في ذكرى الهجرتين النبوية والحسينية: لنجعل عاشوراء حركة وعيٍ وجهادٍ ووحدة

في ذكرى الهجرتين النبوية والحسينية: لنجعل عاشوراء حركة وعيٍ وجهادٍ ووحدة

في ذكرى الهجرتين النبوية والحسينية: لنجعل عاشوراء حركة وعيٍ وجهادٍ ووحدة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

الانفتاح على عاشوراء للعبرة

في هذا الموسم، موسم الإسلام الذي ندخل فيه سنة جديدة تنفتح على الإسلام في الهجرة النبوية الشريفة، وفي الهجرة الحسينية الشريفة، لا بد لنا أن نقف وقفة التأمل والتدبّر والتفكير لنعيد كل حساباتنا عمّا حمّلنا الله تعالى من المسؤولية، لأن الهجرة قد غابت في التاريخ في حساب الزمن، وبقي منها معناها ومضمونها وإيحاءاتها التي نستفيد منها في حركتنا الإسلامية في كل الزمن الإسلامي الذي لا بد لنا من أن نملأه بالإسلام، ليكون كل يوم إسلامياً، ولتكون كل سنة إسلامية، لأن الله تعالى لم يجعل الزمن فراغاً، بل أراد للإنسان أن يملأ الزمن، أن يملأه بالفكر الذي ينتجه، وبالروح التي يحركها، وبالخير الذي يعمل من أجل الدعوة إليه والسير فيه.

وعندما ننفتح على عاشوراء، فإن عاشوراء قد انطوت مع الزمن كتاريخ في حساباته، ولكنها بقيت توحي وتعطي وتفتح لنا في كل مرحلة من مراحل حياتنا الجهادية حركة جديدة في مواجهة التحديات، وانطلاقة من أجل النصر الذي قد نلتقي معه بالشهادة. لذلك، لا بد للأمة أن تعيش التاريخ كعبرة لتصنع تاريخاً للنصر والدعوة الإسلامية، وتاريخاً للحركة من أجل تقدّم الإنسان.

الرسول(ص) تجسيد الإسلام

وفي هذا الإطار، لا بد لنا أن نستغرق في دراسة شخصية النبي(ص)، لأن شخصيته امتلأت بالرسالة، ولأنها تجسّد الإسلام كله، فقد كان الرسول(ص) إسلاماً متجسّداً متحركاً، فكان الناس عندما يسمعون الآية منه يجدونها متجسّدة في سيرته، ولهذا أرادنا الله تعالى أن نقتدي به في كل ما قاله وفي كل ما فعله، لأن أقواله رسالة وأفعاله رسالة، لأنه المعصوم بعصمة الله تعالى له، الذي لا يخطئ في قول ولا فعل، وقد قال الله تعالى لنا مخاطباً الناس جميعاً: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ـ قدوة تقتدون بها في كل حياتكم، ليكن كل واحد منكم صورة عن رسول الله(ص) ـ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}، وقد قال تعالى عن رسوله وهو يصفه: {وإنك لعلى خلق عظيم}، فلا بد أن يكون لنا الخلق العظيم الذي يتحرك في شخصياتنا، ويتعمّق في هوياتنا، أن يكون الإنسان المسلم هو إنسان الأخلاق في نفسه وفي بيته والمجتمع كله، بحيث لا يأتي منه للناس إلا الخير والرحمة والمحبة، ليكن كل واحد منا رسول الله ولو بنسبة العشرة بالمئة، وقد قال الله تعالى وهو يتحدث عن رسوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم ـ هذا الرسول يعيش في أحاسيسه ومشاعره الألم عندما يرى أمته تتألم وتتعب وتعاني وتواجه المشاكل، كان لا ينفصل في مشاعره عن واقع الأمة، كان القائد الذي يتفاعل مع كل العناصر التي تسير معه، لم يكن قائداً ينظر إلى الناس في القاعدة من فوق، بل كان القائد الذي يندمج في مشاعره وآلامه وأحاسيسه مع كل آلام أمته ـ حريص عليكم ـ يحرص على كل أفراد أمته كما تحرص الأم على أولادها، تحضنهم، ترعاهم، تمنحهم الحنان والرأفة والرحمة ـ بالمؤمنين رؤوف رحيم}.

وكأن الله تعالى يقول للمؤمنين: لقد كان رسولكم رسولاًَ إنسانياً، يعيش إنسانيته في إنسانية الآخرين، فكونوا مثله، اقتدوا به، ليحمل كل واحد منكم هموم الناس من حوله، وقد قال(ص) للمسلمين إن الإسلام ليس مجرد صلاة وصوم وحج، ولكنه يدخل في تكوين الإنسان المسلم ليعيش همّ المسلمين ومشاكلهم: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"، أن تعيشوا هموم الأمة في كل مشاكلها وتحدياتها، لأن ذلك هو شرط أن تكونوا مسلمين كما هو الإسلام، فالإسلام قول وفكر وعمل وإحساس وشعور بكل ما تعيشه الأمة الإسلامية من آلام وأحزان... لقد كان رسولكم يحرص على أمته أن لا ينالها سوء، أن لا تسقط أمام التحديات، أن تأخذ بأسباب العزة والحرية، فاحرصوا على أن تساعدوها لتكون في هذا الموقع المتقدّم... لقد كان رسولكم رؤوفاً بالمؤمنين فكونوا في موقع الرأفة لكل المؤمنين، وفي موقع الرحمة لهم... ليكن لكم القلب الرقيق الذي يعيش رقة الإحساس في نبضاته وخفقاته كما كان رسولكم: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، لا تكن قلوبكم قاسية لأن القلب القاسي يفتقد صاحبه معنى الإنسانية، ليكن لسانكم دافئاً ليّناً، والله تعالى يقول: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، أن تختار كلمتك كما تختار بضاعتك وأكلك وشربك، ليكن عنوان الأحسن هو العنوان الذي يطبع كل حياتكم.

وقد كان رسول الله(ص) يعيش الشكر لله في كل ما يقدّمه لله، كان يُجهد نفسه في صلاته وهو يقول: "قرّة عيني الصلاة"، لأن الصلاة تمثل انفتاح الإنسان على ربه وإحساسه به، وقيل له: لما تجهد نفسك بالصلاة والله قد ضمن لك الجنة، فقال(ص): "أفلا أكون عبداً شكوراً"، فالصلاة تعبير عن شكر الله تعالى.

الحسين(ع): امتدادٌ حركي في خط الرسالة

وعندما ننفتح على الحسين(ع)، فإننا نجد أنه كان يعيش جده(ص) في رسالته وأمته، ولذلك كانت كلمته: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ـ فالحسين(ع) كان الإمام كما كان جده النبي، والإمامة تمثل هذا الامتداد الحركي في خط الرسالة، فالإمام مسؤول عن أداء الرسالة بكل جهده وكل ما يحيط به تماماً كما كان الرسول مسؤولاً عنها، ولذلك أعلن الإمام الحسين(ع) أنه يحمل الرسالة ـ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي ـ لأنهما جسّدا الإسلام في سيرتهما، ولم ينطلق الحسين(ع) على أساس العنف، ولكنه انطلق كما انطلق رسول الله على أساس الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ـ فمن قبلني بقبول الحق ـ فإنه لا يقبلني كشخص، ولكنه يقبل الله فيما أراده سبحانه ـ فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ أصبر ـ كما قال الله تعالى لرسوله(ص): {واصبر على ما أصابك} ـ حتى يحكم الله بيني وبينه وهو خير الحاكمين".

وانطلق الحسين(ع) في مسيرته ليعرّف الناس القاعدة الشرعية الإسلامية في مواجهة الحاكم الظالم المنحرف، فخطب خطبته ليقول فيها: "أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ولم يغيّر ما عليه بقول ولا بفعل، كان حقاً على الله أن يُدخله مدخله ـ لأن الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، والساكت عن الحق شيطان أخرس ـ ألا وإن هؤلاء القوم ـ والإشارة إلى يزيد وأتباعه ـ قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، واستأثروا بالفيء وعطّلوا الحدود، وأنا أحقّ من غيّر"، لأني أمثل الشرعية الإسلامية في موقع الإمامة التي هي امتداد للرسالة، لأن النبي(ص) لو كان موجوداً في مرحلة الحسين(ع) لثار كما ثار الحسين، ولعمل على تغيير الواقع الفاسد، وهذه كانت رسالته.

عاشوراء حركة وعيٍ وجهاد...

فالهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة هي هجرة من أجل تأسيس الموقع الإسلامي في خط الاستقامة ضد الشرك والمشركين، وكانت الهجرة الحسينية من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى كربلاء هجرة من أجل حماية الرسالة من الانحراف. لذلك، فإننا ونحن ندخل موسم عاشوراء من موقع السنة الإسلامية الجديدة، علينا أن نعتبر هذه السنة التي ندخلها سنة إسلامية نملأها بالإسلام كله، لنغيّر أنفسنا لتكون أنفساً إسلامية في أقوالنا وأعمالنا وانتماءاتنا وتحدياتنا، ولنعمل على أن تكون بلادنا إسلامية، وقيادتنا إسلامية، وأمتنا إسلامية.

لذلك، لا تشغلنا التقاليد التي ورثناها في عاشوراء لنعتبر أننا قد أدّينا قسطنا للعلى، فعاشوراء ليست ضرباً للرؤوس بالسيوف، فهذا ضد عاشوراء, لأنه يمثل مظهر تخلّف لا تأخذ الرسالة منه شيئاً، وعاشوراء ليست جلداً للظهور بالسياط، بل إنها حركة وعي ودعوة وجهاد ووحدة في المسلمين جميعاً، ولا سيما أن الكفر كله والاستكبار كله وجّه إلى الإسلام كل تحدياته، والمرحلة مرحلة أن يتوحّد المسلمون ويجمّدوا كل خلافاتهم، ليكون الموقع واحداً، والموقف واحداً، والتحدي واحداً.

إن القوم يريدون أن يسقطوا رأس الإسلام، وعلينا أن نحفظ الإسلام بكل ما لدينا من قوة، لأنه أمانة الله في أعناقنا، فلتكن عاشوراء, عاشوراء إسلامية حضارية منفتحة على الوعي والحركة والوحدة، وسلام الله على الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى كل الذين ساروا وجاهدوا في خط الحسين، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، والسلام عليك يا أبا عبد الله وعلى جدك رسول الله، وعلى أبيك أمير المؤمنين، وعلى أمك فاطمة الزهراء، وعلى الأئمة المعصومين من ولدك، سلام الله عليكم ما بقيت وبقي الليل والنهار.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا المرحلة بالكثير من الاستعداد وصناعة القوة من أجل أن نحفظ الإسلام وأهله، وأن نواجه التحديات الكبرى، لنتقرّب إلى الله بذلك ونخلص إلى المرحلة التي هي من أخطر المراحل في تاريخ الإسلام والمسلمين، فتعالوا لنواجه أحداث العالم الإسلامي، فماذا هناك:

قمة شرم الشيخ: تطويق الانتفاضة

ماذا في فلسطين في أجواء قمة شرم الشيخ؟.. هل استطاع العرب الداعون إليها تقديم مستقبل واضح للفلسطينيين في المسألة السياسية التي هي الأساس في المشكلة منذ الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل وقفوا في الموقع التفاوضي كأصحاب للقضية، أم أنهم وقفوا كوسطاء لا يملكون أية فاعلية للوساطة؟

لقد كانت القمة أمنية، مع التحفظات الإسرائيلية، والمطالبة بالتعاون مع الرئيس الفلسطيني الجديد في تفكيك المنظمات، كما أنها منحت شارون التطبيع في العلاقات مع مصر والأردن من الناحية الدبلوماسية على مستوى عودة السفيرين، وإعطاء الضوء الأخضر للخليج والمغرب لتعزيز العلاقات مع العدو بشكل أوثق، وليبرز شارون ـ كما أراده بوش ـ "رجل سلام" من دون مقابل، لأنه لم يقدّم شيئاً على مستوى الثوابت الوطنية للفلسطينيين، ولم يعطِ وعداً بذلك.

إن أمريكا ـ بوش تريد أن تقفز فوق الرفض العربي والإسلامي للسياسة الإسرائيلية في خط الاحتلال، مستغلة ضعفهم السياسي والأمني، ومثيرة لكل بلد منهم مشكلة خاصة لتنصّلهم عن القضية الكبرى وتجعلهم في حالة استغراق ذاتي في الجزئيات، بعيداً عن الكليات التي تهتز منها المنطقة.

إن المطلوب ـ أمريكياً ـ هو إسقاط بقايا القوة في العالم العربي والإسلامي، لتبقى أمريكا في موقع الضاغط القوي الذي يدفع بهذه القوة إلى الاستسلام من دون قيد أو شرط، على أساس أكثر من حرب حارّة كما في العراق، أو حرب نفسية كما في الموقف من إيران وسوريا ولبنان، وذلك من أجل تفكيك العلاقات العربية في مواجهة ضغوط العدو، ليحبس كل بلد في دائرته فيسهل فرض الشروط المذلة عليه.

لقد استطاع التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي أن يبعد أكثر العرب عن القضية الفلسطينية عل صعيد المشاركة، ليقتربوا من إسرائيل بتطويق الانتفاضة الفلسطينية باسم السلام والحل للمشكلة، في الوقت الذي يصرّح فيه العدو ـ ومعه أمريكا ـ بأن الحل النهائي سوف يبقى في ساحات المتاهات السياسية في زمن لم يأتِ بعد.

إسرائيل هي الخطر:

إن وسائل الإعلام الأمريكية وغيرها تتحدث عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي فضحت الإدارة الأمريكية من خلال تقرير المخابرات المركزية، وعن خوف بعض المسؤولين من الأكذوبة الجديدة في اتهام سوريا وإيران بالإعداد للأسلحة النووية، بالرغم من النفي المتكرر منهما لذلك.

وهناك حديث آخر عن تطوير الإدارة الأمريكية لأسلحة الدمار الشامل النووية، لإيجاد جيل جديد متطور من هذا النوع من الأسلحة بما يشكّل الخطر على العالم كله، بالإضافة إلى التعاون مع إسرائيل في هذا المجال... إنهم يتحدثون ـ أمريكياً وأوروبياً ـ أن إسرائيل دولة منضبطة فلا يشكّل سلاحها النووي خطراً على جيرانها، بينما لا تتمتع إيران بذلك، على حدّ زعمهم، والجميع يعرف أن إسرائيل كانت ولا تزال خطراً على المنطقة كلها، لا بل على أمن العالم واستقراره، من خلال عدوانها المتكرر واحتلالها لأكثر من أرض في فلسطين وجوارها، بينما لم تمارس إيران شيئاً من ذلك.

إن العالم المستكبر يخطط في تحالفاته السياسية والأمنية والاقتصادية لمحاصرة كل دول العالم الثالث، ولا سيما الدول العربية والإسلامية، حتى لا تأخذ بأسباب القوة على جميع المستويات، وهذا ما نلاحظه في توزيع الأدوار في كل مواقعه من أجل تحقيق هذا الهدف، وفي الحركة السلحفاتية الملتبسة في مفاوضات دول الاتحاد الأوروبي مع إيران حول المشروع النووي السلمي، بالتعاون مع السياسة الأمريكية المضادة لها... إننا نحذر الشعب الفلسطيني من خلفيات هذه القمة، ومن الخطط التي يتحرك بها أعوان أمريكا من العرب والأوروبيين في أكثر من طريقة خداع واحتيال.

شيراك: الدخول على الخط المذهبي

ومن الطريف أن الرئيس شيراك ـ حسب الإعلام ـ قد دخل على خط السنّة والشيعة، فأعلن أنه "لا يمكنه الوثوق بالشيعة ولكنه يمكن لـه الوثوق بالسنّة"، وتمتد المسألة من خلال السائرين في خطه من اللبنانيين ليتحدثوا عن الخطر الشيعي، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن المسلمين الشيعة ينفتحون على كل الطوائف والتيارات المتنوّعة، وأنهم ـ في كل بلد عاشوا فيه ـ لا يملكون مشروعاً خاصاً، ولذا فإنهم لا يمثّلون خطراً على أحد، بل كل ما لديهم أن يعيشوا كمواطنين بما تفرضه المواطنة من الحقوق والواجبات على الجميع بشكل متساوٍ، وإذا كان لهم ـ في بعض مواقعهم السياسية المختلفة ـ بعض الآراء أو العلاقات فإنهم لا يختلفون عن الآخرين في ذلك كله، وفي ممارسة حرياتهم في الرأي والموقف السياسي.

إن خطيئة المسلمين الشيعة عند الآخرين هي أنهم حرروا أرض لبنان من الاحتلال ولا يزالون في ساحة المقاومة، وأنهم دعموا الشعب الفلسطيني وينطلقون في مواجهة الاستكبار العالمي... إننا نحذّر كل الذين يتحدثون بهذه الطريقة، لأنهم لا يخدمون بذلك إلا سلطة الاحتلال في المنطقة كلها.

العراق: الاحتلال هو المشكلة

أما العراق فلا يزال ينزف دماً طاهراً في كل يوم، من خلال التفجيرات والاغتيالات التي تطال الأبرياء، من دون أن يبادر الاحتلال إلى فرض الأمن من خلال قواته المتعددة الجنسيات، بل إننا قد نلاحظ أنه يشجّع الكثير من الأوضاع، الأمر الذي يبطل الحديث عن أن انسحابه يُغرق البلد بالفوضى، لأننا نلاحظ أن بقاءه هو الذي أغرق العراق بأكثر من نهر من الدم البريء.

إن الاحتلال هو مشكلة الشعب العراقي، وإن الإرهاب الذي يتحرك ضد الأبرياء، ولا سيما من خلال الحقد المذهبي، هو ما يعانيه الناس هناك، وعلى الجميع الاستعداد لمواجهة ذلك كله في حماية عراقهم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ولا سيما أن الإعلام الأمريكي تحدث عن سرقة أمريكية من قِبَل الشركات لأموال الشعب العراقي على مستوى المليارات من الدولارات تحت أعمال وهمية للإعمار، مما يُخشى منه على أموال العراق.

لبنان: الاستكبار يبحث عن مصالحه

أما لبنان، فإنه يواجه الفوضى السياسية التي تفتقد الكثير من الواقعية والمواطنية في خط العيش المشترك، لأن الأساليب المتّبعة جعلت اللبنانيين فريقين لا يلتقيان على طاولة الحوار في القضايا المصيرية، الأمر الذي جعل الواقع يختزن العمق الطائفي بالرغم من وجود بعض الأسماء التي يُراد لها أن تمنح التجاذب الطائفي ملامح من هذه الجهة أو تلك..

إننا نعتقد أن التراشق بالكلمات الانفعالية باسم الوطنية والديمقراطية والحرية سوف يسقط هذه القيم على أساس ما قد يطلقه البعض من عنوان كلمة الحق التي يراد بها باطل، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن العقلانية والموضوعية هما اللذان يصلان بالقضية إلى شاطئ الأمان، لا سيما أن البلد يعيش الزلزال الاقتصادي والسياسي في نطاق الهجمة الدولية التي يلجأ إليها بعض اللبنانيين للاستقواء بها على الواقع اللبناني الآخر والواقع العربي، والجميع يعرف أن الاستكبار العالمي يبحث عن مصالحه لا عن مصالح اللبنانيين، وأنه يستخدم لبنان ورقة يلعب بها في الضغط على بلد آخر في نطاق استراتيجيته في الضغط على المنطقة كلها، "واللبيب من الإشارة يفهم".

في ذكرى الهجرتين النبوية والحسينية: لنجعل عاشوراء حركة وعيٍ وجهادٍ ووحدة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

الانفتاح على عاشوراء للعبرة

في هذا الموسم، موسم الإسلام الذي ندخل فيه سنة جديدة تنفتح على الإسلام في الهجرة النبوية الشريفة، وفي الهجرة الحسينية الشريفة، لا بد لنا أن نقف وقفة التأمل والتدبّر والتفكير لنعيد كل حساباتنا عمّا حمّلنا الله تعالى من المسؤولية، لأن الهجرة قد غابت في التاريخ في حساب الزمن، وبقي منها معناها ومضمونها وإيحاءاتها التي نستفيد منها في حركتنا الإسلامية في كل الزمن الإسلامي الذي لا بد لنا من أن نملأه بالإسلام، ليكون كل يوم إسلامياً، ولتكون كل سنة إسلامية، لأن الله تعالى لم يجعل الزمن فراغاً، بل أراد للإنسان أن يملأ الزمن، أن يملأه بالفكر الذي ينتجه، وبالروح التي يحركها، وبالخير الذي يعمل من أجل الدعوة إليه والسير فيه.

وعندما ننفتح على عاشوراء، فإن عاشوراء قد انطوت مع الزمن كتاريخ في حساباته، ولكنها بقيت توحي وتعطي وتفتح لنا في كل مرحلة من مراحل حياتنا الجهادية حركة جديدة في مواجهة التحديات، وانطلاقة من أجل النصر الذي قد نلتقي معه بالشهادة. لذلك، لا بد للأمة أن تعيش التاريخ كعبرة لتصنع تاريخاً للنصر والدعوة الإسلامية، وتاريخاً للحركة من أجل تقدّم الإنسان.

الرسول(ص) تجسيد الإسلام

وفي هذا الإطار، لا بد لنا أن نستغرق في دراسة شخصية النبي(ص)، لأن شخصيته امتلأت بالرسالة، ولأنها تجسّد الإسلام كله، فقد كان الرسول(ص) إسلاماً متجسّداً متحركاً، فكان الناس عندما يسمعون الآية منه يجدونها متجسّدة في سيرته، ولهذا أرادنا الله تعالى أن نقتدي به في كل ما قاله وفي كل ما فعله، لأن أقواله رسالة وأفعاله رسالة، لأنه المعصوم بعصمة الله تعالى له، الذي لا يخطئ في قول ولا فعل، وقد قال الله تعالى لنا مخاطباً الناس جميعاً: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ـ قدوة تقتدون بها في كل حياتكم، ليكن كل واحد منكم صورة عن رسول الله(ص) ـ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}، وقد قال تعالى عن رسوله وهو يصفه: {وإنك لعلى خلق عظيم}، فلا بد أن يكون لنا الخلق العظيم الذي يتحرك في شخصياتنا، ويتعمّق في هوياتنا، أن يكون الإنسان المسلم هو إنسان الأخلاق في نفسه وفي بيته والمجتمع كله، بحيث لا يأتي منه للناس إلا الخير والرحمة والمحبة، ليكن كل واحد منا رسول الله ولو بنسبة العشرة بالمئة، وقد قال الله تعالى وهو يتحدث عن رسوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم ـ هذا الرسول يعيش في أحاسيسه ومشاعره الألم عندما يرى أمته تتألم وتتعب وتعاني وتواجه المشاكل، كان لا ينفصل في مشاعره عن واقع الأمة، كان القائد الذي يتفاعل مع كل العناصر التي تسير معه، لم يكن قائداً ينظر إلى الناس في القاعدة من فوق، بل كان القائد الذي يندمج في مشاعره وآلامه وأحاسيسه مع كل آلام أمته ـ حريص عليكم ـ يحرص على كل أفراد أمته كما تحرص الأم على أولادها، تحضنهم، ترعاهم، تمنحهم الحنان والرأفة والرحمة ـ بالمؤمنين رؤوف رحيم}.

وكأن الله تعالى يقول للمؤمنين: لقد كان رسولكم رسولاًَ إنسانياً، يعيش إنسانيته في إنسانية الآخرين، فكونوا مثله، اقتدوا به، ليحمل كل واحد منكم هموم الناس من حوله، وقد قال(ص) للمسلمين إن الإسلام ليس مجرد صلاة وصوم وحج، ولكنه يدخل في تكوين الإنسان المسلم ليعيش همّ المسلمين ومشاكلهم: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"، أن تعيشوا هموم الأمة في كل مشاكلها وتحدياتها، لأن ذلك هو شرط أن تكونوا مسلمين كما هو الإسلام، فالإسلام قول وفكر وعمل وإحساس وشعور بكل ما تعيشه الأمة الإسلامية من آلام وأحزان... لقد كان رسولكم يحرص على أمته أن لا ينالها سوء، أن لا تسقط أمام التحديات، أن تأخذ بأسباب العزة والحرية، فاحرصوا على أن تساعدوها لتكون في هذا الموقع المتقدّم... لقد كان رسولكم رؤوفاً بالمؤمنين فكونوا في موقع الرأفة لكل المؤمنين، وفي موقع الرحمة لهم... ليكن لكم القلب الرقيق الذي يعيش رقة الإحساس في نبضاته وخفقاته كما كان رسولكم: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، لا تكن قلوبكم قاسية لأن القلب القاسي يفتقد صاحبه معنى الإنسانية، ليكن لسانكم دافئاً ليّناً، والله تعالى يقول: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، أن تختار كلمتك كما تختار بضاعتك وأكلك وشربك، ليكن عنوان الأحسن هو العنوان الذي يطبع كل حياتكم.

وقد كان رسول الله(ص) يعيش الشكر لله في كل ما يقدّمه لله، كان يُجهد نفسه في صلاته وهو يقول: "قرّة عيني الصلاة"، لأن الصلاة تمثل انفتاح الإنسان على ربه وإحساسه به، وقيل له: لما تجهد نفسك بالصلاة والله قد ضمن لك الجنة، فقال(ص): "أفلا أكون عبداً شكوراً"، فالصلاة تعبير عن شكر الله تعالى.

الحسين(ع): امتدادٌ حركي في خط الرسالة

وعندما ننفتح على الحسين(ع)، فإننا نجد أنه كان يعيش جده(ص) في رسالته وأمته، ولذلك كانت كلمته: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ـ فالحسين(ع) كان الإمام كما كان جده النبي، والإمامة تمثل هذا الامتداد الحركي في خط الرسالة، فالإمام مسؤول عن أداء الرسالة بكل جهده وكل ما يحيط به تماماً كما كان الرسول مسؤولاً عنها، ولذلك أعلن الإمام الحسين(ع) أنه يحمل الرسالة ـ أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي ـ لأنهما جسّدا الإسلام في سيرتهما، ولم ينطلق الحسين(ع) على أساس العنف، ولكنه انطلق كما انطلق رسول الله على أساس الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ـ فمن قبلني بقبول الحق ـ فإنه لا يقبلني كشخص، ولكنه يقبل الله فيما أراده سبحانه ـ فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليّ أصبر ـ كما قال الله تعالى لرسوله(ص): {واصبر على ما أصابك} ـ حتى يحكم الله بيني وبينه وهو خير الحاكمين".

وانطلق الحسين(ع) في مسيرته ليعرّف الناس القاعدة الشرعية الإسلامية في مواجهة الحاكم الظالم المنحرف، فخطب خطبته ليقول فيها: "أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ولم يغيّر ما عليه بقول ولا بفعل، كان حقاً على الله أن يُدخله مدخله ـ لأن الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، والساكت عن الحق شيطان أخرس ـ ألا وإن هؤلاء القوم ـ والإشارة إلى يزيد وأتباعه ـ قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، واستأثروا بالفيء وعطّلوا الحدود، وأنا أحقّ من غيّر"، لأني أمثل الشرعية الإسلامية في موقع الإمامة التي هي امتداد للرسالة، لأن النبي(ص) لو كان موجوداً في مرحلة الحسين(ع) لثار كما ثار الحسين، ولعمل على تغيير الواقع الفاسد، وهذه كانت رسالته.

عاشوراء حركة وعيٍ وجهاد...

فالهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة هي هجرة من أجل تأسيس الموقع الإسلامي في خط الاستقامة ضد الشرك والمشركين، وكانت الهجرة الحسينية من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى كربلاء هجرة من أجل حماية الرسالة من الانحراف. لذلك، فإننا ونحن ندخل موسم عاشوراء من موقع السنة الإسلامية الجديدة، علينا أن نعتبر هذه السنة التي ندخلها سنة إسلامية نملأها بالإسلام كله، لنغيّر أنفسنا لتكون أنفساً إسلامية في أقوالنا وأعمالنا وانتماءاتنا وتحدياتنا، ولنعمل على أن تكون بلادنا إسلامية، وقيادتنا إسلامية، وأمتنا إسلامية.

لذلك، لا تشغلنا التقاليد التي ورثناها في عاشوراء لنعتبر أننا قد أدّينا قسطنا للعلى، فعاشوراء ليست ضرباً للرؤوس بالسيوف، فهذا ضد عاشوراء, لأنه يمثل مظهر تخلّف لا تأخذ الرسالة منه شيئاً، وعاشوراء ليست جلداً للظهور بالسياط، بل إنها حركة وعي ودعوة وجهاد ووحدة في المسلمين جميعاً، ولا سيما أن الكفر كله والاستكبار كله وجّه إلى الإسلام كل تحدياته، والمرحلة مرحلة أن يتوحّد المسلمون ويجمّدوا كل خلافاتهم، ليكون الموقع واحداً، والموقف واحداً، والتحدي واحداً.

إن القوم يريدون أن يسقطوا رأس الإسلام، وعلينا أن نحفظ الإسلام بكل ما لدينا من قوة، لأنه أمانة الله في أعناقنا، فلتكن عاشوراء, عاشوراء إسلامية حضارية منفتحة على الوعي والحركة والوحدة، وسلام الله على الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، وعلى كل الذين ساروا وجاهدوا في خط الحسين، أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، والسلام عليك يا أبا عبد الله وعلى جدك رسول الله، وعلى أبيك أمير المؤمنين، وعلى أمك فاطمة الزهراء، وعلى الأئمة المعصومين من ولدك، سلام الله عليكم ما بقيت وبقي الليل والنهار.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا المرحلة بالكثير من الاستعداد وصناعة القوة من أجل أن نحفظ الإسلام وأهله، وأن نواجه التحديات الكبرى، لنتقرّب إلى الله بذلك ونخلص إلى المرحلة التي هي من أخطر المراحل في تاريخ الإسلام والمسلمين، فتعالوا لنواجه أحداث العالم الإسلامي، فماذا هناك:

قمة شرم الشيخ: تطويق الانتفاضة

ماذا في فلسطين في أجواء قمة شرم الشيخ؟.. هل استطاع العرب الداعون إليها تقديم مستقبل واضح للفلسطينيين في المسألة السياسية التي هي الأساس في المشكلة منذ الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل وقفوا في الموقع التفاوضي كأصحاب للقضية، أم أنهم وقفوا كوسطاء لا يملكون أية فاعلية للوساطة؟

لقد كانت القمة أمنية، مع التحفظات الإسرائيلية، والمطالبة بالتعاون مع الرئيس الفلسطيني الجديد في تفكيك المنظمات، كما أنها منحت شارون التطبيع في العلاقات مع مصر والأردن من الناحية الدبلوماسية على مستوى عودة السفيرين، وإعطاء الضوء الأخضر للخليج والمغرب لتعزيز العلاقات مع العدو بشكل أوثق، وليبرز شارون ـ كما أراده بوش ـ "رجل سلام" من دون مقابل، لأنه لم يقدّم شيئاً على مستوى الثوابت الوطنية للفلسطينيين، ولم يعطِ وعداً بذلك.

إن أمريكا ـ بوش تريد أن تقفز فوق الرفض العربي والإسلامي للسياسة الإسرائيلية في خط الاحتلال، مستغلة ضعفهم السياسي والأمني، ومثيرة لكل بلد منهم مشكلة خاصة لتنصّلهم عن القضية الكبرى وتجعلهم في حالة استغراق ذاتي في الجزئيات، بعيداً عن الكليات التي تهتز منها المنطقة.

إن المطلوب ـ أمريكياً ـ هو إسقاط بقايا القوة في العالم العربي والإسلامي، لتبقى أمريكا في موقع الضاغط القوي الذي يدفع بهذه القوة إلى الاستسلام من دون قيد أو شرط، على أساس أكثر من حرب حارّة كما في العراق، أو حرب نفسية كما في الموقف من إيران وسوريا ولبنان، وذلك من أجل تفكيك العلاقات العربية في مواجهة ضغوط العدو، ليحبس كل بلد في دائرته فيسهل فرض الشروط المذلة عليه.

لقد استطاع التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي أن يبعد أكثر العرب عن القضية الفلسطينية عل صعيد المشاركة، ليقتربوا من إسرائيل بتطويق الانتفاضة الفلسطينية باسم السلام والحل للمشكلة، في الوقت الذي يصرّح فيه العدو ـ ومعه أمريكا ـ بأن الحل النهائي سوف يبقى في ساحات المتاهات السياسية في زمن لم يأتِ بعد.

إسرائيل هي الخطر:

إن وسائل الإعلام الأمريكية وغيرها تتحدث عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي فضحت الإدارة الأمريكية من خلال تقرير المخابرات المركزية، وعن خوف بعض المسؤولين من الأكذوبة الجديدة في اتهام سوريا وإيران بالإعداد للأسلحة النووية، بالرغم من النفي المتكرر منهما لذلك.

وهناك حديث آخر عن تطوير الإدارة الأمريكية لأسلحة الدمار الشامل النووية، لإيجاد جيل جديد متطور من هذا النوع من الأسلحة بما يشكّل الخطر على العالم كله، بالإضافة إلى التعاون مع إسرائيل في هذا المجال... إنهم يتحدثون ـ أمريكياً وأوروبياً ـ أن إسرائيل دولة منضبطة فلا يشكّل سلاحها النووي خطراً على جيرانها، بينما لا تتمتع إيران بذلك، على حدّ زعمهم، والجميع يعرف أن إسرائيل كانت ولا تزال خطراً على المنطقة كلها، لا بل على أمن العالم واستقراره، من خلال عدوانها المتكرر واحتلالها لأكثر من أرض في فلسطين وجوارها، بينما لم تمارس إيران شيئاً من ذلك.

إن العالم المستكبر يخطط في تحالفاته السياسية والأمنية والاقتصادية لمحاصرة كل دول العالم الثالث، ولا سيما الدول العربية والإسلامية، حتى لا تأخذ بأسباب القوة على جميع المستويات، وهذا ما نلاحظه في توزيع الأدوار في كل مواقعه من أجل تحقيق هذا الهدف، وفي الحركة السلحفاتية الملتبسة في مفاوضات دول الاتحاد الأوروبي مع إيران حول المشروع النووي السلمي، بالتعاون مع السياسة الأمريكية المضادة لها... إننا نحذر الشعب الفلسطيني من خلفيات هذه القمة، ومن الخطط التي يتحرك بها أعوان أمريكا من العرب والأوروبيين في أكثر من طريقة خداع واحتيال.

شيراك: الدخول على الخط المذهبي

ومن الطريف أن الرئيس شيراك ـ حسب الإعلام ـ قد دخل على خط السنّة والشيعة، فأعلن أنه "لا يمكنه الوثوق بالشيعة ولكنه يمكن لـه الوثوق بالسنّة"، وتمتد المسألة من خلال السائرين في خطه من اللبنانيين ليتحدثوا عن الخطر الشيعي، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن المسلمين الشيعة ينفتحون على كل الطوائف والتيارات المتنوّعة، وأنهم ـ في كل بلد عاشوا فيه ـ لا يملكون مشروعاً خاصاً، ولذا فإنهم لا يمثّلون خطراً على أحد، بل كل ما لديهم أن يعيشوا كمواطنين بما تفرضه المواطنة من الحقوق والواجبات على الجميع بشكل متساوٍ، وإذا كان لهم ـ في بعض مواقعهم السياسية المختلفة ـ بعض الآراء أو العلاقات فإنهم لا يختلفون عن الآخرين في ذلك كله، وفي ممارسة حرياتهم في الرأي والموقف السياسي.

إن خطيئة المسلمين الشيعة عند الآخرين هي أنهم حرروا أرض لبنان من الاحتلال ولا يزالون في ساحة المقاومة، وأنهم دعموا الشعب الفلسطيني وينطلقون في مواجهة الاستكبار العالمي... إننا نحذّر كل الذين يتحدثون بهذه الطريقة، لأنهم لا يخدمون بذلك إلا سلطة الاحتلال في المنطقة كلها.

العراق: الاحتلال هو المشكلة

أما العراق فلا يزال ينزف دماً طاهراً في كل يوم، من خلال التفجيرات والاغتيالات التي تطال الأبرياء، من دون أن يبادر الاحتلال إلى فرض الأمن من خلال قواته المتعددة الجنسيات، بل إننا قد نلاحظ أنه يشجّع الكثير من الأوضاع، الأمر الذي يبطل الحديث عن أن انسحابه يُغرق البلد بالفوضى، لأننا نلاحظ أن بقاءه هو الذي أغرق العراق بأكثر من نهر من الدم البريء.

إن الاحتلال هو مشكلة الشعب العراقي، وإن الإرهاب الذي يتحرك ضد الأبرياء، ولا سيما من خلال الحقد المذهبي، هو ما يعانيه الناس هناك، وعلى الجميع الاستعداد لمواجهة ذلك كله في حماية عراقهم سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ولا سيما أن الإعلام الأمريكي تحدث عن سرقة أمريكية من قِبَل الشركات لأموال الشعب العراقي على مستوى المليارات من الدولارات تحت أعمال وهمية للإعمار، مما يُخشى منه على أموال العراق.

لبنان: الاستكبار يبحث عن مصالحه

أما لبنان، فإنه يواجه الفوضى السياسية التي تفتقد الكثير من الواقعية والمواطنية في خط العيش المشترك، لأن الأساليب المتّبعة جعلت اللبنانيين فريقين لا يلتقيان على طاولة الحوار في القضايا المصيرية، الأمر الذي جعل الواقع يختزن العمق الطائفي بالرغم من وجود بعض الأسماء التي يُراد لها أن تمنح التجاذب الطائفي ملامح من هذه الجهة أو تلك..

إننا نعتقد أن التراشق بالكلمات الانفعالية باسم الوطنية والديمقراطية والحرية سوف يسقط هذه القيم على أساس ما قد يطلقه البعض من عنوان كلمة الحق التي يراد بها باطل، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن العقلانية والموضوعية هما اللذان يصلان بالقضية إلى شاطئ الأمان، لا سيما أن البلد يعيش الزلزال الاقتصادي والسياسي في نطاق الهجمة الدولية التي يلجأ إليها بعض اللبنانيين للاستقواء بها على الواقع اللبناني الآخر والواقع العربي، والجميع يعرف أن الاستكبار العالمي يبحث عن مصالحه لا عن مصالح اللبنانيين، وأنه يستخدم لبنان ورقة يلعب بها في الضغط على بلد آخر في نطاق استراتيجيته في الضغط على المنطقة كلها، "واللبيب من الإشارة يفهم".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية