وفيه مطلبان:
في أسباب التملك:
يتحقّق التملّك بأنواعه المتعددة عند تحقق سبب من الأسباب الموجبة له، ورغم أننا سوف نذكرها مفصلة في الأبواب القادمة، فإن من المستحسن أن نذكرها بنحو الإجمال في هذا المدخل، فنقول:
تتحقق ملكية المكلف الخاصة للمباحات بحيازته لها واستيلائه عليها، فمن بذل جهده وقام بصيد الحيوان الممتنع، أو بالتقاط ثمار الأشجار وأخشابها، أو باجتزاز العشب والخضروات، أو باستنباط الماء من الأرض أو استخراجه من النبع، أو بإحياء الأرض واستصلاحها، فإنه بذلك الجهد وتلك الحيازة والسيطرة يكون قد ملك ذلك الحيوان والثمار والأخشاب والأعشاب والماء والأرض وصارت له، فلا تجوز منازعته فيها ولا أخذها منه ولا التصرف فيها إلا بإذنه؛ وبذلك يكون السبب الأول والأصلي للتملك هو "الحيازة" بهذا المعنى الواسع.
ثم إنه بعد أن يستقر ملك الإنسان على "الشيء" يمكنه نقله اختياراً - أو انتقاله قهراً عنه - إلى ملك شخص آخر أو جهة، مجاناً أو بعوض، أثناء حياته أو بعد موته، بناقل من نواقل الملكية المعلومة، كالبيع والهبة والميراث ونحوها من الأمور التي تعتبر سببا آخر من أسباب التملك غير نفس الحيازة الناتجة عن بذل الجهد المباشر في العين لتملكها؛ فمن احتفر في أرضه عين ماء نابعة يستقي منها صارت مملوكة له، فيحق له أن ينقلها إلى ملك الغير بالبيع أو بالهبة أو بالوصية له بعد الموت، بل إنه لو لم ينقلها عن ملكه، وبقيت معه مدة حياته فمات، لانتقلت عنه قهراً بالوراثة إلى مَنْ بعده، كذلك يحق له - أيضاً - أن يحتفظ بالعين ويهب جزءاً من مياهها أو يبيعه؛ فظهر من ذلك أن هذا البيع أو الميراث قد كان سبباً في حدوث ملكية جديدة لهذه العين بعدما كان - من الناحية الطبيعية - قد سبق تملكها من قبل بمثل الحيازة والإحياء، كما أنه قد ظهر أن تلك النواقل وإن كانت أسباباً للملك ولكنها ليست أصيلة وابتدائية، بل هي ناقلة ومحدثة لملك بعد ملك . وهذا هو شأن جميع الأسباب التي سنذكرها في هذا الجزء.
هذا على صعيد الملكية الخاصة؛ أما على صعيد الملكية العامة، فإن ملكية الدولة للأنفال مثلاً سببه هو نفس عنوان (الدولة) المنطبق عليها، كما أن الفتح العسكري لبلدان أخرى هو سبب ملكيتها للغنائم ولنوع من الأراضي؛كذلك تملك (الأمة) نوعاً آخر من الأراضي بهذا الفتح بصفتها (أمة) وإن تولت الدولة الإشراف عليها؛ وهكذا سائر ما يدخل في هذا العنوان من أسباب التملك الخاص أو العام مما لا نريد استقصاءه في هذا التمهيد.
في توضيح بعض المصطلحات:
من جهة أخرى فإن نواقل الملكية الآنفة الذكر هي مما يندرج تحت عنوان (المعاملات)، وهو المصطلح الذي يشمل كل تعامل بين طرفين قائم على ما يعرف في الفقه بـ(العقد)، كما يشمل كل تعاملٍ قائمٍ على (الإيقاع)، سواء في إطار النشاط الاقتصادي أو في إطار العلاقات الأسرية، ومن المستحسن توضيح ذلك في هذا المبحث فنقول: (العقد) و(الإيقاع) مصطلحان مستخدمان في تصنيف أنواع المعاملات المتداولة بين الناس في شتى أمورهم، والتي منها نواقل الملك المشتملة في أنواعها المتعددة على كل من العقود والإيقاعات، وهي التي يبرز بها الإنسان رغبته في نقل ملكه إلى الآخر، وهو التصنيف الذي لوحظ فيه نوع المعاملة من جهة مدى ضرورة مشاركة الطرف الآخر فيها حين التعاقد باللفظ أو الفعل المبرز لذلك الناقل والمحقق له.
فـ(العقد) هو: (قول أو فعل مشتمل على الإيجاب والقبول، ومبرز للتراضي بين طرفين أو أكثر على تعهد بأمر، كالضمان والكفالة، أو نقل ملكية، كالبيع والهبة والإجارة، أو إنشاء عُلقة، كالزواج والشركة)؛ فالباذل في البيع أو الصلح ـ مثلاً ـ (يوجب)، أي يصدر منه اللفظ الدال على رغبته في نقل ملكه إلى الغير بقوله: "بعت" أو "صالحت"، والطرف الآخر يقبل هذا البذل بقوله: "قبلت"؛ وهما ركنا (العقد) المعبر عنهما بـ(الإيجاب) و(القبول)؛ والمعاملات المحتاجة للعقد هي:
البيع، المضاربة، الصلح، الشركة، الضمان، الدين، المزارعة، المساقاة، الوديعة، العارية، الإجارة، الوكالة، النكاح، السبق والرماية، الوصية والوقف والحبس وتوابعه على قول، والصدقات إجمالاً.
وأما "الإيقاع" فهو: (اللفظ الذي يبرز إرادة تحقيق أمر معين معتبر في الشرع ضمن شروطه، بغضِّ النظر عن رضا الطرف الآخر وعدم رضاه، بل من دون وجود طرف آخر في بعض الأحيان)، ومثاله الأكثر تداولاً هو الطلاق، فإذا قال الراغب في الطلاق: "زوجتي فلانة طالق"، بهدف تحقيق الطلاق وإبراز الإرادة وإعلانها، كان ذلك منه (إيقاعاً)، فيحدث به الطلاق وتبين الزوجة ولو لم تكن هي كـ(طرفٍ ثانٍ) راغبة بذلك ومريدة له.
والمعاملات التي تتحقق بالإيقاع هي: الإبراء، والجعالة، وكذلك الوصية والوقف والحبس وتوابعه على بعض الأقوال، والعتق وتوابعه، والطلاق والخلع والمباراة، والإقرار، والنذر وشبهه.
هذا، وإنه لا بد من ملاحظة أن الأسباب الناقلة للملكية هي من نوع العقود أكثر مما هي من نوع الإيقاعات كما سيظهر تفصيلياً.
وفيه مطلبان:
في أسباب التملك:
يتحقّق التملّك بأنواعه المتعددة عند تحقق سبب من الأسباب الموجبة له، ورغم أننا سوف نذكرها مفصلة في الأبواب القادمة، فإن من المستحسن أن نذكرها بنحو الإجمال في هذا المدخل، فنقول:
تتحقق ملكية المكلف الخاصة للمباحات بحيازته لها واستيلائه عليها، فمن بذل جهده وقام بصيد الحيوان الممتنع، أو بالتقاط ثمار الأشجار وأخشابها، أو باجتزاز العشب والخضروات، أو باستنباط الماء من الأرض أو استخراجه من النبع، أو بإحياء الأرض واستصلاحها، فإنه بذلك الجهد وتلك الحيازة والسيطرة يكون قد ملك ذلك الحيوان والثمار والأخشاب والأعشاب والماء والأرض وصارت له، فلا تجوز منازعته فيها ولا أخذها منه ولا التصرف فيها إلا بإذنه؛ وبذلك يكون السبب الأول والأصلي للتملك هو "الحيازة" بهذا المعنى الواسع.
ثم إنه بعد أن يستقر ملك الإنسان على "الشيء" يمكنه نقله اختياراً - أو انتقاله قهراً عنه - إلى ملك شخص آخر أو جهة، مجاناً أو بعوض، أثناء حياته أو بعد موته، بناقل من نواقل الملكية المعلومة، كالبيع والهبة والميراث ونحوها من الأمور التي تعتبر سببا آخر من أسباب التملك غير نفس الحيازة الناتجة عن بذل الجهد المباشر في العين لتملكها؛ فمن احتفر في أرضه عين ماء نابعة يستقي منها صارت مملوكة له، فيحق له أن ينقلها إلى ملك الغير بالبيع أو بالهبة أو بالوصية له بعد الموت، بل إنه لو لم ينقلها عن ملكه، وبقيت معه مدة حياته فمات، لانتقلت عنه قهراً بالوراثة إلى مَنْ بعده، كذلك يحق له - أيضاً - أن يحتفظ بالعين ويهب جزءاً من مياهها أو يبيعه؛ فظهر من ذلك أن هذا البيع أو الميراث قد كان سبباً في حدوث ملكية جديدة لهذه العين بعدما كان - من الناحية الطبيعية - قد سبق تملكها من قبل بمثل الحيازة والإحياء، كما أنه قد ظهر أن تلك النواقل وإن كانت أسباباً للملك ولكنها ليست أصيلة وابتدائية، بل هي ناقلة ومحدثة لملك بعد ملك . وهذا هو شأن جميع الأسباب التي سنذكرها في هذا الجزء.
هذا على صعيد الملكية الخاصة؛ أما على صعيد الملكية العامة، فإن ملكية الدولة للأنفال مثلاً سببه هو نفس عنوان (الدولة) المنطبق عليها، كما أن الفتح العسكري لبلدان أخرى هو سبب ملكيتها للغنائم ولنوع من الأراضي؛كذلك تملك (الأمة) نوعاً آخر من الأراضي بهذا الفتح بصفتها (أمة) وإن تولت الدولة الإشراف عليها؛ وهكذا سائر ما يدخل في هذا العنوان من أسباب التملك الخاص أو العام مما لا نريد استقصاءه في هذا التمهيد.
في توضيح بعض المصطلحات:
من جهة أخرى فإن نواقل الملكية الآنفة الذكر هي مما يندرج تحت عنوان (المعاملات)، وهو المصطلح الذي يشمل كل تعامل بين طرفين قائم على ما يعرف في الفقه بـ(العقد)، كما يشمل كل تعاملٍ قائمٍ على (الإيقاع)، سواء في إطار النشاط الاقتصادي أو في إطار العلاقات الأسرية، ومن المستحسن توضيح ذلك في هذا المبحث فنقول: (العقد) و(الإيقاع) مصطلحان مستخدمان في تصنيف أنواع المعاملات المتداولة بين الناس في شتى أمورهم، والتي منها نواقل الملك المشتملة في أنواعها المتعددة على كل من العقود والإيقاعات، وهي التي يبرز بها الإنسان رغبته في نقل ملكه إلى الآخر، وهو التصنيف الذي لوحظ فيه نوع المعاملة من جهة مدى ضرورة مشاركة الطرف الآخر فيها حين التعاقد باللفظ أو الفعل المبرز لذلك الناقل والمحقق له.
فـ(العقد) هو: (قول أو فعل مشتمل على الإيجاب والقبول، ومبرز للتراضي بين طرفين أو أكثر على تعهد بأمر، كالضمان والكفالة، أو نقل ملكية، كالبيع والهبة والإجارة، أو إنشاء عُلقة، كالزواج والشركة)؛ فالباذل في البيع أو الصلح ـ مثلاً ـ (يوجب)، أي يصدر منه اللفظ الدال على رغبته في نقل ملكه إلى الغير بقوله: "بعت" أو "صالحت"، والطرف الآخر يقبل هذا البذل بقوله: "قبلت"؛ وهما ركنا (العقد) المعبر عنهما بـ(الإيجاب) و(القبول)؛ والمعاملات المحتاجة للعقد هي:
البيع، المضاربة، الصلح، الشركة، الضمان، الدين، المزارعة، المساقاة، الوديعة، العارية، الإجارة، الوكالة، النكاح، السبق والرماية، الوصية والوقف والحبس وتوابعه على قول، والصدقات إجمالاً.
وأما "الإيقاع" فهو: (اللفظ الذي يبرز إرادة تحقيق أمر معين معتبر في الشرع ضمن شروطه، بغضِّ النظر عن رضا الطرف الآخر وعدم رضاه، بل من دون وجود طرف آخر في بعض الأحيان)، ومثاله الأكثر تداولاً هو الطلاق، فإذا قال الراغب في الطلاق: "زوجتي فلانة طالق"، بهدف تحقيق الطلاق وإبراز الإرادة وإعلانها، كان ذلك منه (إيقاعاً)، فيحدث به الطلاق وتبين الزوجة ولو لم تكن هي كـ(طرفٍ ثانٍ) راغبة بذلك ومريدة له.
والمعاملات التي تتحقق بالإيقاع هي: الإبراء، والجعالة، وكذلك الوصية والوقف والحبس وتوابعه على بعض الأقوال، والعتق وتوابعه، والطلاق والخلع والمباراة، والإقرار، والنذر وشبهه.
هذا، وإنه لا بد من ملاحظة أن الأسباب الناقلة للملكية هي من نوع العقود أكثر مما هي من نوع الإيقاعات كما سيظهر تفصيلياً.