمن والطّمأنينة، فتتجدّد لهم طاقاتهم الّتي أتعبها الجهد، وتصفو أفكارهم التي كدّرها الألم، وترتاح أعصابهم الّتي أرهقها الانفعال، فغابوا في سباتٍ عميق يفصلهم عن كلّ هذه الأجواء الخانقة من التوتّر والرُّعب والانفعال... وتلك هي الفئة المؤمنة الّتي لا تفقد صوابها، ولا ترتاب في إيمانها، ولا تتزلزل في مواقفها أمام الصّدمات والتحدِّيات والهزائم، بل تقف من جديد، لتفكّر في المستقبل من خلال دروس الحاضر، ولتواصل المسيرة، وتعتبر أنَّ كلّ ما حدث ما هو إلا تجربة وامتحان واختبار قد يفشل الإنسان فيه وقد ينجح. ولكنّ القضيّة في كلا الحالين، تمثِّل العبرة التي يستفيد منها الفاشل كيف يتفادى الفشل في المستقبل، ويتعلّم منها الناجح كيف يمكن أن يستزيد من فرص النجاح في الحياة، وهذا قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ}[19].

النّموذج الفاشل والهموم الذاتيّة

وهناك طائفة أخرى قد أهمَّتهُم أنفسهم، فهي المحور الّذي يدورون حوله في حركة الحياة، فهم يفكّرون في سلامتها وراحتها، بعيداً عن أيّ هدف كبير يدفع الإنسان إلى الجهد والتّعب والتّضحية؛ فإذا فكّروا في النّصر في معركة ما، فإنَّهم يفكّرون فيه من حيث هو وسيلة للحصول على الغنائم والأسلاب، وإذا فكّروا في الهزيمة، فإنَّهم يتفادونها، لأنَّها تمثِّل خطّاً أسود في تاريخ حياتهم الذاتي، وموقفاً يسيء إلى بعض الأنانيّة الذاتيّة في مواقعهم العامّة. وهكذا، يختنقون في سجن الذات، فلا يتنفّسون هواء الإنسانية الممتدّ في رحاب اللّه. {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ}، وعلى أساس هذا المحور الّذي تدور حياتهم حوله، فإنَّهم {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}، فلا يستسلمون له استسلام العبد الواثق بربِّه، المطيع له، العالم بأنَّ اللّه لا يريد به إلا الخير، وأنَّ الشرّ عندما يطوف بحياة الإنسان، فإنَّما هو امتحان واختبارٌ منه سبحانه له؛ بل كلّ ما عندهم، هو أن يمنحهم اللّه الخير والرّزق والبركة، فإذا منع ذلك عنهم، تمرّدوا وانحرفوا، فهم لا يتصوّرون اللّه إلا من خلال منافعهم، كما أنَّهم يعملون على إثارة الشّكّ والرّيب بالنبيّ وبالإسلام إذا عرضت بعض الانتكاسات في ساحة السّلم أو الحرب، انطلاقاً من الفكرة الخاطئة التي يعتنقونها في مرادفة النّصر للحقّ، والهزيمة للشّكّ والرّيب والتزلزل...

وهكذا، كانت ظنونهم منطلقةً في الاتجاه المادّيّ للحياة، وهذا من ظنون الجاهليّة التي تبتعد عن الحقّ في خطّها الفكريّ، وفي تصوّرها عن اللّه والكون والإنسان، لأنَّ التصوّر الحقّ، هو أنَّ اللّه يجري الأمور على أساس سننه الحتميّة التي ترتكز على قاعدة أساسيّة، وهي ملاحظة المصلحة العميقة للإنسان على مستوى الامتداد الشّامل لجوانب حياته، فقد تكون هناك مصلحة في إثارة العقبات أمام شخص أو جماعة، من أجل أن يكون ذلك وسيلة من وسائل تقوية المواقف، وتركيز الشخصيّة، ونضوج التجارب، وقد تكون المتاعب في البداية سبيلاً للحصول على الراحة في النهاية، مما لا يحيط بعلمه إلا اللّه الذي عنده {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[20].

ولذلك، نراهم يثيرون التساؤل أمام نتائج المعركة، فـ{يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ}[21]، ليسجّلوا نقطةً على النبيّ(ص) وأصحابه، عندما انطلقوا في خطّ المعركة، ولم يستمعوا إلى النصائح التي كان يقدّمها رأس النفاق في المدينة في عدم الخروج إلى القتال، فكأنَّهم يقولون إنَّه لا رأي لمن لا يُطاع، من أجل التخلّص من تحمّل نتائج العمل في طبيعة المسؤولية، لأنَّهم لم يشاركوا في اتخاذ القرار، ولولا الإحراج الّذي واجهوه من قومهم ومن النبيّ، لما شاركوا في الحرب.

ويأتي الجواب حاسماً: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، فماذا يمثِّل هؤلاء ليكون لهم الأمر كلّه؟! إنَّهم لا يمثِّلون شيئاً في حجم القوّة والعلم والحركة، بل إنَّ الأمر للّه، فهو الذي يخطّط ويدبّر ويأمر وينهى ويوجّه رسوله والمؤمنين نحو الوقوف في وجه الكفر والطغيان، وهو الّذي يعرف ما يصلحهم وما يفسدهم، وما يضرّهم وما ينفعهم، لأنَّ ذلك كلّه بيده، فهو الّذي يملك الأمر كلّه، وإذا أراد شيئاً، فلا بُدَّ من الخضوع والطاعة والانقياد أمام إرادته.

فقد دخلوا المعركة بقلب مغلق ينطوي على الشّكّ والرّيب والنفاق، {يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ}، ولم يدخلوها بقلبٍ مفتوح ينفتح على اللّه في صراحةٍ صافيةٍ تعرف ماذا تريد، وتصارح الأخرى بكلّ شيء، حتّى لا تعيش الزّيف باسم الإخلاص، ولا تتحرّك في الشّكّ باسم اليقين؛ ولذلك، فإنَّهم يضمرون لك، يا محمَّد، الكيد والمكر والمعصية، ويظهرون لك الطّاعة والخير والإخلاص. فهم يعتبرون أنفسهم قادرين على تغيير مسير المعركة في جميع نتائجها، أو بالأحرى، قادرين على التحكّم في مصير حياة أنفسهم وموتها، فلو ترك لهم الأمر، ولم تفرض عليهم الضّغوط، لكانوا في بيوتهم التي خرجوا منها في المدينة، ولما تعرّضوا للخطر الذي تعرّضوا له الآن، وهذا ما جاء في قوله تعالى:  {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا}، وربَّما كان مرادهم أنَّهم لو كانوا ـ كمسلمين ـ على الحقّ، لانتصروا وكسبوا المعركة، ولم يخسروا ما خسروه من أرواح وأموال، كأنَّهم يريدون أن يبثّوا الرّيب والشّكّ في الإسلام نفسه، وفي نبوّة النبيّ محمَّد(ص).

ولكنّ اللّه سبحانه يواجههم بالحقيقة الكونيّة التي لا تجعل قضيّة الحياة والموت خاضعة لاختيار الإنسان بجميع أبعادها، بل هناك أوضاع وظروف قد تقود الإنسان إلى نهايته، بعيداً عن جانب الرغبات الذاتية، لأنَّ اللّه سبحانه لم يجعل الآجال تابعة دائماً لعنصر الاختيار، فربَّما تتدخّل فيها بعض العوامل غير الاختيارية {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}، انطلاقاً من الأجواء الداخليّة أو الخارجيّة التي تبعث في داخلهم الرّغبة في الخروج تحت تأثيرات غامضةٍ، كما لو كانت هناك قوّة خفيّة تسيطر عليهم وتدفعهم إلى مصيرهم المحتوم، فلا مجال بعد ذلك للتعلّل ببعض الجوانب الذاتيّة الخاصّة.

* صحيفة الوسط أونلاين العراقيّة.


[1] (آل عمران: 121ـ 122).

[2] (آل عمران: 122).

[3] (آل عمران:68).

[4] (آل عمران: 126).

[5] (آل عمران: 127).

[6] (آل عمران: 123).

[7] (آل عمران: 127).

[8] (آل عمران: 139).

[9] (آل عمران: 140).

[10] (البقرة:194).

[11] (آل عمران: 140).

[12] (البقرة:143).

[13] (آل عمران: 140).

[14] (آل عمران: 141).

[15] (آل عمران: 142).

[16] (آل عمران: 143).

[17] (آل عمران: 152).

[18] {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

[19] (آل عمران: 154).

[20] (الأنعام: 59).

[21] (آل عمران: 154).


كانت واقعة أُحد من أهمّ الوقائع الإسلاميَّة الحربيَّة التي عاش المسلمون فيها حالة النّصر كأفضل ما يكون، ثُمَّ حوّلوها إلى هزيمة منكرة، بفعل الممارسات الخاطئة التي انحرف فيها الكثيرون من المقاتلين عن الهدف الّذي يفرض عليهم الانضباط في ما تقتضيه خطّة الحرب من مواقع ومواقف...

في هذه المعركة، انطلقت قريش إلى حرب النبيّ(ص) بعد هزيمتها السّاحقة في بدر، من أجل الثّأر لكرامتها وقتلاها، والقضاء على قوّة الإسلام المتنامية المتصاعدة في بداياتها. وعندما عرف النبيّ(ص) بالخبر، استعدّ لقتالهم، وخرج في ألف مقاتل. ولكنّ عبد الله بن أُبَي ـ رأس المنافقين في المدينة ـ استطاع أن يدفع ثلاثمائة منهم إلى التراجع... وحاول ذلك مع حيّين من الأنصار، وهما بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، فلم يفلح بعد أن كاد يصل إلى خطّته.

ورسم النبيّ(ص) الخطّة للمعركة، وكان من ضروراتها سدّ بعض الثغرات التي تطلّ على أرض المعركة، مما يعتبر نقطة ضعف في دفاعات المسلمين، فجعل على تلك الثغرة الواقعة في جبل خلف جيش المسلمين، خمسين من الرماة، بقيادة عبد الله بن جبير، وأمرهم بالثبات في كلّ الحالات، سواء كانت الغلبة للمسلمين أو للكافرين... ودارت المعركة التي تروي تفاصيلها كتب السيرة، وهُزِمَ المشركون، وتغلّب المسلمون عليهم، واندفعوا إلى جمع الغنائم... واعتبر الرماة الواقفون على الجبل أنَّ المعركة انتهت، وخافوا أن تفوتهم فرصة الحصول على نصيبهم من الغنائم، وبدأوا يخلون أماكنهم؛ وقد ناشدهم قائدهم أن يلتزموا بأوامر النبيّ(ص)، ولكن لم يستمع إليه إلا عشرة رجال منهم.

وحانت من خالد بن الوليد التفاتة ـ وكان من المنهزمين مع المشركين ـ فرأى خلوّ الثغرة، فقصدها بكتيبةٍ من المشركين، وقتل العشرة بأجمعهم، وانضمت فلول المشركين إلى خالد، فانطلقوا في عملية التفافٍ مباغتة، فدارت الدائرة على المسلمين، حتّى تعرّضت حياة الرسول(ص) للخطر، إذ أصابته حجارة من المشركين، فكُسرت رباعيّته، وشُجّ في وجهه، وجُرحت جبهته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجهه... وفرّ المسلمون عنه، ولم يبقَ معه إلا نفر قليل، كان في طليعتهم عليّ بن أبي طالب(ع)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، فدافعوا عنه دفاع المستميت... وقتل حمزة في المعركة بحربة وحشي، وذلك بإغراء هند له، واستخرجت كبده فلاكتها... وكان عدد القتلى من المشركين اثنين وعشرين قتيلاً، وعدد شهداء المسلمين سبعين...

بين تخطيط الرسول(ص) وحركة النفاق

يتحدّث القرآن عن الظروف التي أحاطت بمعركة أحد، وما قام به المنافقون من دور تثبيطي للعزائم، وهذا ما أشارت إليه هاتان الآيتان: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[1].

لقد بدأ الرَّسول(ص) يدبّر أمر المعركة في بداية النهار، {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}، والغدوة تمثِّل الفترة ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس؛ فقد انطلق(ص) لتحديد مواقع المسلمين في المعركة من أجل الإعداد للنصر، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فهو الذي لا يعزب عن علمه شيء مما يحتاج إلى أن يُسمع أو يُبصر، لأنَّه محيط بذلك كلّه.

وبدأت حركة النفاق تعمل لتخذل المؤمنين وتبعدهم عن المشاركة في القتال، من أجل إضعاف الجبهة الإيمانية، كوسيلة من وسائل تقوية خطّ الشرك وسلطته، لأنَّ ذلك هو الذي يمنحهم فرصة استعادة نفوذهم الذي فقدوه عند ظهور الإسلام، فاستطاعوا أن يزلزلوا بعض النفوس، ويضعفوا بعض العزائم، فـ {هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ}[2] وتتراجعا. وقد نلاحظ في هذه الفقرة من الآية، أنَّها لم تتحدّث عمّا تحدّث به المؤرّخون من انسحاب ثلاثمائة رجل من الذين أعدّهم الرَّسول(ص) للمعركة، ما يوحي بأنَّ ذلك غير صحيح، لأنَّ الآية تحدّثت عن حالة التردّد ومحاولة الانسحاب، كظاهرة من ظواهر الضعف الموجودة في المجتمع الإسلامي آنذاك، ولتنبّه المؤمنين إلى مثل هذه الحالة من أجل المستقبل. ولو كان ما نقله المؤرخون صحيحاً، لكان ذلك أشدّ خطورة على المسيرة، وأكثر حاجة لتأكيده، لأنَّه يمثّل حالة التراجع التي تعني الانسحاب من مسؤولية الإيمان بطريقة حاسمة.

وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالتأمّل، وهي أنَّ القرآن عبّر عن الانسحاب بكلمة "الفشل"... ما يوحي بأنَّ الإيمان الّذي لا يعبّر عن نفسه بالعمل في خطّ الطاعة، هو إيمان فاشل، لأنَّه لم ينجح في التجربة المرّة في صراع الإنسان مع الشَّيطان. وهذه نقطة لا بُدَّ من التركيز عليها في أساليب التربية، بالإيحاء بأنَّ الإيمان يمرّ ـ في الحياة ـ بتجربة النجاح والفشل، كما هو الحال في كلّ قضيّة تستتبع المعاناة، ما يرفع من درجة استعداد المؤمن في المجاهدة من أجل الحفاظ على نجاحه في خطّ الإيمان.

وإزاء ما قام به المنافقون، وما همّت به الطائفتان من المسلمين من التراجع في المواقف، مع ما يخلّفه ذلك من انعكاسات سلبيّة على المسيرة الإسلاميّة، يؤكّد القرآن الرعاية الإلهية للمؤمن، وذلك في قوله تعالى: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}، التي تحمل في داخلها تعميق الشعور للمؤمن بالرّعاية الإلهية له في حالات الضّعف والزلزال النفسي الناتج من الضغوط الصعبة المحيطة به، ما يجعله يحسُّ بالأمن والطمأنينة بحماية الله له في أوقات الغفلة. وربَّما كان في التعبير بكلمة "الوليّ" من الحنان والحميميّة، ما يملأ النفس بأصفى المشاعر وأنقاها وأسماها في علاقة الإنسان باللّه.

وهذه الرعاية لا تقتصر على الطّائفتين، بل هي دعوة مفتوحة لكلّ المؤمنين للاتكال على الله، كما في قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}، لأن يتحرّكوا من خلال فكرة: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[3]، ليتوجّهوا إليه في حالات الضّعف، أو في الأوضاع التي يخافون أن يضعفوا أمامها مستقبلاً، فإنَّ التوكل على اللّه يمثِّل أرقى أنواع الإيمان، لأنَّه يمثِّل الاستسلام لله، من خلال الثقة المطلقة به في أوقات الشدّة والرخاء، واليُسر والعُسر، الأمر الذي يزرع في نفس الإنسان الثقة بالحاضر والمستقبل في كلّ عمل من أعمال الدُّنيا والآخرة.

بدر في أجواء معركة أُحد

يستحضر القرآن موقعة بدر في أجواء معركة أحد، حيث جاء في سورة آل عمران في الآيات 123ـ 127، قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ} وما إلى ذلك من الآيات.

وتبرز أهميّة بدر في كونها أوّل معركة بين المسلمين والمشركين، وقد واجه فيها المسلمون التحدّي الكبير في صراع القوّة الّذي حدّد للمسيرة الإسلاميّة طريقها الطويل على هدى مواجهة القوّة بالقوّة على أساس الحقّ والعدل... وكانوا في موقع الضّعف من حيث العدد والعُدّة، بينما كانت قريش التي تمثِّل قوّة الشّرك، كبيرة فيهما معاً. ولكنَّ اللّه أراد للمسلمين النصر، فأودع بينهم ـ من خلال إيمانهم ـ روح الإرادة والعزم على المجابهة حتّى النهاية، والتضحية حتّى الاستشهاد، وأثار في جوّ المعركة لوناً من ألوان الغيب الإلهي، المتمثّل في نزول الملائكة بطريقة خفيّة من أجل دعم الرّوح المعنويّة التي كانت معرّضة للانهيار، بفعل الظروف الصّعبة المحيطة بالمعركة، التي لم تكن معدّة إعداداً دقيقاً.

ولكن لِمَ هذه الإثارة لمعركة بدر في أجواء معركة أُحد؟ هل المقصود هو ربط الذكريات بمثلها لخلق جوٍّ من التشجيع النفسي، حتّى يُقدم النَّاس على المعارك الجديدة بروحية المعارك القديمة، أو أنَّ المقصود هو ما ذكره البعض من بيان قضية حاسمة، وهي أنَّ الانتصار في معركة من المعارك لا يُعدُّ نصراً حاسماً، ولا الانكسار في معركةٍ من المعارك يكون انكساراً نهائياً، وإنَّما النصر النهائي للصابرين الثابتين والمتقين المخلصين، أو أنَّ هناك شيئاً آخر ربَّما يكون أبعد من هذا الوجه أو ذاك، وإن كان غير منافٍ لهما من حيث الجوّ العام؟

لعلّ المقصود من ذلك ـ واللّه العالم ـ هو تأكيد ربط النصر بالله في المعارك الإسلامية الفاصلة، حتّى يظلّ المؤمن مشدوداً إلى الله في حربه، في عمليّة تعميق الإحساس بالقوّة، وعدم الخضوع للأوضاع الاستعراضية المضادّة التي يُراد منها هزيمة المسلمين روحيّاً ونفسيّاً، وذلك باستحضار قوّة اللّه، وعنايته بعباده المؤمنين، ورعايته لهم في كلّ أوضاعهم ومشاكلهم، والشّعور بأنَّ قوّتهم لا تمثِّل إلا ظلاً خفيفاً من ظلال قوّة اللّه ورحمته؛ فهم يشكّلون ـ في هذا المجال ـ دور الإرادة المنفعلة بخالقها، لا دور القوّة المستقلّة بذاتها... فإذا كان النّصر، ذكروا الله بالإحساس بالامتنان على ما هيّأ لهم من أسبابه، وإذا كانت الهزيمة، ذكروا الله معها، وعرفوا أنَّها كانت نتيجةً طبيعيّة لعدم الأخذ بأسباب النّصر، ولنسيان اللّه في أكثر حالاتهم... وهكذا، يتأكّد الإيمان باللّه كحقيقةٍ تهزّ كيانهم بالحركة والإشراق والانفتاح على الحياة بكلّ عناصرها الفاعلة المتنوّعة، فلا يبقى مجرّد فكرة تعيش في زاوية مغلقةٍ من زوايا الشخصيّة الإنسانيّة بشكلٍ عاديٍّ جامدٍ. وهذا ما يريد القرآن أن يثيره في أعماق الشخصيّة، وفي كلّ النشاطات الإنسانيّة، بأن يظلّ الإنسان خاضعاً لعبوديته للّه، ومستسلماً له في أموره، ليشعر بأنَّه لا يستطيع أن يحرّك أيّ شيء إلا باللّه ومن اللّه، وهذا ما نواجهه بارزاً في هذه الآيات...

هل دخل الملائكةُ ساحة الحرب؟

ولكن هل دخل الملائكة ساحة الحرب؟ وهل كانت المهمّة الموكولة إليهم أن يقاتلوا المشركين؟ وإذا كان الأمر كذلك ـ كما تحبّ بعض الرِّوايات أن تقول ـ فما هي قيمة المسلمين؟ وما هو دورهم في المعركة؟ وكيف يمكن أن يُقتل من المسلمين العدد الّذي قتل منهم في المعركة، في الوقت الّذي يقف الملائكة كشركاء معهم في القتال؟! ربَّما توحي الآية بأنَّ القضية كانت إمداداً معنوياً، يقصد من خلاله رفع الروح المعنوية لدى المسلمين، بالشعور بأنَّ الملائكة يطوفون في أجواء المعركة، فيشعرون بالأمن والطمأنينة والاندفاع نحو العدوّ بشدّةٍ وقوّة، وهذا ما نستقربه، وإن كنّا لا نجزم به، لأنَّ من الممكن أن يكون هناك تفسيرات تتصل بالغيب الذي لا نستطيع تفسيره بطريقة مادية.

{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ}، فليست القضيَّة أن يُقاتل الملائكة ليكون النصر مستنداً إليهم، فإنَّ النصر من عند اللّه، فاللّه هو الذي يهيّئ للنصر أسبابه، ويرعاه بألطافه، ويخلق الظروف الموضوعية التي تنفتح به على النتائج الحاسمة، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[4]. أمّا هدف ذلك، فهو إسقاط قوّة الكفر أو إضعافها: {لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}[5]،  ويحطّم جانباً من قوّتهم العسكرية، ويسقط مواقعهم المتقدّمة وتأثيراتهم القوية في النَّاس عندما تنـزل الهزيمة بهم. وقد ذكر صاحب مجمع البيان، أنَّ هناك اختلافاً في وجه اتصاله بما قبله، "فقيل: يتصل بقول: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ}، ومعناه أعطاكم الله هذا النصر، وخصَّكم به، ليقطع طائفةً من الذين كفروا بالأسر والقتل، وقيل: هو متّصل بقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ}[6]؛ أي: ولقد نصركم الله ببدرٍ ليقطع طرفاً، {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} بالهزيمة، {فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِينَ}[7] خاسرين، لم يحصلوا على شيء مما أرادوه وعملوا له في الدُّنيا والآخرة.

وقفة نقد وتقويم

وبعد أن تحدّثت السورة عن موقعة بدر، تعود إلى الحديث عن معركة أحد، في وقفة نقدٍ وتقويمٍ لمواقف المسلمين فيها، فقد أدّت الهزيمة في هذه المعركة إلى حالةٍ شديدة في داخل الذات الإسلاميّة، من الشعور بالوهن والضعف والحزن، في تساؤل نفسي عنيف: كيف حدث كلّ هذا؟ ولماذا؟ ويواجه القرآن هذا كلّه بالرفض لهذه الحالة في موقف المؤمنين: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ}[8]، لأنَّ الوهن والحزن يعبّران عن انسحاقٍ داخلي أمام الهزيمة، في انطواءٍ روحيّ يسقط معه الشعور بالكرامة والإحساس بالعزّة.

إنَّ اللّه يستثير في المؤمنين انطلاقة الإيمان ودلالاته في موقع المؤمن من الحياة، فهو الأعلى بالمقياس الحقيقي للأشياء، لأنَّ ارتباطه باللّه يُشعره بالقوّة العليا، وانطلاقه من قاعدة الإيمان يوحي إليه بالفكرة العليا، وتحرّكه في خدمة الحياة يشدّه إلى الأعلى في أهداف الحركة... وبذلك، يتحوّل الإيمان إلى عنصر قوّةٍ يدفعه إلى الاستعلاء على كلّ عوامل الضّعف والخوف والحزن، ليدعوه إلى الإحساس بالقوّة والفرح الرّوحيّ بالألـم والتضحية في طريق الجهاد.

ولعلّ من الواضح أنَّ الآية الكريمة لا تريد أن توحي للمؤمنين بالموقع الأعلى في عمليّة استعلاء للذّات على الآخرين، لتصبّ في مجرى الأنانية الذاتية، بل كلّ ما تريده ـ في ما نستوحيه منها ـ هو الاستعلاء الروحي والرسالي على قوى الكفر والظلم والطغيان، وذلك من خلال ما تُعطيه كلمة: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، من مفاهيم وأحاسيس وإيحاءات.

ثُمَّ تلتفت إليهم في أسلوب واقعي يريد للقضية أن تعيش في نطاق أسبابها الطبيعية التي أخضع اللّه لها كلّ ما في الظواهر الكونيّة والإنسانيّة، فإنَّ قضية النصر والهزيمة في حياة الأفراد والجماعات، لا ترتبط بالجانب الغيبـيّ للحياة، ليواجه الإنسان قضاياها من هذا الموقع، فيدفعه ذلك إلى الشكّ في منطلقات الإيمان وخطواته، بل ترتبط بالجانب الواقعي للأشياء؛ فإذا أخذ النَّاس بأسباب النصر، فإنَّهم سينتصرون، وإن كانوا كافرين، وإذا تركوها انهزموا، وإن كانوا مؤمنين، لأنَّ اللّه لا يريد أن يُحارب بالنيابة عن المؤمنين، بل يريدهم أن يأخذوا بسنّته، ويسيروا على حسب قوانينه، فينطلقوا إلى ساحات الصراع من موقف الوعي للساحات ومتطلّباتها المادية والمعنوية... ولا مانع من اقتضاء حكمة اللّه أن يتدخّل في الحالات الصعبة التي تمثِّل فيها الهزيمة حالة انهيار للإسلام وللمسلمين ـ كما حدث في معركة بدر ـ ولكنَّها حالاتٌ طارئة لا تصل إلى مستوى القاعدة العامّة الثابتة.

وهكذا خاطب اللّه المسلمين بعد أن نهاهم عن الحزن والوهن، ودعاهم إلى الشعور بالعلوّ في خطّ الإيمان، ووضعهم في واجهة الصّورة؛ وذلك في قوله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ}[9]، فإذا كان المسلمون قد انهزموا في المعركة في أحد، وأصابهم القرح، فقد أصاب الكافرين مثل ذلك في بدر، فليست الهزيمة حالة ثابتة للمهزومين في بعض المعارك، وليس النصر قانوناً حتمياً دائماً في حياة المنتصرين في حالات النصر؛ فقد ينتصر المهزوم في معركة جديدة، وقد ينهزم المنتصر، {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، فقد تكون القوّة لفريق من النَّاس في ما هيّأ اللّه له من أسباب القوّة، وقد تتبدّل الحال، فتكون القوّة في الجانب الآخر، والضّعف في جانب الأقوياء؛ تلك هي سنّة اللّه في الأرض التي تدفع الحياة إلى خطّ التوازن، فلا ييأس المهزوم من النصر، بل يظلّ يُلاحق التجربة الحيّة التي تقود إلى النصر، ولا يطغى المنتصر بانتصاره ويستسلم لنتائجه، بل يبقى في هاجس الهزيمة المرتقبة، فيُحافظ ـ من خلال ذلك ـ على مواجهة المستقبل بروح متوازنة. وفي ذلك كلّه، تتجدّد الحياة، وتنمو، وتتكامل فُرَصها، وتتوازن حركاتها، ويتحرّك خطّ الصّراع في اتجاه سليم.

أسلوب قرآني مميّز

{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}، فإنَّ المواقف الصَّعبة التي يواجه فيها النَّاس الهزائم، قد تزلزل النفوس، وتدفع بعض المؤمنين إلى الرّيبة والشكّ والتراجع، وتزيد المؤمنين الآخرين ثباتاً وقوّةً وتحفّزاً وتصميماً على مواجهة التحدِّيات، وبذلك، ينكشف الإيمان المزيّف من الإيمان الخالص الصّحيح الثّابت، فإنَّ حالات الرخاء والأمن والدّعة، تجمع في داخلها كلّ النماذج الخيّرة والشرّيرة، لأنَّ الجوّ لا يفرض عمليّة الفرز الاجتماعي الإيماني ما دامت الفرصة تحتوي الجميع وتستوعبهم من دون سلبيّات.

وقد يوحي هذا التعبير، بأنَّ التجربة تستهدف علم اللّه بالمؤمنين، فهل يحتاج اللّه في علمه بالأشياء إلى وسيلة للعلم مما يحتاجه الإنسان في ذلك؟! ـ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ـ فما معنى ذلك إذاً؟! الظّاهر، أنَّ هذا أسلوب قرآني مميّز، يستعمل الأفعال المنسوبة إلى اللّه بالطّريقة التي تنسب إلى الإنسان، من أجل تأكيد ارتباط النتيجة بالمقدّمات في طبيعة الأشياء؛ وإن اختلفت في طريقة نسبتها إلى اللّه الّذي يعلم الأشياء قبل حصولها، ونسبتها إلى الإنسان الّذي يحتاج إلى الوسيلة التي تؤدّي إلى العلم...

وهذا أسلوب جرى عليه القرآن في طريقة المحاكاة، في الموارد الّتي لا يحمل فيها الفعل طبيعة المعنى الّذي أطلق عليه، كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[10]؛ مع أنَّ انتصار الإنسان لنفسه لا يعتبر اعتداءً، ولكنّ المشاكلة لا تخلو من المناسبة الّتي تُعطي الفكرة بتناسب الفعل مع ردّ الفعل. وفي ضوء ذلك، يكون المقصود: ليظهر اللّه الذين آمنوا من خلال التجربة. فالقضيّة قضيّة تعبيريّة فنيّة، ولا صلة لها بالمضمون، فلا حاجة إلى ما ذكره صاحب مجمع البيان في تفسيره، قال: «... وإذا كان اللّه تعالى يعلمهم قبل إظهارهم الإيمان، كما يعلمهم بعده، فإنَّما يعلم قبل الإظهار أنَّهم سيميزون، فإذا أظهروه علمهم متميّزين، ويكون التغيّر حاصلاً في المعلوم لا في العالم، كما أنَّ أحدنا يعلم الغد قبل مجيئه، على معنى أنَّه سيجيء، فإذا جاء علمه جائياً، وعلمه يوماً لا غداً، فإذا انقضى، فإنَّما يعلمه الأمس لا يوماً ولا غداً، ويكون التغيّر واقعاً في المعلوم لا في العالم".

{وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}[11]، الظّاهر أنَّ المراد منه جمع الشّاهد، لا جمع الشّهيد ـ كما ذكره صاحب تفسير الكشاف ـ وقد تكرّر في القرآن الحديث عن أنَّ اللّه جعل هذه الأمّة في موضع الشّهادة على النَّاس: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[12]؛ أمّا علاقة ذلك بالمعركة ـ التجربة ـ الامتحان، فهي تعميق الإيمان وتصفيته وتنميته في نفس الإنسان المؤمن، ما يجعله في مستوى الشّهادة الّتي تحتاج إلى عمق وصفاء وامتداد في الإيمان...

وربَّما تنطلق التجربة الصّعبة التي تتنوّع فيها المشاكل، وتتكرّر فيها الحلول، وتشتدّ فيها المعاناة، لتعمل ـ بأجمعها ـ على صنع الإنسان القيادي، والمؤمن الصّلب الواعي المتحدّي الفاعل، لأنَّ مسألة القيادة ليست مسألة تتّصل بالجانب الفكري للإنسان، بل هي ـ إلى جانب ذلك ـ مسألة مرتبطة بالتجربة الحيّة التي تتحرّك في وعي الإنسان في ساحة المعاناة ومواقع الصّراع، وهذا واقع دور الشهادة الذي يطلّ بالإنسان على واقع الأمّة، ليرصد كلّ حركتها الإيجابيّة أو السلبيّة في خطّ الاستقامة أو الانحراف، من خلال وعيه الحركي للجانبين معاً، ومعاناته في الإصرار على الموقف الحقّ في صراع الحقّ والباطل.

وفي ضوء هذا، قد نجد معنى الشّاهد في الشهادة أقرب من معنى الشّهيد، ولا سيّما أنَّ اللّه حدّثنا في القرآن في أكثر من آية عن الشّهداء على النَّاس، من دون أن يتحدّث عن الشّهيد بهذا التّعبير في آية واحدة، بل لم يعهد استعماله في القرآن، وإنَّما هو من الألفاظ المستحدثة الإسلامية ـ كما يقول صاحب الميزان ـ. مع ملاحظة أخرى، وهي أنَّ كلمة {وَيَتَّخِذَ} لا تتناسب مع الشهداء بمعنى قتلى المعركة، فقد لا يكون من المألوف أن يُقال: اتخذ اللّه فلاناً مقتولاً في سبيله أو شهيداً، كما يُقال: اتخذ اللّه إبراهيم خليلاً، أو اتخذ اللّه موسى كليماً، ومحمَّداً شهيداً يشهد على أمّته يوم القيامة، لأنَّ التعبير ـ على الظاهر ـ يُناسب المعنى الّذي يمنح صاحبه خصوصيّة له، كالخليل والكليم والحبيب، وهذا لا ينسجم مع المعنى المذكور، واللّه العالم.

{وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[13]، الّذين ظلموا أنفسهم بالانحراف عن الحقّ والتراجع عن الطّريق السويّ، {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}[14]، ويختبرهم بما يبتليهم به، ويقودهم إلى المواقف السليمة الثابتة، وذلك من خلال أنَّ الابتلاء المنفتح على التجربة المتنوّعة الأبعاد، المتعدّدة الجوانب، يمنح الإنسان المؤمن وعياً جديداً صافياً، بحيث تتغيّر نظرته إلى الأشياء وفهمه للأمور، لمصلحة تغيير الذهنيّة العامّة، والسلوك الأخلاقي، والقيمة العملية، فتتحوّل نقاط الضّعف إلى قوّة، والجوانب السلبيّة إلى جوانب إيجابيّة، فتزول كلّ الشوائب التي تبتعد بالإنسان عن صفاء الحقّ ونقاء الحقيقة.

{وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}، وذلك بتوجيه الضّربات المتتالية إليهم، وتتابع الفرص أمام المؤمنين في الاندفاع مرّةً بعد أخرى، وذلك من دون فرقٍ بين المحق الفردي والجماعي، تبعاً للأسباب الحادثة في الواقع الّذي يعيشه الكافرون، حتّى يستقيم الأمر للخطّ الصّحيح في نهاية المطاف.

الجنَّة ليست منحة

كان حديث الآيات الثلاث السّابقة، هو حديث التجربة الحيّة في المعركة، وكيف يمكن الاستفادة منها بالتخفيف من سلبيّاتها ومضاعفة إيجابيّاتها، ودراسة أهدافها القريبة والبعيدة؛ أمّا في الآيتين الأخيرتين، فنُلاحظ أنَّ الحديث يتّخذ بُعداً آخر، وهو مواجهة المؤمنين في الآية الأولى بالميزان الإسلامي للدّخول إلى الجنّة، وهو العمل الصالح المتحرّك في خطّ الصّبر والجهاد، الذي يعبّر عن نفسه بالممارسات الصّعبة التي يخوضها المجاهدون والصّابرون، الذين يضعون حياتهم في كفّة الميزان، وإيمانهم وعقيدتهم في الكفّة الأخرى، فترجح كفّة الإيمان والعقيدة على كفّة الحياة، فيقدّمون حياتهم ضحيّة على مذبح إيمانهم وعقيدتهم. فليست الجنَّة منحة مجانيّة يمنحها اللّه للكسالى الذين يقضون أيامهم في استرخاء نظريّ كسول، يُمارسون فيه ترف الفكر وغيبوبة الرّوح في أجواء الفراغ، ثُمَّ يبدأون بالتّنديد بالطلائع المجاهدة التي تقف في مواقع الخطر في خطّ الجهاد، ليحطّموا معنوياتهم، ويهدّموا روحهم بالأساليب المتلوّنة الخبيثة، فمن أراد الجنَّة، لا بُدَّ من أن يسعى نحوها بوسائلها التي يقف الجهاد في طليعتها، ليقود الإنسان إلى جنّة اللّه، كما تزفّ العروس إلى زوجها في ليلة العرس، وذلك في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[15].

وفي هذا الجوّ، لا بُدَّ للإنسان المؤمن الذي يفكّر في الجنّة، من أن يطلبها في حركة الواقع الصّعب، وفي ساحات الجهاد المرّ، لا في ساحات المساجد ومحاريبها فحسب؛ حتّى المسجد كان في أيّام الإسلام الأولى منطلقاً لصيحات الجهاد الّتي تختلط بأذان الصّلاة، لتأكيد أنَّهما ينطلقان من قاعدة واحدة، وهي الإخلاص في مواقف العبوديّة الخالصة؛ ولكنَّ المدّ الإسلاميّ قد انحسر عن الحياة عندما ابتعد المسلمون عن الجهاد.

وتتحرّك الآية الثانية في خطّ التحدّي للتمنّيات السابقة على المعركة التي كان المؤمنون يعيشونها في داخل أنفسهم: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ}[16]. فقد كانوا يتمنّون قتلاً في سبيل اللّه، ليحصلوا على جنّته ورضوانه، مما كان القرآن يحدّثهم عمّا أعدَّ اللّه للمجاهدين من فضلٍ وكرامة وسعادة في الدار الآخرة عنده، ولكنَّ التمنيات كانت تعيش في الفراغ خارج نطاق التجربة الصعبة، فلم يكن هناك معارك تفرض نفسها على الساحة، ولا اضطهاد وتشريد ومواجهة أخطار، كما هي حالة الكثيرين منّا عندما يقفون خلف المنابر، فيهزّونها بخطاباتهم الحماسية، وأساليبهم البلاغية، ودعوتهم إلى الموت في سبيل اللّه...

وجاءت التجربة في معركة أحد، وكان الموت يركض في هذا الموقع، ويقف في ذلك، ويرفرف على رأس هذا، ويتحرّك حركة صاعدة وهابطة في هذا الاتجاه أو ذاك؛ وبدأ التردّد والقلق، وانطلقت نقاط الضّعف في حركة التفاف حول أحلام الإنسان ونوازعه الذاتيّة، وجاء القرآن ليُخاطب هؤلاء ويُخاطبنا من خلالهم، ويؤكّد أنَّ الأمنية قد تجسّدت في الموقف، فها هو الموت أمامكم، حدّقوا به كيف يتحرّك في خطّ الشّهادة، {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}، لقد رأيتموه، فكيف تواجهون الموقف؟! ويسود الصّمت، فلا تتحدّث الآية عن التّفاصيل، ولكنَّها تترك للمؤمن أن يفكّر، ليمتدّ تفكيره في اتجاه المسؤوليّة التي تقف في الخطّ الفاصل بين الدُّنيا والآخرة.

معركة أحد: النّصر أو الهزيمة؟

لقد وعد اللّه المسلمين بالنّصر في معركة أحد، على لسان رسول اللّه(ص): {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ}[17]، ولكنَّه لم يكن وعداً مطلقاً على كلّ حالٍ، بل كان وعداً مشروطاً بالسّير وفق الخطّة الموضوعة الّتي تنسجم مع الأسباب التي تهيّئ ظروف النصر للمعركة، وكان من بينها وضع الرّماة في الثغرة التي كانت تمثِّل نقطة الضّعف في دفاعات المسلمين في الجبل... وسارت الخطّة على ما يرام، فقد انتصر المسلمون في بداية المعركة عندما أخذوا بأسباب النّصر، ونفّذوا الخطّة الموضوعة من الرَّسول(ص) بدقّةٍ وأمانةٍ وإخلاص، {إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ}، وكان المسلمون يحسُّون الكافرين، أي يستأصلونهم بالقتل، فكأنَّ القاتل يبطل حسَّ المقتول، وكانت العمليّة بإذن اللّه وتوجيهه، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ}، ولكن المسلمين وقعوا في الفشل، وتركوا أسباب النجاح، {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ}، وتنازعوا في أمرهم، ففرقة كانت ترفض النزول إلى ساحة المعركة من أجل الحصول على الغنائم، وفرقةٌ كانت تصرّ على ذلك، {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}، وتغلّب الفريق المصرّ على المعصية الذي يريد الدُّنيا، على الفريق الذي يريد السير على خطّ الانضباط، لأنَّه يريد الحياة الآخرة، وابتعد المسلمون عن خطّ النصر عندما ابتعدوا عن روحه وإرادته وأجوائه.

{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}، وصرفهم اللّه عن المشركين من خلال الأسباب الاختياريّة التي ينصرف فيها المجاهد عن صنع النصر، ليبتلي المسلمين ويختبرهم، ويدفعهم إلى مواجهة الموقف بإيمان وصدق واستعداد للاستفادة من هذه التجربة الصّعبة في سبيل نصر جديد، على أساس الالتزام بالخطّة الحكيمة. وشعر المسلمون بالخطأ الّذي وقعوا فيه، وعاشوا روح الندم، وتعمّقت التجربة في داخلهم، ورجعوا إلى إيمانهم، وعادوا إلى اللّه يستغفرونه ويطلبون منه القوّة على الانطلاق نحو المستقبل بروح إسلاميّة عالية، وعلى صنع الموقف على أساس الإرادة. وعفا اللّه عن المؤمنين بفضله، وأنَّه ذو فضلٍ عليهم، وهذا ما يؤكّده قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، وهو يحبّ المؤمنين لإيمانهم وجهادهم في سبيله، ويعلم نقاط الضّعف الكامنة في نفوسهم والطّارئة عليهم، كما يعلم أنَّهم في ساعة الضّعف لا يبتعدون عنه، ولكنَّهم يغفلون عن ذكره بفعل الضّغوط الهائلة المسيطرة عليهم، ولذلك، لم يعاجلهم بالعقوبة، ولم يهملهم أو يكلهم إلى أنفسهم، بل تعهّدهم بفضله بما يثيره في نفوسهم من الرّغبة في العودة إليه، والتوبة والاندفاع ـ من جديد ـ نحو جولة جديدة من الجهاد في موقع جديد، لأنَّ الهزيمة في موقع معيّن، لا تُلغي الإيمان، ولا تُسقط الإرادة، ولا تبتعد بالمؤمن عن اللّه، لأنَّ الإيمان لا يمثِّل حالة طارئة، فينطلق هذا الفضل الإلهيّ الّذي يغمر به اللّه عباده المؤمنين في الحبّ الإلهي، لأنَّهم قدّموا له حبّاً في حركة الإيمان والطّاعة، فأعطاهم حبّاً في إرادة العفو والمغفرة.

من صور المعركة

في الآيتين 153ـ 154 من سورة آل عمران[18]، يعرض القرآن صورةً من صور معركة أُحد، في نهاياتها الّتي رافقت أجواء الهزيمة بعد النّصر، وأبرزت كثيراً من السلبيّات الفكرية والروحية في النماذج المتنوّعة المتواجدة في المعركة: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}، فقد انهزم المسلمون، وأبعدوا في الأرض هرباً من الموقف الصّعب الذي فرضته الهزيمة؛ وانطلق الرَّسول يدعوهم إلى أخراهم، فيقول: ارجعوا إليّ عباد اللّه، ارجعوا إنّي أنا رسول اللّه، من يكرّ فله الجنَّة، {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}، أي: غمّاً أذقتموه للرّسول بعصيانكم له، أو غمّاً مضاعفاً، أي غمّاً بعد غمّ، وغمّاً متّصلاً بغمّ، من الاغتمام، بما أرجف به من قتل رسول اللّه(ص) والجرح والقتل وظفر المشركين وفوت الغنيمة... ما يوحي بأنَّهم كانوا ممتدّين في هربهم في خطّ طويل ابتعد أوّلهم عنه، واقترب آخرون منه؛ فقد كان يريدهم أن يتوقّفوا قليلاً ليدرس معهم طبيعة الموقف، ويُحاول من خلاله تحويل الهزيمة إلى نصر جديد، ولكنَّهم لا يلوون على أحد، فلا يلتفتون إلى نداء الرَّسول أو غيره، فقد أخذت الهزيمة الداخلية مأخذها منهم، فهربوا من الموت...

وعاشوا الغمّ النفسي الذي أثاره اللّه في نفوسهم، في ما واجهوه من حالة الانسحاق الذاتي والنّدم المرير على ما قاموا به، وأفاقوا على واقع لم يحسبوا له حساباً، وذلك كردّ فعلٍ على الغمّ الذي جلبوه للرّسول وللمسلمين وللإسلام. وقد أراد اللّه لهم من خلال ذلك، أن يعرّفهم كيف يربطون بين النتائج وأسبابها، فلا يُبادرون إلى الاندفاع في موقف إلا بعد التّفكير والتأمّل في عواقبه، لأنَّهم باندفاعهم يملكون الذهنيّة السّاذجة أمام مشاكل الحياة وآلامها وهزائمها، لذا، عليهم أن يملكوا الذهنيّة التي تحلّل وتناقش وتستنتج، من أجل أن تحوّل نقاط الضّعف إلى نقاط قوّة، وتغيّر السلبيّات إلى إيجابيّات. وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى: {لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، فإنَّ الظّاهر منها، أنَّ اللّه أراد لهم أن يعيشوا الحالة النفسيّة التي تمثِّل ما يشبه الصّدمة في الداخل على أساس ما حدث، من أجل أن تكون تجربة ودرساً يُبعدهم عن مشاعر الحزن إزاء الخسارة أو المصيبة.

إنَّ الخطّ الإسلامي في أمثال هذه الحالات الصّعبة التي يمرّ بها المسلمون في الواقع السلبي الذي قد تتمخّض عنه الحرب بالهزيمة العسكرية، هو عدم السقوط أمام التجربة المرّة بالحزن العاطفي الذي يجتر معه الإنسان الآلام في حالة نفسيةٍ مدمّرة، كما لو كانت الهزيمة أو الفشل نهاية المطاف في حياته، فلا يصير إلى غلبة أو نجاح بعدها أبداً، فإنَّ الحزن عاطفة إنسانيّة نبيلة، ولكن لا بُدَّ للإنسان من أن يحرّكها في الاتجاه الإيجابي الّذي يثير في النفس المرارة، لتدخل في هذا الجوّ في وعي التجربة، لاستخلاص العبر منها، من أجل الدخول في تجربة جديدة في مستقبل جديد... وهكذا، يتحوّل هذا الغمّ الذي يمثِّل ضيقاً في الصّدر، وألماً في الإحساس، إلى انفتاح على كلّ مفردات القضيّة السلبيّة، من أجل أن يتفهّموا طبيعتها وتفاصيلها، على صعيد الخسائر البشريّة والماديّة والمعنويّة، فاللّه لا يريد للحزن أن يكون طابع المجاهدين العاملين في نتائج الأوضاع المعقّدة في حياتهم، فعليهم أن يراقبوا اللّه في ذلك، من خلال إيمانهم بأنَّه خبير بما يفعلونه، سواء كان ذلك من خلال باطن أفعالهم أو ظاهرها، لينفتحوا على مواقع الصّواب، من خلال المحاسبة الدّقيقة لكلّ الماضي المعقّد، في انتظار المستقبل المنفتح. وهكذا، يرتفع الحزن على الخسارة، ليحلّ محله الوعي والأمل، بانتظار الربح في المستقبل الآتي.

الفئة المؤمنة تأخذ دروساً

وعاد البعض إلى رسول الله، وهم يعيشون هذه الصّدمة الكبيرة، ويقارنون بين أسباب الهزيمة ونتائجها، وشعروا بالتّقصير والنّدم، وبدأوا بالتّخطيط لحسابات المستقبل. وكان لا بُدَّ من حالة استرخاء يستريحون فيها من متاعب المعركة وانفعالات النّدم، ليملكوا زمام تفكيرهم، فألقى عليهم النّعاس ليعيشوا الإحساس بالأمن والطّمأنينة، فتتجدّد لهم طاقاتهم الّتي أتعبها الجهد، وتصفو أفكارهم التي كدّرها الألم، وترتاح أعصابهم الّتي أرهقها الانفعال، فغابوا في سباتٍ عميق يفصلهم عن كلّ هذه الأجواء الخانقة من التوتّر والرُّعب والانفعال... وتلك هي الفئة المؤمنة الّتي لا تفقد صوابها، ولا ترتاب في إيمانها، ولا تتزلزل في مواقفها أمام الصّدمات والتحدِّيات والهزائم، بل تقف من جديد، لتفكّر في المستقبل من خلال دروس الحاضر، ولتواصل المسيرة، وتعتبر أنَّ كلّ ما حدث ما هو إلا تجربة وامتحان واختبار قد يفشل الإنسان فيه وقد ينجح. ولكنّ القضيّة في كلا الحالين، تمثِّل العبرة التي يستفيد منها الفاشل كيف يتفادى الفشل في المستقبل، ويتعلّم منها الناجح كيف يمكن أن يستزيد من فرص النجاح في الحياة، وهذا قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ}[19].

النّموذج الفاشل والهموم الذاتيّة

وهناك طائفة أخرى قد أهمَّتهُم أنفسهم، فهي المحور الّذي يدورون حوله في حركة الحياة، فهم يفكّرون في سلامتها وراحتها، بعيداً عن أيّ هدف كبير يدفع الإنسان إلى الجهد والتّعب والتّضحية؛ فإذا فكّروا في النّصر في معركة ما، فإنَّهم يفكّرون فيه من حيث هو وسيلة للحصول على الغنائم والأسلاب، وإذا فكّروا في الهزيمة، فإنَّهم يتفادونها، لأنَّها تمثِّل خطّاً أسود في تاريخ حياتهم الذاتي، وموقفاً يسيء إلى بعض الأنانيّة الذاتيّة في مواقعهم العامّة. وهكذا، يختنقون في سجن الذات، فلا يتنفّسون هواء الإنسانية الممتدّ في رحاب اللّه. {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ}، وعلى أساس هذا المحور الّذي تدور حياتهم حوله، فإنَّهم {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}، فلا يستسلمون له استسلام العبد الواثق بربِّه، المطيع له، العالم بأنَّ اللّه لا يريد به إلا الخير، وأنَّ الشرّ عندما يطوف بحياة الإنسان، فإنَّما هو امتحان واختبارٌ منه سبحانه له؛ بل كلّ ما عندهم، هو أن يمنحهم اللّه الخير والرّزق والبركة، فإذا منع ذلك عنهم، تمرّدوا وانحرفوا، فهم لا يتصوّرون اللّه إلا من خلال منافعهم، كما أنَّهم يعملون على إثارة الشّكّ والرّيب بالنبيّ وبالإسلام إذا عرضت بعض الانتكاسات في ساحة السّلم أو الحرب، انطلاقاً من الفكرة الخاطئة التي يعتنقونها في مرادفة النّصر للحقّ، والهزيمة للشّكّ والرّيب والتزلزل...

وهكذا، كانت ظنونهم منطلقةً في الاتجاه المادّيّ للحياة، وهذا من ظنون الجاهليّة التي تبتعد عن الحقّ في خطّها الفكريّ، وفي تصوّرها عن اللّه والكون والإنسان، لأنَّ التصوّر الحقّ، هو أنَّ اللّه يجري الأمور على أساس سننه الحتميّة التي ترتكز على قاعدة أساسيّة، وهي ملاحظة المصلحة العميقة للإنسان على مستوى الامتداد الشّامل لجوانب حياته، فقد تكون هناك مصلحة في إثارة العقبات أمام شخص أو جماعة، من أجل أن يكون ذلك وسيلة من وسائل تقوية المواقف، وتركيز الشخصيّة، ونضوج التجارب، وقد تكون المتاعب في البداية سبيلاً للحصول على الراحة في النهاية، مما لا يحيط بعلمه إلا اللّه الذي عنده {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}[20].

ولذلك، نراهم يثيرون التساؤل أمام نتائج المعركة، فـ{يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ}[21]، ليسجّلوا نقطةً على النبيّ(ص) وأصحابه، عندما انطلقوا في خطّ المعركة، ولم يستمعوا إلى النصائح التي كان يقدّمها رأس النفاق في المدينة في عدم الخروج إلى القتال، فكأنَّهم يقولون إنَّه لا رأي لمن لا يُطاع، من أجل التخلّص من تحمّل نتائج العمل في طبيعة المسؤولية، لأنَّهم لم يشاركوا في اتخاذ القرار، ولولا الإحراج الّذي واجهوه من قومهم ومن النبيّ، لما شاركوا في الحرب.

ويأتي الجواب حاسماً: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}، فماذا يمثِّل هؤلاء ليكون لهم الأمر كلّه؟! إنَّهم لا يمثِّلون شيئاً في حجم القوّة والعلم والحركة، بل إنَّ الأمر للّه، فهو الذي يخطّط ويدبّر ويأمر وينهى ويوجّه رسوله والمؤمنين نحو الوقوف في وجه الكفر والطغيان، وهو الّذي يعرف ما يصلحهم وما يفسدهم، وما يضرّهم وما ينفعهم، لأنَّ ذلك كلّه بيده، فهو الّذي يملك الأمر كلّه، وإذا أراد شيئاً، فلا بُدَّ من الخضوع والطاعة والانقياد أمام إرادته.

فقد دخلوا المعركة بقلب مغلق ينطوي على الشّكّ والرّيب والنفاق، {يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ}، ولم يدخلوها بقلبٍ مفتوح ينفتح على اللّه في صراحةٍ صافيةٍ تعرف ماذا تريد، وتصارح الأخرى بكلّ شيء، حتّى لا تعيش الزّيف باسم الإخلاص، ولا تتحرّك في الشّكّ باسم اليقين؛ ولذلك، فإنَّهم يضمرون لك، يا محمَّد، الكيد والمكر والمعصية، ويظهرون لك الطّاعة والخير والإخلاص. فهم يعتبرون أنفسهم قادرين على تغيير مسير المعركة في جميع نتائجها، أو بالأحرى، قادرين على التحكّم في مصير حياة أنفسهم وموتها، فلو ترك لهم الأمر، ولم تفرض عليهم الضّغوط، لكانوا في بيوتهم التي خرجوا منها في المدينة، ولما تعرّضوا للخطر الذي تعرّضوا له الآن، وهذا ما جاء في قوله تعالى:  {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا}، وربَّما كان مرادهم أنَّهم لو كانوا ـ كمسلمين ـ على الحقّ، لانتصروا وكسبوا المعركة، ولم يخسروا ما خسروه من أرواح وأموال، كأنَّهم يريدون أن يبثّوا الرّيب والشّكّ في الإسلام نفسه، وفي نبوّة النبيّ محمَّد(ص).

ولكنّ اللّه سبحانه يواجههم بالحقيقة الكونيّة التي لا تجعل قضيّة الحياة والموت خاضعة لاختيار الإنسان بجميع أبعادها، بل هناك أوضاع وظروف قد تقود الإنسان إلى نهايته، بعيداً عن جانب الرغبات الذاتية، لأنَّ اللّه سبحانه لم يجعل الآجال تابعة دائماً لعنصر الاختيار، فربَّما تتدخّل فيها بعض العوامل غير الاختيارية {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}، انطلاقاً من الأجواء الداخليّة أو الخارجيّة التي تبعث في داخلهم الرّغبة في الخروج تحت تأثيرات غامضةٍ، كما لو كانت هناك قوّة خفيّة تسيطر عليهم وتدفعهم إلى مصيرهم المحتوم، فلا مجال بعد ذلك للتعلّل ببعض الجوانب الذاتيّة الخاصّة.

* صحيفة الوسط أونلاين العراقيّة.


[1] (آل عمران: 121ـ 122).

[2] (آل عمران: 122).

[3] (آل عمران:68).

[4] (آل عمران: 126).

[5] (آل عمران: 127).

[6] (آل عمران: 123).

[7] (آل عمران: 127).

[8] (آل عمران: 139).

[9] (آل عمران: 140).

[10] (البقرة:194).

[11] (آل عمران: 140).

[12] (البقرة:143).

[13] (آل عمران: 140).

[14] (آل عمران: 141).

[15] (آل عمران: 142).

[16] (آل عمران: 143).

[17] (آل عمران: 152).

[18] {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.

[19] (آل عمران: 154).

[20] (الأنعام: 59).

[21] (آل عمران: 154).

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية