وفيه مسائل:
م ـ306: يتفق عقد المساقاة مع عقد المزارعة بأنه لا بد فيه من الإيجاب والقبول إن كان التعاقد لفظياً، وذلك بالنحو الذي ذكرناه في مبحث المزارعة من جهة الصيغة مع تبديل لفظ المزارعة بالمساقاة، كما أنه يصح مثله ـ أيضاً ـ بالمعاطاة، كذلك فإنه يتفق معه في شروط المتعاقدين، وفي لزوم تعيين المدة، ولكنها في المساقاة يجب أن تكون نهايتها في زمان يوافق فيه ظهور الثمرة ونضوجها، فإن كانت دون ذلك بطلت المساقاة؛ وكذا تتفق معها بأنه لا بد فيها من تعيين النبات من حيث النوع والمقدار؛ وفي وجوب تقدير العوض بحصة من الحاصل مقدّرة بالكسور لكلٍّ منهما بالنحو الذي ذكر في المزارعة؛ وفي لزوم الاتفاق على ما هو المطلوب من كل واحد منهما من أعمال.
م ـ307: يجب أن يتوفر في النبات المطلوب رعايته أمور:
الأول: أن يكون للنبات أصول يؤخذ عنها الثمر، فلا تصح المساقاة فيما يكون هو الثمرة، مثل الخس وغيره من البقول التي لا يبقى لها أصل في الأرض؛ وتصح فيما عدا ذلك من الأشجار التي تزرع لثمرها كالرمان، أو لورقها كنبتة الشاي، أو لزهورها كالورد، كذلك تصح في كل نبات من غير الأشجار مما له أصول غير ثابتة، كالبطيخ والعدس والخيار ونحوهما من الفواكه والخضروات، كما تصح في مثل قصب السكر الذي تبقى جذوره في التربة رغم أن الثمر فيه هو نفس الأصول النابتة من تلك الجذور، أما الشجر الذي يزرع لخشبه كالسرو والحور فلا تبعد صحة المساقاة فيه.
الثاني: أن يكون للأشجار وغيرها من الزروع قابلية الإثمار خلال مدة العقد، وأن يكون العقد قبل ظهور الثمرة، أو بعده مع احتياجها إلى العمل والرعاية حتى يكتمل نموها وتثمر، أو حتى يكثر إنتاجها ويجُود ويوقى ما يطرأ عليه من عوادي؛ فإن كان التعاقد إلى مدة تنتهي قبل صيرورة الغروس قابلة للإثمار، أو كان العقد بعد أن اكتمل نمو الثمرة ولم تعد بحاجة إلى رعاية، فلا يبعد الحكم بعدم صحة المساقاة حتى لو كانت بحاجة إلى مثل القطاف والتوظيب والنقل إلى المخازن ونحوها من الأعمال الخارجة عن نفس عملية الرعاية، ولكن يمكن التعاقد على تلك الأمور ونحوها بعقد مستقل آخر.
الثالث: أن تكون أصول الأشجار أو النبات مملوكة عيناً ومنفعة، أو منفعة فقط، أو يكون تصرفه فيها صحيحاً ونافذاً بولاية أو وكالة.
م ـ308: لا تعتمد المساقاة على وجود السقي نفسه في أعمال المتعاقدين، فلو فرض استغناء الشجر أو النبات عن الجهد البشري لريها واكتفاؤها برطوبة الأرض أو بماء المطر صحت المساقاة مع وجود أعمال أخرى لازمة في رعاية النبات وإثماره.
م ـ309: لا يخفى أن مالك الأصول يملك حصته من الثمرة دائماً تبعاً لملكيته لنفس الأصل ملكية مستمرة غير منقطعة، أما العامل فإنه عند إطلاق العقد يملك الثمرة حين ظهورها، إلا أن يكون العقد في مرحلة من مراحل ما بعد ظهور الثمرة، أو يشترط عليه مالك الأصل أن تكون ملكيته في مرحلة معينة من مراحل ما بعد الظهور، فإنه يملك حصته حينئذ في خصوص تلك المرحلة.
م ـ310: لا يضر بالوضوح المطلوب في مقدار الحصة كونها مردّدةً بين مقدارين لأسباب معلومة، وذلك كما لو قال له: "إن سقيتها بالدلاء فحصّتك نصف وإن سقاها المطر فحصتك ثلث".
م ـ311: لا فرق في صحة المساقاة بين أن تكون الحصة بمقدار واحد في جميع أنواع الشجر والنبات وبين أن يجعل حصة مختلفة في بعضها عنها في البعض الآخر، وذلك بأن يجعل حصته من النخيل نصفاً ومن العنب ثلثاً، وهكذا.
م ـ312: يكفي العلم بما يشتمل عليه البستان من أشجار ونبات بنحو إجمالي عن طريق المشاهدة مثلاً، من دون حاجة إلى المعرفة التفصيلية بأعداد الشجر ولا بعدد كل صنف.
م ـ313: إن مقتضى إطلاق عقد المساقاة كون الأعمال غير المكررة والتي لها بقاء وثبوت في الأرض على المالك، وذلك مثل: حفر الآبار وشق الأنهار وبناء الحائط وخيم العريش ونحوها؛ وأما الأعمال التي تتكرر،مثل: إصلاح طريق الماء وإزالة الحشيش المضر، وتقليم الأغصان وتلقيحها ونحو ذلك، فإن مقتضى إطلاق العقد كونها على كل من المالك والعامل بالتساوي، فإن اشتُرِط خلاف ذلك لزم الوفاء بالشرط على من قبل به.
م ـ314: لا يشترط في المساقاة أن يكون العامل أو المالك واحداً، بل يصح أن يكون كل منهما أكثر من واحد، اثنين أو ثلاثة أو أكثر؛ كذلك فإن عقد المساقاة لا يقتضي إلزام العامل بالمباشرة إلا إذا اشترط المالك عليه ذلك؛ كما أنه يجوز في المساقاة أن يشترط أحد المتعاقدين أو كلاهما زيادة شيء غير الثمرة ـ من النقد أو الأعيان ـ على حصته؛ ولو فرض عدم ظهور الثمرة كلاً أو بعضاً، أو فرض أنها تلفت بعد ظهورها فإن شرط الزيادة يثبت بتمامه على من التزم به إلا أن يكون قد نُص في العقد على استحقاق الزيادة مترتب على بقاء حصة المشروط عليه، أو كان ذلك متعارفاً في مجتمع المتعاقدين؛ وجميع ذلك بالنحو الذي سبق ذكره في المزارعة (أنظر الفقرة: 2/من الأمر (السابع) من المسألة:288).