حديثُ القرآنِ عن النَّفس ومسؤوليَّة الإنسانِ في تزكيتِها ومحاسبتِها

حديثُ القرآنِ عن النَّفس ومسؤوليَّة الإنسانِ في تزكيتِها ومحاسبتِها

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشّمس: 7 - 10].
يتحدّث القرآن الكريم عن النَّفس الَّتي تمثِّل الذات الإنسانيَّة، في أكثر من آية، وبأساليب متعدّدة.
النَّفس.. وحريّةُ الاختيار
وفي هذه الآيات، يريد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يفهم القاعدة الَّتي خلقه عليها، وأطلق له حركته من خلالها، فالله سبحانه وتعالى خلق للإنسان نفسه، وأعطاها حريَّة الاختيار؛ أن تختار ما يمكن لها أن تتحمَّل مسؤوليَّته {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، ألهمها ذلك من خلال حريَّة الاختيار في داخلها. فالله لم يخلق الإنسان خيّراً بتفاصيل الخير، ولم يخلقه شرّيراً، بل أودع في نفسه الفطرة الَّتي تقودُه إلى الإيمان، وجعل له حريَّة السَّير في هذه الفطرة، ولكنَّ الإنسان قد يتنكَّر لفطرته، وقد يغطّيها بشهواته وملذَّاته وعناصر الانحراف.
إنَّ الله قال للإنسان إنَّ بيدك حريَّة الإرادة، وبيَّن له من خلال عقله، ومن خلال رسالاته، طريقَ الخير وطريقَ الشَّرّ، وتفاصيلَ الخير وتفاصيلَ الشَّرّ، وقالَ للإنسان تحمَّل مسؤوليَّتك {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان: 3]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 10].
فاختيارك، أيّها الإنسان، هو مصيرك. فغداً، عندما تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإنَّ الحجَّة لله عليك، في كلِّ ما أدركه عقلك، وفي كلِّ ما بيَّنه الله لك في رسالته {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزّلزلة: 7 - 8].
وقد جاء في "مجمع البيان"، فيما رواه زرارة وحمران بن أعين ومحمَّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (ع)، وأبي عبد الله الصَّادق (ع)، في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، قال: "بيَّنَ لَهَا مَا تَأْتِي وَمَا تَتْرُكُ".
تزكيةُ النَّفسِ ومحاسبتُها
وقد أراد الله سبحانه وتعالى لكلّ النَّاس أن يزكّوا أنفسهم، وأن يمنعوا أيّ غطاء لها مما يمكن أن يحجب عنها وضوح الرؤية لما يريده الله ولما يحبّه، وللحقائق الَّتي بيَّنها الله تعالى.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، قد أفلح من عاش مع نفسه يدرسها؛ يدرس نقاط ضعفها ونقاط قوَّتها، ويدرس كلَّ المؤثّرات الَّتي تتأثَّر بها النَّفس، لأنَّ نفوسنا، أيُّها الأحبَّة، تتأثَّر بما تراه، وبما تسمعه، وبما تقرأه، وبما يحوطها من أوضاعٍ ومعطياتٍ وعاداتٍ وتقاليد.
لذلك، لا بدَّ للإنسان في كلّ يوم أن يجلس مع نفسه، ليدرس كلَّ المؤثّرات الَّتي تأثَّر بها في يومه، المؤثّرات الَّتي يمكن أن تتأثَّر بها عقيدته من خلال شبهة هنا، أو خطِّ ضلال هناك، أو المؤثّرات الَّتي يمكن أن تتأثَّر بها أخلاقه، من خلال بعض الانحرافات هنا وهناك، فيما شاهده، أو سمعه، أو فيما تحركت به أطماعه.
وهكذا، لا بدَّ للإنسان من أن يفحص نفسه في ليلته بعد انقضاء يومه، فيما يمكن أن يتغيَّر من مواقفه.. ربما كنت في الصبَّاح تحبّ شخصاً، ولكنّك تشعر الآن بأنّك تبغضه، أو أنّك كنت تبغض شخصاً، ولكنّك تشعر الآن بأنَّك تحبّه، أو أنَّك اتَّخذت موقفاً إيجابيّاً من واقع أو من قضيَّة أو من شخص، ثمَّ تحوَّل هذا الموقف إلى موقف سلبيّ، أو العكس... ادرس نفسك ماذا كسبَتْ في يومك من خير أو من شرّ، لأنَّك إذا لم تفحص نفسَكَ جيّداً في كلّ الميكروبات الفكريَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة، فربما تتراكم تلك الميكروبات في نفسك، ثمَّ تتحجَّر، فلا تستطيع أن تصادرها من نفسك أو أن تتعالج منها، تماماً كما هو المرض الَّذي إذا اكتشفته في البداية، فإنَّك تستطيع أن تتعالج منه سريعاً، ولكنَّك إذا اكتشفته بعد أن يقوى ويتعمَّق في الجسد، فإنَّك لا تملك حينها أن تتعالج منه إلَّا بجهد كبير، لو كان صالحاً للمعالجة.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، أن تزكّي نفسك، أن تطهّرها وتنظّفها من الدَّاخل. فكما أنَّ عليك أن تنظّف نفسك من الخارج من الأقذار الَّتي تصيب جسدك وثيابك، عليك أن تطهِّر نفسك وتنظِّفها مما يعرض لها من الأوساخ والقذارات، لأنَّ قذارة الجسد لا تمثِّل مشكلة كبيرة، ولكنَّ قذارة الرّوح والقلب والعقل والمشاعر والأحاسيس، تمثِّل مشكلة قد تتّصل بمصيرك، وقد تفقدك نفسك في نهاية المطاف.
لذلك، لا تهملوا أنفسكم، وحاولوا قبل أن تستريحوا للنَّوم، أن تجلسوا في عمليَّة دراسة لأنفسكم، حتَّى يمكن لكم أن تطهّروها، لتواجهوا الموقف يوم القيامة بقلب سليم: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشّعراء: 88 - 89].
مسؤوليّةُ القائدِ والموجّه
وإذا كان الإنسان يتولَّى مهمَّة التوجيه والتربية والوعظ والإرشاد، بحيث كانت كلمته قانوناً لمن يسمعها كنتيجة لموقعه، أو كان عمله قدوةً للآخرين، فعليه أن يدقِّق في تزكية نفسه ومحاسبتها أكثر، لأنَّ السَّلبيَّات الَّتي يعيشها في داخل نفسه، سواء كانت سلبيَّات في العقيدة أو في الشَّريعة أو في الأخلاق أو في العلاقات والمواقف، سوف تمثّل مشكلة للمجتمع من حوله. فإذا كنت في مركز قياديّ للمجتمع، أو في مركز تربويّ أو توجيهيّ للنّاس، فعليك أن تعمل على أن تؤدِّب نفسك قبل أن تؤدِّب النَّاس، وأن تعظها قبل أن تعظهم، لأنَّ من كان قدوةً للنَّاس، لا بدَّ له أن يحميهم من نفسه قبل أن يحميهم من الآخرين، وذلك بأن يعظ نفسه ويؤدّبها، أو أن ينسحب من ساحة المسؤوليَّة.
قال عليّ (ع) في هذا المجال: "مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً - وكلمة "الإمام" تعني الإنسان الَّذي يتَّبعه النَّاس، وقد يكون في منصب العالم، أو القائد، أو المعلّم، أو المربّي، وهكذا - فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ؛ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ؛ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا، أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ‏".
وقال عليٌّ (ع): "أَيُّهَا النَّاسُ، تَوَلَّوْا مِنْ أَنْفُسِكُمْ تَأْدِيبَهَا، وَاعْدِلُوا بِهَا عَنْ ضَرَاوَةِ عَادَاتِهَا"، حتَّى لا تستسلموا للعادات الضّارَّة الَّتي يمكن أن تعتادها النَّفس من داخل ذاتها، أو من خلال ما يحيط بها.
النَّفسُ الأمَّارةُ بالسّوء
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن النَّفس في ثلاثة عناوين، فحدَّثنا أوّلاً عن النَّفس الأمَّارة بالسوء: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[يوسف: 53].
"إلهِي! إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الاَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ".
هذه النَّفس الَّتي قد تسيقظ غرائزها في عمليَّة ضراوة، وفي عمليَّة انفعال وهيجان، من خلال ما يحيط بها من مؤثّرات، فتدعو الإنسان إلى أن يظلم غيرَه، وأن يرتكب المعاصي، وأن ينحرف عن الخطّ المستقيم.
ولهذا، لا بدَّ للإنسان من أن يراقب نفسه، وأن يستعين بالله عليها "وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي".
وقد قال عليّ (ع) في "نهج البلاغة": "النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ الْمُسَوِّلَةُ تَتَمَلَّقُ تَمَلُّقَ الْمُنَافِقِ - فكما المنافق الّذي يتملَّق لك ليخدعك، كذلك النَّفس تحاول أن تتملَّق لك، لتُخضعَ عقلك لها، ولتمنعه من أن يترك تأثيره عليها - وَتَتَصَنَّعُ بِشِيمَةِ الصَّدِيقِ الْمُوَافِقِ - تشعرك بأنَّها تريد راحتك ومصلحتك - حَتَّى إِذَا خَدَعَتْ وَتَمَكَّنَتْ، تَسَلَّطَتْ تَسَلُّطَ الْعَدُوِّ، وَتَحَكَّمَتْ تَحَكُّمَ الْعُتُوِّ، فَأَوْرَدَتْ مَوَارِدَ السَّوْءِ".
وهكذا يقول الإمام عليّ (ع): "إنَّ النَّفْسَ لَأمَّارةٌ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ، فَمَنِ ائْتَمَنَها – إذا استسلمَ الإنسان لها، واعتبرها أمينةً على حياته – خانَتْهُ، وَمَنِ اسْتَنامَ إلَيْها – ارتاح إليها - أهْلَكَتْهُ، وَمَنْ رَضِيَ عَنْها أوْرَدَتْهُ شَرَّ الْمَوْرِدِ".
وقال عليّ (ع)، وقد مرَّ بقتلى الخوارج يوم النَّهروان، عندما قاتلوه وأرادوا أن يخرّبوا نظام المسلمين بالجريمة، فقاتلهم، وقال لهم: "بُؤْساً لَكُمْ، لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ. فقيل له: مَنْ غَرَّهُمْ يا أميرَ المؤمنين؟ فقّالّ: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ، وَالْأَنْفُسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِيِّ، وَفَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِي، وَوَعَدَتْهُمُ الْإِظْهَارَ، فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ".
وهكذا، يحتاج الإنسان، أيُّها الأحبَّة، أن لا يستسلم لنفسه ولشهواته ولهواه، بل أن ينظر إلى نفسه بحذر، لأنَّ النَّفس قد تريد راحة الجسد على حساب راحة الرّوح، وقد تريد اللّذَّة العاجلة على حساب اللّذَّة الخالدة. لذلك، لا بدَّ للإنسان من أن يحاسبها ويجاهدها.
النَّفسُ اللَّوَّامة
وقد حدَّثنا القرآن الكريم عن النَّفس اللّوَّامة: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفس اللَّوَّامَةِ}[القيامة: 1 - 2].
والنَّفس اللَّوَّامة هي النَّفس الواعية، النَّفس الحذرة العاقلة، الَّتي تنطلق من قاعدة الوعي، والموجودة في داخل النَّفس بالتعلّم والتفكير والتدبر، الَّتي تخلق للإنسان في داخل ذاته ضميراً يدخل في صراع مع النَّفس الأمَّارة بالسوء.. هي نفس واحدة، ليس هناك نفسان، ولكن هناك جوانب للنَّفس؛ جانب يجذبه إلى الخير، وجانب يجذبه إلى الشّرّ. فالنَّفس اللَّوَّامة هي الَّتي تلوم صاحبها على الانحراف عن الإيمان، والانحراف عن طاعة الله والخطّ المستقيم، لأنها تعمل على إنقاذ الإنسان من ذلك.
وقد ورد في وصايا النَّبيّ (ص) لابن مسعود: "يا بنَ مَسعودٍ، أكثِرْ مِن الصَّالِحاتِ والبِرِّ؛ فإنَّ المُحسِنَ والمُسِيءَ يَنْدَمانِ؛ يَقولُ المُحسِنُ: يا لَيتَني ازدَدْتُ مِن الحَسَناتِ – عندما يرى في يوم القيامة ما يُعطَى المحسنُ على إحسانه، فيقول يا ليتني ازددت من الحسنات، كالإنسان الّذي يكون في الموسم، ولا يحاول أن ينتهز كلّ الفرصة، ثمَّ يندم على ذلك، باعتبار أنّ الموسم مربح، وكان بإمكانه التّحصيل أكثر، كذلك في يوم القيامة - ويقولُ المُسِيءُ: قَصَّرتُ، وتَصديقُ ذلكَ قَولُهُ تَعَالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفس اللَّوَّامَةِ}".
النَّفسُ المطمئنَّة
أيُّها الأحبَّة، إنَّ نفس الإنسان هي كلُّ وجوده وكل ُّكيانه وكلُّ ذاته، فإذا أحسن الإنسان رعايتها وإدارتها، وأحسن تربيتها وتنميتها وتقويتها وتزكيتها وتوجيهها، استطاع أن يحصل على محبَّة الله ورضاه، وعند ذلك، ينطلق الإنسان من النَّفس الأمَّارة بالسوء إلى النَّفس اللوَّامة، ليصل، إذا أحكم عقله وإيمانه، إلى النَّفس المطمئنَّة، وهي النَّفس الَّتي تطمئنُّ بإيمانها بربّها وبطاعتها وبخطّها المستقيم، ليسمع النِّداء في نهاية المطاف: {يَا أَيَّتُهَا النَّفس الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر: 27 - 30].
{وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطفّفين: 26].
                                             
  الخطبة الثّانية
 
عباد الله، اتَّقوا الله في أنفسكم، فإنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم. اتَّقوا الله فيما تقبلون عليه مما قد يقودكم إلى الضَّلال ويبعدكم عن الهدى. اتَّقوا الله في أنفسكم، وأبعدوها عن كلِّ ما يشجّعها على الظّلم، لا تظلموا أنفسكم بالكفر أو بالضَّلال أو المعصية، ولا تظلموا غيركم بالبغي والعدوان، زكّوا أنفسكم، وطهّروها بالأخلاق الفاضلة الَّتي جاء بها كتاب الله وسنَّة نبيِّه (ص) وأحاديث الأئمَّة من أهل البيت (ع)، وما جاءت به الرّسالات، حتَّى يصنع الإنسان من نفسه إنساناً مسلماً في عقله وقلبه وسلوكه، وفي كلّ مواقعه، لأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يضمن لنفسه أنَّه على الخطّ المستقيم في فكره وعاطفته وعمله، إلَّا إذا كان واعياً لكلّ حركة نفسه وهواجسها، ولكلّ أحلامها وآمالها وتطلّعاتها وخطراتها في الحياة. إنَّ الإنسان عندما يعيش الإسلام في كلّ معانيه، وفي كلّ أصالته، فإنّه لن يقف إلَّا المواقف الَّتي ترضي الله، لن يكون الإنسانُ المسلمُ إذا زكَّى نفسَه أنانيّاً، ولن يكون ضالاً ولا كاذباً، ولا جاسوساً للأعداء، ولا معيناً للظَّالمين، ولا معذراً لهم، وما إلى ذلك.
لهذا، أيُّها الأحبَّة، إنَّ الله يريد للإنسان أن يكون مسلماً بعقله وبقلبه وبلسانه وبعمله، فذلك هو الَّذي يجعل نفسه زكيَّةً راضيةً مرضيَّةً عند الله. وفي هذا الخطّ، لا يمكن للمسلم أن يكون ظهيراً للكافرين، ولا يمكن له أن يكون عوناً للظَّالمين، ولا أن يكون حيادياً بين الخير والشرّ، وبين الحقّ والباطل، وبين الظَّالم والمظلوم.
وفي ضوء هذا، لا بدَّ أن نواجه قضايانا بهذه الروح الإسلاميَّة الَّتي يشعر فيها كلّ مسلم بالاهتمام الكبير بأمور المسلمين، والموقف الصَّحيح في قضايا الإسلام والمسلمين، ولا بدَّ لنا أن نعرف كيف نؤصِّل هذه المواقف.
تأثيراتُ حربِ أفغانستان
لقد أحدثت تطوّرات الحرب في أفغانستان أبعاداً جديدةً في آسيا الوسطى قد تترك تأثيرها على الدول المجاورة، كما تنعكس تخلّفاً في واقع المسلمين يزيد من مشاكلهم، ويعمِّق الانقسامات فيما بينهم. فمن الملاحظ أنَّ حركة طالبان المهيمنة على الوضع هناك، لا تعطي الصّورة المشرقة للإسلام، بل تمثِّل صورة التخلّف على مستوى المفاهيم والممارسة، إضافةً إلى العصبيَّة العرقيَّة والمذهبيَّة العمياء الَّتي تنمِّي روح الحقد والبغضاء والفرقة بين المسلمين، بدل السّعي باتجاه تعزيز الوحدة الإسلاميَّة.
إنَّنا نعتقد أنَّ مثل هذا النَّموذج قد يعقِّد العالم ضدَّ الإسلام، بفعل الطَّريقة المتخلّفة الَّتي يُطرَح فيه الإسلام، ويصوّره بصورة التخلّف، كما أنَّه يمثّل مشكلة سياسيّة وأمنيّة ضدّ إيران والدول المجاورة، بفعل السياسة الغربيَّة الَّتي لا تزال تعمل على إرباك المنطقة على أكثر من صعيد، للمزيد من السيطرة الأمريكيّة على مواقعها الاستراتيجيَّة ومواردها الاقتصاديَّة، باعتبار أنَّ أفغانستان تمثّل الممرَّ الحيويَّ على المستوى الاقتصادي هناك.
إنَّنا نعتقد أنَّ الدول الَّتي تدعم هذه الحركة بالمال والسلاح والرّجال، سوف تعاني الكثير من النتائج السلبيَّة الَّتي قد تواجهها في المستقبل من خلال ذلك.
ولذلك، فإنَّ المطلوب من هذه الدّول، ولا سيَّما من باكستان، أن تسعى للتَّفاهم مع محيطها، ولا سيَّما إيران، بعيداً من استعمال طالبان كأداة للضَّغط، وأن تعمل على إطلاق الدبلوماسيّين والصحفيّين الإيرانيّين المعتقلين هناك، والمعرَّضين للخطر، بفعل تأثيرها المعروف في حركة طالبان.
إنَّ أفغانستان لا تزال تمثِّل الجرح الإسلاميَّ النَّازف الَّذي يخضع للتجاذبات الدوليَّة الَّتي تمزّق الواقع الإسلاميَّ، لمنع القوَّة الإسلاميَّة من التَّنامي والتوحّد والانطلاق لتأكيد الوجود الإسلاميّ في موقعه الصحيح في العالم.
استغلالٌ لانفجارَيْ أفريقيا
وفي مجال آخر، لا يزال العالم مشغولاً بانفجاري نيروبي ودار السَّلام في أفريقيا، ولا يزال الغرب، ولا سيّما أمريكا، يتحرّك لإثارة الاتّهامات ضدَّ العرب والمسلمين، لأنّه يعتبرهم في إعلامه مصدر العنف والإرهاب في العالم، في الوقت الَّذي يحاول إبراز إسرائيل الَّتي هرعت إلى المنطقة هناك، تحت شعار المشاركة في أعمال الإنقاذ، بأنَّها تمثّل الدولة الأكثر إنسانيّة، لإبعاد صورتها الإرهابيَّة البشعة في كلّ وسائل العنف والتَّدمير الَّتي أثارتها في المنطقة، ولإزالة كلّ الآثار السَّلبيَّة في دورها في تعطيل عمليَّة التَّسوية.
إنَّ أمريكا وإسرائيل تحاولان الاستفادة من المآسي الَّتي خلَّفها الانفجاران اللَّذان حصدا المئات من الأبرياء من الأفريقيّين، لإثارة الحرب السياسيَّة والإعلاميَّة ضدَّ العرب والمسلمين، ولإزالة الآثار السلبيَّة الَّتي تركها إعلام إسرائيل عن امتناعها عن إخضاع مصانعها النَّوويَّة للرقابة، بينما لا تزال أمريكا تلاحق إيران باتّهامها للتَّخطيط لصنع السّلاح النَّوويّ في المستقبل، في الوقت الَّذي وضعت إيران مصانعها تحت رقابة اللّجنة الدّوليَّة.
إنَّ المشكلة هي أنَّ أمريكا تعمل على أن تمنح إسرائيل الحريَّة في ممارسة إرهاب الدَّولة على الشعبين الفلسطيني واللّبناني، كما تعمل على تعزيز الوجود الأمريكي في أفريقيا للاستيلاء على كلّ مواقعها السياسية وثرواتها الاقتصادية.
دعمُ المقاومةِ ضدّ الاحتلال
ونصل إلى لبنان والمنطقة، لنلاحظ أنَّ العدوَّ الإسرائيليَّ يتحرَّك في سياسة الاستيطان في فلسطين، وفي الجولان الَّذي حملت لنا أخبار العدوّ تشجيعه لتوسيع المستوطنات هناك، لأنَّه يريد فرض أمر واقع جديد على المنطقة، في ظلِّ صمت أمريكيّ مطبق. كما لا يزال العدوّ يواصل عدوانه على المدنيّين في لبنان، تحت تأثير الهستيريا الأمنيَّة الَّتي يعيشها الآن في العمليَّة الموفَّقة الَّتي سجَّلها أحد المجاهدين بدخوله إلى موقع سجد، واشتباكه وعراكه باليدين مع أحد الجنود الصَّهاينة، وانسحابه بسلام، كما اعترف بذلك العدوّ الَّذي اعتبر المسألة اختراقاً خطيراً لكلّ تحصيناته وخططه الَّتي يريد الإيحاء من خلالها بأنَّه يملك زمام المبادرة.
إنَّ هذا الانتصار الجديد للمقاومة الإسلاميَّة، يفرض على العرب، ولا سيَّما لبنان، المزيدَ من دعم حركة المقاومة في تصدّيها البطوليّ للعدوّ، ما يساهم في إسقاطه نفسيّاً وعسكريّاً، بحيث يؤدّي إلى انسحابه الكليّ من البلاد.
جمودٌ سياسيّ وتأزّم اقتصاديّ
وأخيراً، إنَّ الواقع الاقتصاديَّ في البلد، لا يزال يلقي بثقله المأساويّ على الشَّعب اللّبنانيّ، من دون أيّ تحرّك في التَّخطيط لحلّ المشاكل المتراكمة، إلّا بالتَّهديد لفرض ضرائب جديدة لا يملك المواطن أن يتحمَّلها، في الوقت الَّذي تعاني البلاد جموداً سياسيّاً، بفعل انتظار ما يسمَّى الاستحقاق الرّئاسيّ الَّذي لن يقدِّم إلى النَّاس أيّ حلّ سحريّ جديد.
أيُّها المسؤولون، إنَّ البلد أمانة الله في أعناقكم، وإنَّ النَّاس يتساقطون في أزماتهم المتلاحقة، وإنَّ الإنسان لا يجد فرصة للعمل الَّذي يحلّ به مشاكله المعيشيَّة، وإنَّ البلد يتَّجه إلى السّقوط في ابتعاده عن التّوازن في حركة المشاكل المتنوّعة على أكثر من صعيد.
إنَّ البلد لا يتحمَّل، وهو تحت الاحتلال، كلَّ هذا التَّمييع لقضاياه الحيويَّة، وكلَّ هذا الاضطهاد لإنسانه، فإمَّا أن تتحمَّلوا مسؤوليَّاتكم كما يجب أن تتحمَّلوها، وإلَّا فارحلوا عن مواقع المسؤوليَّة لجيل جديد من المسؤولين قد يملك بعض الحلّ وبعض المسؤوليَّة.
أيُّها النَّاس، اتَّقوا الله في بلاده وعباده، فإنَّكم مسؤولون حتَّى عن البقاع والبهائم.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريح: 14/08/1998م.
 
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[الشّمس: 7 - 10].
يتحدّث القرآن الكريم عن النَّفس الَّتي تمثِّل الذات الإنسانيَّة، في أكثر من آية، وبأساليب متعدّدة.
النَّفس.. وحريّةُ الاختيار
وفي هذه الآيات، يريد الله سبحانه وتعالى للإنسان أن يفهم القاعدة الَّتي خلقه عليها، وأطلق له حركته من خلالها، فالله سبحانه وتعالى خلق للإنسان نفسه، وأعطاها حريَّة الاختيار؛ أن تختار ما يمكن لها أن تتحمَّل مسؤوليَّته {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، ألهمها ذلك من خلال حريَّة الاختيار في داخلها. فالله لم يخلق الإنسان خيّراً بتفاصيل الخير، ولم يخلقه شرّيراً، بل أودع في نفسه الفطرة الَّتي تقودُه إلى الإيمان، وجعل له حريَّة السَّير في هذه الفطرة، ولكنَّ الإنسان قد يتنكَّر لفطرته، وقد يغطّيها بشهواته وملذَّاته وعناصر الانحراف.
إنَّ الله قال للإنسان إنَّ بيدك حريَّة الإرادة، وبيَّن له من خلال عقله، ومن خلال رسالاته، طريقَ الخير وطريقَ الشَّرّ، وتفاصيلَ الخير وتفاصيلَ الشَّرّ، وقالَ للإنسان تحمَّل مسؤوليَّتك {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}[الإنسان: 3]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 10].
فاختيارك، أيّها الإنسان، هو مصيرك. فغداً، عندما تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، فإنَّ الحجَّة لله عليك، في كلِّ ما أدركه عقلك، وفي كلِّ ما بيَّنه الله لك في رسالته {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزّلزلة: 7 - 8].
وقد جاء في "مجمع البيان"، فيما رواه زرارة وحمران بن أعين ومحمَّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر (ع)، وأبي عبد الله الصَّادق (ع)، في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، قال: "بيَّنَ لَهَا مَا تَأْتِي وَمَا تَتْرُكُ".
تزكيةُ النَّفسِ ومحاسبتُها
وقد أراد الله سبحانه وتعالى لكلّ النَّاس أن يزكّوا أنفسهم، وأن يمنعوا أيّ غطاء لها مما يمكن أن يحجب عنها وضوح الرؤية لما يريده الله ولما يحبّه، وللحقائق الَّتي بيَّنها الله تعالى.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، قد أفلح من عاش مع نفسه يدرسها؛ يدرس نقاط ضعفها ونقاط قوَّتها، ويدرس كلَّ المؤثّرات الَّتي تتأثَّر بها النَّفس، لأنَّ نفوسنا، أيُّها الأحبَّة، تتأثَّر بما تراه، وبما تسمعه، وبما تقرأه، وبما يحوطها من أوضاعٍ ومعطياتٍ وعاداتٍ وتقاليد.
لذلك، لا بدَّ للإنسان في كلّ يوم أن يجلس مع نفسه، ليدرس كلَّ المؤثّرات الَّتي تأثَّر بها في يومه، المؤثّرات الَّتي يمكن أن تتأثَّر بها عقيدته من خلال شبهة هنا، أو خطِّ ضلال هناك، أو المؤثّرات الَّتي يمكن أن تتأثَّر بها أخلاقه، من خلال بعض الانحرافات هنا وهناك، فيما شاهده، أو سمعه، أو فيما تحركت به أطماعه.
وهكذا، لا بدَّ للإنسان من أن يفحص نفسه في ليلته بعد انقضاء يومه، فيما يمكن أن يتغيَّر من مواقفه.. ربما كنت في الصبَّاح تحبّ شخصاً، ولكنّك تشعر الآن بأنّك تبغضه، أو أنّك كنت تبغض شخصاً، ولكنّك تشعر الآن بأنَّك تحبّه، أو أنَّك اتَّخذت موقفاً إيجابيّاً من واقع أو من قضيَّة أو من شخص، ثمَّ تحوَّل هذا الموقف إلى موقف سلبيّ، أو العكس... ادرس نفسك ماذا كسبَتْ في يومك من خير أو من شرّ، لأنَّك إذا لم تفحص نفسَكَ جيّداً في كلّ الميكروبات الفكريَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة، فربما تتراكم تلك الميكروبات في نفسك، ثمَّ تتحجَّر، فلا تستطيع أن تصادرها من نفسك أو أن تتعالج منها، تماماً كما هو المرض الَّذي إذا اكتشفته في البداية، فإنَّك تستطيع أن تتعالج منه سريعاً، ولكنَّك إذا اكتشفته بعد أن يقوى ويتعمَّق في الجسد، فإنَّك لا تملك حينها أن تتعالج منه إلَّا بجهد كبير، لو كان صالحاً للمعالجة.
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، أن تزكّي نفسك، أن تطهّرها وتنظّفها من الدَّاخل. فكما أنَّ عليك أن تنظّف نفسك من الخارج من الأقذار الَّتي تصيب جسدك وثيابك، عليك أن تطهِّر نفسك وتنظِّفها مما يعرض لها من الأوساخ والقذارات، لأنَّ قذارة الجسد لا تمثِّل مشكلة كبيرة، ولكنَّ قذارة الرّوح والقلب والعقل والمشاعر والأحاسيس، تمثِّل مشكلة قد تتّصل بمصيرك، وقد تفقدك نفسك في نهاية المطاف.
لذلك، لا تهملوا أنفسكم، وحاولوا قبل أن تستريحوا للنَّوم، أن تجلسوا في عمليَّة دراسة لأنفسكم، حتَّى يمكن لكم أن تطهّروها، لتواجهوا الموقف يوم القيامة بقلب سليم: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشّعراء: 88 - 89].
مسؤوليّةُ القائدِ والموجّه
وإذا كان الإنسان يتولَّى مهمَّة التوجيه والتربية والوعظ والإرشاد، بحيث كانت كلمته قانوناً لمن يسمعها كنتيجة لموقعه، أو كان عمله قدوةً للآخرين، فعليه أن يدقِّق في تزكية نفسه ومحاسبتها أكثر، لأنَّ السَّلبيَّات الَّتي يعيشها في داخل نفسه، سواء كانت سلبيَّات في العقيدة أو في الشَّريعة أو في الأخلاق أو في العلاقات والمواقف، سوف تمثّل مشكلة للمجتمع من حوله. فإذا كنت في مركز قياديّ للمجتمع، أو في مركز تربويّ أو توجيهيّ للنّاس، فعليك أن تعمل على أن تؤدِّب نفسك قبل أن تؤدِّب النَّاس، وأن تعظها قبل أن تعظهم، لأنَّ من كان قدوةً للنَّاس، لا بدَّ له أن يحميهم من نفسه قبل أن يحميهم من الآخرين، وذلك بأن يعظ نفسه ويؤدّبها، أو أن ينسحب من ساحة المسؤوليَّة.
قال عليّ (ع) في هذا المجال: "مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً - وكلمة "الإمام" تعني الإنسان الَّذي يتَّبعه النَّاس، وقد يكون في منصب العالم، أو القائد، أو المعلّم، أو المربّي، وهكذا - فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ؛ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ؛ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا، أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ‏".
وقال عليٌّ (ع): "أَيُّهَا النَّاسُ، تَوَلَّوْا مِنْ أَنْفُسِكُمْ تَأْدِيبَهَا، وَاعْدِلُوا بِهَا عَنْ ضَرَاوَةِ عَادَاتِهَا"، حتَّى لا تستسلموا للعادات الضّارَّة الَّتي يمكن أن تعتادها النَّفس من داخل ذاتها، أو من خلال ما يحيط بها.
النَّفسُ الأمَّارةُ بالسّوء
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن النَّفس في ثلاثة عناوين، فحدَّثنا أوّلاً عن النَّفس الأمَّارة بالسوء: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفس لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[يوسف: 53].
"إلهِي! إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِك، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ طَوِيلَةَ الاَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ".
هذه النَّفس الَّتي قد تسيقظ غرائزها في عمليَّة ضراوة، وفي عمليَّة انفعال وهيجان، من خلال ما يحيط بها من مؤثّرات، فتدعو الإنسان إلى أن يظلم غيرَه، وأن يرتكب المعاصي، وأن ينحرف عن الخطّ المستقيم.
ولهذا، لا بدَّ للإنسان من أن يراقب نفسه، وأن يستعين بالله عليها "وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي".
وقد قال عليّ (ع) في "نهج البلاغة": "النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ الْمُسَوِّلَةُ تَتَمَلَّقُ تَمَلُّقَ الْمُنَافِقِ - فكما المنافق الّذي يتملَّق لك ليخدعك، كذلك النَّفس تحاول أن تتملَّق لك، لتُخضعَ عقلك لها، ولتمنعه من أن يترك تأثيره عليها - وَتَتَصَنَّعُ بِشِيمَةِ الصَّدِيقِ الْمُوَافِقِ - تشعرك بأنَّها تريد راحتك ومصلحتك - حَتَّى إِذَا خَدَعَتْ وَتَمَكَّنَتْ، تَسَلَّطَتْ تَسَلُّطَ الْعَدُوِّ، وَتَحَكَّمَتْ تَحَكُّمَ الْعُتُوِّ، فَأَوْرَدَتْ مَوَارِدَ السَّوْءِ".
وهكذا يقول الإمام عليّ (ع): "إنَّ النَّفْسَ لَأمَّارةٌ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ، فَمَنِ ائْتَمَنَها – إذا استسلمَ الإنسان لها، واعتبرها أمينةً على حياته – خانَتْهُ، وَمَنِ اسْتَنامَ إلَيْها – ارتاح إليها - أهْلَكَتْهُ، وَمَنْ رَضِيَ عَنْها أوْرَدَتْهُ شَرَّ الْمَوْرِدِ".
وقال عليّ (ع)، وقد مرَّ بقتلى الخوارج يوم النَّهروان، عندما قاتلوه وأرادوا أن يخرّبوا نظام المسلمين بالجريمة، فقاتلهم، وقال لهم: "بُؤْساً لَكُمْ، لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ. فقيل له: مَنْ غَرَّهُمْ يا أميرَ المؤمنين؟ فقّالّ: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ، وَالْأَنْفُسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِيِّ، وَفَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِي، وَوَعَدَتْهُمُ الْإِظْهَارَ، فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ".
وهكذا، يحتاج الإنسان، أيُّها الأحبَّة، أن لا يستسلم لنفسه ولشهواته ولهواه، بل أن ينظر إلى نفسه بحذر، لأنَّ النَّفس قد تريد راحة الجسد على حساب راحة الرّوح، وقد تريد اللّذَّة العاجلة على حساب اللّذَّة الخالدة. لذلك، لا بدَّ للإنسان من أن يحاسبها ويجاهدها.
النَّفسُ اللَّوَّامة
وقد حدَّثنا القرآن الكريم عن النَّفس اللّوَّامة: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفس اللَّوَّامَةِ}[القيامة: 1 - 2].
والنَّفس اللَّوَّامة هي النَّفس الواعية، النَّفس الحذرة العاقلة، الَّتي تنطلق من قاعدة الوعي، والموجودة في داخل النَّفس بالتعلّم والتفكير والتدبر، الَّتي تخلق للإنسان في داخل ذاته ضميراً يدخل في صراع مع النَّفس الأمَّارة بالسوء.. هي نفس واحدة، ليس هناك نفسان، ولكن هناك جوانب للنَّفس؛ جانب يجذبه إلى الخير، وجانب يجذبه إلى الشّرّ. فالنَّفس اللَّوَّامة هي الَّتي تلوم صاحبها على الانحراف عن الإيمان، والانحراف عن طاعة الله والخطّ المستقيم، لأنها تعمل على إنقاذ الإنسان من ذلك.
وقد ورد في وصايا النَّبيّ (ص) لابن مسعود: "يا بنَ مَسعودٍ، أكثِرْ مِن الصَّالِحاتِ والبِرِّ؛ فإنَّ المُحسِنَ والمُسِيءَ يَنْدَمانِ؛ يَقولُ المُحسِنُ: يا لَيتَني ازدَدْتُ مِن الحَسَناتِ – عندما يرى في يوم القيامة ما يُعطَى المحسنُ على إحسانه، فيقول يا ليتني ازددت من الحسنات، كالإنسان الّذي يكون في الموسم، ولا يحاول أن ينتهز كلّ الفرصة، ثمَّ يندم على ذلك، باعتبار أنّ الموسم مربح، وكان بإمكانه التّحصيل أكثر، كذلك في يوم القيامة - ويقولُ المُسِيءُ: قَصَّرتُ، وتَصديقُ ذلكَ قَولُهُ تَعَالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفس اللَّوَّامَةِ}".
النَّفسُ المطمئنَّة
أيُّها الأحبَّة، إنَّ نفس الإنسان هي كلُّ وجوده وكل ُّكيانه وكلُّ ذاته، فإذا أحسن الإنسان رعايتها وإدارتها، وأحسن تربيتها وتنميتها وتقويتها وتزكيتها وتوجيهها، استطاع أن يحصل على محبَّة الله ورضاه، وعند ذلك، ينطلق الإنسان من النَّفس الأمَّارة بالسوء إلى النَّفس اللوَّامة، ليصل، إذا أحكم عقله وإيمانه، إلى النَّفس المطمئنَّة، وهي النَّفس الَّتي تطمئنُّ بإيمانها بربّها وبطاعتها وبخطّها المستقيم، ليسمع النِّداء في نهاية المطاف: {يَا أَيَّتُهَا النَّفس الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}[الفجر: 27 - 30].
{وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}[المطفّفين: 26].
                                             
  الخطبة الثّانية
 
عباد الله، اتَّقوا الله في أنفسكم، فإنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم. اتَّقوا الله فيما تقبلون عليه مما قد يقودكم إلى الضَّلال ويبعدكم عن الهدى. اتَّقوا الله في أنفسكم، وأبعدوها عن كلِّ ما يشجّعها على الظّلم، لا تظلموا أنفسكم بالكفر أو بالضَّلال أو المعصية، ولا تظلموا غيركم بالبغي والعدوان، زكّوا أنفسكم، وطهّروها بالأخلاق الفاضلة الَّتي جاء بها كتاب الله وسنَّة نبيِّه (ص) وأحاديث الأئمَّة من أهل البيت (ع)، وما جاءت به الرّسالات، حتَّى يصنع الإنسان من نفسه إنساناً مسلماً في عقله وقلبه وسلوكه، وفي كلّ مواقعه، لأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يضمن لنفسه أنَّه على الخطّ المستقيم في فكره وعاطفته وعمله، إلَّا إذا كان واعياً لكلّ حركة نفسه وهواجسها، ولكلّ أحلامها وآمالها وتطلّعاتها وخطراتها في الحياة. إنَّ الإنسان عندما يعيش الإسلام في كلّ معانيه، وفي كلّ أصالته، فإنّه لن يقف إلَّا المواقف الَّتي ترضي الله، لن يكون الإنسانُ المسلمُ إذا زكَّى نفسَه أنانيّاً، ولن يكون ضالاً ولا كاذباً، ولا جاسوساً للأعداء، ولا معيناً للظَّالمين، ولا معذراً لهم، وما إلى ذلك.
لهذا، أيُّها الأحبَّة، إنَّ الله يريد للإنسان أن يكون مسلماً بعقله وبقلبه وبلسانه وبعمله، فذلك هو الَّذي يجعل نفسه زكيَّةً راضيةً مرضيَّةً عند الله. وفي هذا الخطّ، لا يمكن للمسلم أن يكون ظهيراً للكافرين، ولا يمكن له أن يكون عوناً للظَّالمين، ولا أن يكون حيادياً بين الخير والشرّ، وبين الحقّ والباطل، وبين الظَّالم والمظلوم.
وفي ضوء هذا، لا بدَّ أن نواجه قضايانا بهذه الروح الإسلاميَّة الَّتي يشعر فيها كلّ مسلم بالاهتمام الكبير بأمور المسلمين، والموقف الصَّحيح في قضايا الإسلام والمسلمين، ولا بدَّ لنا أن نعرف كيف نؤصِّل هذه المواقف.
تأثيراتُ حربِ أفغانستان
لقد أحدثت تطوّرات الحرب في أفغانستان أبعاداً جديدةً في آسيا الوسطى قد تترك تأثيرها على الدول المجاورة، كما تنعكس تخلّفاً في واقع المسلمين يزيد من مشاكلهم، ويعمِّق الانقسامات فيما بينهم. فمن الملاحظ أنَّ حركة طالبان المهيمنة على الوضع هناك، لا تعطي الصّورة المشرقة للإسلام، بل تمثِّل صورة التخلّف على مستوى المفاهيم والممارسة، إضافةً إلى العصبيَّة العرقيَّة والمذهبيَّة العمياء الَّتي تنمِّي روح الحقد والبغضاء والفرقة بين المسلمين، بدل السّعي باتجاه تعزيز الوحدة الإسلاميَّة.
إنَّنا نعتقد أنَّ مثل هذا النَّموذج قد يعقِّد العالم ضدَّ الإسلام، بفعل الطَّريقة المتخلّفة الَّتي يُطرَح فيه الإسلام، ويصوّره بصورة التخلّف، كما أنَّه يمثّل مشكلة سياسيّة وأمنيّة ضدّ إيران والدول المجاورة، بفعل السياسة الغربيَّة الَّتي لا تزال تعمل على إرباك المنطقة على أكثر من صعيد، للمزيد من السيطرة الأمريكيّة على مواقعها الاستراتيجيَّة ومواردها الاقتصاديَّة، باعتبار أنَّ أفغانستان تمثّل الممرَّ الحيويَّ على المستوى الاقتصادي هناك.
إنَّنا نعتقد أنَّ الدول الَّتي تدعم هذه الحركة بالمال والسلاح والرّجال، سوف تعاني الكثير من النتائج السلبيَّة الَّتي قد تواجهها في المستقبل من خلال ذلك.
ولذلك، فإنَّ المطلوب من هذه الدّول، ولا سيَّما من باكستان، أن تسعى للتَّفاهم مع محيطها، ولا سيَّما إيران، بعيداً من استعمال طالبان كأداة للضَّغط، وأن تعمل على إطلاق الدبلوماسيّين والصحفيّين الإيرانيّين المعتقلين هناك، والمعرَّضين للخطر، بفعل تأثيرها المعروف في حركة طالبان.
إنَّ أفغانستان لا تزال تمثِّل الجرح الإسلاميَّ النَّازف الَّذي يخضع للتجاذبات الدوليَّة الَّتي تمزّق الواقع الإسلاميَّ، لمنع القوَّة الإسلاميَّة من التَّنامي والتوحّد والانطلاق لتأكيد الوجود الإسلاميّ في موقعه الصحيح في العالم.
استغلالٌ لانفجارَيْ أفريقيا
وفي مجال آخر، لا يزال العالم مشغولاً بانفجاري نيروبي ودار السَّلام في أفريقيا، ولا يزال الغرب، ولا سيّما أمريكا، يتحرّك لإثارة الاتّهامات ضدَّ العرب والمسلمين، لأنّه يعتبرهم في إعلامه مصدر العنف والإرهاب في العالم، في الوقت الَّذي يحاول إبراز إسرائيل الَّتي هرعت إلى المنطقة هناك، تحت شعار المشاركة في أعمال الإنقاذ، بأنَّها تمثّل الدولة الأكثر إنسانيّة، لإبعاد صورتها الإرهابيَّة البشعة في كلّ وسائل العنف والتَّدمير الَّتي أثارتها في المنطقة، ولإزالة كلّ الآثار السَّلبيَّة في دورها في تعطيل عمليَّة التَّسوية.
إنَّ أمريكا وإسرائيل تحاولان الاستفادة من المآسي الَّتي خلَّفها الانفجاران اللَّذان حصدا المئات من الأبرياء من الأفريقيّين، لإثارة الحرب السياسيَّة والإعلاميَّة ضدَّ العرب والمسلمين، ولإزالة الآثار السلبيَّة الَّتي تركها إعلام إسرائيل عن امتناعها عن إخضاع مصانعها النَّوويَّة للرقابة، بينما لا تزال أمريكا تلاحق إيران باتّهامها للتَّخطيط لصنع السّلاح النَّوويّ في المستقبل، في الوقت الَّذي وضعت إيران مصانعها تحت رقابة اللّجنة الدّوليَّة.
إنَّ المشكلة هي أنَّ أمريكا تعمل على أن تمنح إسرائيل الحريَّة في ممارسة إرهاب الدَّولة على الشعبين الفلسطيني واللّبناني، كما تعمل على تعزيز الوجود الأمريكي في أفريقيا للاستيلاء على كلّ مواقعها السياسية وثرواتها الاقتصادية.
دعمُ المقاومةِ ضدّ الاحتلال
ونصل إلى لبنان والمنطقة، لنلاحظ أنَّ العدوَّ الإسرائيليَّ يتحرَّك في سياسة الاستيطان في فلسطين، وفي الجولان الَّذي حملت لنا أخبار العدوّ تشجيعه لتوسيع المستوطنات هناك، لأنَّه يريد فرض أمر واقع جديد على المنطقة، في ظلِّ صمت أمريكيّ مطبق. كما لا يزال العدوّ يواصل عدوانه على المدنيّين في لبنان، تحت تأثير الهستيريا الأمنيَّة الَّتي يعيشها الآن في العمليَّة الموفَّقة الَّتي سجَّلها أحد المجاهدين بدخوله إلى موقع سجد، واشتباكه وعراكه باليدين مع أحد الجنود الصَّهاينة، وانسحابه بسلام، كما اعترف بذلك العدوّ الَّذي اعتبر المسألة اختراقاً خطيراً لكلّ تحصيناته وخططه الَّتي يريد الإيحاء من خلالها بأنَّه يملك زمام المبادرة.
إنَّ هذا الانتصار الجديد للمقاومة الإسلاميَّة، يفرض على العرب، ولا سيَّما لبنان، المزيدَ من دعم حركة المقاومة في تصدّيها البطوليّ للعدوّ، ما يساهم في إسقاطه نفسيّاً وعسكريّاً، بحيث يؤدّي إلى انسحابه الكليّ من البلاد.
جمودٌ سياسيّ وتأزّم اقتصاديّ
وأخيراً، إنَّ الواقع الاقتصاديَّ في البلد، لا يزال يلقي بثقله المأساويّ على الشَّعب اللّبنانيّ، من دون أيّ تحرّك في التَّخطيط لحلّ المشاكل المتراكمة، إلّا بالتَّهديد لفرض ضرائب جديدة لا يملك المواطن أن يتحمَّلها، في الوقت الَّذي تعاني البلاد جموداً سياسيّاً، بفعل انتظار ما يسمَّى الاستحقاق الرّئاسيّ الَّذي لن يقدِّم إلى النَّاس أيّ حلّ سحريّ جديد.
أيُّها المسؤولون، إنَّ البلد أمانة الله في أعناقكم، وإنَّ النَّاس يتساقطون في أزماتهم المتلاحقة، وإنَّ الإنسان لا يجد فرصة للعمل الَّذي يحلّ به مشاكله المعيشيَّة، وإنَّ البلد يتَّجه إلى السّقوط في ابتعاده عن التّوازن في حركة المشاكل المتنوّعة على أكثر من صعيد.
إنَّ البلد لا يتحمَّل، وهو تحت الاحتلال، كلَّ هذا التَّمييع لقضاياه الحيويَّة، وكلَّ هذا الاضطهاد لإنسانه، فإمَّا أن تتحمَّلوا مسؤوليَّاتكم كما يجب أن تتحمَّلوها، وإلَّا فارحلوا عن مواقع المسؤوليَّة لجيل جديد من المسؤولين قد يملك بعض الحلّ وبعض المسؤوليَّة.
أيُّها النَّاس، اتَّقوا الله في بلاده وعباده، فإنَّكم مسؤولون حتَّى عن البقاع والبهائم.
*خطبة الجمعة لسماحته، بتاريح: 14/08/1998م.
 
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية