الإمامة التي ملكت قلوب الناس وعقولهم

الإمامة التي ملكت قلوب الناس وعقولهم

في رحاب الإمام الحسن (ع) "أعبد أهل زمانه":
الإمامة التي ملكت قلوب الناس وعقولهم

 


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

 

في أحضان رسول الله(ص)

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)، ابن فاطمة الزهراء(ع)، وهو أول وليد لعليّ وفاطمة(ع) وأول سبط لرسول الله(ص)، والذي صادفت ذكرى وفاته في السابع من شهر صفر. وقد عاش الحسن(ع) في طفولته الأولى في حضانة رسول الله(ص)، وكان يلاعبه ويحتضنه ويقبّله، وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص) فيما رواه "أحمد بن حنبل" في مسنده عن "أبي هريرة"، أن رسول الله(ص) كان جالساً بفناء بيت فاطمة(ع) واشتد الحسن – ركض إليه واعتنقه – فقال رسول الله(ص) وقد رفع يديه إلى السماء: "اللهم إني أحبه فأحبّ من يحبه". وكان(ص) يكرر القول بعد ولادة الإمام الحسين(ع) ويقول: "اللهم إني أحبهما فأحبّهما وأحبّ من يحبهما".

مكانته(ع) في واقع الأمة

وقد أراد رسول الله(ص) أن يحدّث المسلمين عن الحسن والحسين(ع) ليعيشا في وجدان المسلمين، وليتحسس المسلمون مكانتهما عند الله تعالى وعند رسول الله(ص)، ومكانتهما في واقع الإمامة في المسؤولية الإسلامية، فكان الحديث الذي يقول: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، "الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا"، ليوحي إلى المسلمين بأنه – وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى – بأنه لا يتكلم عنهما بوحي العاطفة باعتبار أنهما سبطاه، ولكنه يتكلم عنهما بوحي الرسالة، من حيث ما عرّفه الله تعالى من شأنهما.

العابـد الـزاهد

وقد تحدث الرواة والأئمة من أهل البيت(ع) عن الإمام الحسن(ع)، فنقرأ في الرواية التي رواها الإمام الصادق(ع) عن أبيه الإمام الباقر(ع) عن جدّه علي بن الحسين(ع) أنه قال: "كان الحسن بن علي أعبد الناس في زمانه - فقد تربى(ع) في حضن رسول الله(ص) وعليّ وفاطمة(ع)، وهو الذي عرف الله تعالى من خلال ذلك، وهو الذي أعطاه الله لطف الإمامة، فعبادته كأفضل ما تكون العبادة – وأزهدهم – لأنه كان الزاهد في نفسه بالرغم من أنه كان موسّعاً عليه في ماله، لأن قضية الزهد ليست أن لا يكون لك المال الذي تملكه من حلال، بل الزهد أن لا يسيطر المال عليك لتكون عبد المال، وليسخّرك المال في شهواتك وملذاتك على حساب مبادئك، وقد ورد عن عليّ(ع): "جمع الله الزهد في كلمتين: لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم"، أن تكون الدنيا بالنسبة إليك على حدّ سواء، إذا أقبلت فإنك لا تبطر، وإذا أدبرت فإنك لا تسقط، لتعتبر الدنيا موضعاً لحاجاتك التي تتحرك فيها من خلال مسؤوليتك – وأفضلهم - أفضلهم في موقع الإمامة والقرب من الله والعلم الذي يملكه، وفي موقع الخلق الذي يتميّز به، وقد ورد عن رسول الله(ص) عن الإمام الحسن(ع): "أشبهت خَلقي وخُلقي" – وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشى حافياً".

وورد في الحديث عن بعض الرواة أن الإمام الحسن(ع) بلغ من الشرف ما لم يبلغه أحد بعد رسول الله(ص) في محبة الناس له وهيبته في قلوبهم، حتى أنه كان يُفرش له أمام بيته، فإذا خرج وجلس انقطعت المارة فلا يمر أحد أمامه إجلالاً وهيبة له، حتى إذا عرف ذلك دخل البيت لئلا يثقل على الناس ذلك، ويروى أنه كان إذا حجّ ماشياً ورآه المسلمون نزلوا عن خيولهم إجلالاً له. وكان الإمام الحسن(ع) موضع محبة الناس كلهم، ربما خذله من خذله في موقعه في الإمامة، وهذا ما حصل عند مسيره إلى معاوية ليكمل ما بدأه أبوه عليّ(ع) في إخضاعه لنظام الشرعية الإسلامية، ولكنه كان في الوقت نفسه محل تقدير الناس وإجلالهم وهيبتهم، ولعل هذا هو الفرق بين الأئمة(ع) الذين كانوا خارج الحكم في الوقت الذي كان فيه آخرون على منصة الحكم، حيث ملك الأئمة(ع) قلوب الناس وعقولهم، في حين ملك الآخرون ممن كانوا في مواقع السلطة بفعل القوة.

نظرة بعيدة إلى المستقبل

وعندما نواجه هذه الأمور، فإننا نعرف أن الإمام الحسن(ع) كان الصدر الرحب الذي يحلم عن الذين أساءوا إليه، وكان الإمام الذي ينظر إلى الأمور بعيداً عن كل الحماس والانفعال، وكان يقدّر الأمور في نظرته البعيدة إلى المستقبل على أساس مصلحة الإسلام والمسلمين، فهو عندما هادن معاوية إنما هادنه لأن الجيش الذي كان معه لم يكن جيشاً مقاتلاً ومخلصاً، وربما رأى الإمام الحسن(ع) الخذلان منه، ولكن بعض أصحابه الذين كانوا يشبهون أصحاب الإمام الحسين(ع) في إخلاصهم أرادوا له أن يكمل المسيرة حتى لو قُتلوا جميعاً، لذلك عاشوا في نفوسهم الحزن والحسرة من خلال المعاهدة التي عقدت بينه وبين معاوية، لأنهم كانوا لا يرون أية شرعية لمعاوية، بل يرون الشرعية الإسلامية متمثلة بالإمام الحسن(ع)، وكان الأمر قد وصل ببعض جنده أن تجرأ على الإمام(ع) فكانوا يقولون له: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين، وكان يعرف أنهم لم يتكلموا بذلك عن نيّة سيئة، بل تكلموا عن غيرة، ولكنه كان يعرف أنهم لم يفهموا النظرة البعيدة التي يراها، لأنه كان يدرك أن الاستمرار في الحرب، وهي غير متكافئة، ستأتي على كل الطليعة الإسلامية المخلصة، ولا يبقى بعد ذلك من يرفع الصوت عالياً ضد الانحراف، ولذلك كان الإمام(ع) يريد الإبقاء على هذه الطليعة الإسلامية الواعية التي التزمت خط رسول الله (ص) في خط أهل البيت(ع)، حتى إذا هدأت الحرب في الواقع الإسلامي أمكنهم أن ينفذوا إلى الساحة ليعرّفوا الناس الخط المستقيم والخط المنحرف، وهذا ما حصل، فإن الكتب التي جاءت إلى الإمام الحسين(ع) من كثير من أصحابه الخلّص كانت بفعل هذه المعارضة التي استطاعت أن تعبئ المسلمين ضد الانحراف في حكم معاوية ويزيد، وإن كانت الظروف قد تحركت في اتجاه آخر، وهذا ما قاله البعض، أن ثورة الحسين(ع) هي صدى لصلح الإمام الحسن(ع).

ونحن نعرف أن الإمام الحسن(ع) مات مسموماً، لأن معاوية عندما أراد أن يبايع لولده يزيد، وكان قد التزم للإمام الحسن(ع) أن يكون هو الخليفة من بعده، استغل نقطة الضعف عند زوجة الإمام الحسن، وهي "جعدة بنت الأشعث"، وأطمعها بأن يبعث لها مائة ألف درهم وأن يزوّجها من ابنه يزيد، لكي تدس السم للإمام الحسن، وهكذا كان، وبقي الإمام الحسن(ع) أربعين يوماً وانتقل إلى رحاب الله، وكان من وصيته للإمام الحسين(ع)، وهو يعرف أن بني أمية سوف يعارضون دفنه عند قبر جده، "أن لا يهريق في أمره ملء محجمة دماً"، وهكذا كان.

من مواعظه ووصاياه

إننا أمام ذكرى الإمام الحسن(ع) نشعر بالحاجة إلى أن نستمع إلى بعض مواعظه، ليعيش فينا موعظة ووصية ونصيحة وعلماً. من كلماته وهو يريد من الناس أن تكون الشورى هي الطابع الذي يطبع حياتهم في كل ما يريدون أن يقوموا به، سواء كانت هذه الأمور أموراً في داخل البيت لتنظيم شؤون البيت، أو في داخل العمل لتنظيم شؤون العمل، أو في داخل المواقع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، أن لا يستبد الإنسان برأيه، بل أن يستشير غيره وأن يضم إلى رأيه رأي الآخرين، وهذا ما أراده الله تعالى منا في قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}، يقول(ع): "ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم".

وتحدث الإمام الحسن(ع) لبعض ولده عندما كان ينصحه عمن يؤاخيه، ما هي الأمور التي تنظر إليها عندما تريد أن تصادق شخصاً، يقول(ع): "لا تؤاخي أحداً حتى تعرف مصادره وموارده"، أن تعرف ما هي خلفياته التي تعيش في باطن أمره، ما هي علاقاته السياسية والاجتماعية، ما هي مبادئه، ما هي استقامته في الحياة، ادرس الإنسان الذي تصادقه في ذلك كله، لأن مسألة الصديق هي مسألة تتصل بما يمكن أن يؤثر في عقلك وقلبك وعلاقاتك، وما يمكن أن يؤثّر في عائلتك والناس من حولك. وجاء شخص إلى الإمام الحسن(ع) وقال له: أريد أن أصحبك، فاشترط عليه الإمام الحسن(ع) ثلاثة أمور: "إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تكذبني – أن تكون صادقاً في أخبارك وأقوالك – فإنه لا رأي لمكذوب، وإياك أن تغتاب عندي أحداً"، فطلب هذا الشخص أن يسمح له بالانصراف، فقال له: "نعم إذا شئت".

وورد عن الإمام الحسن(ع): "من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذل معصية الله – لأنك إذا عصيت ربك سخط عليك وغضب منك وحكم عليك بالنار - إلى عزّ طاعته"، لأنك إذا أطعت ربك رضي عنك وحوّل قلوب الناس إليك وحببهم بك، ورفع شأنك في الدنيا والآخرة، لذلك رتّب علاقتك بالله. كان الإمام الحسن(ع) يريد من الناس أن تكون العلاقة الأقوى والأكثر ثباتاً هي العلاقة بالله، فإذا طلبوا العز والهيبة فليطلبوها من الله، وقد كان نقش خاتم الإمام الحسن(ع) "العزة لله وحده"..

النجاة في خط أهل البيت(ع)

هذا هو الإمام الحسن(ع)، وهؤلاء هم أئمة أهل البيت(ع)، إنهم يرتفعون حيث يتضع الناس، ويكبرون حيث يصغر الناس، وينطلقون مع الله حيث يذهب الناس إلى الشيطان، هؤلاء هم أئمة الهدى ومواضع الرجاء، فتعالوا لنعيش معهم ومع جدهم رسول الله(ص)، فإنهم لن يقودونا إلا إلى كل خير وإلا إلى الجنة، وقد قال رسول الله(ص): "مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ـ من ركب مفاهيمها وأحكامها وطريقها وسلوكها ـ ومن تخلّف عنها غرق وهوى"، أن ننطلق معهم في خط العمل لا في خط العاطفة فحسب، لأن عظمتهم أنهم أطاعوا الله حق طاعته وعبدوه حق عبادته، وقد قال الإمام الباقر(ع): "من كان وليّاً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدوّاً لله فهو لنا عدوّ، والله ما تُنال ولايتنا إلا بالورع".

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله فإن خير الزاد التقوى، والمؤمن ـ كما قال الإمام الحسن(ع) ـ يتزوّد والكافر يتمتّع، فالمؤمن يشغله في حياته زاده إلى الله، أما الكافر فإنه يشغله في حياته ما يحصل عليه من شهواته، حاولوا أن تأخذوا بأسباب التقوى في كل أموركم لتكونوا الأتقياء في البيت، فلا تعصوا الله في أهلكم، ولتكن لكم التقوى في مواقع عملكم، فلا تعصوا الله في الغش في عملكم وأكل أموال الناس بالباطل، ولتكن لكم التقوى في انتماءاتكم، فلا تنتموا إلى شخص أو جهة إلا بعد أن تعرفوا أنها تؤدي إلى الله ولا تؤدي إلى الشيطان.

ولتكن لكم التقوى في مواقفكم وأوضاعكم السياسية، فلا تأخذوا بالسياسة إلا إذا كانت مرتكزة على الحق، كونوا الأتقياء لتكونوا مع الصادقين لا مع الكاذبين، ومع المتواضعين لا مع المستكبرين، حتى يعيش الإنسان في كل حركاته وسكناته تحت نظر الله.. وعلينا أن نأخذ بالتقوى في مواجهة كل التحديات في كل ما يصيب الإسلام والمسلمين، وهذا ما نريد أن نقف عنده فيما نواجهه من أحداث، فماذا هناك؟

معالجة جدية لمشاكل العمال

مرّت علينا قبل أيام مناسبة "يوم العمل" الذي يمثّل مناسبة سنوية يتحرّك فيها العمّال ليدرسوا مشاكلهم وقضاياهم، في حياتهم المهنية وفي حقوقهم العمّالية، باعتبارهم الفئة التي تعطي للأوطان قوتها وحيويتها وفاعليتها ونظامها.. ونحن – في لبنان – نواجه أكثر من مشكلة للعمّال، وفي مقدمتها مشكلة البطالة ومشكلة التضخّم أمام الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، في واقع العمّال والموظفين، بالإضافة إلى اهتزاز وحدة الطبقة العاملة من خلال الخطوط السياسية التي نفذت إلى داخلها، وأفقدتها توازنها.

إننا أمام هذا الواقع الصعب في لبنان، والذي يزداد صعوبة من خلال لجوء عدد من الشركات والمؤسسات إلى صرف عدد كبير من موظفيها، ندعو إلى معالجة مشكلة العمل والعمّال، باعتبارها المشكلة المرتبطة بحياة أوسع المواطنين عدداً، وأكثرهم اتصالاً بحاضر البلد ومستقبله، في قضاياه الاقتصادية والاجتماعية، انتهاءً بالمشاكل السياسية.

الانتفاضة.. العزة والعنفوان

ولا ننسى – بهذه المناسبة – عمّال فلسطين الذين فقدوا أكثر فرص العمل، وعاشوا الجوع القاسي بفعل الحصار الاقتصادي المفروض عليهم من العدو الإسرائيلي المحتل، وفقدان المساعدات العربية والإسلامية بالرغم من قرارات القمم المنعقدة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، في الوقت الذي يتحركون فيه في ثورة الانتفاضة التي تختصر في حركيتها العنفوان كله، والعزة كلها، والحرية للعالم العربي والإسلامي كله.. إننا ندعو الجميع إلى الوقوف مع هؤلاء المجاهدين من أجل دعم صمودهم، وتوفير أدنى مقوّمات الحياة لهم..

وفي هذا الجو، نلاحظ تصاعد الانتفاضة في جهادها من أجل التحرير، إلى جانب تصاعد الوحشية الهمجية الإسرائيلية التي تتفوّق في إجرامها على النازية في قتل الأطفال والشيوخ والنساء والشباب من المدنيين، وهدم البيوت، وجرف المزروعات، والحصار التجويعي، في الوقت الذي نرى فيه أمريكا تقف إلى جانب العدو، بالضغط على الفلسطينيين تحت شعار "إيقاف العنف" الذي يتحمّل الفلسطينيون – بحسب الادّعاء الأمريكي – مسؤوليته!!

أمريكا.. قلب الحقائق

إن المشكلة في السياسة الأمريكية أنها لا تعتبر قضية فلسطين قضية شعب محتل يطالب بحريته، بل تعتبرها حركة ضد ما يُسمى "الدولة الإسرائيلية في عملية عنف عدواني"، الأمر الذي يجعلها تحكم على حركة المجاهدين بأنها حركة إرهاب، تماماً كأية جماعة تقوم ضد دولة شرعية، ولذلك فإنها ترى في وحشية اليهود دفاعاً عن النفس!!

إن أمريكا تتنكّر لحقوق الفلسطينيين في الحرية، وتتحدث عن المفاوضات بعد إيقاف الانتفاضة كما لو كانت الوسيلة لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، وهي تعلم أنه لا يملك – في المفاوضات - أيّ ميزان للقوة للحصول على حقوقه بسبب دعم أمريكا المطلق للعدوّ، بالإضافة إلى ضغط أكثر من دولة أوروبية وعربية سائرة في الفلك الأمريكي على هذا الشعب المظلوم، للقبول بالطروحات الإسرائيلية التي لا تريد أن تمنحه أية حقوق سياسية واقتصادية وأمنية مما تحتاجه الشعوب في حقوقها الإنسانية.

وثيقـة الإرهــاب

لقد أصدرت أمريكا وثيقة عن الإرهاب، لتتهم المجاهدين في لبنان وفلسطين بأنهم إرهابيون، ولتتهم إيران بدعمها للإرهاب لأنها تدعم حركة التحرر من الاحتلال. وبذلك، تعطي أمريكا لحركات التحرر التي تختلف عن شروط مصالحها السياسية والاقتصادية صفة الإرهاب، بينما تمنح إسرائيل صفة الدولة التي تدافع عن أمنها وسيادتها، ومما يُضحك الثكلى أنها تعتبر جنود العدو لدى المقاومة الإسلامية في لبنان رهائن، بينما تعتبر المعتقلين اللبنانيين لدى العدو أسرى، وهي تعلم أن العدو قد أعلن – ولا يزال يعلن – أن بعض المعتقلين كالشيخ عبد الكريم عبيد والحاج مصطفى الديراني رهائن عنده، لمبادلتهم بالطيّار الإسرائيلي "أراد"، وبهذا تزايد أمريكا في حديثها عن الإرهاب حتى على إسرائيل!!

إن المجاهدين في فلسطين استطاعوا أن يحوّلوا الانتفاضة إلى مأزق أمني من الدرجة الأولى للعدو، وهذا هو الذي دعا حكومته إلى إرسال وزير خارجيتها إلى بعض الدول العربية والى أمريكا للضغط على الفلسطينيين، والضغط على مصر والأردن للتنازل عن بعض بنود مبادرتهما في شقّيها الأمني والسياسي، مصرّحاً بأن أمريكا هي القادرة على إيقاف الانتفاضة، "باعتبار قدرتها على الضغط على الفلسطينيين بما تملك من قوة"..

ومن المؤسف أن بعض الدول العربية التي ترأس "المؤتمر الإسلامي" تبادر – من خلال وزير خارجيتها – إلى اللقاء بوزير خارجية العدو، متجاهلة القرارات الصادرة عن القمم العربية والإسلامية، ما يوحي بأن العلاقة مع العدو مستمرة، حتى في ظل الهمجية التدميرية على الشعب الفلسطيني، علماً أن هذا اللقاء يشجّع العدو ولا يدفعه إلى التنازل عن أيّ شرط من شروطه.

أمريكا: الدولة الأولى في الإرهاب

إن أمريكا – في تحالفها الاستراتيجي مع العدو ضد العرب كلهم والمسلمين كلهم والفلسطينيين كلهم – هي الدولة الأكثر دعماً للإرهاب في العالم.. وإن إسرائيل هي الدولة العنصرية النازية التي تمثل إرهاب الدولة بكل الأسلحة الأمريكية المتطوّرة، التي لا تزال أمريكا تمدّها بها من أجل قتل الفلسطينيين والعدوان على اللبنانيين والسوريين، والتهديد بالحرب الشاملة، وبإنزال نكبة جديدة بالفلسطينيين في تهجير جديد، للاحتفال بـ"استقلال جديد للدولة الصهيونية"، كما صرّح بعض قادتها.

إن المسألة وصلت إلى أعلى درجات التحدي، من خلال ممارسة العدو لأقسى درجات الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك فإن على الشعوب العربية والإسلامية أن تضغط على حكوماتها من أجل القيام بعملية ضغط معاكس على المصالح الأمريكية الاقتصادية، والعمل على تفعيل المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية للعدو، فهذه هي اللغة التي تفهمها أمريكا وإسرائيل في تغيير سياستها العدوانية.

نحو إنتاج حلول جديدة للمشاكل!!

وبالعودة إلى الساحة اللبنانية، فإن السجال العائد إلى الساحة من خلال أكثر من لقاء سياسي وأكثر من بيان، لا يحقق أية نتيجة في المرحلة الحاضرة، لا سيما إذا خضع هذا النشاط لأكثر من تفسير طائفي، باعتبار أنه يمثّل فريقاً واحداً من طائفة واحدة، مما يسهّل توجيه الاتهام بالإثارة الطائفية حتى في البيانات التي تطرح عناوين وطنية. ولذلك، فإن على المخلصين للبلد أن يبحثوا عن وسائل جديدة – بعد فشل الوسائل السابقة – لا سيما أن البلد يتجه نحو الانهيار بفعل الكارثة الاقتصادية التي تنتظره، مع احترامنا لما تقوم به الدولة – ولا سيما الحكومة – بأكثر من تجربة لحفظ الواقع الاقتصادي من الانهيار.

وفي هذا الاتجاه، لا بدّ من مطالبة الدولة بالاهتمام بأوضاع المزارعين في المناطق المحرومة، ولا سيما البقاع الذي بلغ الحرمان فيه أعلى درجاته، حتى وصل إلى مستوى المأساة، نتيجة فقدان الخطة الإنمائية التي تشجع المزارع وتضمن له الاستمرار في زراعته المشروعة وحماية إنتاجه.. إننا نطلق الصوت عالياً قبل أن تحل الكارثة، فهل من يسمع؟

في رحاب الإمام الحسن (ع) "أعبد أهل زمانه":
الإمامة التي ملكت قلوب الناس وعقولهم

 


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

 

في أحضان رسول الله(ص)

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}. من أهل هذا البيت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)، ابن فاطمة الزهراء(ع)، وهو أول وليد لعليّ وفاطمة(ع) وأول سبط لرسول الله(ص)، والذي صادفت ذكرى وفاته في السابع من شهر صفر. وقد عاش الحسن(ع) في طفولته الأولى في حضانة رسول الله(ص)، وكان يلاعبه ويحتضنه ويقبّله، وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص) فيما رواه "أحمد بن حنبل" في مسنده عن "أبي هريرة"، أن رسول الله(ص) كان جالساً بفناء بيت فاطمة(ع) واشتد الحسن – ركض إليه واعتنقه – فقال رسول الله(ص) وقد رفع يديه إلى السماء: "اللهم إني أحبه فأحبّ من يحبه". وكان(ص) يكرر القول بعد ولادة الإمام الحسين(ع) ويقول: "اللهم إني أحبهما فأحبّهما وأحبّ من يحبهما".

مكانته(ع) في واقع الأمة

وقد أراد رسول الله(ص) أن يحدّث المسلمين عن الحسن والحسين(ع) ليعيشا في وجدان المسلمين، وليتحسس المسلمون مكانتهما عند الله تعالى وعند رسول الله(ص)، ومكانتهما في واقع الإمامة في المسؤولية الإسلامية، فكان الحديث الذي يقول: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، "الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا"، ليوحي إلى المسلمين بأنه – وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى – بأنه لا يتكلم عنهما بوحي العاطفة باعتبار أنهما سبطاه، ولكنه يتكلم عنهما بوحي الرسالة، من حيث ما عرّفه الله تعالى من شأنهما.

العابـد الـزاهد

وقد تحدث الرواة والأئمة من أهل البيت(ع) عن الإمام الحسن(ع)، فنقرأ في الرواية التي رواها الإمام الصادق(ع) عن أبيه الإمام الباقر(ع) عن جدّه علي بن الحسين(ع) أنه قال: "كان الحسن بن علي أعبد الناس في زمانه - فقد تربى(ع) في حضن رسول الله(ص) وعليّ وفاطمة(ع)، وهو الذي عرف الله تعالى من خلال ذلك، وهو الذي أعطاه الله لطف الإمامة، فعبادته كأفضل ما تكون العبادة – وأزهدهم – لأنه كان الزاهد في نفسه بالرغم من أنه كان موسّعاً عليه في ماله، لأن قضية الزهد ليست أن لا يكون لك المال الذي تملكه من حلال، بل الزهد أن لا يسيطر المال عليك لتكون عبد المال، وليسخّرك المال في شهواتك وملذاتك على حساب مبادئك، وقد ورد عن عليّ(ع): "جمع الله الزهد في كلمتين: لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم"، أن تكون الدنيا بالنسبة إليك على حدّ سواء، إذا أقبلت فإنك لا تبطر، وإذا أدبرت فإنك لا تسقط، لتعتبر الدنيا موضعاً لحاجاتك التي تتحرك فيها من خلال مسؤوليتك – وأفضلهم - أفضلهم في موقع الإمامة والقرب من الله والعلم الذي يملكه، وفي موقع الخلق الذي يتميّز به، وقد ورد عن رسول الله(ص) عن الإمام الحسن(ع): "أشبهت خَلقي وخُلقي" – وكان إذا حجّ حجّ ماشياً وربما مشى حافياً".

وورد في الحديث عن بعض الرواة أن الإمام الحسن(ع) بلغ من الشرف ما لم يبلغه أحد بعد رسول الله(ص) في محبة الناس له وهيبته في قلوبهم، حتى أنه كان يُفرش له أمام بيته، فإذا خرج وجلس انقطعت المارة فلا يمر أحد أمامه إجلالاً وهيبة له، حتى إذا عرف ذلك دخل البيت لئلا يثقل على الناس ذلك، ويروى أنه كان إذا حجّ ماشياً ورآه المسلمون نزلوا عن خيولهم إجلالاً له. وكان الإمام الحسن(ع) موضع محبة الناس كلهم، ربما خذله من خذله في موقعه في الإمامة، وهذا ما حصل عند مسيره إلى معاوية ليكمل ما بدأه أبوه عليّ(ع) في إخضاعه لنظام الشرعية الإسلامية، ولكنه كان في الوقت نفسه محل تقدير الناس وإجلالهم وهيبتهم، ولعل هذا هو الفرق بين الأئمة(ع) الذين كانوا خارج الحكم في الوقت الذي كان فيه آخرون على منصة الحكم، حيث ملك الأئمة(ع) قلوب الناس وعقولهم، في حين ملك الآخرون ممن كانوا في مواقع السلطة بفعل القوة.

نظرة بعيدة إلى المستقبل

وعندما نواجه هذه الأمور، فإننا نعرف أن الإمام الحسن(ع) كان الصدر الرحب الذي يحلم عن الذين أساءوا إليه، وكان الإمام الذي ينظر إلى الأمور بعيداً عن كل الحماس والانفعال، وكان يقدّر الأمور في نظرته البعيدة إلى المستقبل على أساس مصلحة الإسلام والمسلمين، فهو عندما هادن معاوية إنما هادنه لأن الجيش الذي كان معه لم يكن جيشاً مقاتلاً ومخلصاً، وربما رأى الإمام الحسن(ع) الخذلان منه، ولكن بعض أصحابه الذين كانوا يشبهون أصحاب الإمام الحسين(ع) في إخلاصهم أرادوا له أن يكمل المسيرة حتى لو قُتلوا جميعاً، لذلك عاشوا في نفوسهم الحزن والحسرة من خلال المعاهدة التي عقدت بينه وبين معاوية، لأنهم كانوا لا يرون أية شرعية لمعاوية، بل يرون الشرعية الإسلامية متمثلة بالإمام الحسن(ع)، وكان الأمر قد وصل ببعض جنده أن تجرأ على الإمام(ع) فكانوا يقولون له: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين، وكان يعرف أنهم لم يتكلموا بذلك عن نيّة سيئة، بل تكلموا عن غيرة، ولكنه كان يعرف أنهم لم يفهموا النظرة البعيدة التي يراها، لأنه كان يدرك أن الاستمرار في الحرب، وهي غير متكافئة، ستأتي على كل الطليعة الإسلامية المخلصة، ولا يبقى بعد ذلك من يرفع الصوت عالياً ضد الانحراف، ولذلك كان الإمام(ع) يريد الإبقاء على هذه الطليعة الإسلامية الواعية التي التزمت خط رسول الله (ص) في خط أهل البيت(ع)، حتى إذا هدأت الحرب في الواقع الإسلامي أمكنهم أن ينفذوا إلى الساحة ليعرّفوا الناس الخط المستقيم والخط المنحرف، وهذا ما حصل، فإن الكتب التي جاءت إلى الإمام الحسين(ع) من كثير من أصحابه الخلّص كانت بفعل هذه المعارضة التي استطاعت أن تعبئ المسلمين ضد الانحراف في حكم معاوية ويزيد، وإن كانت الظروف قد تحركت في اتجاه آخر، وهذا ما قاله البعض، أن ثورة الحسين(ع) هي صدى لصلح الإمام الحسن(ع).

ونحن نعرف أن الإمام الحسن(ع) مات مسموماً، لأن معاوية عندما أراد أن يبايع لولده يزيد، وكان قد التزم للإمام الحسن(ع) أن يكون هو الخليفة من بعده، استغل نقطة الضعف عند زوجة الإمام الحسن، وهي "جعدة بنت الأشعث"، وأطمعها بأن يبعث لها مائة ألف درهم وأن يزوّجها من ابنه يزيد، لكي تدس السم للإمام الحسن، وهكذا كان، وبقي الإمام الحسن(ع) أربعين يوماً وانتقل إلى رحاب الله، وكان من وصيته للإمام الحسين(ع)، وهو يعرف أن بني أمية سوف يعارضون دفنه عند قبر جده، "أن لا يهريق في أمره ملء محجمة دماً"، وهكذا كان.

من مواعظه ووصاياه

إننا أمام ذكرى الإمام الحسن(ع) نشعر بالحاجة إلى أن نستمع إلى بعض مواعظه، ليعيش فينا موعظة ووصية ونصيحة وعلماً. من كلماته وهو يريد من الناس أن تكون الشورى هي الطابع الذي يطبع حياتهم في كل ما يريدون أن يقوموا به، سواء كانت هذه الأمور أموراً في داخل البيت لتنظيم شؤون البيت، أو في داخل العمل لتنظيم شؤون العمل، أو في داخل المواقع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، أن لا يستبد الإنسان برأيه، بل أن يستشير غيره وأن يضم إلى رأيه رأي الآخرين، وهذا ما أراده الله تعالى منا في قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}، يقول(ع): "ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم".

وتحدث الإمام الحسن(ع) لبعض ولده عندما كان ينصحه عمن يؤاخيه، ما هي الأمور التي تنظر إليها عندما تريد أن تصادق شخصاً، يقول(ع): "لا تؤاخي أحداً حتى تعرف مصادره وموارده"، أن تعرف ما هي خلفياته التي تعيش في باطن أمره، ما هي علاقاته السياسية والاجتماعية، ما هي مبادئه، ما هي استقامته في الحياة، ادرس الإنسان الذي تصادقه في ذلك كله، لأن مسألة الصديق هي مسألة تتصل بما يمكن أن يؤثر في عقلك وقلبك وعلاقاتك، وما يمكن أن يؤثّر في عائلتك والناس من حولك. وجاء شخص إلى الإمام الحسن(ع) وقال له: أريد أن أصحبك، فاشترط عليه الإمام الحسن(ع) ثلاثة أمور: "إياك أن تمدحني فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تكذبني – أن تكون صادقاً في أخبارك وأقوالك – فإنه لا رأي لمكذوب، وإياك أن تغتاب عندي أحداً"، فطلب هذا الشخص أن يسمح له بالانصراف، فقال له: "نعم إذا شئت".

وورد عن الإمام الحسن(ع): "من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذل معصية الله – لأنك إذا عصيت ربك سخط عليك وغضب منك وحكم عليك بالنار - إلى عزّ طاعته"، لأنك إذا أطعت ربك رضي عنك وحوّل قلوب الناس إليك وحببهم بك، ورفع شأنك في الدنيا والآخرة، لذلك رتّب علاقتك بالله. كان الإمام الحسن(ع) يريد من الناس أن تكون العلاقة الأقوى والأكثر ثباتاً هي العلاقة بالله، فإذا طلبوا العز والهيبة فليطلبوها من الله، وقد كان نقش خاتم الإمام الحسن(ع) "العزة لله وحده"..

النجاة في خط أهل البيت(ع)

هذا هو الإمام الحسن(ع)، وهؤلاء هم أئمة أهل البيت(ع)، إنهم يرتفعون حيث يتضع الناس، ويكبرون حيث يصغر الناس، وينطلقون مع الله حيث يذهب الناس إلى الشيطان، هؤلاء هم أئمة الهدى ومواضع الرجاء، فتعالوا لنعيش معهم ومع جدهم رسول الله(ص)، فإنهم لن يقودونا إلا إلى كل خير وإلا إلى الجنة، وقد قال رسول الله(ص): "مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ـ من ركب مفاهيمها وأحكامها وطريقها وسلوكها ـ ومن تخلّف عنها غرق وهوى"، أن ننطلق معهم في خط العمل لا في خط العاطفة فحسب، لأن عظمتهم أنهم أطاعوا الله حق طاعته وعبدوه حق عبادته، وقد قال الإمام الباقر(ع): "من كان وليّاً لله فهو لنا وليّ، ومن كان عدوّاً لله فهو لنا عدوّ، والله ما تُنال ولايتنا إلا بالورع".

الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله فإن خير الزاد التقوى، والمؤمن ـ كما قال الإمام الحسن(ع) ـ يتزوّد والكافر يتمتّع، فالمؤمن يشغله في حياته زاده إلى الله، أما الكافر فإنه يشغله في حياته ما يحصل عليه من شهواته، حاولوا أن تأخذوا بأسباب التقوى في كل أموركم لتكونوا الأتقياء في البيت، فلا تعصوا الله في أهلكم، ولتكن لكم التقوى في مواقع عملكم، فلا تعصوا الله في الغش في عملكم وأكل أموال الناس بالباطل، ولتكن لكم التقوى في انتماءاتكم، فلا تنتموا إلى شخص أو جهة إلا بعد أن تعرفوا أنها تؤدي إلى الله ولا تؤدي إلى الشيطان.

ولتكن لكم التقوى في مواقفكم وأوضاعكم السياسية، فلا تأخذوا بالسياسة إلا إذا كانت مرتكزة على الحق، كونوا الأتقياء لتكونوا مع الصادقين لا مع الكاذبين، ومع المتواضعين لا مع المستكبرين، حتى يعيش الإنسان في كل حركاته وسكناته تحت نظر الله.. وعلينا أن نأخذ بالتقوى في مواجهة كل التحديات في كل ما يصيب الإسلام والمسلمين، وهذا ما نريد أن نقف عنده فيما نواجهه من أحداث، فماذا هناك؟

معالجة جدية لمشاكل العمال

مرّت علينا قبل أيام مناسبة "يوم العمل" الذي يمثّل مناسبة سنوية يتحرّك فيها العمّال ليدرسوا مشاكلهم وقضاياهم، في حياتهم المهنية وفي حقوقهم العمّالية، باعتبارهم الفئة التي تعطي للأوطان قوتها وحيويتها وفاعليتها ونظامها.. ونحن – في لبنان – نواجه أكثر من مشكلة للعمّال، وفي مقدمتها مشكلة البطالة ومشكلة التضخّم أمام الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، في واقع العمّال والموظفين، بالإضافة إلى اهتزاز وحدة الطبقة العاملة من خلال الخطوط السياسية التي نفذت إلى داخلها، وأفقدتها توازنها.

إننا أمام هذا الواقع الصعب في لبنان، والذي يزداد صعوبة من خلال لجوء عدد من الشركات والمؤسسات إلى صرف عدد كبير من موظفيها، ندعو إلى معالجة مشكلة العمل والعمّال، باعتبارها المشكلة المرتبطة بحياة أوسع المواطنين عدداً، وأكثرهم اتصالاً بحاضر البلد ومستقبله، في قضاياه الاقتصادية والاجتماعية، انتهاءً بالمشاكل السياسية.

الانتفاضة.. العزة والعنفوان

ولا ننسى – بهذه المناسبة – عمّال فلسطين الذين فقدوا أكثر فرص العمل، وعاشوا الجوع القاسي بفعل الحصار الاقتصادي المفروض عليهم من العدو الإسرائيلي المحتل، وفقدان المساعدات العربية والإسلامية بالرغم من قرارات القمم المنعقدة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، في الوقت الذي يتحركون فيه في ثورة الانتفاضة التي تختصر في حركيتها العنفوان كله، والعزة كلها، والحرية للعالم العربي والإسلامي كله.. إننا ندعو الجميع إلى الوقوف مع هؤلاء المجاهدين من أجل دعم صمودهم، وتوفير أدنى مقوّمات الحياة لهم..

وفي هذا الجو، نلاحظ تصاعد الانتفاضة في جهادها من أجل التحرير، إلى جانب تصاعد الوحشية الهمجية الإسرائيلية التي تتفوّق في إجرامها على النازية في قتل الأطفال والشيوخ والنساء والشباب من المدنيين، وهدم البيوت، وجرف المزروعات، والحصار التجويعي، في الوقت الذي نرى فيه أمريكا تقف إلى جانب العدو، بالضغط على الفلسطينيين تحت شعار "إيقاف العنف" الذي يتحمّل الفلسطينيون – بحسب الادّعاء الأمريكي – مسؤوليته!!

أمريكا.. قلب الحقائق

إن المشكلة في السياسة الأمريكية أنها لا تعتبر قضية فلسطين قضية شعب محتل يطالب بحريته، بل تعتبرها حركة ضد ما يُسمى "الدولة الإسرائيلية في عملية عنف عدواني"، الأمر الذي يجعلها تحكم على حركة المجاهدين بأنها حركة إرهاب، تماماً كأية جماعة تقوم ضد دولة شرعية، ولذلك فإنها ترى في وحشية اليهود دفاعاً عن النفس!!

إن أمريكا تتنكّر لحقوق الفلسطينيين في الحرية، وتتحدث عن المفاوضات بعد إيقاف الانتفاضة كما لو كانت الوسيلة لتحقيق طموحات الشعب الفلسطيني، وهي تعلم أنه لا يملك – في المفاوضات - أيّ ميزان للقوة للحصول على حقوقه بسبب دعم أمريكا المطلق للعدوّ، بالإضافة إلى ضغط أكثر من دولة أوروبية وعربية سائرة في الفلك الأمريكي على هذا الشعب المظلوم، للقبول بالطروحات الإسرائيلية التي لا تريد أن تمنحه أية حقوق سياسية واقتصادية وأمنية مما تحتاجه الشعوب في حقوقها الإنسانية.

وثيقـة الإرهــاب

لقد أصدرت أمريكا وثيقة عن الإرهاب، لتتهم المجاهدين في لبنان وفلسطين بأنهم إرهابيون، ولتتهم إيران بدعمها للإرهاب لأنها تدعم حركة التحرر من الاحتلال. وبذلك، تعطي أمريكا لحركات التحرر التي تختلف عن شروط مصالحها السياسية والاقتصادية صفة الإرهاب، بينما تمنح إسرائيل صفة الدولة التي تدافع عن أمنها وسيادتها، ومما يُضحك الثكلى أنها تعتبر جنود العدو لدى المقاومة الإسلامية في لبنان رهائن، بينما تعتبر المعتقلين اللبنانيين لدى العدو أسرى، وهي تعلم أن العدو قد أعلن – ولا يزال يعلن – أن بعض المعتقلين كالشيخ عبد الكريم عبيد والحاج مصطفى الديراني رهائن عنده، لمبادلتهم بالطيّار الإسرائيلي "أراد"، وبهذا تزايد أمريكا في حديثها عن الإرهاب حتى على إسرائيل!!

إن المجاهدين في فلسطين استطاعوا أن يحوّلوا الانتفاضة إلى مأزق أمني من الدرجة الأولى للعدو، وهذا هو الذي دعا حكومته إلى إرسال وزير خارجيتها إلى بعض الدول العربية والى أمريكا للضغط على الفلسطينيين، والضغط على مصر والأردن للتنازل عن بعض بنود مبادرتهما في شقّيها الأمني والسياسي، مصرّحاً بأن أمريكا هي القادرة على إيقاف الانتفاضة، "باعتبار قدرتها على الضغط على الفلسطينيين بما تملك من قوة"..

ومن المؤسف أن بعض الدول العربية التي ترأس "المؤتمر الإسلامي" تبادر – من خلال وزير خارجيتها – إلى اللقاء بوزير خارجية العدو، متجاهلة القرارات الصادرة عن القمم العربية والإسلامية، ما يوحي بأن العلاقة مع العدو مستمرة، حتى في ظل الهمجية التدميرية على الشعب الفلسطيني، علماً أن هذا اللقاء يشجّع العدو ولا يدفعه إلى التنازل عن أيّ شرط من شروطه.

أمريكا: الدولة الأولى في الإرهاب

إن أمريكا – في تحالفها الاستراتيجي مع العدو ضد العرب كلهم والمسلمين كلهم والفلسطينيين كلهم – هي الدولة الأكثر دعماً للإرهاب في العالم.. وإن إسرائيل هي الدولة العنصرية النازية التي تمثل إرهاب الدولة بكل الأسلحة الأمريكية المتطوّرة، التي لا تزال أمريكا تمدّها بها من أجل قتل الفلسطينيين والعدوان على اللبنانيين والسوريين، والتهديد بالحرب الشاملة، وبإنزال نكبة جديدة بالفلسطينيين في تهجير جديد، للاحتفال بـ"استقلال جديد للدولة الصهيونية"، كما صرّح بعض قادتها.

إن المسألة وصلت إلى أعلى درجات التحدي، من خلال ممارسة العدو لأقسى درجات الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك فإن على الشعوب العربية والإسلامية أن تضغط على حكوماتها من أجل القيام بعملية ضغط معاكس على المصالح الأمريكية الاقتصادية، والعمل على تفعيل المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية للعدو، فهذه هي اللغة التي تفهمها أمريكا وإسرائيل في تغيير سياستها العدوانية.

نحو إنتاج حلول جديدة للمشاكل!!

وبالعودة إلى الساحة اللبنانية، فإن السجال العائد إلى الساحة من خلال أكثر من لقاء سياسي وأكثر من بيان، لا يحقق أية نتيجة في المرحلة الحاضرة، لا سيما إذا خضع هذا النشاط لأكثر من تفسير طائفي، باعتبار أنه يمثّل فريقاً واحداً من طائفة واحدة، مما يسهّل توجيه الاتهام بالإثارة الطائفية حتى في البيانات التي تطرح عناوين وطنية. ولذلك، فإن على المخلصين للبلد أن يبحثوا عن وسائل جديدة – بعد فشل الوسائل السابقة – لا سيما أن البلد يتجه نحو الانهيار بفعل الكارثة الاقتصادية التي تنتظره، مع احترامنا لما تقوم به الدولة – ولا سيما الحكومة – بأكثر من تجربة لحفظ الواقع الاقتصادي من الانهيار.

وفي هذا الاتجاه، لا بدّ من مطالبة الدولة بالاهتمام بأوضاع المزارعين في المناطق المحرومة، ولا سيما البقاع الذي بلغ الحرمان فيه أعلى درجاته، حتى وصل إلى مستوى المأساة، نتيجة فقدان الخطة الإنمائية التي تشجع المزارع وتضمن له الاستمرار في زراعته المشروعة وحماية إنتاجه.. إننا نطلق الصوت عالياً قبل أن تحل الكارثة، فهل من يسمع؟

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية