الدين النصيحة

الدين النصيحة

الدين النصيحة

 

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يركِّز الإسلام في أخلاقيّاته، في علاقة المسلم بالله وبالناس وبالحياة كلها وبالقيادات الشرعية، على النصيحة، وهي أن يبذل الإنسان كل جهده ليقدّم النصيحة التي ترفع مستوى الإنسان، وتربطه بالله وبسلامة المصير، وتبعده عن كل ما يُسقط إنسانيته ويبتعد به عن الخط المستقيم. وقد كان شعار الأنبياء لشعوبهم وأممهم، أنهم يقدّمون إليهم النصيحة، وقدموا أنفسهم على أنهم الناصحون لهم، الأمناء على إبلاغهم رسالات الله التي تنقذهم وترفع مستواهم.

النصح من مهام الأنبياء

فنحن نقرأ في كلمات الأنبياء التي نقلها الله تعالى: {أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}. فالنبي لم يأتِ من أجل أن يستغل موقعه ليجلب لنفسه نفعاً أو ليحصل على ثروة وما إلى ذلك، وإنما جاء مبلّغاً للرسالة، وناصحاً للأمة، حتى تسير في الخط الذي يحقق لها سلامة المصير. ونقرأ أيضاً: {أبلّغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين}. وفي آية أخرى عندما بلّغ الرسول(ص) كل ما عنده من الرسالة، وقدّم لهم كل ما عنده من النصح، ولكنّهم تولّوا عنه، قال: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}.

وفي حديث رسول الله(ص): "قال الله عزّ وجلّ: أحبّ ما تعبّد لي به عبدي النصح لي"، أي أن تكون علاقتك بالله علاقة النصح له. والله لا يحتاج إليك لترشده وتنصحه، ولكن النصح لله هو الانفتاح على مسوؤلياتك أمامه، في توحيدك له سبحانه في العقيدة والألوهية والعبادة والطاعة. وعن رسول الله(ص): "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين ـ بحيث يكون همّ المسلمين همّه، ومشاكلهم مشاكله، فإذا لم يهتم بأمورهم، وعاش الفردية في ذلك، فليس منهم مسلماً ـ ومن لم يصبح ويمس ناصحاً لله ـ في الإخلاص لمسؤولياته أمام الله ـ ولرسوله ـ في السير على خط رسالته ـ ولكتابه ـ للقرآن في العمل به ـ ولإمامه ـ الذي يمثل القيادة الشرعية ـ ولعامة المسلمين ـ كل المسلمين في كل قضاياهم الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية ـ فليس منهم"، فمن لا ينصح المسلمين في ذلك، فإنه يكون خارجاً عن الأمة، ولا يمثّل عضواً صالحاً في مجتمعهم.

وعنه(ص) أنه قال لأصحابه: "الدين النصيحة"، فالدين تختصره كلمة النصيحة التي يحملها المسلم المتديّن في عقله وفكره وحركته في الحياة، فقال الأصحاب: "لمن"؟ قال(ص): "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

ويقول الإمام الصادق(ع) وهو يتحدث عن الإمام عليّ(ع) في انفتاحه على واقع المسلمين واهتمامه بسلامتهم واستقامتهم وعزتهم وكرامتهم: "إن عليّاً كان عبداً ناصحاً لله عزّ وجلّ فنصحه، وأحبّ الله عزّ وجلّ فأحبه". وتلك كانت قيمة عليّ(ع)، أنه عاش مع الله في كل كيانه، فلم يكن في عليّ شيء لنفسه، بل كان بكلّه لله، وقد باع نفسه لله، فأحبّه الله تعالى وأحبّه رسول الله، ولذلك كانت كلمة النبي(ص) في واقعة خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله". وتلك كانت ميزة عليّ في المسلمين، فلم يكن بين الصحابة ـ كل الصحابة ـ من ارتفع إلى هذا المستوى من الإخلاص لله ولرسوله وللمؤمنين.

النصح طريق إلى الجنة

وعن النبي(ص): "إن أعظم الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه". هذه المرتبة العليا عند الله، لا يمنحها إلا لمن تكون حركته في كل الأمور في خطّ النصيحة لخلق الله تعالى، بحيث يدرس كل أوضاعهم ويلاحق كل حالاتهم، وكل ما يمكن أن يرتفع بهم إلى الدرجات العليا في دينهم ودنياهم. وعن النبي(ص): "من يضمن لي خمساً أضمن له الجنة: النصيحة لله عزّ وجلّ ـ وذلك بأن يخلص لله في كل مسؤولياته أمامه ـ والنصيحة لرسوله ـ في السير على سنّته والاقتداء بسيرته والدعوة إلى رسالته ـ والنصيحة لكتاب الله ـ بالعمل بكتاب الله ـ والنصيحة لدين الله ـ بحيث يتحمّل الإنسان الذي يعيش رسالية الدين، مسؤوليته في خطّ الدعوة إلى الله ومسؤولية تعليم الناس والسير بهم في الخط المستقيم ـ والنصيحة لجماعة المسلمين"، بحيث يعيش الاهتمام بأمورهم ويواجه واقعهم بمسؤولية.

ونقرأ في حديث الإمام الصادق(ع): "يجب للمؤمن على المؤمن ـ كتكليف شرعي ملزم ـ النصيحة له في المشهد والمغيب". وعنه(ع): "عليكم بالنصح لله في خلقه ـ لأنك إذا نصحت خلق الله وعباده، فقد نصحت لله، لأنّ الله يريد لك أن تكون الناصح لعباده بما يقرّبهم إليه ويرفع مستواهم عنده، وبما يحقق لهم النتائج الكبرى في سلامة المصير ـ فلن تلقاه بعمل أفضل منه"، فإن النصح لله في خلقه، هو العمل الأفضل الذي لا عمل فوقه في حركة الإنسان في الواقع. وعن النبي(ص): "أنسك الناس نسكاً أنصحهم جيباً ـ بأن يكون صدره مفتوحاً بالنصيحة للمسلمين ـ وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين"، فلا يحمل في قلبه أيّ حقد عليهم في أيّ أمر من الأمور.

وقد كان الإمام عليّ(ع) يخاطب المسلمين في خلافته، فيؤكد لهم ما هو حق الإمام على الأمة، وما هو حق الأمة على الإمام: "أيها الناس، إن لي عليكم حقاً ولكم عليّ حق، فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم... ـ أن أنصح لكم وأرشدكم وأنفتح على كل قضاياكم، بما يمكن أن يحقق لكم الخير والسعادة والسلامة ـ وأما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب". ونقرأ في كلمته(ع) وهو يتحدث عن الصالحين من أصحابه: "أنتم الأنصار على الحق، والأخوان في الدين، فأعينوني بمناصحة جليّة لا غشّ فيها". ويقول(ع) وهو يوجّه الناس إلى الارتباط بالقرآن، والانفتاح على آياته واتباع كل تعاليمه: "اتعظوا بمواعظ الله، واقبلوا نصيحة الله، واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، فاستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم".

إن كل هذه الكلمات الواردة في الكتاب والسنّة، تريد من مجتمعنا أن يكون مجتمعاً يعيش المسؤولية تجاه كل أفراد المجتمع، بحيث يعمل كل إنسان على تحريك فكره ليدرس ما يحتاجه المسلمون، ممّا يمكن أن يحقق لهم الخير والقوة والسلامة، ولا سيما في المواقع التي يواجهون فيها التحديات الكبرى من قبل المستكبرين، الذين يكيدون لهم، ويعملون على مصادرة كل واقعهم. إن القضية أن كل واحد من المسلمين مسؤول عن كل المسلمين: "كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته". إن الأمة الإسلامية تمثل وحدة في المصير والمسير، وعلينا أن نرتفع إلى مستوى هذه الوحدة لنعيش همّ المسلمين، لنؤكد القوة في كل واقعهم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله وتناصحوا فيما بينكم، وانطلقوا لتتحملوا مسؤولية الإسلام كله والمسلمين كلهم، حتى نعمل جميعاً لتكون العزة والقوة للمسلمين، من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الكافرين هي السفلى، لأن التحديات التي تواجهنا هي من أكبر التحديات في الواقع الإسلامي، وعلى كل واحد منا أن يتحمّل مسؤوليته في ذلك، ولا سيما عندما يعتدى على بلاد المسلمين، وعندما يواجهنا الاستكبار في خططه على أساس اقتصادي وأمني وسياسي وثقافي واجتماعي. لنتحمّل جميعاً المسؤولية الكبرى، حتى نعذر إلى الله في ما حمّلنا من مسؤولية، فتعالوا لنواجه ما في الواقع الإسلامي الذي تتحرك التحديات في داخله.

العرب: مكافأة العدو على الاحتلال

ماذا في المشهد الإسرائيلي؟ إن إسرائيل توشك أن تضم إلى كيانها ـ بطريقة رسمية ـ الأراضي الفلسطينية الواقعة بين جدار الفصل العنصري والخط الأخضر، ما يؤدي إلى طرد 55 ألف شخص من أرضهم. أما القادة العرب والمسلمون، فإنهم يعملون على هدم الجدار السياسي والاقتصادي بينهم وبين كيان العدو، في لقاءات سياسية وتجارية، كمكافأة لإسرائيل على الاستمرار في الاحتلال للضفة الغربية والقدس، في مستوطناتها الكبرى التي تجتاح الأرض الفلسطينية، وتعمل على تهويد القدس.

ولعل من المهانة بمكان، الأسلوب الذي يستخدمه وزير خارجية العدو، في دعوته المسؤولين العرب والمسلمين إلى أن يُخرجوا علاقاتهم بالعدو من السرّ إلى العلن، كأنه يتهمهم بالخوف من شعوبهم الرافضة لتلك العلاقات، لأن هناك هوّة سحيقة تفصل بينهم وبين الشعوب التي لا تزال ترفض العلاقات مع العدو، ولذلك امتنعت هذه الشعوب عن التطبيع معه في الدول التي صالحت إسرائيل.

إن السقوط العربي والإسلامي في النفاق السياسي، يمثل الضعف على مستوى الانهيار في المرحلة الحاضرة، لأنه لم يعد لهم أيّ موقع للتوازن في الخطوط الاستراتيجية للاستقلال، بفعل خضوعهم للتحالف الاستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي.

فلسطين: سقوط القيم الغربية

وإلى جانب ذلك، فإنّ اللجنة الرباعية الدولية في اجتماعها الأخير، تطلب من السلطة الفلسطينية نزع سلاح المقاومة باعتبارها "منظمة إرهابية"، كشرط لأية مفاوضات مع العدو، بينما يتحدث العدو بصراحة ووقاحة عن عدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات، حسب وزير خارجيته في الأمم المتحدة. وحسناً فعل رئيس السلطة الفلسطينية برفضه هذا الشرط، باعتبار أن سلاح الانتفاضة هو شأن فلسطيني داخلي لا علاقة لإسرائيل ولا للجنة الرباعية به من قريب أو بعيد.

ويمتد المشروع الصهيوني إلى رفض مشاركة "حماس" في الانتخابات البرلمانية على الرغم من الشعار الأمريكي عن الديمقراطية، ما يدل على النفاق السياسي للإدارة الأمريكية في نشر الديمقراطية في المنطقة. والسؤال هو: كيف شاركت المقاومة الفرنسية في الدولة الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية؟ إن المسألة هي أن اللجنة الرباعية لا تعترف باحتلال إسرائيل لفلسطين، بل ترى فيها مشكلة معقّدة بين ما تسمّيه "الشرعية" الإسرائيلية و"الإرهاب" الفلسطيني، ما يُسقط كل القيم الغربية ومبادئ الأمم المتحدة في مسألة رفض الاحتلال، والمطالبة بحقوق الإنسان، لأن الإنسان الفلسطيني لا حقوق له لدى هؤلاء؟!

إننا نتوجه إلى الشعوب العربية والإسلامية، لنؤكد الصراع مع الصهيونية على مستوى العالم كله، لأن اليهود يخططون للسيطرة على الواقع كله، ولا سيما في مواجهتهم للعروبة والإسلام، وعلينا أن نواجه هذا التحدي الكبير، بالموقف القوي، وبالوحدة الشاملة، وبالوعي الحضاري المنفتح على الأمة كلها في حركة صناعة المستقبل، لأننا إذا لم نرتفع إلى هذا المستوى، فسوف تسقط الأمة في ساحة الذل والهوان.

العراق: مدّعو المقاومة يخدمون الاحتلال

أما العراق، فإنه لا يزال يعيش الجوع والحرمان والخلل الأمني والمجازر الوحشية اليومية، من خلال الطريقة التي يدير فيها الاحتلال حركته وسياسته، بما لا يسمح للحكومة المؤقتة بأن تأخذ حريتها في تطبيق برنامجها في إدارة الأوضاع العامة، لأنها لا تملك الإرادة القوية في قضايا الأمن والخدمات الحيوية، ولا سيما مع استمرار الفئات المتحركة في برنامج قتل المدنيين بشكل يومي، بما لا يصل إلى مستوى قتل الجنود المحتلين.

لقد أكّدنا أكثر من مرة، أننا مع مقاومة الاحتلال بكل الوسائل السلمية والعسكرية، ولكننا نرفض اعتبار المقاومة غطاءً للذين يقتلون المدنيين بلا حساب، ويفجّرون المساجد على رؤوس المصلّين، ويعتدون على العتبات المقدّسة، ويخططون للفتنة المذهبية من خلال ما قد يتحرك به الواقع في عملية الفعل ورد الفعل، في حراسة استراتيجية الاحتلال الذي قد تساعده الفتنة على الإقامة طويلاً في العراق لتحقيق مصالحه التي لا تلتقي مع مصالح العراق والمنطقة كلها.

إننا ندعو العراقيين جميعاً، والمسلمين بشكل خاص، إلى الارتفاع إلى مستوى المرحلة بالوعي العميق الشامل، وذلك باللقاءات الحوارية بين العلماء المسلمين والقيادات السياسية المخلصة، للبحث عن مخرج لهذا المأزق الذي نخشى من أن يؤدّي استمراره إلى تدمير البلد كله والناس كلهم، وبالأخذ بأسباب الحذر من التصريحات الملغومة الصادرة عن أوساط سياسية في المنطقة، أو من بعض المصطادين في الماء العكر.

نقدِّر لإيران رشدها السياسي

وإلى جانب ذلك، فإننا نتابع الحملة الأمريكية ـ الأوروبية على إيران في مشروعها النووي السلمي، بعد التأكيد الشرعي من أعلى سلطة إيرانية إسلامية بتحريم صنع السلاح النووي، ولكن المعسكر الغربي لا يريد لإيران امتلاك الخبرة العلمية النووية التي تجعلها مستقلة في إدارة مشاريعها السلمية، بل يريد أن يبقيها في حاجة إلى الغرب ليستطيع الضغط عليها بكل وسائله.

إننا نقدّر للجمهورية الإسلامية رشدها السياسي، وموقفها القوي، وطريقتها في إدارة الصراع، ونريد للشعب الإيراني وللدول الحرة، أن تقف معها في الدفاع عن حقها الشرعي الذي سوف ينعكس إيجاباً على حقوق كل الشعوب في صراعها مع الاستكبار العالمي.

لبنان في دوّامة اللعبة الدولية

أما لبنان، فإنه لا يزال يعيش في دوّامة اللعبة الدولية، في وعودها الاقتصادية والسياسية، بالطريقة التي لا تملك أية آلية واقعية في تحقيق ذلك، تماماً كما هي وعود الدول المانحة لأكثر من دولة، كأفغانستان والعراق، بما لم يتحقق منه الكثير.

إن أمريكا ـ ومعها فرنسا ـ تعمل على أساس اعتبار لبنان ورقة ضغط على بعض دول المنطقة، ولا سيما سوريا، في مواجهة مسألة الاحتلال الأمريكي للعراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، إضافة إلى الاتهامات الكاذبة لأكثر من دولة أو تيار في لبنان والمنطقة.

إننا لا نمانع من انفتاح لبنان على العالم كله، والاستفادة من العلاقات الدولية اقتصاداً وسياسةً، ولكننا لا نريده منطقة نفوذ أمريكي يتدخّل في القضايا الصغيرة والكبيرة، ويعمل على إيجاد حالة من الإرباك السياسي، من خلال التعقيدات الطائفية والمذهبية التي تخلط الأوراق، وتثير الكثير من المشاكل التي تبعد اللبنانيين عن وحدتهم الوطنية التي يلتقون فيها على قاعدة قضاياهم الحيوية، وحلّ مشاكلهم الاقتصادية، وحركتهم الإصلاحية. وعلى اللبنانيين أن يبتعدوا عن التخديرات في أكثر من مخدّر قضائي وسياسي، لأن الناس يعيشون في مأساتهم الأمنية في تفجيراتهم الخاضعة لأكثر من بُعد سياسي معقّد، ويواجهون الكثير من أوضاع الحرمان المعيشي.

إن اللبنانيين يملكون المستوى الثقافي المميز، وعليهم أن ينفتحوا على امتداداته في الوصول إلى مستوى لبنان الإنسان، لا لبنان الطائفي الذي يسقط فيه الإنسان بالضربة القاضية.

الدين النصيحة

 

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يركِّز الإسلام في أخلاقيّاته، في علاقة المسلم بالله وبالناس وبالحياة كلها وبالقيادات الشرعية، على النصيحة، وهي أن يبذل الإنسان كل جهده ليقدّم النصيحة التي ترفع مستوى الإنسان، وتربطه بالله وبسلامة المصير، وتبعده عن كل ما يُسقط إنسانيته ويبتعد به عن الخط المستقيم. وقد كان شعار الأنبياء لشعوبهم وأممهم، أنهم يقدّمون إليهم النصيحة، وقدموا أنفسهم على أنهم الناصحون لهم، الأمناء على إبلاغهم رسالات الله التي تنقذهم وترفع مستواهم.

النصح من مهام الأنبياء

فنحن نقرأ في كلمات الأنبياء التي نقلها الله تعالى: {أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}. فالنبي لم يأتِ من أجل أن يستغل موقعه ليجلب لنفسه نفعاً أو ليحصل على ثروة وما إلى ذلك، وإنما جاء مبلّغاً للرسالة، وناصحاً للأمة، حتى تسير في الخط الذي يحقق لها سلامة المصير. ونقرأ أيضاً: {أبلّغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين}. وفي آية أخرى عندما بلّغ الرسول(ص) كل ما عنده من الرسالة، وقدّم لهم كل ما عنده من النصح، ولكنّهم تولّوا عنه، قال: {يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}.

وفي حديث رسول الله(ص): "قال الله عزّ وجلّ: أحبّ ما تعبّد لي به عبدي النصح لي"، أي أن تكون علاقتك بالله علاقة النصح له. والله لا يحتاج إليك لترشده وتنصحه، ولكن النصح لله هو الانفتاح على مسوؤلياتك أمامه، في توحيدك له سبحانه في العقيدة والألوهية والعبادة والطاعة. وعن رسول الله(ص): "من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين ـ بحيث يكون همّ المسلمين همّه، ومشاكلهم مشاكله، فإذا لم يهتم بأمورهم، وعاش الفردية في ذلك، فليس منهم مسلماً ـ ومن لم يصبح ويمس ناصحاً لله ـ في الإخلاص لمسؤولياته أمام الله ـ ولرسوله ـ في السير على خط رسالته ـ ولكتابه ـ للقرآن في العمل به ـ ولإمامه ـ الذي يمثل القيادة الشرعية ـ ولعامة المسلمين ـ كل المسلمين في كل قضاياهم الثقافية والسياسية والاقتصادية والأمنية ـ فليس منهم"، فمن لا ينصح المسلمين في ذلك، فإنه يكون خارجاً عن الأمة، ولا يمثّل عضواً صالحاً في مجتمعهم.

وعنه(ص) أنه قال لأصحابه: "الدين النصيحة"، فالدين تختصره كلمة النصيحة التي يحملها المسلم المتديّن في عقله وفكره وحركته في الحياة، فقال الأصحاب: "لمن"؟ قال(ص): "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

ويقول الإمام الصادق(ع) وهو يتحدث عن الإمام عليّ(ع) في انفتاحه على واقع المسلمين واهتمامه بسلامتهم واستقامتهم وعزتهم وكرامتهم: "إن عليّاً كان عبداً ناصحاً لله عزّ وجلّ فنصحه، وأحبّ الله عزّ وجلّ فأحبه". وتلك كانت قيمة عليّ(ع)، أنه عاش مع الله في كل كيانه، فلم يكن في عليّ شيء لنفسه، بل كان بكلّه لله، وقد باع نفسه لله، فأحبّه الله تعالى وأحبّه رسول الله، ولذلك كانت كلمة النبي(ص) في واقعة خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله". وتلك كانت ميزة عليّ في المسلمين، فلم يكن بين الصحابة ـ كل الصحابة ـ من ارتفع إلى هذا المستوى من الإخلاص لله ولرسوله وللمؤمنين.

النصح طريق إلى الجنة

وعن النبي(ص): "إن أعظم الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه". هذه المرتبة العليا عند الله، لا يمنحها إلا لمن تكون حركته في كل الأمور في خطّ النصيحة لخلق الله تعالى، بحيث يدرس كل أوضاعهم ويلاحق كل حالاتهم، وكل ما يمكن أن يرتفع بهم إلى الدرجات العليا في دينهم ودنياهم. وعن النبي(ص): "من يضمن لي خمساً أضمن له الجنة: النصيحة لله عزّ وجلّ ـ وذلك بأن يخلص لله في كل مسؤولياته أمامه ـ والنصيحة لرسوله ـ في السير على سنّته والاقتداء بسيرته والدعوة إلى رسالته ـ والنصيحة لكتاب الله ـ بالعمل بكتاب الله ـ والنصيحة لدين الله ـ بحيث يتحمّل الإنسان الذي يعيش رسالية الدين، مسؤوليته في خطّ الدعوة إلى الله ومسؤولية تعليم الناس والسير بهم في الخط المستقيم ـ والنصيحة لجماعة المسلمين"، بحيث يعيش الاهتمام بأمورهم ويواجه واقعهم بمسؤولية.

ونقرأ في حديث الإمام الصادق(ع): "يجب للمؤمن على المؤمن ـ كتكليف شرعي ملزم ـ النصيحة له في المشهد والمغيب". وعنه(ع): "عليكم بالنصح لله في خلقه ـ لأنك إذا نصحت خلق الله وعباده، فقد نصحت لله، لأنّ الله يريد لك أن تكون الناصح لعباده بما يقرّبهم إليه ويرفع مستواهم عنده، وبما يحقق لهم النتائج الكبرى في سلامة المصير ـ فلن تلقاه بعمل أفضل منه"، فإن النصح لله في خلقه، هو العمل الأفضل الذي لا عمل فوقه في حركة الإنسان في الواقع. وعن النبي(ص): "أنسك الناس نسكاً أنصحهم جيباً ـ بأن يكون صدره مفتوحاً بالنصيحة للمسلمين ـ وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين"، فلا يحمل في قلبه أيّ حقد عليهم في أيّ أمر من الأمور.

وقد كان الإمام عليّ(ع) يخاطب المسلمين في خلافته، فيؤكد لهم ما هو حق الإمام على الأمة، وما هو حق الأمة على الإمام: "أيها الناس، إن لي عليكم حقاً ولكم عليّ حق، فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم... ـ أن أنصح لكم وأرشدكم وأنفتح على كل قضاياكم، بما يمكن أن يحقق لكم الخير والسعادة والسلامة ـ وأما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب". ونقرأ في كلمته(ع) وهو يتحدث عن الصالحين من أصحابه: "أنتم الأنصار على الحق، والأخوان في الدين، فأعينوني بمناصحة جليّة لا غشّ فيها". ويقول(ع) وهو يوجّه الناس إلى الارتباط بالقرآن، والانفتاح على آياته واتباع كل تعاليمه: "اتعظوا بمواعظ الله، واقبلوا نصيحة الله، واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، فاستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم".

إن كل هذه الكلمات الواردة في الكتاب والسنّة، تريد من مجتمعنا أن يكون مجتمعاً يعيش المسؤولية تجاه كل أفراد المجتمع، بحيث يعمل كل إنسان على تحريك فكره ليدرس ما يحتاجه المسلمون، ممّا يمكن أن يحقق لهم الخير والقوة والسلامة، ولا سيما في المواقع التي يواجهون فيها التحديات الكبرى من قبل المستكبرين، الذين يكيدون لهم، ويعملون على مصادرة كل واقعهم. إن القضية أن كل واحد من المسلمين مسؤول عن كل المسلمين: "كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته". إن الأمة الإسلامية تمثل وحدة في المصير والمسير، وعلينا أن نرتفع إلى مستوى هذه الوحدة لنعيش همّ المسلمين، لنؤكد القوة في كل واقعهم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله وتناصحوا فيما بينكم، وانطلقوا لتتحملوا مسؤولية الإسلام كله والمسلمين كلهم، حتى نعمل جميعاً لتكون العزة والقوة للمسلمين، من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الكافرين هي السفلى، لأن التحديات التي تواجهنا هي من أكبر التحديات في الواقع الإسلامي، وعلى كل واحد منا أن يتحمّل مسؤوليته في ذلك، ولا سيما عندما يعتدى على بلاد المسلمين، وعندما يواجهنا الاستكبار في خططه على أساس اقتصادي وأمني وسياسي وثقافي واجتماعي. لنتحمّل جميعاً المسؤولية الكبرى، حتى نعذر إلى الله في ما حمّلنا من مسؤولية، فتعالوا لنواجه ما في الواقع الإسلامي الذي تتحرك التحديات في داخله.

العرب: مكافأة العدو على الاحتلال

ماذا في المشهد الإسرائيلي؟ إن إسرائيل توشك أن تضم إلى كيانها ـ بطريقة رسمية ـ الأراضي الفلسطينية الواقعة بين جدار الفصل العنصري والخط الأخضر، ما يؤدي إلى طرد 55 ألف شخص من أرضهم. أما القادة العرب والمسلمون، فإنهم يعملون على هدم الجدار السياسي والاقتصادي بينهم وبين كيان العدو، في لقاءات سياسية وتجارية، كمكافأة لإسرائيل على الاستمرار في الاحتلال للضفة الغربية والقدس، في مستوطناتها الكبرى التي تجتاح الأرض الفلسطينية، وتعمل على تهويد القدس.

ولعل من المهانة بمكان، الأسلوب الذي يستخدمه وزير خارجية العدو، في دعوته المسؤولين العرب والمسلمين إلى أن يُخرجوا علاقاتهم بالعدو من السرّ إلى العلن، كأنه يتهمهم بالخوف من شعوبهم الرافضة لتلك العلاقات، لأن هناك هوّة سحيقة تفصل بينهم وبين الشعوب التي لا تزال ترفض العلاقات مع العدو، ولذلك امتنعت هذه الشعوب عن التطبيع معه في الدول التي صالحت إسرائيل.

إن السقوط العربي والإسلامي في النفاق السياسي، يمثل الضعف على مستوى الانهيار في المرحلة الحاضرة، لأنه لم يعد لهم أيّ موقع للتوازن في الخطوط الاستراتيجية للاستقلال، بفعل خضوعهم للتحالف الاستراتيجي الأمريكي ـ الإسرائيلي.

فلسطين: سقوط القيم الغربية

وإلى جانب ذلك، فإنّ اللجنة الرباعية الدولية في اجتماعها الأخير، تطلب من السلطة الفلسطينية نزع سلاح المقاومة باعتبارها "منظمة إرهابية"، كشرط لأية مفاوضات مع العدو، بينما يتحدث العدو بصراحة ووقاحة عن عدم وجود شريك فلسطيني للمفاوضات، حسب وزير خارجيته في الأمم المتحدة. وحسناً فعل رئيس السلطة الفلسطينية برفضه هذا الشرط، باعتبار أن سلاح الانتفاضة هو شأن فلسطيني داخلي لا علاقة لإسرائيل ولا للجنة الرباعية به من قريب أو بعيد.

ويمتد المشروع الصهيوني إلى رفض مشاركة "حماس" في الانتخابات البرلمانية على الرغم من الشعار الأمريكي عن الديمقراطية، ما يدل على النفاق السياسي للإدارة الأمريكية في نشر الديمقراطية في المنطقة. والسؤال هو: كيف شاركت المقاومة الفرنسية في الدولة الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية؟ إن المسألة هي أن اللجنة الرباعية لا تعترف باحتلال إسرائيل لفلسطين، بل ترى فيها مشكلة معقّدة بين ما تسمّيه "الشرعية" الإسرائيلية و"الإرهاب" الفلسطيني، ما يُسقط كل القيم الغربية ومبادئ الأمم المتحدة في مسألة رفض الاحتلال، والمطالبة بحقوق الإنسان، لأن الإنسان الفلسطيني لا حقوق له لدى هؤلاء؟!

إننا نتوجه إلى الشعوب العربية والإسلامية، لنؤكد الصراع مع الصهيونية على مستوى العالم كله، لأن اليهود يخططون للسيطرة على الواقع كله، ولا سيما في مواجهتهم للعروبة والإسلام، وعلينا أن نواجه هذا التحدي الكبير، بالموقف القوي، وبالوحدة الشاملة، وبالوعي الحضاري المنفتح على الأمة كلها في حركة صناعة المستقبل، لأننا إذا لم نرتفع إلى هذا المستوى، فسوف تسقط الأمة في ساحة الذل والهوان.

العراق: مدّعو المقاومة يخدمون الاحتلال

أما العراق، فإنه لا يزال يعيش الجوع والحرمان والخلل الأمني والمجازر الوحشية اليومية، من خلال الطريقة التي يدير فيها الاحتلال حركته وسياسته، بما لا يسمح للحكومة المؤقتة بأن تأخذ حريتها في تطبيق برنامجها في إدارة الأوضاع العامة، لأنها لا تملك الإرادة القوية في قضايا الأمن والخدمات الحيوية، ولا سيما مع استمرار الفئات المتحركة في برنامج قتل المدنيين بشكل يومي، بما لا يصل إلى مستوى قتل الجنود المحتلين.

لقد أكّدنا أكثر من مرة، أننا مع مقاومة الاحتلال بكل الوسائل السلمية والعسكرية، ولكننا نرفض اعتبار المقاومة غطاءً للذين يقتلون المدنيين بلا حساب، ويفجّرون المساجد على رؤوس المصلّين، ويعتدون على العتبات المقدّسة، ويخططون للفتنة المذهبية من خلال ما قد يتحرك به الواقع في عملية الفعل ورد الفعل، في حراسة استراتيجية الاحتلال الذي قد تساعده الفتنة على الإقامة طويلاً في العراق لتحقيق مصالحه التي لا تلتقي مع مصالح العراق والمنطقة كلها.

إننا ندعو العراقيين جميعاً، والمسلمين بشكل خاص، إلى الارتفاع إلى مستوى المرحلة بالوعي العميق الشامل، وذلك باللقاءات الحوارية بين العلماء المسلمين والقيادات السياسية المخلصة، للبحث عن مخرج لهذا المأزق الذي نخشى من أن يؤدّي استمراره إلى تدمير البلد كله والناس كلهم، وبالأخذ بأسباب الحذر من التصريحات الملغومة الصادرة عن أوساط سياسية في المنطقة، أو من بعض المصطادين في الماء العكر.

نقدِّر لإيران رشدها السياسي

وإلى جانب ذلك، فإننا نتابع الحملة الأمريكية ـ الأوروبية على إيران في مشروعها النووي السلمي، بعد التأكيد الشرعي من أعلى سلطة إيرانية إسلامية بتحريم صنع السلاح النووي، ولكن المعسكر الغربي لا يريد لإيران امتلاك الخبرة العلمية النووية التي تجعلها مستقلة في إدارة مشاريعها السلمية، بل يريد أن يبقيها في حاجة إلى الغرب ليستطيع الضغط عليها بكل وسائله.

إننا نقدّر للجمهورية الإسلامية رشدها السياسي، وموقفها القوي، وطريقتها في إدارة الصراع، ونريد للشعب الإيراني وللدول الحرة، أن تقف معها في الدفاع عن حقها الشرعي الذي سوف ينعكس إيجاباً على حقوق كل الشعوب في صراعها مع الاستكبار العالمي.

لبنان في دوّامة اللعبة الدولية

أما لبنان، فإنه لا يزال يعيش في دوّامة اللعبة الدولية، في وعودها الاقتصادية والسياسية، بالطريقة التي لا تملك أية آلية واقعية في تحقيق ذلك، تماماً كما هي وعود الدول المانحة لأكثر من دولة، كأفغانستان والعراق، بما لم يتحقق منه الكثير.

إن أمريكا ـ ومعها فرنسا ـ تعمل على أساس اعتبار لبنان ورقة ضغط على بعض دول المنطقة، ولا سيما سوريا، في مواجهة مسألة الاحتلال الأمريكي للعراق والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، إضافة إلى الاتهامات الكاذبة لأكثر من دولة أو تيار في لبنان والمنطقة.

إننا لا نمانع من انفتاح لبنان على العالم كله، والاستفادة من العلاقات الدولية اقتصاداً وسياسةً، ولكننا لا نريده منطقة نفوذ أمريكي يتدخّل في القضايا الصغيرة والكبيرة، ويعمل على إيجاد حالة من الإرباك السياسي، من خلال التعقيدات الطائفية والمذهبية التي تخلط الأوراق، وتثير الكثير من المشاكل التي تبعد اللبنانيين عن وحدتهم الوطنية التي يلتقون فيها على قاعدة قضاياهم الحيوية، وحلّ مشاكلهم الاقتصادية، وحركتهم الإصلاحية. وعلى اللبنانيين أن يبتعدوا عن التخديرات في أكثر من مخدّر قضائي وسياسي، لأن الناس يعيشون في مأساتهم الأمنية في تفجيراتهم الخاضعة لأكثر من بُعد سياسي معقّد، ويواجهون الكثير من أوضاع الحرمان المعيشي.

إن اللبنانيين يملكون المستوى الثقافي المميز، وعليهم أن ينفتحوا على امتداداته في الوصول إلى مستوى لبنان الإنسان، لا لبنان الطائفي الذي يسقط فيه الإنسان بالضربة القاضية.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية