تفسير يوسف(ع) لرؤيا الملك

تفسير يوسف(ع) لرؤيا الملك

كان الشَّعب في حالة حيرةٍ وذهولٍ من منام الملك، وكانوا يتهرّبون من الدّخول في الاحتمالات المفسّرة الّتي لا ترتكز على أساس. ولكنَّ السَّاقي الّذي كان سجيناً مع يوسف، بادر إلى أن يجد التَّفسير الواقعيّ للمسألة العامَّة، كما وجدها في تجربته وتجربة صاحبه، وأدرك أنّه ربّما يجد الحلّ عند يوسف الّذي قال له عند خروجه من السّجن، {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}[1].

السّاقي يتذكّر يوسف(ع)

ولذلك، ذكر أمام النّاس الحائرين بكلّ ثقةٍ وعزم وتصميم، أنّ الحلّ سيكون عنده، لأنّه يعرف أنَّ يوسف ـ وحده ـ في هذا المجتمع القادر على تفسير الأحلام بواقعيَّة، فقال لهم: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}[2]، من خلال الوسائل الخاصَّة الّتي أملكها، والسرّ الذي أحتفظ به، لأنَّ هناك شخصاً لا تعرفونه، وأنا الوحيد الّذي أعرفه، هو الّذي يملك من معرفة تفسير الأحلام ما يكشف عن المستقبل، كما لو كان يستشرف الغيب من خلال الحُلُم، فقد عشتُ التَّجربة الحيَّة معه، إذ فسَّر لي رؤيا سابقة عندما كنت سجيناً، وها هي حياتي كلّها شاهد صدق على صحّة تفسيره.

وهكذا أرسله الملك وخاصّته، بعد أن أعوزه الخبير الَّذي يكشف له حقيقة الموقف، ووقف هذا السَّاقي عند يوسف، وربما اعتذر إليه من نسيان ذكره عند الملك، فبادره بالسّؤال عن الحلم الغريب، وربما عرَّفه أنّه مرسلٌ من قِبَل الملك، وقال له: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}، الذي عرفنا صدقه الّذي لا مثيل له في صحبتنا له في السّجن، {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}[3]، أيّ رمز هو هذا الرّمز؟ وأيّ سرّ يختفي خلف هاتين الظّاهرتين؟ وأيّ معنى هذا المعنى فيما تحتويه المعاني؟ وما هي دلالاته بالنّسبة إلى المستقبل ومخاوفه الواقعيّة في أوضاع النّاس؟ فقد عجزنا عن فهمه، وعاش الجميع في حيرةٍ من أمر ذلك، وتحوَّل الأمر إلى ما يشبه القلق على المستقبل، بعد أن رفض الملك فكرة أنّها أضغاث أحلام، وأنّها لا تخفي أسراراً، كما قال له أصحابه الّذين بادروه بهذه الفكرة، وكلّنا مشدودون إلى تفسيرك، ومتلهّفون إلى إجابتك، فأعطنا الجواب الحاسم.

تفسير الحلم

{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً}، فهذا ما ترمز إليه البقرات السِّمان، وتتابعون الزّراعة من غير انقطاع، {فَمَا حَصَدتُّمْ} من نتائج هذا الزّرع، فلا تستهلكوه في طعامكم وتقضوا عليه من خلال حاجاتكم، {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ}، واحفظوه بطبيعته للمستقبل، لئلاّ يتلف أو يهلك، ولا تتصرّفوا فيه، {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ}[4]، من خلال حاجاتكم الضّروريّة الَّتي تمثّل ضرورات الحياة ممّا تحتاجونه في الغذاء، باقتصادٍ مدروسٍ محدودٍ لا يستهلك الثّروة الزراعيّة الكبرى.

{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ}، بحيث تمنع الأرض بركاتها، ويفقد الفلاحون إمكاناتهم الزّراعيَّة من خلال الجدب الّذي يصيب الأرض، فلا تجدون ما تأكلونه أو ما تعتاشون منه، فتعمدون إلى ما اخترتم من حصاد الزّرع لتقتاتوا منه، فلا يبقى منه شيءٌ بفعل هذه الحالة العقيمة من الجفاف والجدب الّتي تتحوَّل إلى حالة مجاعةٍ في الأكل، وحَرَجٍ في حاجاتكم الضّروريّة، وشدّة في ضغط الواقع عليكم في أكثر من جانب يتّصل بأوضاعكم الخاصّة والعامّة، الأمر الذي يجعل النّاس يأكلون كلّ شيء تحت أيديهم.

{يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ}[5]، وتدّخرون وتحتفظون به من القليل القليل، كأنَّ هذه السّنين سباعٌ ضاريةٌ تتهجَّم على النّاس لافتراسهم وأكلهم، فيقدِّمون إليها ما ادّخروه من الطّعام، فتأكله لتنصرف عنهم.

وبذلك، تصبح البقرات السِّمان رمزاً لسني الرّخاء، أمَّا البقرات العجاف، فهي رمز لسني الشدّة، وكذلك الحال بالنِّسبة إلى السّنبلات الخضر والسّنبلات اليابسات.

 {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}[6]، فيأتيهم الغوث بالمطر الّذي يروي الأرض، ويغذّي الينابيع، ويرفد الأنهار، فتخصب الأرض بالنّماء، ويخضرّ الزّرع، ويؤتي أكله في كلِّ موسم، وينصرف النَّاس إلى استغلال خيرات الأرض بعصر الثّمار وصناعة الدّهن والشّراب وغير ذلك، وتنكشف الغمّة عن النّاس، وترجع الحياة الرخيَّة إلى طبيعتها، بعيداً عن كلّ العوامل الطّارئة التي تمنع الأرض خصبها والسَّماء بركاتها.

تفسيرات محتملة

وربّما احتمل بعض المفسّرين ألا يكون يوسف في موقف المفسّر للحلم الّذي رآه الملك بشكلٍ مباشر، بل كان في موقف الموجِّه إلى ما يجب أن يفعله في السّنين السّمان والعجاف، ولهذا كان خطابه للجميع أن يزرعوا دأباً، ثم أمرهم بأن يذروه في سنبله، وألا يستثنوا إلا القليل ممّا يأكلونه، وبأن يدّخروا منه في السنوات العجاف القليل مما يحصّنونه، ثم ينتهي بعد ذلك الكابوس، فلا يحتاجون بعد ذلك إلى ممارسة أيِّ تحفّظٍ غير عاديّ.

وهذا توجيهٌ قريب إلى الجوّ التّعبيري في الآيات، وربّما قصد من ذلك الإيحاء بأنّه يملك الخطّة التي تنظّم لهم اجتياز الأزمة الخانقة في زمن الشدّة، عبر تحقيق التّوازن في زمن الرّخاء، كوسيلةٍ للدّخول إلى الواقع الاجتماعيّ من موقع قوّة.

ولكنَّ هذا الاحتمال لا دليل عليه، أوّلاً: لأنّه لم يعهد في مصر، في تلك المرحلة على الأقلّ، وجود مشكلة زراعيّة خانقة مطبقة. وثانياً: لأنّ يوسف لم يكن من الشخصيّات الاقتصاديّة في ذلك الوقت، ليرجع إليه في دراسة الحلّ الواقعيّ للأزمة. وثالثاً: لأنّ السّياق الذي تفرضه الآية، هو أنَّ المسألة كانت منطلقةً من تفسير رؤيا الملك، ولم تكن لشيءٍ آخر، ولذلك، بادر ساقي الملك إلى أن يلجأ إلى يوسف في هذا التَّفسير.

وجاء هذا السَّاقي بهذا التّفسير الاقتصاديّ الّذي يوضح الأمور المستقبليَّة، انطلاقاً من الأطروحة الّتي قدَّمها يوسف في تفسيره الرّؤيا إلى الملك الّذي كان يملك عقلاً اقتصادياً، وكان يعيش الحذر من المستقبل الّذي كانت تمرّ به مصر بين وقتٍ وآخر ممّا كان يخاف من نتائجه.

وربّما أثار كلام يوسف في وجدان الملك الإحساس بخطورة الوضع الاقتصاديّ القادم في حياة النّاس مستقبلاً، إذ سيتراوح وضعهم بين التّخمة والمجاعة، كما يبيّن هذا الحُلُم الغريب في تفسير يوسف، وربّما شعر بأنَّ الرّجل الّذي أعطى التّفسير لهذا الحُلُم، يملك فكراً عميقاً، وذهناً منفتحاً، وخبرةً اقتصاديّةً، بحيث أثار ذلك في نفسه الرّغبة في التعرّف إليه وإلى ملكاته وخبراته، وربّما الاستفادة منه والاستعانة به في مواجهة المشاكل الَّتي يمكن أن تطرأ مستقبلاً، ولعلّه ربط بين تفسير هذا الحلم في هذا الاتّجاه، وخبرته في هذا المجال. وهكذا أبدى الملك رغبته في استقدامه إليه وإخراجه من ظلام السّجن. والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشام الأسبوعية، فكر وثقافة


[1]  [يوسف: 42].

[2]  [يوسف: 45].

[3]   [يوسف: 46].

[4]  [يوسف: 47].

[5]  [يوسف: 48].

[6]  [يوسف: 49].

كان الشَّعب في حالة حيرةٍ وذهولٍ من منام الملك، وكانوا يتهرّبون من الدّخول في الاحتمالات المفسّرة الّتي لا ترتكز على أساس. ولكنَّ السَّاقي الّذي كان سجيناً مع يوسف، بادر إلى أن يجد التَّفسير الواقعيّ للمسألة العامَّة، كما وجدها في تجربته وتجربة صاحبه، وأدرك أنّه ربّما يجد الحلّ عند يوسف الّذي قال له عند خروجه من السّجن، {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}[1].

السّاقي يتذكّر يوسف(ع)

ولذلك، ذكر أمام النّاس الحائرين بكلّ ثقةٍ وعزم وتصميم، أنّ الحلّ سيكون عنده، لأنّه يعرف أنَّ يوسف ـ وحده ـ في هذا المجتمع القادر على تفسير الأحلام بواقعيَّة، فقال لهم: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ}[2]، من خلال الوسائل الخاصَّة الّتي أملكها، والسرّ الذي أحتفظ به، لأنَّ هناك شخصاً لا تعرفونه، وأنا الوحيد الّذي أعرفه، هو الّذي يملك من معرفة تفسير الأحلام ما يكشف عن المستقبل، كما لو كان يستشرف الغيب من خلال الحُلُم، فقد عشتُ التَّجربة الحيَّة معه، إذ فسَّر لي رؤيا سابقة عندما كنت سجيناً، وها هي حياتي كلّها شاهد صدق على صحّة تفسيره.

وهكذا أرسله الملك وخاصّته، بعد أن أعوزه الخبير الَّذي يكشف له حقيقة الموقف، ووقف هذا السَّاقي عند يوسف، وربما اعتذر إليه من نسيان ذكره عند الملك، فبادره بالسّؤال عن الحلم الغريب، وربما عرَّفه أنّه مرسلٌ من قِبَل الملك، وقال له: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ}، الذي عرفنا صدقه الّذي لا مثيل له في صحبتنا له في السّجن، {أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ}[3]، أيّ رمز هو هذا الرّمز؟ وأيّ سرّ يختفي خلف هاتين الظّاهرتين؟ وأيّ معنى هذا المعنى فيما تحتويه المعاني؟ وما هي دلالاته بالنّسبة إلى المستقبل ومخاوفه الواقعيّة في أوضاع النّاس؟ فقد عجزنا عن فهمه، وعاش الجميع في حيرةٍ من أمر ذلك، وتحوَّل الأمر إلى ما يشبه القلق على المستقبل، بعد أن رفض الملك فكرة أنّها أضغاث أحلام، وأنّها لا تخفي أسراراً، كما قال له أصحابه الّذين بادروه بهذه الفكرة، وكلّنا مشدودون إلى تفسيرك، ومتلهّفون إلى إجابتك، فأعطنا الجواب الحاسم.

تفسير الحلم

{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً}، فهذا ما ترمز إليه البقرات السِّمان، وتتابعون الزّراعة من غير انقطاع، {فَمَا حَصَدتُّمْ} من نتائج هذا الزّرع، فلا تستهلكوه في طعامكم وتقضوا عليه من خلال حاجاتكم، {فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ}، واحفظوه بطبيعته للمستقبل، لئلاّ يتلف أو يهلك، ولا تتصرّفوا فيه، {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ}[4]، من خلال حاجاتكم الضّروريّة الَّتي تمثّل ضرورات الحياة ممّا تحتاجونه في الغذاء، باقتصادٍ مدروسٍ محدودٍ لا يستهلك الثّروة الزراعيّة الكبرى.

{ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ}، بحيث تمنع الأرض بركاتها، ويفقد الفلاحون إمكاناتهم الزّراعيَّة من خلال الجدب الّذي يصيب الأرض، فلا تجدون ما تأكلونه أو ما تعتاشون منه، فتعمدون إلى ما اخترتم من حصاد الزّرع لتقتاتوا منه، فلا يبقى منه شيءٌ بفعل هذه الحالة العقيمة من الجفاف والجدب الّتي تتحوَّل إلى حالة مجاعةٍ في الأكل، وحَرَجٍ في حاجاتكم الضّروريّة، وشدّة في ضغط الواقع عليكم في أكثر من جانب يتّصل بأوضاعكم الخاصّة والعامّة، الأمر الذي يجعل النّاس يأكلون كلّ شيء تحت أيديهم.

{يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ}[5]، وتدّخرون وتحتفظون به من القليل القليل، كأنَّ هذه السّنين سباعٌ ضاريةٌ تتهجَّم على النّاس لافتراسهم وأكلهم، فيقدِّمون إليها ما ادّخروه من الطّعام، فتأكله لتنصرف عنهم.

وبذلك، تصبح البقرات السِّمان رمزاً لسني الرّخاء، أمَّا البقرات العجاف، فهي رمز لسني الشدّة، وكذلك الحال بالنِّسبة إلى السّنبلات الخضر والسّنبلات اليابسات.

 {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}[6]، فيأتيهم الغوث بالمطر الّذي يروي الأرض، ويغذّي الينابيع، ويرفد الأنهار، فتخصب الأرض بالنّماء، ويخضرّ الزّرع، ويؤتي أكله في كلِّ موسم، وينصرف النَّاس إلى استغلال خيرات الأرض بعصر الثّمار وصناعة الدّهن والشّراب وغير ذلك، وتنكشف الغمّة عن النّاس، وترجع الحياة الرخيَّة إلى طبيعتها، بعيداً عن كلّ العوامل الطّارئة التي تمنع الأرض خصبها والسَّماء بركاتها.

تفسيرات محتملة

وربّما احتمل بعض المفسّرين ألا يكون يوسف في موقف المفسّر للحلم الّذي رآه الملك بشكلٍ مباشر، بل كان في موقف الموجِّه إلى ما يجب أن يفعله في السّنين السّمان والعجاف، ولهذا كان خطابه للجميع أن يزرعوا دأباً، ثم أمرهم بأن يذروه في سنبله، وألا يستثنوا إلا القليل ممّا يأكلونه، وبأن يدّخروا منه في السنوات العجاف القليل مما يحصّنونه، ثم ينتهي بعد ذلك الكابوس، فلا يحتاجون بعد ذلك إلى ممارسة أيِّ تحفّظٍ غير عاديّ.

وهذا توجيهٌ قريب إلى الجوّ التّعبيري في الآيات، وربّما قصد من ذلك الإيحاء بأنّه يملك الخطّة التي تنظّم لهم اجتياز الأزمة الخانقة في زمن الشدّة، عبر تحقيق التّوازن في زمن الرّخاء، كوسيلةٍ للدّخول إلى الواقع الاجتماعيّ من موقع قوّة.

ولكنَّ هذا الاحتمال لا دليل عليه، أوّلاً: لأنّه لم يعهد في مصر، في تلك المرحلة على الأقلّ، وجود مشكلة زراعيّة خانقة مطبقة. وثانياً: لأنّ يوسف لم يكن من الشخصيّات الاقتصاديّة في ذلك الوقت، ليرجع إليه في دراسة الحلّ الواقعيّ للأزمة. وثالثاً: لأنّ السّياق الذي تفرضه الآية، هو أنَّ المسألة كانت منطلقةً من تفسير رؤيا الملك، ولم تكن لشيءٍ آخر، ولذلك، بادر ساقي الملك إلى أن يلجأ إلى يوسف في هذا التَّفسير.

وجاء هذا السَّاقي بهذا التّفسير الاقتصاديّ الّذي يوضح الأمور المستقبليَّة، انطلاقاً من الأطروحة الّتي قدَّمها يوسف في تفسيره الرّؤيا إلى الملك الّذي كان يملك عقلاً اقتصادياً، وكان يعيش الحذر من المستقبل الّذي كانت تمرّ به مصر بين وقتٍ وآخر ممّا كان يخاف من نتائجه.

وربّما أثار كلام يوسف في وجدان الملك الإحساس بخطورة الوضع الاقتصاديّ القادم في حياة النّاس مستقبلاً، إذ سيتراوح وضعهم بين التّخمة والمجاعة، كما يبيّن هذا الحُلُم الغريب في تفسير يوسف، وربّما شعر بأنَّ الرّجل الّذي أعطى التّفسير لهذا الحُلُم، يملك فكراً عميقاً، وذهناً منفتحاً، وخبرةً اقتصاديّةً، بحيث أثار ذلك في نفسه الرّغبة في التعرّف إليه وإلى ملكاته وخبراته، وربّما الاستفادة منه والاستعانة به في مواجهة المشاكل الَّتي يمكن أن تطرأ مستقبلاً، ولعلّه ربط بين تفسير هذا الحلم في هذا الاتّجاه، وخبرته في هذا المجال. وهكذا أبدى الملك رغبته في استقدامه إليه وإخراجه من ظلام السّجن. والحمد لله ربِّ العالمين.

*ندوة الشام الأسبوعية، فكر وثقافة


[1]  [يوسف: 42].

[2]  [يوسف: 45].

[3]   [يوسف: 46].

[4]  [يوسف: 47].

[5]  [يوسف: 48].

[6]  [يوسف: 49].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية