دفاعاً عن الإسلام وثورة ضدّ الظّلم: ثورة الحسين(ع) امتداد لهجرة الرّسول(ص)

دفاعاً عن الإسلام وثورة ضدّ الظّلم: ثورة الحسين(ع) امتداد لهجرة الرّسول(ص)

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

دفاعاً عن الإسلام وثورة ضدّ الظّلم:
ثورة الحسين(ع) امتداد لهجرة الرّسول(ص)

الهجرة وبداية التأريخ الإسلاميّ
منذ بداية الهجرة، ركّز المسلمون على أن يكون التّاريخ الهجريّ بداية التاريخ الإسلامي، ويقال إنَّهم استشاروا عليّاً(ع) في ذلك فوافق عليه. وفي سنة ستين من الهجرة، كانت هجرة الحسين(ع) من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى كربلاء. وبين هذين التاريخين؛ تاريخ بداية السنة الهجرية، وتاريخ بداية الهجرة الحسينية، مرّت على المسلمين أحداثٌ وأحداث، كانت بداياتها مع رسول الله(ص) عندما انطلق في المدينة ليؤسِّس الدولة الإسلامية، ولينظّم للناس حياتهم على أساس الإسلام، وأصبح للمسلمين في المدينة ـ ومعهم اليهود الذين دخلوا في عهد رسول الله في وثيقة المدينة مع الأنصار والمهاجرين ـ دولة تنظّم أمور الناس على أساس الشريعة الإسلامية، وتؤسِّس للقوة الضاربة المجاهدة المتحدية التي تواجه الشرك كله، وتصنع وضعاً جديداً في المنطقة، ليشعر النّاس بأنّه ليست هناك قوّة وحيدة يخافون منها، وهي قوَّة قريش، ومعهم حلفاؤهم من المشركين واليهود آنذاك، بل إن هناك قوةً جديدةً تنطلق من قاعدة ثابتة ترتكز على أساس العقل والعلم والوحي الإلهي والشريعة الإسلامية، قوة تملك قانوناً ينظّم للناس حياتهم بدلاً من القوة التي كانت تملكها قريش، والتي لا لم تكن تمثّل نظاماً حضاريّاً لناس.

وبعد وفاة النبيّ(ص)، جرت أحداثٌ كبيرة، حيث أُبعد الخليفة الشرعي الإمام علي(ع) عن موقعه، وارتبك الواقع الإسلامي نتيجة الخلافات الفقهية والفكرية وغيرها، وكانت هناك فرصة لامتداد الإسلام من خلال الحرب التي انطلق فيها المسلمون مع الروم والفرس، ولكن كانت الفتنة التي قُتل فيها الخليفة الثالث عثمان، ثم بدأت الفتنة الثانية باستغلال معاوية قميص عثمان. وعندما تسلّم الإمام عليّ(ع) الخلافة، وضعوا الأشواك في طريقه، فأعلنوا الحرب عليه في كلِّ الأقطار؛ في البصرة في حرب الجمل، وفي الشام في حرب صفين، وفي العراق في حرب الخوارج.

وهكذا، سيطر الأمويون بعد الصلح الذي فرض على الإمام الحسن(ع) بسبب ضعف جيشه الذي لم يكن موحّداً، وانطلقت الأمور من خلال سيطرة بني أمية على الواقع الإسلامي كلّه، حيث فرض معاوية البيعة لولده يزيد على المسلمين، وقيل آنذاك إن الذي كلّفه معاوية أن يأخذ البيعة، أمسك بيدٍ صرّةً من المال وباليد الأخرى سيفاً، وقال: "من بايع فله هذا ـ وأشار إلى المال ـ ومن لم يبايع فله هذا ـ وأشار إلى السيف ـ". وهكذا فُرضَ يزيد، شارب الخمر، والفاسق، والقاتل، والذي لم يأخذ بأيِّ التزام إسلامي في حياته، بل كانت جذور الشرك تعيش في داخل شخصيته، فرض خليفةً على المسلمين.

الحسين(ع) يرفض مبايعة يزيد
والتزم الإمام الحسين(ع) مع أخيه الحسن(ع) المعاهدة التي كانت بينه وبين معاوية، وهي أن لا يثور عليه ما دام حيّاً. واغتيل الإمام الحسن(ع) بالسم، ومات معاوية، وأُريد للحسين أن يبايع يزيد، فأعلن(ع) لوالي المدينة: "يزيد فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة".

وبدأ الإمام الحسين(ع) بالثورة على يزيد، لأنّه(ع) هو الإمام المفترض الطاعة بنص النبي فيما روي عنه(ص): "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا". وكان(ع) يخطِّط لإبلاغ الأمّة رسالته، ومكث في مكَّة بعد خروجه إليها عدة شهور، يستقبل الناس، ويحدّثهم عن الواقع الإسلامي وعن الخطّ المستقيم، وعن مسؤوليتهم في أن يكونوا معه، وأن يكونوا القوَّة التي يستند إليها في إسقاط هذا الحكم الظالم المنحرف عن خطِّ الإسلام.

المرحلة التبليغيّة في مكة
وانتهى الإمام الحسين(ع) من خطًّته في مكة في توجيه الناس، ولا سيما أنّ الموسم كان موسم حجّ، حيث يجتمع الناس في مكة، وكان خروجه من مكة كخروج رسول الله منها، عندما خطَّط المشركون لقتل رسول الله(ص) اغتيالاً بالهجوم على بيته بأسياف عشرة من قبائل قريش، ولكنَّ الله تعالى أمره بأن لا يبيت تلك الليلة التي حدَّدوها في بيته، وأن يهاجر ويُبقي عليّاً(ع) على فراشه. وهاجر النبي(ص) إلى المدينة، أمَّا الحسين(ع)، فقد نقل إليه أن يزيد قد بعث جماعةً من الأشقياء وأمرهم بأن يقتلوه ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، فخرج(ع) إلى العراق بعد أن جاءته المئات من الكتب أن أقدم علينا فليس لنا إمام غيرك. وتطوَّرت الأمور بعد أن أرسل الحسين(ع) ابن عمه مسلم بن عقيل الذي استشهد، واتجه الحسين(ع) إلى كربلاء.

وهكذا كانت الهجرتان؛ هجرة الرّسول(ص)، وهجرة الإمام الحسين(ع)في  سبيل الدعوة إلى الإسلام.

ونقرأ في أوّل خطاب للإمام الحسين(ع)للناس  والذي كان يبلّغهم فيه الخطَّ الرسالي الذي يستند إلى سنّة النبي(ص)، ويعرّفهم أنه لا يبحث عن السلطة من أجل ذاته، إنّما يريد من خلال تحركه تغيير الواقع الفاسد الذي يتحرّك بكلِّ قوّة نحو الكفر الذي يختزنه يزيد ومن معه من أجل تدمير الإسلام الحق. يقول(ع) في خطابه: "أيُّها الناس، إنَّ رسول الله(ص) قال:من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغِر عليه ـ وفي رواية: "فلم يغيّر ما عليه" ـ بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يُدخله مدخله".
لقد أراد الحسين(ع) أن يحمّل المسلمين جميعاً مسؤولية التحرك من أجل إسقاط الحكم الظالم المنحرف الذي لا يتصل بالإسلام بشيء، فكلّ الصفات السلبية الّتي ذكرها رسول الله(ص) في حديثه تنطبق على يزيد ومن حوله من أتباعه وأعوانه. وهذه العناوين تمثِّل شرعيّة الثورة على الحاكم الظالم، لأن بعض الفقهاء من المسلمين يرون أنّ علينا أن ننصح الحكام لا أن نثور عليهم، فالحسين(ع) أراد أن يؤكد القاعدة الإسلامية التي تفرض على المسلمين في كل زمان ومكان أن يثوروا على الحاكم الظالم، وأن يبيّن أنّ الذي يقف موقفاً محايداً من الحاكم الظالم، يدخله الله مدخل هذا الحاكم، لأنّ "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

ثم أراد الحسين(ع) أن يبيّن لهم موقفه الشرعي فقال: "ألا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء ـ وهو مال الأمة ـ وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غَيَّر".

حركة تغيير الواقع الفاسد

ولذلك، فإنّ حركة الإمام الحسين(ع) كانت من أجل تغيير الانحرافات الفكرية التي أصابت المجتمع، وتغيير الواقع الفاسد الذي سيطر عليه الأمويون.

أما ما يثور من جدل بين بعض المشايخ الذين يستنكرون مسألة أن يكون الحسين(ع) طالباً للحكم، فإننا نقول إنّ مسؤولية الحسين(ع) أن يطلب الحكم، ولكن هناك فرقاً بين من يطلب الحكم لأطماعه ولذاته، وبين من يطلبه من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل وتأكيد الشريعة الإسلامية الحقة في المجتمع، وهذا يمثل نهج الأئمة(ع) الذي أكَّده نص عليّ(ع) وهو يخصف نعله، عندما قال لابن عباس: "ما قيمة هذا النّعل؟ قال: لا قيمة لها، فقال(ع): والله، لهيّ أحبّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"، فصحيح أنّ الأئمّة(ع) طلّقوا الدّنيا، ولكن ليس معنى ذلك أنّهم ابتعدوا عن حقّهم في الحكم، لأنّ الحكم بعد رسول الله(ص) كان لهم، وخطاب الحسين(ع) يؤكد ذلك: "وأنا أحقّ من غيّر".

وقد أرسل الحسين(ع) كتبه إلى البقاع الكثيرة، ومنها إلى أهل البصرة، وجاء فيها: "أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أُرسل به، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا، فأغضينا كراهيةً للفرقة ومحبةً للعافية ـ لأننا نريد وحدة المسلمين، ولا سيما في تلك المرحلة التي كان الإسلام يواجه فيها الخطر من القوى الكافرة ـ ونحن نعلم أنّا أحقُّ بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه ـ فالخلافة لنا والإمامة لنا ـ وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإن السنّة قد أُميتت، وإن البدعة قد أُحييت، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدِكم سبيل الرشاد".

لقد كان الإمام الحسين(ع) يؤكّد أنه خرج من أجل إقامة الحق وإزهاق الباطل والإصلاح في أمة جده، خرج من أجل تركيز القاعدة الإسلامية التي ركَّزها جده رسول الله(ص)، ولذلك فإنّنا لا نقبل بكلّ ما يقوله البعض من أنّ الحسين(ع) انطلق بحركة انتحاريّة أو  استشهاديّة، بالرواية التي تنسب إلى الإمام الحسين(ع) القول: "خير لي مصرع أنا ملاقيه...."اسمعوا هذه الرواية التي تتحدث عن الحسين(ع) وهو في ساحة المعركة والتحدي: "فوالله، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مقدماً منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، ولقد كانوا يحملون عليه وقد تكاملوا ثلاثين ألفاً، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله".

لقد كان الناس يرون في قتال الإمام الحسين(ع) قتال علي بن أبي طالب(ع)، كما كانوا يرون في قتال علي الأكبر قتال جده(ص)، وعندما رأى ابن سعد القتلى يتساقطون، نادى في أصحابه: "أتدرون من تقاتلون، هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب". نحن نلاحظ في كثير من مجالس التعزية، أنهم يصوّرون الإمام الحسين(ع) كأنّه إنسان ضعيف، وخصوصاً عندما ينسبون إليه القول: "وحق جدي أنا عطشان"، فهذا كله غير صحيح، لأنّ الإمام الحسين(ع) كان يمثّل القوة، وقد أوصى أخته زينب بأن تصبر وتنطلق بكلِّ صلابة وقوة، وهو ما فعلته السيدة زينب القائدة التي وقفت أمام ابن زياد ويزيد بكلِّ قوة وصلابة، وما ينقله البعض من أنّها ضربت جبينها بمقدّم المحمل هو كذب.

عاشوراء منطلق القوّة والحرّيّة
ما نريده من خلال إحياء عاشوراء، هو أن يكون لنا قوة كقوة الحسين(ع) وزينب، لأنّ التحديات تحيط بنا كما أحاطت به، وقد استعدَّ الحسين(ع) للقتال عندما أمروه أن ينـزل على حكم ابن عمه أو يُقتل، عندها قال(ع): "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذَّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"، "ألا وإنَّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وجدود طهُرت، ونفوس أبيّة، وأنوف حميّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".
هذا هو الحسين(ع) الذي وقف وحيداً، ولكنّه كان أمةً في رجل، لذلك علينا عندما نواجه التحديات الاستكبارية الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية، أن نكون حسينيين في الرسالة والقوة والعزّة والكرامة، أمّا قضية الحزن والبكاء، فهي تمثّل العاطفة الإنسانية، والحسين(ع) يستحق منّا هذه العاطفة، لأنّ المأساة في كربلاء تفجّر هذه العاطفة، ولكن علينا أن لا نستضعف موقف الحسين وأهل بيته(ع) وأصحابه.

وهذا هو دور عاشوراء، أن تمنحنا القوة والصلابة والتحدي والصبر على الأذى، لكي نردّد مع علي الأكبر قوله في حديثه لأبيه: "ما دمنا على الحقّ، فوالله لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا".

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟    

غزّة: حرب إبادة نازية
في المشهد الإسرائيلي، تستمر حملة الإبادة للشعب الفلسطيني على الطريقة النازية الحاقدة، فقد وصل عدد الشهداء إلى المئات، بينهم عشرات الأطفال، كما بلغ عدد الجرحى الآلاف. ومن اللافت أن هذا العدد من الضحايا لم يجعل المحاور الدولية والعربية تشعر بالخطر والكارثة الإنسانية، بل إن القضية المطروحة لديهم هي الدعوة إلى إيقاف العنف.

أمّا أمريكا، فإنها تعمد من خلال مسؤولي البيت الأبيض إلى تحميل حركة حماس المسؤولية، كما أن مستشارة ألمانيا تردد الكلام نفسه، وكأنها تستعيد طريقة النازي الألماني في تجديد المحرقة للفلسطينيين، في الوقت الذي تتحدث أمريكا عن ضرورة توخي الدقة في أرقام الضحايا في غزة الذين سقطوا بفعل القصف الإسرائيلي بالطائرات الأمريكية التي لا تُستخدم إلا في الحروب الكبيرة. والجميع ممن يدعون إلى وقف العنف ويساوون بين الجلاد والضحية، يعرفون أن ما قامت به الفصائل المجاهدة المقاومة كان ردّ فعل على العدوان الإسرائيلي في القصف الإسرائيلي المتدرّج، والحصار التجويعي، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها من المدنيين، وتدمير المساجد على رؤوس المصلّين، ولكنّ هذه الدولة الأمريكية تشارك حليفتها اليهودية في كل جرائمها وفي سياساتها التوسعية. وقد تكررت التصريحات بأن الهدف من هذا العدوان هو تغيير الواقع السياسي وإنهاء حركة حماس، ما يدلّ على أن ما يجري هو جزء من الحملة الدولية العربية ضد هذه الحركة المجاهدة، بحيث يُستخدم الحصار والقصف الوحشي المجنون للشعب كله من أجل أن يقف الشعب الفلسطيني ضد حماس، بدعوى أنها توّرطهم في هذا الوضع المأساوي.

 ولكننا نعتقد أن هذه الحرب رفعت معنويات هذه الحركة لدى الشعب ولدى العالم العربي والإسلامي، بما تمثّل  بالتظاهرات الحاشدة التي تهتف في صراخ احتجاجي ضد العدوان، محمّلة العالم العربي المسؤولية، وهو ما أكّدته التصريحات الإسرائيلية التي ذكرت أن هذا العدوان كان بالتنسيق مع بعض الدول العربية أو بموافقتها. وهذا ما لاحظناه في بعض تصريحات المسؤولين العرب الذين حمّلوا  حركة حماس كل النتائج الوحشية، وكأنهم يعذرون العدو في عدوانه، زاعمين ـ على الطريقة الأمريكية ـ بأنه يدافع عن نفسه، ولذلك كان قرارهم تأجيل مؤتمر وزراء الخارجية العرب إلى وقت متأخر ريثما تستكمل إسرائيل عدوانها، بما يتيح تحقيق رغبة بعضهم في إسقاط حماس، لتتّم عملية ما يسمى السلام العربي ـ الإسرائيلي الذي ينطلق من قاعدة تقديم التنازلات للعدو الذي لم يوافق على المبادرة العربية، بل يعتبرها قابلةً للتفاوض الذي تشرف عليه أمريكا والدول الأوروبية، في خطة اللجنة الرباعية الدولية التي أثبتت أنها الفريق الإسرائيلي لا الفريق المحايد الذي يدرس المسألة بطريقة موضوعية سياسية، حتى إن الحديث عن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية يستهدف إخضاع حماس لتنازلات السلطة الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل التي لم تحدِّد حدودها حتى الآن، ولم تقدّم أي تنازل، سواء في مسألة رفض حق العودة، أو في الاستمرار في تهويد القدس واعتبارها العاصمة الموحّدة الأبدية للدولة اليهودية، أو في إبقاء المستوطنات والجدار العنصري الفاصل، والسيطرة على منابع المياه في الضفة.

تلكؤ وتواطؤ ضد القضية الفلسطينية
ولذلك، فإنّ اعتراف مصر والأردن بإسرائيل، لا يمثّل اعترافاً قانونياً أو حقوقياً أو دبلوماسياً، لأن هذه الدولة لا حدود لها بشكل رسمي... بل إنها سوف تفرض الحدود التي تتطلّبها استراتيجيتها مستقبلاً من دون أن يعترض عليها أحد، ولقد كانت الجماهير العربية والإسلامية تأمل من مصر والأردن أن لا تكتفيا بالاستنكار وبعقد المؤتمرات التي لا تنتج أيّ حل لمشكلة العدوان والحصار، بل أن تتخذا موقفاً قوياً من إسرائيل، قد يتمثل على الأقل، باستدعاء السفيرين المصري والأردني من الكيان الصهيوني تدليلاً على الموقف الضاغط عليه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك.

أما الاتحاد الأوروبي الذي يحترم شعوبه وقضاياه الحيوية ومواقفه السياسية، فقد بادر وزراء خارجية دوله إلى الاجتماع للتداول في هذه المسألة، وطالبوا بوقف فوريّ لإطلاق النار، في الوقت الذي نرى الزعماء العرب لا يملكون هذه المبادرة في مثل هذه الحرب الكارثية التي تحصد الشعب الفلسطيني في غزّة، بكل الحقد والعنصرية اليهودية التي تدخل في ثقافة اليهود ضد العرب والمسلمين، وقد استمع الجميع إلى بيان وزراء خارجية الدول العربية الذي يمثل رسالةً غير مباشرة لإسرائيل لكي تأخذ وقتها في الحرب على غزة، كما يمثل رسالةً لأمريكا، القابضة على الجامعة العربية ومجلس الأمن، بأن العرب يستمعون إلى تعليماتها لا إلى نداءات شعوبهم.

إنّ هذه الحرب ليست حرباً ضد حماس، بل هي حربٌ ضدّ الإصرار على الثوابت الوطنية الفلسطينية في قضية التحرير التي لم تستطع الدولة اليهودية أن تنزع الالتزام بها والإصرار عليها من الشّعب الفلسطيني منذ ستين سنة، ولذلك كانت الخطة الإسرائيلية عقاباً لهذا الشعب بالحصار والحديد والنار والإذلال على المعابر ومصادرة الأراضي بشكل تدريجي.

 وإننا نجد في المواقف الغربية، وبعض الدول العربية، ما يشير إلى المشاركة في التآمر، ولو بشكل سلبي، بما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، لأنه لا حقوق للشعب الفلسطيني لدى كل هؤلاء أمام احترام الشعب اليهودي، ولذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يحترم الإنسان الفلسطيني، والذي عبّر عنه بعض الحاخامات اليهود بأنه يشبه الحشرات والأفاعي التي لا بدّ من القضاء عليها...

صمود سيحقق النصر
وإننا نعتقد أن هذا الصمود الرائع الذي تمثل بثبات أهل غزة والمقاومة القوية في حركة المجاهدين من خلال صواريخهم المتحدّية، سوف يجعل هذه الحرب فاشلةً وخاسرةً على كل المستويات، وسوف يحقّق للشعب الصابر النّصر بالرغم من كل التضحيات، بالطريقة التي انتصرت فيها المقاومة في لبنان.

ومن جانب آخر، فإننا نرحب بالمساعدات الطبية والغذائية من أكثر من دولة التي وصلت من خلال معبر رفح للتخفيف من حال الحرمان الشعبي، ولكننا نتساءل: لِمَ لم تُرسل هذه المساعدات قبل الحرب، ولا سيّما من الدول العربية؟ ولماذا لم يُفتح هذا المعبر قبل ذلك لفك الحصار أو تخفيفه أو تقديم المساعدات الطبية؟ هل إن ذلك من أجل التنفيس عن الغضب الشعبي الذي يطالب الزعماء العرب بدعم هذا الشعب المحاصَر الذي يموت أطفاله ومرضاه بفعل فقدان الأدوية وإمكانات العلاج؟ ونحن نقول لهم: إنّ القانون الدولي والاتفاق الإسرائيلي المصري لم يمنعا فتح المعبر، فلماذا يصرُّ المسؤولون هناك على منع فتحه حتى للجرحى والمرضى، أو للحصول على الحاجات الحيوية؟ هل نفهم من ذلك أن المسألة مرتبطة بالموقف من حركة حماس الذي يمتد إلى الموقف من شعب غزة، والذي يراد الضغط عليه لينتفض في وجه الحكومة المقالة لحساب السلطة الفلسطينية؟ إننا نطلق السؤال من خلال المنطق الشعبي العربي والإسلامي الذي بدأ يفقد ثقته بالمسؤولين العرب في التزامهم بالقضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية، وبمعاهدة الدفاع المشترك، ما جعل من الجامعة العربية جامعة الرؤساء لا جامعة الشعوب العربية.

إننا نحذّر العالم العربي والإسلامي من أنّ الغرب قد وضع إسرائيل في قلب المنطقة من أجل الفصل بين البلدان التي كانت على اتصال ببعضها البعض، وللسيطرة على الواقع العربي وإخضاعه للسياسة الغربية، ولا سيما من خلال تزويدها بكل الأسلحة المتطورة، بما فيها السلاح النووي، ليكون لها التفوق النوعي على المنطقة، ولتمارس عمليات إبادة متواصلة ضد شعوبنا من دون أن يحرك العالم ساكناً.

وهذا ما عاشه العالم العربي في السنين الماضية في الحرب الصهيونية المدعومة من أمريكا وأكثر الدول الغربية ضد مصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، ولذلك فإنه لن يكون هناك سلام عادل يضمن للأمة الحرية والعزة والكرامة والعنفوان ما دامت هذه الدولة، التي تمثل القاعدة الأمريكية والغربية المتقدّمة لإثارة الفوضى وتحريك الفتن وتهديد الأمن، قائمةً، وهو ما يفرض على كل شعوبنا العربية والإسلامية البقاء في موقع الرفض لوجودها في المنطقة.

وإذا كانت بعض الدول العربية، كمصر، تعتبر أن صلحها مع هذه الدولة اليهودية يمنحها الاستقرار والأمن، فإن عليها أن تعرف أن طموحات هذه الدولة في السيطرة على المنطقة سوف تتدخل لإضعاف قوتها، لتبقى إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة.

الموقف اللبناني الحر والمقاوم
أما في لبنان، فإن الموقف الشعبي كان موقفاً مميزاً في لقاء المواقف الممانِعة بين مقاومة فلسطين وموقف لبنان، لتكون التجربة المتبادلة هي الخطّ الذي يصل بين المقاومتين، ويؤكِّد النظرة السياسية المشتركة في مواجهة الدولة اليهودية وضرورة إزالة الاحتلال في كل مواقعه.

 ويبقى الشّعب اللبناني الأصيل الذي يقف مع قضية الحرية، والذي نريد له أن يدرس الموقف الصهيوني الذي عاش اللبنانيون المعاناة الكبرى من قصفه واحتلاله وتدميره بنية البلد التحتية، ومن المجازر التي تمثلت بـ"قانا" الأولى والثانية بدعم أمريكي، إضافةً إلى تهديداته المتلاحقة واختراقاته الجوية والبرية المتواصلة، ليتوحّد الجميع في لبنان على أساس ضمان أمنه في كل مناطقه، ويكفّوا عن اللعبة السياسية التقليدية التي يرقص فيها بعض السياسيين على آلام المستضعفين الجائعين المحرومين لاستغلال فقرهم وضعفهم، لضمان الحصول على أصواتهم في صناديق الاقتراع، بما يزيد في تخريب الذهنية اللبنانية في مسألة احترام المواطن واحترام حرية قراره.

حذار من أمريكا وإسرائيل
إنّ المرحلة تمرّ باهتزازات سياسية وأمنية، وخصوصاً أن أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ ما زالت تتابع حربها على المستضعفين، ومصادرة ثرواتهم، وإثارة الفتن، واغتيال المجاهدين، ولن يكون لبنان في منأى عن هذه الأخطار، بالرغم من حديث المسؤولين الأمريكيين، في بعض الجلسات، بأن لبنان لم يعد في موقع الاهتمام السياسي والأمني. وعلينا أن نفهم جيداً معنى أمريكا وإسرائيل في كونهما تمثلان دولةً واحدةً متكاملةً في اضطهاد الشعوب واغتيال السلام.

إنَّ المرحلة تفرض الوعي والحذر، والوحدة الوطنية، والتلاقي على قاعدة المواطنة الإنسانية التي تجعل الإنسان اللبناني يعيش إنسانيته في انفتاحه على الآخر، لا وحشاً طائفياً يقبع في زنزانة طائفته الخبيثة التي يجتر فيها عقدته النفسية ضد الآخر... إن معنى إنسانيتك أن تعترف بإنسانية الآخر لتتواصل معه ولتتعاون معه على البرّ والتقوى، لا على الإثم والعدوان.


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

دفاعاً عن الإسلام وثورة ضدّ الظّلم:
ثورة الحسين(ع) امتداد لهجرة الرّسول(ص)

الهجرة وبداية التأريخ الإسلاميّ
منذ بداية الهجرة، ركّز المسلمون على أن يكون التّاريخ الهجريّ بداية التاريخ الإسلامي، ويقال إنَّهم استشاروا عليّاً(ع) في ذلك فوافق عليه. وفي سنة ستين من الهجرة، كانت هجرة الحسين(ع) من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى كربلاء. وبين هذين التاريخين؛ تاريخ بداية السنة الهجرية، وتاريخ بداية الهجرة الحسينية، مرّت على المسلمين أحداثٌ وأحداث، كانت بداياتها مع رسول الله(ص) عندما انطلق في المدينة ليؤسِّس الدولة الإسلامية، ولينظّم للناس حياتهم على أساس الإسلام، وأصبح للمسلمين في المدينة ـ ومعهم اليهود الذين دخلوا في عهد رسول الله في وثيقة المدينة مع الأنصار والمهاجرين ـ دولة تنظّم أمور الناس على أساس الشريعة الإسلامية، وتؤسِّس للقوة الضاربة المجاهدة المتحدية التي تواجه الشرك كله، وتصنع وضعاً جديداً في المنطقة، ليشعر النّاس بأنّه ليست هناك قوّة وحيدة يخافون منها، وهي قوَّة قريش، ومعهم حلفاؤهم من المشركين واليهود آنذاك، بل إن هناك قوةً جديدةً تنطلق من قاعدة ثابتة ترتكز على أساس العقل والعلم والوحي الإلهي والشريعة الإسلامية، قوة تملك قانوناً ينظّم للناس حياتهم بدلاً من القوة التي كانت تملكها قريش، والتي لا لم تكن تمثّل نظاماً حضاريّاً لناس.

وبعد وفاة النبيّ(ص)، جرت أحداثٌ كبيرة، حيث أُبعد الخليفة الشرعي الإمام علي(ع) عن موقعه، وارتبك الواقع الإسلامي نتيجة الخلافات الفقهية والفكرية وغيرها، وكانت هناك فرصة لامتداد الإسلام من خلال الحرب التي انطلق فيها المسلمون مع الروم والفرس، ولكن كانت الفتنة التي قُتل فيها الخليفة الثالث عثمان، ثم بدأت الفتنة الثانية باستغلال معاوية قميص عثمان. وعندما تسلّم الإمام عليّ(ع) الخلافة، وضعوا الأشواك في طريقه، فأعلنوا الحرب عليه في كلِّ الأقطار؛ في البصرة في حرب الجمل، وفي الشام في حرب صفين، وفي العراق في حرب الخوارج.

وهكذا، سيطر الأمويون بعد الصلح الذي فرض على الإمام الحسن(ع) بسبب ضعف جيشه الذي لم يكن موحّداً، وانطلقت الأمور من خلال سيطرة بني أمية على الواقع الإسلامي كلّه، حيث فرض معاوية البيعة لولده يزيد على المسلمين، وقيل آنذاك إن الذي كلّفه معاوية أن يأخذ البيعة، أمسك بيدٍ صرّةً من المال وباليد الأخرى سيفاً، وقال: "من بايع فله هذا ـ وأشار إلى المال ـ ومن لم يبايع فله هذا ـ وأشار إلى السيف ـ". وهكذا فُرضَ يزيد، شارب الخمر، والفاسق، والقاتل، والذي لم يأخذ بأيِّ التزام إسلامي في حياته، بل كانت جذور الشرك تعيش في داخل شخصيته، فرض خليفةً على المسلمين.

الحسين(ع) يرفض مبايعة يزيد
والتزم الإمام الحسين(ع) مع أخيه الحسن(ع) المعاهدة التي كانت بينه وبين معاوية، وهي أن لا يثور عليه ما دام حيّاً. واغتيل الإمام الحسن(ع) بالسم، ومات معاوية، وأُريد للحسين أن يبايع يزيد، فأعلن(ع) لوالي المدينة: "يزيد فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة".

وبدأ الإمام الحسين(ع) بالثورة على يزيد، لأنّه(ع) هو الإمام المفترض الطاعة بنص النبي فيما روي عنه(ص): "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا". وكان(ع) يخطِّط لإبلاغ الأمّة رسالته، ومكث في مكَّة بعد خروجه إليها عدة شهور، يستقبل الناس، ويحدّثهم عن الواقع الإسلامي وعن الخطّ المستقيم، وعن مسؤوليتهم في أن يكونوا معه، وأن يكونوا القوَّة التي يستند إليها في إسقاط هذا الحكم الظالم المنحرف عن خطِّ الإسلام.

المرحلة التبليغيّة في مكة
وانتهى الإمام الحسين(ع) من خطًّته في مكة في توجيه الناس، ولا سيما أنّ الموسم كان موسم حجّ، حيث يجتمع الناس في مكة، وكان خروجه من مكة كخروج رسول الله منها، عندما خطَّط المشركون لقتل رسول الله(ص) اغتيالاً بالهجوم على بيته بأسياف عشرة من قبائل قريش، ولكنَّ الله تعالى أمره بأن لا يبيت تلك الليلة التي حدَّدوها في بيته، وأن يهاجر ويُبقي عليّاً(ع) على فراشه. وهاجر النبي(ص) إلى المدينة، أمَّا الحسين(ع)، فقد نقل إليه أن يزيد قد بعث جماعةً من الأشقياء وأمرهم بأن يقتلوه ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة، فخرج(ع) إلى العراق بعد أن جاءته المئات من الكتب أن أقدم علينا فليس لنا إمام غيرك. وتطوَّرت الأمور بعد أن أرسل الحسين(ع) ابن عمه مسلم بن عقيل الذي استشهد، واتجه الحسين(ع) إلى كربلاء.

وهكذا كانت الهجرتان؛ هجرة الرّسول(ص)، وهجرة الإمام الحسين(ع)في  سبيل الدعوة إلى الإسلام.

ونقرأ في أوّل خطاب للإمام الحسين(ع)للناس  والذي كان يبلّغهم فيه الخطَّ الرسالي الذي يستند إلى سنّة النبي(ص)، ويعرّفهم أنه لا يبحث عن السلطة من أجل ذاته، إنّما يريد من خلال تحركه تغيير الواقع الفاسد الذي يتحرّك بكلِّ قوّة نحو الكفر الذي يختزنه يزيد ومن معه من أجل تدمير الإسلام الحق. يقول(ع) في خطابه: "أيُّها الناس، إنَّ رسول الله(ص) قال:من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغِر عليه ـ وفي رواية: "فلم يغيّر ما عليه" ـ بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يُدخله مدخله".
لقد أراد الحسين(ع) أن يحمّل المسلمين جميعاً مسؤولية التحرك من أجل إسقاط الحكم الظالم المنحرف الذي لا يتصل بالإسلام بشيء، فكلّ الصفات السلبية الّتي ذكرها رسول الله(ص) في حديثه تنطبق على يزيد ومن حوله من أتباعه وأعوانه. وهذه العناوين تمثِّل شرعيّة الثورة على الحاكم الظالم، لأن بعض الفقهاء من المسلمين يرون أنّ علينا أن ننصح الحكام لا أن نثور عليهم، فالحسين(ع) أراد أن يؤكد القاعدة الإسلامية التي تفرض على المسلمين في كل زمان ومكان أن يثوروا على الحاكم الظالم، وأن يبيّن أنّ الذي يقف موقفاً محايداً من الحاكم الظالم، يدخله الله مدخل هذا الحاكم، لأنّ "الساكت عن الحق شيطان أخرس".

ثم أراد الحسين(ع) أن يبيّن لهم موقفه الشرعي فقال: "ألا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء ـ وهو مال الأمة ـ وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ مَن غَيَّر".

حركة تغيير الواقع الفاسد

ولذلك، فإنّ حركة الإمام الحسين(ع) كانت من أجل تغيير الانحرافات الفكرية التي أصابت المجتمع، وتغيير الواقع الفاسد الذي سيطر عليه الأمويون.

أما ما يثور من جدل بين بعض المشايخ الذين يستنكرون مسألة أن يكون الحسين(ع) طالباً للحكم، فإننا نقول إنّ مسؤولية الحسين(ع) أن يطلب الحكم، ولكن هناك فرقاً بين من يطلب الحكم لأطماعه ولذاته، وبين من يطلبه من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل وتأكيد الشريعة الإسلامية الحقة في المجتمع، وهذا يمثل نهج الأئمة(ع) الذي أكَّده نص عليّ(ع) وهو يخصف نعله، عندما قال لابن عباس: "ما قيمة هذا النّعل؟ قال: لا قيمة لها، فقال(ع): والله، لهيّ أحبّ إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"، فصحيح أنّ الأئمّة(ع) طلّقوا الدّنيا، ولكن ليس معنى ذلك أنّهم ابتعدوا عن حقّهم في الحكم، لأنّ الحكم بعد رسول الله(ص) كان لهم، وخطاب الحسين(ع) يؤكد ذلك: "وأنا أحقّ من غيّر".

وقد أرسل الحسين(ع) كتبه إلى البقاع الكثيرة، ومنها إلى أهل البصرة، وجاء فيها: "أما بعد، فإن الله اصطفى محمداً على خلقه، وأكرمه بنبوّته، واختاره لرسالته، ثم قبضه إليه، وقد نصح لعباده، وبلّغ ما أُرسل به، وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا، فأغضينا كراهيةً للفرقة ومحبةً للعافية ـ لأننا نريد وحدة المسلمين، ولا سيما في تلك المرحلة التي كان الإسلام يواجه فيها الخطر من القوى الكافرة ـ ونحن نعلم أنّا أحقُّ بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه ـ فالخلافة لنا والإمامة لنا ـ وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإن السنّة قد أُميتت، وإن البدعة قد أُحييت، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدِكم سبيل الرشاد".

لقد كان الإمام الحسين(ع) يؤكّد أنه خرج من أجل إقامة الحق وإزهاق الباطل والإصلاح في أمة جده، خرج من أجل تركيز القاعدة الإسلامية التي ركَّزها جده رسول الله(ص)، ولذلك فإنّنا لا نقبل بكلّ ما يقوله البعض من أنّ الحسين(ع) انطلق بحركة انتحاريّة أو  استشهاديّة، بالرواية التي تنسب إلى الإمام الحسين(ع) القول: "خير لي مصرع أنا ملاقيه...."اسمعوا هذه الرواية التي تتحدث عن الحسين(ع) وهو في ساحة المعركة والتحدي: "فوالله، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً، ولا أمضى جناناً، ولا أجرأ مقدماً منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، وإن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه، فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب، ولقد كانوا يحملون عليه وقد تكاملوا ثلاثين ألفاً، فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله".

لقد كان الناس يرون في قتال الإمام الحسين(ع) قتال علي بن أبي طالب(ع)، كما كانوا يرون في قتال علي الأكبر قتال جده(ص)، وعندما رأى ابن سعد القتلى يتساقطون، نادى في أصحابه: "أتدرون من تقاتلون، هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب". نحن نلاحظ في كثير من مجالس التعزية، أنهم يصوّرون الإمام الحسين(ع) كأنّه إنسان ضعيف، وخصوصاً عندما ينسبون إليه القول: "وحق جدي أنا عطشان"، فهذا كله غير صحيح، لأنّ الإمام الحسين(ع) كان يمثّل القوة، وقد أوصى أخته زينب بأن تصبر وتنطلق بكلِّ صلابة وقوة، وهو ما فعلته السيدة زينب القائدة التي وقفت أمام ابن زياد ويزيد بكلِّ قوة وصلابة، وما ينقله البعض من أنّها ضربت جبينها بمقدّم المحمل هو كذب.

عاشوراء منطلق القوّة والحرّيّة
ما نريده من خلال إحياء عاشوراء، هو أن يكون لنا قوة كقوة الحسين(ع) وزينب، لأنّ التحديات تحيط بنا كما أحاطت به، وقد استعدَّ الحسين(ع) للقتال عندما أمروه أن ينـزل على حكم ابن عمه أو يُقتل، عندها قال(ع): "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذَّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"، "ألا وإنَّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وجدود طهُرت، ونفوس أبيّة، وأنوف حميّة، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".
هذا هو الحسين(ع) الذي وقف وحيداً، ولكنّه كان أمةً في رجل، لذلك علينا عندما نواجه التحديات الاستكبارية الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية، أن نكون حسينيين في الرسالة والقوة والعزّة والكرامة، أمّا قضية الحزن والبكاء، فهي تمثّل العاطفة الإنسانية، والحسين(ع) يستحق منّا هذه العاطفة، لأنّ المأساة في كربلاء تفجّر هذه العاطفة، ولكن علينا أن لا نستضعف موقف الحسين وأهل بيته(ع) وأصحابه.

وهذا هو دور عاشوراء، أن تمنحنا القوة والصلابة والتحدي والصبر على الأذى، لكي نردّد مع علي الأكبر قوله في حديثه لأبيه: "ما دمنا على الحقّ، فوالله لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا".

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟    

غزّة: حرب إبادة نازية
في المشهد الإسرائيلي، تستمر حملة الإبادة للشعب الفلسطيني على الطريقة النازية الحاقدة، فقد وصل عدد الشهداء إلى المئات، بينهم عشرات الأطفال، كما بلغ عدد الجرحى الآلاف. ومن اللافت أن هذا العدد من الضحايا لم يجعل المحاور الدولية والعربية تشعر بالخطر والكارثة الإنسانية، بل إن القضية المطروحة لديهم هي الدعوة إلى إيقاف العنف.

أمّا أمريكا، فإنها تعمد من خلال مسؤولي البيت الأبيض إلى تحميل حركة حماس المسؤولية، كما أن مستشارة ألمانيا تردد الكلام نفسه، وكأنها تستعيد طريقة النازي الألماني في تجديد المحرقة للفلسطينيين، في الوقت الذي تتحدث أمريكا عن ضرورة توخي الدقة في أرقام الضحايا في غزة الذين سقطوا بفعل القصف الإسرائيلي بالطائرات الأمريكية التي لا تُستخدم إلا في الحروب الكبيرة. والجميع ممن يدعون إلى وقف العنف ويساوون بين الجلاد والضحية، يعرفون أن ما قامت به الفصائل المجاهدة المقاومة كان ردّ فعل على العدوان الإسرائيلي في القصف الإسرائيلي المتدرّج، والحصار التجويعي، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها من المدنيين، وتدمير المساجد على رؤوس المصلّين، ولكنّ هذه الدولة الأمريكية تشارك حليفتها اليهودية في كل جرائمها وفي سياساتها التوسعية. وقد تكررت التصريحات بأن الهدف من هذا العدوان هو تغيير الواقع السياسي وإنهاء حركة حماس، ما يدلّ على أن ما يجري هو جزء من الحملة الدولية العربية ضد هذه الحركة المجاهدة، بحيث يُستخدم الحصار والقصف الوحشي المجنون للشعب كله من أجل أن يقف الشعب الفلسطيني ضد حماس، بدعوى أنها توّرطهم في هذا الوضع المأساوي.

 ولكننا نعتقد أن هذه الحرب رفعت معنويات هذه الحركة لدى الشعب ولدى العالم العربي والإسلامي، بما تمثّل  بالتظاهرات الحاشدة التي تهتف في صراخ احتجاجي ضد العدوان، محمّلة العالم العربي المسؤولية، وهو ما أكّدته التصريحات الإسرائيلية التي ذكرت أن هذا العدوان كان بالتنسيق مع بعض الدول العربية أو بموافقتها. وهذا ما لاحظناه في بعض تصريحات المسؤولين العرب الذين حمّلوا  حركة حماس كل النتائج الوحشية، وكأنهم يعذرون العدو في عدوانه، زاعمين ـ على الطريقة الأمريكية ـ بأنه يدافع عن نفسه، ولذلك كان قرارهم تأجيل مؤتمر وزراء الخارجية العرب إلى وقت متأخر ريثما تستكمل إسرائيل عدوانها، بما يتيح تحقيق رغبة بعضهم في إسقاط حماس، لتتّم عملية ما يسمى السلام العربي ـ الإسرائيلي الذي ينطلق من قاعدة تقديم التنازلات للعدو الذي لم يوافق على المبادرة العربية، بل يعتبرها قابلةً للتفاوض الذي تشرف عليه أمريكا والدول الأوروبية، في خطة اللجنة الرباعية الدولية التي أثبتت أنها الفريق الإسرائيلي لا الفريق المحايد الذي يدرس المسألة بطريقة موضوعية سياسية، حتى إن الحديث عن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية يستهدف إخضاع حماس لتنازلات السلطة الفلسطينية التي اعترفت بإسرائيل التي لم تحدِّد حدودها حتى الآن، ولم تقدّم أي تنازل، سواء في مسألة رفض حق العودة، أو في الاستمرار في تهويد القدس واعتبارها العاصمة الموحّدة الأبدية للدولة اليهودية، أو في إبقاء المستوطنات والجدار العنصري الفاصل، والسيطرة على منابع المياه في الضفة.

تلكؤ وتواطؤ ضد القضية الفلسطينية
ولذلك، فإنّ اعتراف مصر والأردن بإسرائيل، لا يمثّل اعترافاً قانونياً أو حقوقياً أو دبلوماسياً، لأن هذه الدولة لا حدود لها بشكل رسمي... بل إنها سوف تفرض الحدود التي تتطلّبها استراتيجيتها مستقبلاً من دون أن يعترض عليها أحد، ولقد كانت الجماهير العربية والإسلامية تأمل من مصر والأردن أن لا تكتفيا بالاستنكار وبعقد المؤتمرات التي لا تنتج أيّ حل لمشكلة العدوان والحصار، بل أن تتخذا موقفاً قوياً من إسرائيل، قد يتمثل على الأقل، باستدعاء السفيرين المصري والأردني من الكيان الصهيوني تدليلاً على الموقف الضاغط عليه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك.

أما الاتحاد الأوروبي الذي يحترم شعوبه وقضاياه الحيوية ومواقفه السياسية، فقد بادر وزراء خارجية دوله إلى الاجتماع للتداول في هذه المسألة، وطالبوا بوقف فوريّ لإطلاق النار، في الوقت الذي نرى الزعماء العرب لا يملكون هذه المبادرة في مثل هذه الحرب الكارثية التي تحصد الشعب الفلسطيني في غزّة، بكل الحقد والعنصرية اليهودية التي تدخل في ثقافة اليهود ضد العرب والمسلمين، وقد استمع الجميع إلى بيان وزراء خارجية الدول العربية الذي يمثل رسالةً غير مباشرة لإسرائيل لكي تأخذ وقتها في الحرب على غزة، كما يمثل رسالةً لأمريكا، القابضة على الجامعة العربية ومجلس الأمن، بأن العرب يستمعون إلى تعليماتها لا إلى نداءات شعوبهم.

إنّ هذه الحرب ليست حرباً ضد حماس، بل هي حربٌ ضدّ الإصرار على الثوابت الوطنية الفلسطينية في قضية التحرير التي لم تستطع الدولة اليهودية أن تنزع الالتزام بها والإصرار عليها من الشّعب الفلسطيني منذ ستين سنة، ولذلك كانت الخطة الإسرائيلية عقاباً لهذا الشعب بالحصار والحديد والنار والإذلال على المعابر ومصادرة الأراضي بشكل تدريجي.

 وإننا نجد في المواقف الغربية، وبعض الدول العربية، ما يشير إلى المشاركة في التآمر، ولو بشكل سلبي، بما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان، لأنه لا حقوق للشعب الفلسطيني لدى كل هؤلاء أمام احترام الشعب اليهودي، ولذلك فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يحترم الإنسان الفلسطيني، والذي عبّر عنه بعض الحاخامات اليهود بأنه يشبه الحشرات والأفاعي التي لا بدّ من القضاء عليها...

صمود سيحقق النصر
وإننا نعتقد أن هذا الصمود الرائع الذي تمثل بثبات أهل غزة والمقاومة القوية في حركة المجاهدين من خلال صواريخهم المتحدّية، سوف يجعل هذه الحرب فاشلةً وخاسرةً على كل المستويات، وسوف يحقّق للشعب الصابر النّصر بالرغم من كل التضحيات، بالطريقة التي انتصرت فيها المقاومة في لبنان.

ومن جانب آخر، فإننا نرحب بالمساعدات الطبية والغذائية من أكثر من دولة التي وصلت من خلال معبر رفح للتخفيف من حال الحرمان الشعبي، ولكننا نتساءل: لِمَ لم تُرسل هذه المساعدات قبل الحرب، ولا سيّما من الدول العربية؟ ولماذا لم يُفتح هذا المعبر قبل ذلك لفك الحصار أو تخفيفه أو تقديم المساعدات الطبية؟ هل إن ذلك من أجل التنفيس عن الغضب الشعبي الذي يطالب الزعماء العرب بدعم هذا الشعب المحاصَر الذي يموت أطفاله ومرضاه بفعل فقدان الأدوية وإمكانات العلاج؟ ونحن نقول لهم: إنّ القانون الدولي والاتفاق الإسرائيلي المصري لم يمنعا فتح المعبر، فلماذا يصرُّ المسؤولون هناك على منع فتحه حتى للجرحى والمرضى، أو للحصول على الحاجات الحيوية؟ هل نفهم من ذلك أن المسألة مرتبطة بالموقف من حركة حماس الذي يمتد إلى الموقف من شعب غزة، والذي يراد الضغط عليه لينتفض في وجه الحكومة المقالة لحساب السلطة الفلسطينية؟ إننا نطلق السؤال من خلال المنطق الشعبي العربي والإسلامي الذي بدأ يفقد ثقته بالمسؤولين العرب في التزامهم بالقضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية، وبمعاهدة الدفاع المشترك، ما جعل من الجامعة العربية جامعة الرؤساء لا جامعة الشعوب العربية.

إننا نحذّر العالم العربي والإسلامي من أنّ الغرب قد وضع إسرائيل في قلب المنطقة من أجل الفصل بين البلدان التي كانت على اتصال ببعضها البعض، وللسيطرة على الواقع العربي وإخضاعه للسياسة الغربية، ولا سيما من خلال تزويدها بكل الأسلحة المتطورة، بما فيها السلاح النووي، ليكون لها التفوق النوعي على المنطقة، ولتمارس عمليات إبادة متواصلة ضد شعوبنا من دون أن يحرك العالم ساكناً.

وهذا ما عاشه العالم العربي في السنين الماضية في الحرب الصهيونية المدعومة من أمريكا وأكثر الدول الغربية ضد مصر وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين، ولذلك فإنه لن يكون هناك سلام عادل يضمن للأمة الحرية والعزة والكرامة والعنفوان ما دامت هذه الدولة، التي تمثل القاعدة الأمريكية والغربية المتقدّمة لإثارة الفوضى وتحريك الفتن وتهديد الأمن، قائمةً، وهو ما يفرض على كل شعوبنا العربية والإسلامية البقاء في موقع الرفض لوجودها في المنطقة.

وإذا كانت بعض الدول العربية، كمصر، تعتبر أن صلحها مع هذه الدولة اليهودية يمنحها الاستقرار والأمن، فإن عليها أن تعرف أن طموحات هذه الدولة في السيطرة على المنطقة سوف تتدخل لإضعاف قوتها، لتبقى إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة.

الموقف اللبناني الحر والمقاوم
أما في لبنان، فإن الموقف الشعبي كان موقفاً مميزاً في لقاء المواقف الممانِعة بين مقاومة فلسطين وموقف لبنان، لتكون التجربة المتبادلة هي الخطّ الذي يصل بين المقاومتين، ويؤكِّد النظرة السياسية المشتركة في مواجهة الدولة اليهودية وضرورة إزالة الاحتلال في كل مواقعه.

 ويبقى الشّعب اللبناني الأصيل الذي يقف مع قضية الحرية، والذي نريد له أن يدرس الموقف الصهيوني الذي عاش اللبنانيون المعاناة الكبرى من قصفه واحتلاله وتدميره بنية البلد التحتية، ومن المجازر التي تمثلت بـ"قانا" الأولى والثانية بدعم أمريكي، إضافةً إلى تهديداته المتلاحقة واختراقاته الجوية والبرية المتواصلة، ليتوحّد الجميع في لبنان على أساس ضمان أمنه في كل مناطقه، ويكفّوا عن اللعبة السياسية التقليدية التي يرقص فيها بعض السياسيين على آلام المستضعفين الجائعين المحرومين لاستغلال فقرهم وضعفهم، لضمان الحصول على أصواتهم في صناديق الاقتراع، بما يزيد في تخريب الذهنية اللبنانية في مسألة احترام المواطن واحترام حرية قراره.

حذار من أمريكا وإسرائيل
إنّ المرحلة تمرّ باهتزازات سياسية وأمنية، وخصوصاً أن أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ ما زالت تتابع حربها على المستضعفين، ومصادرة ثرواتهم، وإثارة الفتن، واغتيال المجاهدين، ولن يكون لبنان في منأى عن هذه الأخطار، بالرغم من حديث المسؤولين الأمريكيين، في بعض الجلسات، بأن لبنان لم يعد في موقع الاهتمام السياسي والأمني. وعلينا أن نفهم جيداً معنى أمريكا وإسرائيل في كونهما تمثلان دولةً واحدةً متكاملةً في اضطهاد الشعوب واغتيال السلام.

إنَّ المرحلة تفرض الوعي والحذر، والوحدة الوطنية، والتلاقي على قاعدة المواطنة الإنسانية التي تجعل الإنسان اللبناني يعيش إنسانيته في انفتاحه على الآخر، لا وحشاً طائفياً يقبع في زنزانة طائفته الخبيثة التي يجتر فيها عقدته النفسية ضد الآخر... إن معنى إنسانيتك أن تعترف بإنسانية الآخر لتتواصل معه ولتتعاون معه على البرّ والتقوى، لا على الإثم والعدوان.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية