استشارة..يبلغ ابني البكر خمسة أعوام، وهو الحفيد الأول للعائلة. يتمتع بشخصية قوية ومستقلة وذكاء واضح، وقد تعوّد على إبداء رأيه في معظم الأمور الّتي تخصّه، والتفكير في ما يطلب منه وتحليله، فيناقش في أسباب رفضي لأمور معيّنة، ولكنه لا يتقبل أي ملاحظة توجّه إليه بلغة صارمة أو حادة، ويمكن وصفه بأنه عنيد وعنيف أحياناً عند اللعب مع أخيه الأصغر.
أختلف مع زوجي في أسلوب التربية، فهو ينتقدني عندما أوجه له ملاحظة، وأطالبه بالاعتذار عن الخطأ، ويرى أن الوقت المناسب للتنبيه يكون قبل وقوع الحادث وليس بعده. فما هو الأسلوب المناسب لتنشئة الطفل؟
وجواب..
يتضح مما تقدم، أن الطفل تعوّد على الحرية واللين بالتعامل والتواصل، وهو مشبع بالاهتمام من الأهل والأقرباء، كونه الطفل الأول في العائلة، ما كوّن لديه شخصية مستقلة بالرأي ومعتدة بنفسها، كذلك، تم تعويده على أن لا يحاسب بشدة، بل من خلال الكلمة فحسب.
ويظهر أيضاً شعوره بالغيرة بعد ولادة الطفل الثاني، حيث يعتبر أنه سيتقاسم معه الرعاية الخاصة من الجميع، وبالتالي، يبدي خوفاً من فقدان النعم والامتيازات الممنوحة له.
أما الأهل، فيخافون من سيطرته بعدما بات يبلغ من العمر خمسة أعوام، ويظهر أنهم لجأوا إلى الشدة المفاجئة، ولذلك، يبدي بعض العناد والقسوة في التعامل مع أخيه، تعبيراً لرفض التعامل الجديد المرتبط بوجود الولد الثاني، ورفضه هو أيضاً.
هناك قاعدة أساسية في أسلوب التربية يجب الحفاظ عليها، وهي: "مهما كان عدد أولادك، ومهما كانت إمكانياتك، لا تغدق على الولد كل ما في جيبك، بل أعطه بمقدار حاجته، وحسب عمره تدريجياً"، فسواء كان لديك ولد أو عدة أولاد، عامل الأولاد بما يليق بهم، وبما يحافظ على شخصيتهم ونموهم بشكل سليم ومتوازن، من خلال تعويدهم على أن لهم حقوقاً، وعليهم واجبات، وعندما يقومون بواجباتهم كاملة، يحق لهم أخذ حقوقهم كاملة، وعندما يقدمون ما هو مميز، فسيستحقون المكافأة والتقدير المادي والمعنوي، أي عودوا أولادكم على مبادئ الحق والواجب، والثواب والعقاب التربوي.
في الحالة المطروحة:
ـ من المهم تربية الطفل على أن لديه حقوقاً، وأن أخاه كذلك يمتلك الحقوق نفسها، وأن من واجبنا أن نهتم ببعضنا بعضاً، ونحترم بعضنا بعضاً، ونتعاون، ونحب أخوتنا، وأن نعمل لنجاحهم، وأنه كأخيه، ينال الاهتمام نفسه، بيد أنَّ أخاه أصغر منه ويحتاج إلى عناية أكثر.
ـ من المهم التعامل مع الطفل وفق نظام واضح ومتناسب مع عمره، لفهم القوانين والأنظمة، وليميز بين ما هو مقبول وما هو مرفوض من السلوك، من هنا ضرورة التعامل معه بين شد ولين، وعدم التعاطف معه عندما يخطئ.
ـ من المهم اتفاق الأهل على نظام تربوي أسري موحّد بين الزوجين، لجهة مركزية النظام، وتحديد حقوق الأولاد وواجباتهم، وكذلك، حدود الثواب والعقاب، من خلال إعداد ما يسمى شرعة الأسرة، أو النظام التربوي الأسري للعائلة.
ـ والأهم توحيد النظم، وأن يشعر الأولاد بأن النظام نظام، ولا مفر من تطبيقه، وأن الأبوين متفقان في السراء والضراء.
وأبسط طريقة لمواجهة العناد هو التعامل بلين ومرونة مع الولد، مثلاً:
كي نفرض على الولد لباساً معيناً، علينا أن نخيّره بين القميص الأزرق اللطيف، أو القميص الملون الذي يظهره بأنه مرتب ومنظم، وأهم ما في الأمر هو الصيغة: ما رأيك؟ القميص الأزرق رائع عليك، أما الملون، فيظهرك جميلاً جداً ومهذباً ومرتباً.
عندما يرفض الاستحمام، يمكننا أن لا ندخل معه بجدال، ونستبدل الصراخ بأسلوبٍ آخر مثلاً: لنلعب سوياً بالماء والصابون، ولنصنع فقاعات من الصابون، أو هيا لنستحم بسرعة لأروي لك قصة جميلة جداً، ثم نأكل الحلوى اللذيذة التي صنعتها لك، أو إخباره بأن الله نظيف يحب كل نظيف، فنقول له: هيا نستحم كي يرضى عنك الله أو الرسول، أو لأن الملائكة تبارك الطفل النظيف. أما الطفل غير النظيف، والذي لا يحب الاستحمام، فهي لا تحبه، كما أن الجراثيم ستهاجم جسمه فيمرض.
وفي الختام، من المهم التعاون بين الزوجين، والاستفادة من خبرتهما معاً في عملية التربية، وأن يأخذا بعين الاعتبار أن سلوك أولادهما وتصرفاتهما، هي صورة مجسمة لتعاملهما.
***
مرسلة الاستشارة: فاطمة.
المجيب عن الاستشارة: الدكتور محمود غنوي، معالج نفسي وتربوي وعيادي.
التاريخ: 25 تشرين الثاني 2013م.
نوع الاستشارة: تربوية.