نبقى مع الأجواء الروحيّة والعباديّة العالية الّتي تشيعها أدعية الصَّحيفة السّجاديّة للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، والّتي تستحثّنا على معايشة معاني الدّعاء وقيمه بكلّ روحانيّةٍ ووعيٍ وروحٍ سامية محلّقة في أجواء القرب من الله تعالى، والالتزام بخطّه في بناء الذَّات والمجتمع بما يصلحهما.
يقول الإمام(ع): "وَالْحَمْدُ لله الَّذِي أَغْلَقَ عَنَّا بَابَ الْحَّاجَةِ إلا إلَيْهِ، فَكَيْفَ نُطِيقُ حَمْدَهُ؟ أَمْ مَتَى نُؤَدِّي شُكْرَهُ؟! لا، مَتى؟ وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَكَّبَ فِينَا آلاَتِ الْبَسْطِ، وَجَعَلَ لَنَا أدَوَاتِ الْقَبْضِ، وَمَتَّعَنا بِأرْواحِ الْحَياةِ، وَأثْبَتَ فِينَا جَوَارِحَ الأعْمَال، وَغَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ، وَأقْنانَا بِمَنِّهِ، ثُمّ أَمَرَنَا لِيَخْتَبِرَ طاعَتَنَا، وَنَهَانَا لِيَبْتَلِيَ شُكْرَنَا، فَخَالَفْنَا عَنْ طَرِيْقِ أمْرِهِ، وَرَكِبْنا مُتُونَ زَجْرهِ، فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ، بَلْ تَأنَّانا بِرَحْمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ حِلْماً".
يدعونا الإمام(ع) إلى حمد الله تعالى وحده؛ الحمد الحقيقيّ للربِّ الّذي يرزق ويهيِّئ الأسباب، فكلّ نعمةٍ منه تشملنا على امتداد آجالنا، من خلال ما أودعه فينا من الطّاقات والقدرات الروحيّة والعقليّة والجسديّة، وما علينا سوى أن نؤدِّي الشّكر بتوظيف هذه القدرات والخصائص في سبيل الله، ومن أجل إعمار الحياة بالخير والبرّ والصّلاح.
فحركتنا في الحياة لا بدَّ لها من أن تنطلق من خلال وعينا لموجبات حمد الله وشكره، من خلال التزام حدوده وعدم الانحراف عن خطِّه.
لقد أعطانا الله تعالى العقل الّذي نعي به ما حولنا، ونفكِّر ونتدبّر لنبني به، وأعطانا القلب كي نشعر بالمحبَّة والرَّحمة تجاه الآخرين، وأعطانا الجوارح الّتي تنطلق لتؤكّد الحقّ، وإقامة العدل والمساواة، ورفع الظّلم والحرمان، ونصرة المظلوم، وأداء الحقوق والأمانات إلى أهلها، وأعطانا الجوارح كي يجدنا الله حيث يأمر لا حيث يُعصى.
والحمد لله على ما رزقنا من الطيِّبات، وهيّأ لنا من أسباب الغنى المادّيّ والمعنويّ، بما فتح لنا من أبواب الرّزق، كي نبدع ونعمل بما يخدم سنن الله في الحياة، وبما يرفع الغبن عن المجتمع.
ولكنَّ النّفس خالفت أمر مولاها، وابتعدت عن خطِّ طاعته، واقتحمت أماكن معصيته، بعد أن أقام الله علينا الحجج المتتالية، ولكنّه لم يعاجلنا بالعقوبة، رحمةً منه وتفضّلاً علينا وتكرّماً، فأمهلنا لنحسن العودة إليه، ونعود إلى مواطن طاعته التي يرضاها، فمن أرحم وأرأف بالعباد من الله تعالى على رغم معصيتهم له؟!
وحول نِعَم الله علينا وكفران البعض بذلك، يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "... وهكذا فتح لنا كلَّ أبواب الحياة، وأعطانا كلَّ موارد الأمور ومصادرها، ومنحنا حريّة الحركة، وقال لنا: أيّها النّاس، إني لم أخلقكم عبثاً، ولم أجعل الحياة من حولكم وفي ساحتكم في دائرة الفوضى، بل جعلت لها نظاماً في إبداع القوانين الكونيّة الثّابتة في كلّ تفاصيل الوجود، فكلّ الوجود مطيع لله بتكوينه، وأردت لكم أن تطيعوا أوامري ونواهيّ في ما يصلح لكم حياتكم من الخير، ويبعدها عمّا يفسدها من الشّرّ، لتكونوا المطيعين في أعمالكم، الشّاكرين في ثروتكم..
ولكنّنا لم نمتثل أوامره ولم ننتهِ عن نواهيه، فابتعدنا عن خطِّ طاعته، واقتحمنا مواقع معصيته، فابتعدنا عن موارد أمره، واقتربنا من ساحات زجره، وكان من حقّه أن يعاقبنا، وأن ينتقم منّا من دون إمهال ولا تأخير، عدلاً من حكمه فينا، لأنه أقام الحجّة علينا، ورغّبنا في الطاعة بالإشارة إلى ثوابه، وأبعدنا عن المعصية بالتّحذير من عقابه، ولكنّه لم يبادرنا بما نستحقّه من العقوبة، ولم يعاجلنا بالنَّقمة، بل أمهلنا تكرّماً منه وفضلاً ورحمةً ولطفاً وتطوّلاً وامتناناً، لنرجع إليه من جديد بالتَّوبة الصَّادقة والعمل الصّالح، وانتظرنا في مواقع رأفته وحلمه ورحمته، لنسلك الطّريق الموصل إليه من جديد؛ سبيل الطّاعة الّتي هي سرّ رضاه". ["آفاق الرّوح"، ج 1، ص 48].
من هنا، علينا أن ننفتح على حمد الله وشكره، عبر التخلُّق بأخلاق الله تعالى، والابتعاد عن معصيته، والتقرّب إليه بالبرّ والأعمال الصّالحات التي تنفعنا في دنيانا، وتثقل ميزاننا يوم الآخرة.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.
نبقى مع الأجواء الروحيّة والعباديّة العالية الّتي تشيعها أدعية الصَّحيفة السّجاديّة للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع)، والّتي تستحثّنا على معايشة معاني الدّعاء وقيمه بكلّ روحانيّةٍ ووعيٍ وروحٍ سامية محلّقة في أجواء القرب من الله تعالى، والالتزام بخطّه في بناء الذَّات والمجتمع بما يصلحهما.
يقول الإمام(ع): "وَالْحَمْدُ لله الَّذِي أَغْلَقَ عَنَّا بَابَ الْحَّاجَةِ إلا إلَيْهِ، فَكَيْفَ نُطِيقُ حَمْدَهُ؟ أَمْ مَتَى نُؤَدِّي شُكْرَهُ؟! لا، مَتى؟ وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَكَّبَ فِينَا آلاَتِ الْبَسْطِ، وَجَعَلَ لَنَا أدَوَاتِ الْقَبْضِ، وَمَتَّعَنا بِأرْواحِ الْحَياةِ، وَأثْبَتَ فِينَا جَوَارِحَ الأعْمَال، وَغَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ، وَأقْنانَا بِمَنِّهِ، ثُمّ أَمَرَنَا لِيَخْتَبِرَ طاعَتَنَا، وَنَهَانَا لِيَبْتَلِيَ شُكْرَنَا، فَخَالَفْنَا عَنْ طَرِيْقِ أمْرِهِ، وَرَكِبْنا مُتُونَ زَجْرهِ، فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ، بَلْ تَأنَّانا بِرَحْمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ حِلْماً".
يدعونا الإمام(ع) إلى حمد الله تعالى وحده؛ الحمد الحقيقيّ للربِّ الّذي يرزق ويهيِّئ الأسباب، فكلّ نعمةٍ منه تشملنا على امتداد آجالنا، من خلال ما أودعه فينا من الطّاقات والقدرات الروحيّة والعقليّة والجسديّة، وما علينا سوى أن نؤدِّي الشّكر بتوظيف هذه القدرات والخصائص في سبيل الله، ومن أجل إعمار الحياة بالخير والبرّ والصّلاح.
فحركتنا في الحياة لا بدَّ لها من أن تنطلق من خلال وعينا لموجبات حمد الله وشكره، من خلال التزام حدوده وعدم الانحراف عن خطِّه.
لقد أعطانا الله تعالى العقل الّذي نعي به ما حولنا، ونفكِّر ونتدبّر لنبني به، وأعطانا القلب كي نشعر بالمحبَّة والرَّحمة تجاه الآخرين، وأعطانا الجوارح الّتي تنطلق لتؤكّد الحقّ، وإقامة العدل والمساواة، ورفع الظّلم والحرمان، ونصرة المظلوم، وأداء الحقوق والأمانات إلى أهلها، وأعطانا الجوارح كي يجدنا الله حيث يأمر لا حيث يُعصى.
والحمد لله على ما رزقنا من الطيِّبات، وهيّأ لنا من أسباب الغنى المادّيّ والمعنويّ، بما فتح لنا من أبواب الرّزق، كي نبدع ونعمل بما يخدم سنن الله في الحياة، وبما يرفع الغبن عن المجتمع.
ولكنَّ النّفس خالفت أمر مولاها، وابتعدت عن خطِّ طاعته، واقتحمت أماكن معصيته، بعد أن أقام الله علينا الحجج المتتالية، ولكنّه لم يعاجلنا بالعقوبة، رحمةً منه وتفضّلاً علينا وتكرّماً، فأمهلنا لنحسن العودة إليه، ونعود إلى مواطن طاعته التي يرضاها، فمن أرحم وأرأف بالعباد من الله تعالى على رغم معصيتهم له؟!
وحول نِعَم الله علينا وكفران البعض بذلك، يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "... وهكذا فتح لنا كلَّ أبواب الحياة، وأعطانا كلَّ موارد الأمور ومصادرها، ومنحنا حريّة الحركة، وقال لنا: أيّها النّاس، إني لم أخلقكم عبثاً، ولم أجعل الحياة من حولكم وفي ساحتكم في دائرة الفوضى، بل جعلت لها نظاماً في إبداع القوانين الكونيّة الثّابتة في كلّ تفاصيل الوجود، فكلّ الوجود مطيع لله بتكوينه، وأردت لكم أن تطيعوا أوامري ونواهيّ في ما يصلح لكم حياتكم من الخير، ويبعدها عمّا يفسدها من الشّرّ، لتكونوا المطيعين في أعمالكم، الشّاكرين في ثروتكم..
ولكنّنا لم نمتثل أوامره ولم ننتهِ عن نواهيه، فابتعدنا عن خطِّ طاعته، واقتحمنا مواقع معصيته، فابتعدنا عن موارد أمره، واقتربنا من ساحات زجره، وكان من حقّه أن يعاقبنا، وأن ينتقم منّا من دون إمهال ولا تأخير، عدلاً من حكمه فينا، لأنه أقام الحجّة علينا، ورغّبنا في الطاعة بالإشارة إلى ثوابه، وأبعدنا عن المعصية بالتّحذير من عقابه، ولكنّه لم يبادرنا بما نستحقّه من العقوبة، ولم يعاجلنا بالنَّقمة، بل أمهلنا تكرّماً منه وفضلاً ورحمةً ولطفاً وتطوّلاً وامتناناً، لنرجع إليه من جديد بالتَّوبة الصَّادقة والعمل الصّالح، وانتظرنا في مواقع رأفته وحلمه ورحمته، لنسلك الطّريق الموصل إليه من جديد؛ سبيل الطّاعة الّتي هي سرّ رضاه". ["آفاق الرّوح"، ج 1، ص 48].
من هنا، علينا أن ننفتح على حمد الله وشكره، عبر التخلُّق بأخلاق الله تعالى، والابتعاد عن معصيته، والتقرّب إليه بالبرّ والأعمال الصّالحات التي تنفعنا في دنيانا، وتثقل ميزاننا يوم الآخرة.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.