ما هو العنوان الكبير للدّين في القرآن، من خلال ما أراد الله أن يجعله للناس جامعاً في امتداد الرِّسالات، بحيث يلتقي الرّسل عليه، ويلتزم النَّاس مضمونه، ليتوحَّدوا فيه، ويجدوا في خطوطه هويّتهم في الانتماء إلى الله والانفتاح عليه؟
الإسلام دين الله
نلتقي في هذا المجال بقول الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ}[1]، إنّه يحدّد الدّين بعنوان الإسلام، وهو بذلك يشير إلى الإسلام في بُعده الشّمولي وانفتاحه الرّوحيّ الَّذي تتمثَّل فيه الشَّخصيَّة، ويتحرّك فيه السّلوك، من خلال سعة التصوّر ـ في الأفق الفكريّ ـ الّذي يلتقي بالمطلق في التَّوحيد العقيديّ في البعد الروحيّ وفي الالتزام العمليّ، بحيث يتوجَّه الإنسان فيه إلى قوّةٍ واحدة، في خطٍّ مستقيم لا ينحرف يميناً ولا شمالاً.
وبذلك، فإنَّ كلمة "الإسلام" تشمل كلَّ خطوط الرّسالات، وليست مختصَّةً بالدّين الَّذي أنزله الله على النّبيّ محمّد(ص)، بل إنَّ ما أنزل على محمّد(ص) ـ في مضمونه الفكريّ والتشريعيّ ـ يلتقي مع هذا العنوان العام.
وقد جعل الله هذا العنوان في صلوات الإنسان كلِّها؛ هذه الكلمة التي تُمثِّل انفتاح الإنسان على الله بكلِّ وجوده، بحيث لا تكون له وجهة إلا الله، وهذا ما عبَّرت عنه الآية: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}[2]، أن يُسلم وجهه، أن يُسلم ذاته. وكلمة الوجه في الإسلام تُطلق عادةً على الذّات وعلى الكيان، بمعنى أن يستسلم الإنسان لله، بحيث لا يرى في وجوده غيره...
وقد تحدَّث الله سبحانه وتعالى عن إسلام الكون، وأنَّ كلّ ما فيه خاضعٌ له، لأنَّ الله سبحانه وتعالى هو الَّذي رتَّب كلَّ نُظمه وأبدع كلَّ قوانينه، سواء كان في حركة الوجود والتّكوين، أو في حركة وجود الإنسان والحيوان، وهو قول الله سبحانه وتعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}[3]، فكلّ من في السَّموات والأرض أسلم لله، باعتبار أنَّ حركة وجوده في كلِّ عناصر حياته خاضعة لله سبحانه وتعالى.
أمَّا كيف نتمثّل هذا العنوان، فإنّنا نتمثَّله بالانفتاح على الله في كلِّ شيء، بأن يجعل الإنسان حياته كلَّها لله، فيما يأمره به، أو ينهاه عنه، أو يقوده إليه من أهدافٍ كبيرةٍ في الحياة. وبذلك، لا بدَّ له من أن ينفتح على كلّ الرّسالات ويصدّق بها كلّها، فلا يخضع لعصبيَّة عمياء تحجب عنه إشراقة الحقّ، فتؤدِّي به إلى العناد والاستكبار والبعد عن الطريق المستقيم، فينكر ـ من خلال ذلك ـ الحقائق الواضحة الَّتي لا سبيل إلى إنكارها، ويتنكَّر للبيِّنات الَّتي لا مجال للشكّ فيها. وهذا يشمل كلَّ ما جاء به الرّسل، لأنَّ كلّ رسالة إنّما تمثّل الخطّ الّذي يريد الله للناس أن يسيروا عليه في مرحلتها المحدودة، الأمر الَّذي يجعل الإسلام متمثلاً فيها، لأنَّ السير عليها مصداق للاستسلام والخضوع لإرادة الله سبحانه.
أمَّا إذا انتهت هذه المرحلة لتبدأ مرحلة جديدة، من خلال رسالة جديدة ورسول جديد، فإنَّ الإسلام يتمثَّل في السَّير على خطّ هذه المرحلة الجديدة، ويكون البقاء في تفاصيل الخطّ الأوَّل الّذي يختلف معها، منافياً للإسلام في مدلوليه الرّوحيّ والعمليّ، فالإسلام هو صفة كلّ الأديان، ولكن في نطاق المرحلة الّتي يتَّسع لها كلّ دين فيما حدَّده الله له من مراحل زمنيَّة محدودة.
الإسلام قول وعمل
وقد جاء في نهج البلاغة عن الإمام عليّ(ع) أنّه قال: "لأنسبنّ الإسلام نسبةً لم ينسبها أحدٌ قبلي؛ الإسلام هو التّسليم، والتّسليم هو اليقين، واليقين هو التّصديق، والتّصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل"[4].
هذا القول يؤكِّد أنَّ مسألة الإسلام ليست مسألة خضوع واستسلام شكليّ يتحرَّك بطريقة آليّة لا روح فيها ولا عمق، بل هي انفعال النّفس بالفكرة والخطّ، بحيث تنحني كلّ حالة ذاتيَّة أمامها، وذلك من خلال اليقين الَّذي يمثّل وضوح الرّؤية للأشياء، ووعي الفكر للعقيدة. أن يتحرك الإنسان من موقع الاقتناع الَّذي تخضع فيه الذّات لكلّ المعطيات والمتطلّبات، ما يجعله يستسلم استسلاماً إراديّاً واعياً منفتحاً، بحيث يعرف ما يريد وما لا يريد، لا مسألة استسلام أعمى خاضع للإرث التقليديّ والانفعال العاطفيّ. وإذا كان اليقين هو حالة العلم الّذي يكشف مفردات الحقائق، فلا بدَّ من التّصديق الَّذي يجعل العلم متجذِّراً في الذّات من موقع الاعتقاد القلبيّ، بحيث يجعل العقيدة من خصوصيّات الذّات في الحسّ والشّعور.
وإذا تحقَّق التَّصديق، فإنّه يجتذب الإقرار الَّذي يعني الانتماء إلى الفكرة من موقع الإقرار بها والإعلان عنها، لأنَّ القناعة بالانتماء تؤدِّي إلى شجاعة الاعتراف بمقتضاه، وهكذا يتحوَّل الإقرار الَّذي يمثِّل الالتزام الجدّيّ الواضح الصَّريح، إلى التزامٍ بالمسؤوليَّة وبالأداء الحركيّ الّذي هو العمل في مظهره الحيّ، وهو الطّاعة بامتثال أوامر الله ونواهيه.
ومن خلال ذلك، نعرف أنَّ الإسلام ليس كلمةً مجرّدة، وليس عملاً جامداً، بل هو كلمة حيّة فاعلة تنطلق من عقيدةٍ صادرةٍ عن اقتناع عميق، وموقف يتحرّك في خطّ الالتزام بالمسؤوليَّة وحركة العمل. إنَّ مسألة الإسلام هي مسألة روحٍ في معنى الذّات، والتزامٍ في خطِّ العمل، وعلمٍ في آفاق الإيمان.
أساس خلافات أتباع الأديان
ثمّ يتابع القُرآن الكريم: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}[5]، فقد ابتعدوا عن روحيَّة الإسلام، واستسلموا للعوامل الذاتيَّة في تعاملهم مع خطِّ العقيدة والعمل، فانطلقوا بروحيَّة البغي والعدوان، يثيرون الخلافات الَّتي تفرِّق النّاس عن الحقّ، من دون أن يكون لهم أساس من شبهة فكريَّة أو قاعدةٍ علميَّة، بل المسألة على العكس من ذلك، فهم يعرفون الحقّ، ويعلمون ما جاء في كتاب الله الّذي أنزله الله على موسى وعيسى(عليهما السَّلام).
وذلك هو أساس التفرُّق في ما يتفرّق به أهل الأديان وأهل المذاهب في الدّين الواحد، فهم لا يُسلِمون فكرهم وعقلهم لله عندما يتناقشون، ليجدوا الانفتاح الّذي لا مجال معه للانغلاق على روح العصبيَّة العمياء، ولو أسلموا أنفسهم لله، لانطلقوا إلى البحث عن الحقيقة، وتعاونوا على فهمها لإزالة الغموض عنها، بحيث يتسابقون إلى اللّقاء عليها، بدلاً من التَّسابق إلى الوقوف عند الحدود الَّتي كانوا فيها، من دون أيّ رغبةٍ في التقدّم إلى موقف الآخر أو إلى منتصف الطَّريق، حيث تنتظرهم الحقيقة هناك.
وبذلك، فإنَّ المشكلة في الخلافات الدّينيَّة ـ في أغلب الحالات ـ روحيَّة ونفسيَّة أكثر منها فكريَّة وعلميَّة. ونحن نعرف أنَّ الوصول إلى القناعات المشتركة، يفرض إزالة الحواجز الَّتي تمنع من اللّقاء، وتدفع إلى التعصّب والعناد، ولن يكون ذلك إلا إذا فتح الإنسان قلبه لله، في روحيَّة المؤمنين الَّذين يقولون: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}[6].
ثمّ يعقِّب تعالى بقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[7]، لأنَّ الكفر لا ينطلق من قاعدةٍ فكريّة يُعذَر فيها الإنسان، بل ينطلق من الخضوع للجهل والبغي الَّذي يدفعه إلى الاعتداء على الآخر، ومن العناد الَّذي يدفعه إلى إنكار وحي الله وآياته الّتي أنزلها على رسله، وشرائعه التي ألقاها على أنبيائه وألهمهم تفاصيلها. وربّما كان من هذه الآيات، ما ورد في الكتب السّماوية السّابقة من أوصاف النّبيّ محمّد(ص) وعلاماته الدالّة على نبوَّته، مما بقي من تراث اليهود والنّصارى، وقد أنكرها هؤلاء بغياً وحسداً، للمحافظة على أوضاعهم وامتيازاتهم الّتي حصلوا عليها بفعل التراكمات التاريخيّة في حركة السلطة والرّئاسة في مواقعهم المختلفة. ولذلك، فإنَّ الله سيحاسبهم حساباً عسيراً، وفي ذلك إيحاء بأنَّ على الإنسان أن يركِّز قناعاته على أساسٍ متينٍ من الحجّة والبرهان، ليستطيع الدِّفاع عنها والاحتجاج بها أمام الله عندما يقف للحساب بين يديه، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا}[8].
{فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}[9]، فهذا هو الَّذي ينبغي أن يعلنه النّبيّ للنّاس كافّةً، لأنَّ ذلك هو سبيل الانفتاح الواعي على الحقّ الآتي من الله في موقع الجدال والنّـزاع، وهذا ما أراد الله لنبيِّه أن يعلنه لكلِّ من يحاجّه، وهو الَّذي أسلم وجهه لله من خلال إسلامه الرّوحيّ والعمليّ، كما أسلم أتباعه وجوههم لله من خلال التزامهم بخطّ الرّسالة والرّسول، الَّذي هداهم إلى العقيدة الحقَّة والخطِّ الصَّحيح.
دعوة إلى الحوار الموضوعيّ
وفي ضوء ذلك، تنطلق الدَّعوة إلى الحوار العلميّ الموضوعيّ، الَّذي يرتكز على الحجّة والبرهان لكلّ الّذين يختلفون مع المسلمين في الدّين أو في الرأي أو في أيّ جانب من جوانب وعي الحقيقة المتحرِّكة في الحياة، من دون أية عقدةٍ ذاتيَّة أو مشكلة نفسيَّة، لأنَّ المسألة عندهم هي أنَّهم أسلموا وجوههم لله، فهو الَّذي يتوجَّهون إليه بعقولهم، لتكتشف ـ من خلال هدايته ـ الحقيقة، كلّ الحقيقة، في قضايا العقيدة والحياة.
ويبقى أنَّ على الآخرين الاستجابة لهذه الدَّعوة الإنسانيَّة الحضاريَّة الحواريَّة، من أجل الانطلاق نحو الموقف الواحد المرتكز على العقل الواعي والفكر الصَّحيح. وهذا هو المنطق الّذي أراد الله لنبيِّه وللمسلمين أتباعه أن يخاطبوا به أهل الكتاب، ليقودهم إلى إسلام وجوههم لله كما أسلم النَّبيّ ومن تبعه وجوههم لله، ليلتقي الجميع على الإسلام الَّذي يمثِّل روحيَّة البحث عن الحقيقة من خلال الفكر والحوار.
{وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ}، وهم ـ أيّ الأمّيّون ـ المشركون، لأنهم لم يملكوا كتاباً سماويّاً حتى يكون حافزاً لهم على تعلّم القراءة والكتابة ـ كما قيل ـ. قل لهم، مما تثيره أمامهم من البيِّنات والحجج على أحقيَّة الرِّسالة: {أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ}، واستجابوا لك في طريقة الحوار الخالي من التَّعقيد والتعصّب، وفي مواجهتهم الحقائق بروحٍ منفتحةٍ خاشعةٍ لله ولآياته، {فَقَدِ اهْتَدَواْ} إلى الجوِّ الطَّاهر الَّذي يهديهم إلى الحقّ في اتّباع سبيلك، في ما بلّغت وفي ما هديت إليه.
{وَّإِن تَوَلَّوْاْ}، وأعرضوا وانطلقوا يكيدون لك في خطّ العناد والاستكبار، فلا تحزن ولا تتعقَّد، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ}، وتلك هي مسؤوليَّتك الَّتي قمت بها خير قيام، وأمّا الحساب، فليس من مسؤوليَّتك، فقد أدَّيت ما عليك من واجب الإبلاغ والإنذار، وانتهت مهمَّتك عند هذا الحدّ، من خلال صفتك كرسولٍ يبلّغ رسالة الله، {وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[10]. ويبقى لله أن يواجههم بنتائج أعمالهم، فإنَّه بصير بعباده في كلِّ شيء.
أسلوب المواجهة
وقد نستوحي من ذلك، سبل مواجهة بعض الفئات الَّتي ندخل معها في قضايا الحوار، فإنَّ من الضَّروريّ لنا أن نواجه الموقف ـ في داخل وجداننا ـ من موقع الإسلام لله الَّذي يجعل الإنسان يتقدَّم إلى الحوار من خلال الرّوح الطيّبة النقيّة النّظيفة الَّتي أسلمت فكرها لله، لا من خلال الأفق الضيِّق الَّذي يقوده إلى التعصّب الأعمى، لأنَّنا نلاحظ في هذا المجال، أنَّ الدّعاة إلى الله قد يتحركون من موقع العقدة الذاتيَّة ضدَّ خصومهم، فيمارسون بعض الأساليب الّتي لا تتَّفق مع خطِّ الإيمان وأسلوبه العمليّ في الحوار، فيسيئون إلى الفكرة من حيث يخيَّل إليهم أنَّهم يحسنون صنعاً.
ولذلك، لا بدَّ لهم من أن يرتفعوا إلى مستوى هذا الأسلوب الَّذي يعلن فيه الرّسول إسلامه لله من موقع الحاجة إلى تأكيد هذا الإسلام في العقيدة والموقف والحوار، ثم يبدأ الحوار من هذه القاعدة، ليثير السؤال أمامهم عن وصولهم إلى القناعة الّتي تقودهم إلى إسلام الوجه والقلب واللّسان والعمل لله، مستخدماً في ذلك كلَّ الوسائل التي تقودهم إلى الهداية، فإن لم يهتدوا بعد استنفادها، فلا مجال للتّعقيد والانفعال أو السّباب، وغيرها من الأساليب الّتي تعبّر عمّا في الذّات من الحالات الانفعاليَّة، بل على الإنسان أن ينسحب بكلِّ هدوءٍ، ويترك الآخرين لضلالهم بعد أن أقام عليهم الحجَّة، فقد أدَّى واجبه، لأنَّ خطَّ الدَّعوة إلى الله يتمثَّل في إقناع الآخرين بالحقّ، أو في إقامة الحجَّة عليهم، فإذا بلغ أحدهما، فقد انتهت مهمَّته.
ملامح الخطِّ الإبراهيميّ
وهكذا نواجه كلمة الإسلام في كلِّ الرّسالات، فكلّ رسول يأتي بالإسلام، لأنّه يدعو إلى أن يُسلم النّاس أمرهم لله، وأن يخضعوا ويستسلموا له، فليس هُناك أمرٌ إلا أمره، وليس هُناك طاعة إلا له، وليس هناك عبادة إلا عبادته.
ونقرأ في القرآن الكريم أنَّ إبراهيم(ع) هو الَّذي عمد إلى تطبيق هذه العنوان الكبير ـ عنوان الإسلام ـ على نفسه وعلى أبنائه، فعندما بدأ إبراهيم(ع) ومع ابنه إسماعيل(ع) في بناء البيت ورفع قواعده، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}[11]، لم تكن عمليَّة البناء لتشغله عن التّفكير، فكانا يرفعان القواعد، ويبتهلان إلى الله، ويقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}[12]؛ نحن نبني بيتاً لك ليعبدك النّاس فيه، وأنت أمرتنا بذلك في قولك: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[13]، {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[14]، الَّذي تسمع دُعاءنا وتعلم ما نحتاجُ منه.
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}، فهما يبتهلانِ إلى الله أن يرزقهما الإسلام؛ إسلام العقل، حتّى لا يتحرك العقل إلا بالحقّ، وإسلام القلب، حتى لا ينفتح القلب إلا على الخير، وإسلام الوجه، حتى لا يتوجَّه الإنسان إلا إلى ما يُرضي الله، وإسلام الحياة كُلِّها، حتى لا يتحرّك الإنسان إلا بطاعة الله، {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}، فهما لا يفُكِّران في أنفسهما فقط، ولكنَّهما يفكِّران في ذريّتهما، فهما لا يريدان لها أن تنحرف عن طريق الله سبحانه وتعالى، بل يريدان أن يعمِّقا الإسلام الَّذي عاشاه في حياتهما، وطلبا من الله أن يحقِّقه بالعمق في كيانهما، ويريدان لذريَّتهما أن تكون أمّةً مسلمة، لتكون مجتمعاً مُسلماً في الأبناء والبنات وكلّ الأهل.
وهذا ما ينبغي لنا أن نفكِّر فيه، وهو أن ننفتح على المستقبل، عندما ننفتح على الرّغبة في أن يرزقنا الله الذريَّة؛ أن نطلب من الله أن يجعل من ذريّتنا أمّةً مُسلمة، وأن يُحقِّق فيها المجتمع المسلم.
{وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا}، يعني فروض العبادة في الحجّ، {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[15]. ونحن نعرف أنَّ التّوبة عندما تصدر عن الأنبياء المعصومين، فإنّها تمثِّل التَّواضع لله، وتمثِّل الخضوع له، وهم يقفون بين يديه كما يقف العبد أمام سيِّده؛ يتضرَّع إليه، ويرجع إليه، حيث تمثِّل التّوبة خطَّ الرّجوع إلى الله، وخطَّ الإخلاصِ له، وخطَّ الانفتاح عليه.
ثم يفكِّران في المستقبل البعيد، عندما يُعمر هذا البيت ويتحوَّل ما حوله إلى قريةٍ أو إلى مدينة، فإنَّ أهلها سيحتاجون إلى الموعظة، وإلى الإرشاد، وإلى الدَّعوة إلى الإسلام لله سبحانه وتعالى، ولذلك يتطلَّع إبراهيم(ع)، ومعه إسماعيل(ع)، إلى رسولنا محمَّد(ص)، وهو من أولادهما، فالنبيّ(ص) ينتمي إلى إبراهيم وإسماعيل، فيطلبان من الله سبحانه وتعالى أن يبعث في هذه الأمَّة المسلمة رسولاً منهم، {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ}، فيما تُنـزله عليه من الوحي، {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، والكتاب هو القرآن، والحكمة هي الخطّ التنفيذيّ الّذي يعرف فيه كلّ إنسانٍ كيف يضع الأشياء في مواضعها، {وَيُزَكِّيهِمْ}، يطهِّر عقولهم من الباطل، وقلوبهم من الشرّ، وحياتهم من المعصية، {إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}[16].
التمسّك بملّة إبراهيم
ثم يركِّز الله سبحانه وتعالى على هذا الخطِّ الإبراهيميّ، فيقول: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ}، أي أنَّ الشَّخص الَّذي يبتعد عن ملَّة إبراهيم، وينحرف عنها، ويتّخذ لنفسه طريقاً آخر وملّةً أُخرى، وذلك بأن يُشرك بعبادة ربّه، ويتمرَّد عليه، ولا يُسلم أمره إليه، إنَّ هذا يمثِّل السّفه كلَّ السّفه، لأنَّ السّفيه هو الَّذي يتصرَّف بما يُبعده عن خطِّ الصَّلاح، ويقرِّبه من خطّ الفساد، ممن يتحرَّك في خطِّ الخسارة ولا يتحرَّك في خطّ الرّبح. ولذلك، فإنّ الّذي يترك ما فيه نجاته وما فيه سلامة مصيره في الدّنيا والآخرة، هو الإنسان الّذي سفه نفسه، وكان نموذجاً للسَّفيه.
{وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا}، أي اخترناه ليكون نبيّاً وإماماً ورسولاً، وليكون داعيةً إلى الله سبحانه وتعالى، {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[17]، باعتبار أنَّ الله يحشره في مجتمع الصَّالحين من {النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً}[18].
وهُنا نكتشف البداية، {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ}[19]، وقد كان إبراهيم(ع) مسلماً منذ طفولته. وإذا كان القرآن يتحدَّث عن أنَّ إبراهيم(ع) تدرّج في مسألة الإيمان، عندما رأى كوكباً فقال هذا ربي، ثم تراجع عن ذلك، وعندما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي، ثم تراجع عن ذلك، وعندما رأى الشَّمس بازغةً قال هذا ربي ثمّ تراجع عن ذلك، وطلب من الله الهداية بقوله: {لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ}[20]، لكن هناك من يقول إنَّ إبراهيم عبّر بهذا الأسلوب عن قلقه، وعن مواجهته لهذه الاحتمالات.
ولكنَّ الرأي الأقرب، هو أنَّ إبراهيم(ع) كان يطرح هذه الأمور أمام قومه في عملية مناقشةٍ لهم، وذلك بأن يظهر أمامهم بأنّه يعيش فكرةً ثم يسقطها، ليستمع إليه قومه في ذلك، لأنَّ إبراهيم كان منذ البداية مسلماً، وهذا ما كان ملاحظاً في طفولته، حيث كان يذهب إلى دار الأصنام، وكان يكسر هذه الأصنام، وأُتي بإبراهيم واتّهم بذلك، {قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا...}[21]، {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}[22].
حوار إبراهيم مع أبيه
وهذا ما قصَّه الله سبحانه وتعالى علينا في سورة مريم، حيث كان إبراهيم(ع) يخاطب أباه وهو في سنّ مبكرة: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً}[23]، إنه يتحدَّث معه ويقول له: أنت تعبد حجارةً لا تملك شيئاً من الحسّ، ولا تملك شيئاً من الوعي، ولا تملك أيّ سرٍّ يمكن أن يجعل منها شيئاً يحترمه الإنسان العاقل لينطلق إلى عبادته. {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ}، هب أني لا أزال صغيراً، وأنّك أبي الكبير، ولكنّ المسألة في قضايا الوعي وفي قضايا العلم لا تخضع للسنّ، فقد يعلِّم الصَّغير الكبير، إذا كان يملك من العلم ما لا يملكه الكبير، {فَاتَّبِعْنِي} في هذا العلم الَّذي أملكه، والَّذي يفتح عقلك على توحيد الله والإيمان به وعلى الحق كلِّه.
{أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}[24]، لا ينحرف عن خطِّ الحقّ وخطِّ الرّشد، {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ}، فهو الّذي يقودك إلى هذه العبادة، لأنّه لا ينصح الإنسان ولا يريد له الصَّلاح، بل يريد أن يبعده عن خطِّ السَّلامة في الآخرة وفي الدنيا، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً}[25]، وإذا عصى ربّه، فكيف يمكن أن يثق الإنسان به؟ {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن}[26]، لأنَّك إذا أشركت بالله غيره، فإنَّك سوف تواجه عذاب الله في سخطه، وفي كُلّ البُعد عن مواقع الرّضا. وهو لم يناقش ولده، ولم يدخل معه في حوار.
{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ}، لا بدَّ للأبناء من أن يتَّبعوا ما عليه آبائهم، وأن يرغبوا فيما رغبوا فيه، وقد رغبت أنا في عبادة الأصنام، وأنت تعبِّر عن رغبتك في الابتعاد عن آلهتي، إذاً، {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ} عن هذا العمل، {لَأَرْجُمَنَّكَ} بالحجارة، {وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً}[27]، اخرج من بيتي. {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ}، هذا هو الأدب الإسلاميّ الإيمانيّ الّذي يؤدّب به المسلم المؤمن في مواجهته لكلّ الذّين يمارسون العُنف معه، سواء كان عنفاً في الكلمة أو في السّلوك، {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي}، أن يهديك سواء السَّبيل، {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً}[28]، إنه كان يحبّني ويقرِّبني إليه، {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} من الأصنام، {وَأَدْعُو رَبِّي} ليحقّق لي الهداية والسّعادة في الدّنيا والآخرة، {عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً}[29].
فنحن نقرأ في كلِّ هذا الحوار بين الابن وأبيه، أنَّ إبراهيم كان منذ طفولته مسلماً ومؤمناً، وبذلك عندما قال له ربّه أسلم، فإنَّ الله لم يرد أن يختبره، وإنما أراد له أن يُظهر التزامه بالإسلام ليلتزمه الآخرون، ليكون المنطلق للخطّ الإيمانيّ الإسلاميّ في هذا المجال.
إعلان الإسلام
ولذا نستوحي مما تقدَّم، أنَّ ما طلبه الله من إبراهيم في إعلان إسلامه، {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[30]، إنّما هو ما أراده الله سبحانه أن يعلنه. وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}[31]. وقد حدَّثنا الله سبحانه وتعالى عن النّبيّ(ص) في أكثر من آية: {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ}[32]، يعني أنّني لست من الّذين يدعون النّاس إلى الالتزام بخطٍّ ولا يلتزمون به، بل أكون أوّل الملتزمين به، {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}[33]، أعلن إسلامك في هذا المجال، وفي آيةٍ أخرى: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[34]، وفي آيةٍ أخرى: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[35].
ويُتابع القرآن المسألة في إعلان المسلم إسلامه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[36]. حتى إنَّنا نجد ذلك في حوارنا مع أهل الكتاب، وذلك حيث يقول تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[37].
وهكذا نعرف كيف أنَّ الأنبياء يطلبون من الله أن يتوفَّاهم على الإسلام، وأن يستمروا في التزامهم الإسلامي. فيقول تعالى على لسان إبراهيم(ع): {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[38]. ثم نلاحظ أنّ إبراهيم(ع) عندما أعلن إسلامه، أراد لإسلامه أن يمتدَّ في نسله، كما في دعائه عند رفع القواعد من البيت: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[39]، أسلموا في حياتكم، وليستمرّ هذا الإسلام لتنهوا حياتكم عليه.
وقال تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}، كان يعقوب في حال الاحتضار ـ وأراد أن يطلق وصيَّته الأخيرة لأبنائه: {إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي}، فأنا أريد أن أطمئنّ ألا تعبدوا الأصنام، {قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[40]، نسلم لله سبحانه وتعالى، فهذا هو خطّنا المستقبليّ.
إخلاص إبراهيم(ع) للرِّسالة
ثم إنّ الله سبحانه وتعالى يتحدّث عن إخلاص إبراهيم(ع) له سبحانه وتعالى وإسلامه له، وهو الَّذي انطلق من موقعٍ إلى موقع، وقام بما أراده الله منه، وواجه طاغية زمانه النّمرود، عندما {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}[41].
وهكذا نلاحظ أنَّ إبراهيم(ع) واجه قومه بكلّ قوّة، حتى لم يجدوا أيّة وسيلة لردعه إلا أن هيّأوا له ناراً وألقوه فيها ليحرقوه، لكنَّ الله سبحانه وتعالى قال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[42].
وهكذا تحدَّث الله عن إبراهيم أنّه كان أُمّةً، بحيث إنّه كان يمثِّل الأمَّة كلّها؛ الأمّة المسلمة المنفتحة على الله، فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ}، مطيعاً عابداً له، {حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[43].
وهكذا، نجد كيف أنَّ إبراهيم(ع) كان النّبيّ الَّذي أعطى الإسلام حركيَّته في كلّ دعوات الأنبياء. ولذلك، فإنّ الله سبحانه وتعالى أراد لهذا الخطّ الإبراهيميّ أن يكون خطّاً للإسلام كلّه وللرّسالات كلّها، ونحن نقرأ في القرآن الكريم: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ}[44]. فهذه التَّسمية الّتي نتشرّف بها ونلتزمها، انطلقت من إبراهيم(ع)، فملَّة الإسلام في معناه التّوحيدي الّذي ينفتح فيه الإنسان بكلّه على الله، انطلقت من إبراهيم، وامتدَّت حتى وصلت إلى مواقع هذا الدّين الّذي جاء به رسول الله(ص).
وهكذا لا بدَّ لنا من أن ننطلق في هذا الاتجاه، ونقرأ: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}، أي كان مستقيماً مائلاً عن الخطّ المنحرف، {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}[45]، صديقاً، لأنه كان في المرتبة العليا من علاقته بالله ومحبَّته له وإيمانه به.
*ندوة الشام الأسبوعية، فكر وثقافة
[1] (آل عمران: 19).
[2] (لقمان: 22).
[3] (آل عمران: 83).
[4] نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 4، ص 30.
[5] (آل عمران: 19).
[6] (آل عمران: 8).
[7] (آل عمران: 19).
[8] (النحل: 111).
[9] (آل عمران: 20).
[10] (آل عمران: 20).
[11] (البقرة: 127).
[12] (البقرة: 127).
[13] (الحج: 26).
[14] (البقرة: 127).
[15] (البقرة: 128).
[16] (البقرة: 129).
[17] (البقرة: 130).
[18] (النساء: 69).
[19] (البقرة: 131).
[20] (الأنعام: 77).
[21] (الأنبياء: 59).
[22] (الأنبياء: 63).
[23] (مريم:41، 42).
[24] (مريم: 43).
[25] (مريم: 44).
[26] (مريم: 45).
[27] (مريم: 46).
[28] (مريم: 47).
[29] (مريم: 48).
[30] (البقرة: 131).
[31] (الزمر: 12).
[32] (الأنعام: 14).
[33] (آل عمران: 20).
[34] (يونس: 72).
[35] (الأنعام: 163).
[36] (فصّلت: 33).
[37] (آل عمران: 64).
[38] (الأنعام: 162، 163).
[39] (البقرة: 132).
[40] (البقرة: 133).
[41] (البقرة: 258).
[42] (الأنبياء: 69).
[43] (النحل: 120 ـ 122).
[44] (الحج: 78).
[45] (النساء: 125).