الخلود إلى زخارف الدنيا.. خسارة للذات والمصير

الخلود إلى زخارف الدنيا.. خسارة للذات والمصير

أعطى الله تعالى الإنسان في هذه الحياة الدّنيا، النِّعَم والطيّبات كي يتمتّع بها، ويلبّي حاجاته التي تؤمّن بقاءه واستمراريّته. ولكنَّ هذه الحاجات والرغبات ليست هدفاً بحدّ ذاته، يلهث وراءها المرء، ويقضي جلّ عمره في الإقبال عليها، والاستسلام لها، حتى يصبح عبداً مملوكاً لها، ويخسر بالتالي غاية وجوده في السّعي إلى معرفة ذاته وربّه، ونيل مرضاته، وكسب آخرته.

ترى البعض اليوم، وفي كلّ عصر ومكان، تأسرهم ملذّات الدنيا وأهواؤها، فيقبلون بكلّ أوضاعهم عليها، ويلغون كلّ قواهم الشّعوريّة والجسديّة من خلال الاستغراق في مظاهرها وزخارفها، فيتحوَّلون إلى مجرّد آلات لا حياة فيها، ولا إنسانيَّة فيها، ولا روحانيَّة فيها، ولا حيويَّة.

كما أنهم يخلدون إلى الحياة، ويظنون أنهم خالدون لا يأتيهم الموت، إذ أعمتهم الغرائز والشّهوات، وطبعت على قلوبهم، فجعلتها مقفلة عن كلّ معنى وقيمة ترفع من وعيهم، وتعيدهم إلى رشدهم وذواتهم، ليفكّروا، ولو للحظة، في أنّ الدنيا متاعها قليل، وأنَّ الآخرة بقاؤها دائم لا ينقضي، ومن الأولى أن يعمل الإنسان للأبقى، لا أن يستسلم كالأعمى للدنيا الفانية بما فيها.

إنّه حبّ الدّنيا وإيثارها الّذي تغلغل في قلوب هؤلاء ومشاعرهم وعقولهم. وفي السياق ذاته، يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) في شرحه للآية الكريمة: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[الأعلى: 16]: "فترفضون التزكية والتطهر والخروج من عبادة المادة إلى عبادة الله تعالى، وتستسلمون للحياة الدنيا في لذّاتها وشهواتها وقيمها المادّية القائمة على أنانيّة الذّات، وثورة الغريزة، وجشع الطّمع، والاستعلاء على النّاس، والبغي عليهم بغير حقّ، والإخلاد إلى الأرض في كلّ إيحاءاتها الَّتي تدفع الإنسان إلى الأسفل، وتمنعه من التطلّع إلى الأعلى في رحاب الله تعالى.

{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى: 17]، لأنها تمنح الإنسان السَّعادة الدّائمة الَّتي لا شفاء فيها، ولا موت في طبيعتها، فهي الخير كلّه، والخلود كلّه، فكيف تفضّلون الشّقاء على السّعادة، والفناء على البقاء؟". [تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 214].

في المقابل، فإنَّ المؤمن المنفتح على الحياة، يأخذ من الدنيا حاجته، ولا يستسلم لنزواته وشهواته، فهو يعرف قيمة كلّ الرغبات والمظاهر المادية وما تعنيه، بل يقبل على الآخرة، ويلتزم حدود الله، ولا ينسى نصيبه الطَّبيعي من الدنيا، بل يوازن بين كلّ ذلك، ويعيش حرية الذات، وعزّة النفس، وقوّة الإرادة، وعمق الوعي والحكمة والمسؤوليّة في كلّ شؤونه وأوضاعه الماديّة والمعنويّة؛ إنّه إنسان الله، الخليفة المستخلف في أرض، يبثّ في الحياة كلّ برّ وخير ونفع، كلامه كلام الخير، وفعله فعل الحسنات، ومشاعره مشاعر الطيّبين الصّالحين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.


أعطى الله تعالى الإنسان في هذه الحياة الدّنيا، النِّعَم والطيّبات كي يتمتّع بها، ويلبّي حاجاته التي تؤمّن بقاءه واستمراريّته. ولكنَّ هذه الحاجات والرغبات ليست هدفاً بحدّ ذاته، يلهث وراءها المرء، ويقضي جلّ عمره في الإقبال عليها، والاستسلام لها، حتى يصبح عبداً مملوكاً لها، ويخسر بالتالي غاية وجوده في السّعي إلى معرفة ذاته وربّه، ونيل مرضاته، وكسب آخرته.

ترى البعض اليوم، وفي كلّ عصر ومكان، تأسرهم ملذّات الدنيا وأهواؤها، فيقبلون بكلّ أوضاعهم عليها، ويلغون كلّ قواهم الشّعوريّة والجسديّة من خلال الاستغراق في مظاهرها وزخارفها، فيتحوَّلون إلى مجرّد آلات لا حياة فيها، ولا إنسانيَّة فيها، ولا روحانيَّة فيها، ولا حيويَّة.

كما أنهم يخلدون إلى الحياة، ويظنون أنهم خالدون لا يأتيهم الموت، إذ أعمتهم الغرائز والشّهوات، وطبعت على قلوبهم، فجعلتها مقفلة عن كلّ معنى وقيمة ترفع من وعيهم، وتعيدهم إلى رشدهم وذواتهم، ليفكّروا، ولو للحظة، في أنّ الدنيا متاعها قليل، وأنَّ الآخرة بقاؤها دائم لا ينقضي، ومن الأولى أن يعمل الإنسان للأبقى، لا أن يستسلم كالأعمى للدنيا الفانية بما فيها.

إنّه حبّ الدّنيا وإيثارها الّذي تغلغل في قلوب هؤلاء ومشاعرهم وعقولهم. وفي السياق ذاته، يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) في شرحه للآية الكريمة: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[الأعلى: 16]: "فترفضون التزكية والتطهر والخروج من عبادة المادة إلى عبادة الله تعالى، وتستسلمون للحياة الدنيا في لذّاتها وشهواتها وقيمها المادّية القائمة على أنانيّة الذّات، وثورة الغريزة، وجشع الطّمع، والاستعلاء على النّاس، والبغي عليهم بغير حقّ، والإخلاد إلى الأرض في كلّ إيحاءاتها الَّتي تدفع الإنسان إلى الأسفل، وتمنعه من التطلّع إلى الأعلى في رحاب الله تعالى.

{وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى: 17]، لأنها تمنح الإنسان السَّعادة الدّائمة الَّتي لا شفاء فيها، ولا موت في طبيعتها، فهي الخير كلّه، والخلود كلّه، فكيف تفضّلون الشّقاء على السّعادة، والفناء على البقاء؟". [تفسير من وحي القرآن، ج 24، ص 214].

في المقابل، فإنَّ المؤمن المنفتح على الحياة، يأخذ من الدنيا حاجته، ولا يستسلم لنزواته وشهواته، فهو يعرف قيمة كلّ الرغبات والمظاهر المادية وما تعنيه، بل يقبل على الآخرة، ويلتزم حدود الله، ولا ينسى نصيبه الطَّبيعي من الدنيا، بل يوازن بين كلّ ذلك، ويعيش حرية الذات، وعزّة النفس، وقوّة الإرادة، وعمق الوعي والحكمة والمسؤوليّة في كلّ شؤونه وأوضاعه الماديّة والمعنويّة؛ إنّه إنسان الله، الخليفة المستخلف في أرض، يبثّ في الحياة كلّ برّ وخير ونفع، كلامه كلام الخير، وفعله فعل الحسنات، ومشاعره مشاعر الطيّبين الصّالحين.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية