ما من شيء في هذا الكون إلا ويسبِّح الله تعالى، ويعيش جوّ التّسبيح فيما ألهمه الله إيّاه، وهذا ما تؤكِّده الآية الكريمة من سورة الإسراء المباركة: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}[الإسراء: 44]. ونبقى قاصرين عن إدراك عمق هذه التّسبيحات وأسرارها المتنوّعة بتنوّع الخصائص الذاتيَّة في كثيرٍ من المخلوقات الَّتي نعلمها، والّتي نجهل الكثير غيرها وتغيب عن حواسّنا، وهو ما يحرّك فينا الشّعور والإحساس نحو الانفتاح على عظمة الله وتسبيحه وتنزيهه عمَّا لا يرضاه.
فالتَّسبيح هو في أساسه زرع الإحساس بعظمة الله تعالى في وجدان الفرد والجماعة، لنتطلَّع إلى آفاق الكون العجيب، وما فيه من مخلوقاتٍ تعيش التَّسبيح بكلِّ معانيه، ولكنَّ البشر لا يفهمون لغة هذه المخلوقات وتسبيحها.
ويشير صاحب تفسير الميزان إلى حقيقة التَّسبيح وتجلّياته بقوله: "وبالجملة، فالَّذي يكشف به عن معنىً مقصود، قولٌ وكلامٌ، وقيام الشَّيء بهذا الكشف قولٌ منه وتكليم، وإن لم يكن بصوتٍ مقروعٍ ولفظٍ موضوع، ومن الدَّليل عليه، ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الكلام والقول والأمر والوحي، ونحو ذلك مما فيه معنى الكشف عن المقاصد، وليس من قبيل القول والكلام المعهود عندنا معشر المتلسننين باللّغات، وقد سمّاه الله سبحانه قولاً وكلاماً، وعند هذه الموجودات المشهودة من السّماء والأرض ومن فيهما، يكشف كشفاً صريحاً عن وحدانيّة ربها في ربوبيَّته، وينزّهه تعالى عن كلّ نقصٍ وشين، فهي تسبّح الله سبحانه". [تفسير الميزان، ج 13، ص 106].
وإذا ما انطلقنا إلى رحاب سورة "النمل" المباركة، يقول تبارك وتعالى: {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}، فالله تعالى يمنّ بقدرته على من يشاء من عباده، ومن ذلك العلم بالوجه التّفصيليّ، لغة الحيوانات.
وفي تفسير هذه الآية، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "فكان لنا من ذلك ما نستطيع أن نتعرّفه من حديثهم مع بعضهم البعض بطريقة تفصيليَّة واضحة، وما نستطيع أن نتحدَّث به معهم في ما نثيره من حديث، وفي ما نكلِّفهم به من مهمَّات بشكلٍ مباشر، تماماً كما يكلِّف بعضهم بعضاً في قضاياهم الّتي تهمّهم في مجتمعهم الواسع.
وعلى ضوء هذا، فإنَّ ما يتحدَّث به سليمان من حدود المعرفة لمنطق الطّير، يختلف عن المعرفة التي يملكها بعض النّاس من خلال الملاحظة المستمرّة والتأمّل الدّقيق، ما يجعلهم يتعرّفون إلى بعض الإشارات في أصوات الطّير في الحالات المتنوّعة، ولكن بشكل غير دقيق ولا تفصيلي، بينما النبي سليمان يعرف من ذلك كلّه سرّ التفاهم الدقيق، تماماً كما لو كان واحداً منهم في تفاصيل أمورهم الخاصّة، {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ}[النمل: 16]، مما يعطيه الله للإنسان من علم وقدرة وملك ونبوَّة وحكم ومال، ونحو ذلك مما يمكن أن يحصل عليه الإنسان في ما يحتاجه موقعه المميّز في حركيّته وفاعليّته بشكل طبيعيّ معقول". [تفسير من وحي القرآن، ج17، ص194].
ويقول سماحته(رض) في موضعٍ آخر: "للطّيور لغتها، وللحشرات لغتها في الفهم، وبالنِّسبة إلى النَّمل، فإنَّ لها لغتها في الفهم كما تتفاهم الحيوانات والحشرات مع بعضها البعض، غاية الأمر أنَّ الله أعطاها لغة معيَّنة، غير أنَّنا لا نفهمها، قال تعالى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}[الرّعد: 30]، فهناك أمم، وهناك وجود وتعاون في تبادل التّعليمات.. ويقول سليمان(ع): {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ}[النّمل: 16]، أي أنَّ الطّير لديه لغته، ولذلك فهو يفهم الهدهد، والهدهد يفهمه، وما إلى ذلك، والحشرات أيضاً لها نطق، ولكن ليس كنطقنا، ولكن بطريقتها الخاصَّة، {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}[السجدة: 13]".[كتاب النّدوة، ج1،ص286].
ومما تقدَّم، نستفيد أهميَّة الانفتاح على تسبيح الله في عظمة قدرته ومخلوقاته الّتي تسبّحه طبقاً لما فيها من خصائص ذاتيّة، وبالتّالي، فإنَّ التسبيح يفتح القلوب والعقول على ذكر الله ومحبَّته، والتأمّل الواعي في آياته التي لا تُحصى.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.
ما من شيء في هذا الكون إلا ويسبِّح الله تعالى، ويعيش جوّ التّسبيح فيما ألهمه الله إيّاه، وهذا ما تؤكِّده الآية الكريمة من سورة الإسراء المباركة: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً}[الإسراء: 44]. ونبقى قاصرين عن إدراك عمق هذه التّسبيحات وأسرارها المتنوّعة بتنوّع الخصائص الذاتيَّة في كثيرٍ من المخلوقات الَّتي نعلمها، والّتي نجهل الكثير غيرها وتغيب عن حواسّنا، وهو ما يحرّك فينا الشّعور والإحساس نحو الانفتاح على عظمة الله وتسبيحه وتنزيهه عمَّا لا يرضاه.
فالتَّسبيح هو في أساسه زرع الإحساس بعظمة الله تعالى في وجدان الفرد والجماعة، لنتطلَّع إلى آفاق الكون العجيب، وما فيه من مخلوقاتٍ تعيش التَّسبيح بكلِّ معانيه، ولكنَّ البشر لا يفهمون لغة هذه المخلوقات وتسبيحها.
ويشير صاحب تفسير الميزان إلى حقيقة التَّسبيح وتجلّياته بقوله: "وبالجملة، فالَّذي يكشف به عن معنىً مقصود، قولٌ وكلامٌ، وقيام الشَّيء بهذا الكشف قولٌ منه وتكليم، وإن لم يكن بصوتٍ مقروعٍ ولفظٍ موضوع، ومن الدَّليل عليه، ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الكلام والقول والأمر والوحي، ونحو ذلك مما فيه معنى الكشف عن المقاصد، وليس من قبيل القول والكلام المعهود عندنا معشر المتلسننين باللّغات، وقد سمّاه الله سبحانه قولاً وكلاماً، وعند هذه الموجودات المشهودة من السّماء والأرض ومن فيهما، يكشف كشفاً صريحاً عن وحدانيّة ربها في ربوبيَّته، وينزّهه تعالى عن كلّ نقصٍ وشين، فهي تسبّح الله سبحانه". [تفسير الميزان، ج 13، ص 106].
وإذا ما انطلقنا إلى رحاب سورة "النمل" المباركة، يقول تبارك وتعالى: {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}، فالله تعالى يمنّ بقدرته على من يشاء من عباده، ومن ذلك العلم بالوجه التّفصيليّ، لغة الحيوانات.
وفي تفسير هذه الآية، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): "فكان لنا من ذلك ما نستطيع أن نتعرّفه من حديثهم مع بعضهم البعض بطريقة تفصيليَّة واضحة، وما نستطيع أن نتحدَّث به معهم في ما نثيره من حديث، وفي ما نكلِّفهم به من مهمَّات بشكلٍ مباشر، تماماً كما يكلِّف بعضهم بعضاً في قضاياهم الّتي تهمّهم في مجتمعهم الواسع.
وعلى ضوء هذا، فإنَّ ما يتحدَّث به سليمان من حدود المعرفة لمنطق الطّير، يختلف عن المعرفة التي يملكها بعض النّاس من خلال الملاحظة المستمرّة والتأمّل الدّقيق، ما يجعلهم يتعرّفون إلى بعض الإشارات في أصوات الطّير في الحالات المتنوّعة، ولكن بشكل غير دقيق ولا تفصيلي، بينما النبي سليمان يعرف من ذلك كلّه سرّ التفاهم الدقيق، تماماً كما لو كان واحداً منهم في تفاصيل أمورهم الخاصّة، {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ}[النمل: 16]، مما يعطيه الله للإنسان من علم وقدرة وملك ونبوَّة وحكم ومال، ونحو ذلك مما يمكن أن يحصل عليه الإنسان في ما يحتاجه موقعه المميّز في حركيّته وفاعليّته بشكل طبيعيّ معقول". [تفسير من وحي القرآن، ج17، ص194].
ويقول سماحته(رض) في موضعٍ آخر: "للطّيور لغتها، وللحشرات لغتها في الفهم، وبالنِّسبة إلى النَّمل، فإنَّ لها لغتها في الفهم كما تتفاهم الحيوانات والحشرات مع بعضها البعض، غاية الأمر أنَّ الله أعطاها لغة معيَّنة، غير أنَّنا لا نفهمها، قال تعالى: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُم}[الرّعد: 30]، فهناك أمم، وهناك وجود وتعاون في تبادل التّعليمات.. ويقول سليمان(ع): {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ}[النّمل: 16]، أي أنَّ الطّير لديه لغته، ولذلك فهو يفهم الهدهد، والهدهد يفهمه، وما إلى ذلك، والحشرات أيضاً لها نطق، ولكن ليس كنطقنا، ولكن بطريقتها الخاصَّة، {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}[السجدة: 13]".[كتاب النّدوة، ج1،ص286].
ومما تقدَّم، نستفيد أهميَّة الانفتاح على تسبيح الله في عظمة قدرته ومخلوقاته الّتي تسبّحه طبقاً لما فيها من خصائص ذاتيّة، وبالتّالي، فإنَّ التسبيح يفتح القلوب والعقول على ذكر الله ومحبَّته، والتأمّل الواعي في آياته التي لا تُحصى.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.