ألقى سماحة العلامة السيِّد محمد حسين فضل الله خطبة الجمعة من على منبر مسجد الإمام الرِّضا(ع) في بئر العبد، بتاريخ 17 /8/1409هـ/ الموافق: 24 آذار 1989م، وذلك بحضور حشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في الخطبة:
يقول الله سبحانه في كتابه المجيد: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[1].
إمام العدل
في أجواء هاتين الآيتين، توضع مسألة الإمام المهدي(عج) الَّذي جاءت الأحاديث المتواترة من قبل رواة السنّة والشّيعة، أنّه يخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
هذا هو الهدف الكبير ليتحرَّك المؤمنون، وليفتحوا العالم على عدل الإسلام كلِّه، في مقابل ظلم الكفر كلِّه، وذلك من خلال إرادة الله سبحانه وتعالى، بحيث إنَّ الله تعالى جعل سنَّته في الحياة، أنَّ المستضعفين لم يكونوا خالدين في استضعافهم، وأنَّ المستكبرين لن يخلدوا في استكبارهم.
إنَّ الله تعالى تحدَّث في هاتين الآيتين عن قصَّة موسى مع فرعون، عندما أرسله الله إليه من أجل أن يدعوه إلى الله، ويتحدَّى جبروته وكبرياءه، ويطلب منه أن يرفع العبوديَّة عن مستضعفي بني إسرائيل، وكانت المهمَّة صعبة، لأنَّ موسى كان وحده، ولأنَّ النّاس لم تكن تستجيب للقيادات العادلة بسرعة... وواجه موسى فرعون مع أخيه هارون وحاوره. وعندما أراد أن يتحدَّى موسى، باعتبار أنّه ينظر إليه كواحدٍ من شعبه، عند ذلك أراه موسى الآية الكبرى.
وهكذا استطاع موسى أن يتحدَّى فرعون، وخرَّ السَّحرة ساجدين، وانتصر موسى، وبدأ رحلةً جديدة مع قومه. وهكذا على كلِّ المستضعفين أن لا يسقطوا أمام المستكبرين، لأنَّ كلّ الكبار كانوا صغاراً.. اقرأ تاريخ كلِّ الكبار في بلدك، لقد كانوا ضعفاء، ولكنَّهم أخذوا القوَّة من خلال القوَّة المستعارة التي أخذوها من غيرهم، أو من خلال ما صنعوه لأنفسهم من قوّة.
صناعة القوَّة
ادرس الزّعماء الآن، كانوا جميعاً ضعفاء ولم يولد أحد قويّاً، إلا بعض الّذين أخذوا القوّة من تاريخهم، ولكنَّهم صاروا أقوياء من خلال ما أخذوه من صنع القوَّة لأنفسهم. بريطانيا كانت بريطانيا العظمى، وكانت سيّدة البحار، وكان العالم في أغلب مواقعه تحت سيطرتها، ولكنَّها تحوّلت إلى دولةٍ من الدّرجة الرابعة أو الخامسة على المستوى السّياسيّ والعسكريّ، وكانت أميركا مستعمرةً لبريطانيا، ولكنَّها أصبحت الدَّولة الأولى في العالم، وهكذا على مستوى الدّول..
من خلال هذا الاستقرار التّاريخيّ، تعرف أنَّك عندما تكون ضعيفاً، فإنَّه ليس من حقِّك أن توحي لنفسك بأنَّك ضعيف، فالكثيرون من النَّاس عندما تحدِّثهم عن القوى السّياسيَّة المستكبرة، يقولون لك: ماذا نستطيع أن نعمل؟! وبذلك يحاول الكثيرون من النَّاس أن يزيدوا ضعفهم ضعفاً، لأنهم لا يفهمون القوَّة إلا من خلال الوسائل الّتي يملكها القويّ.. فليس كلّ شخصٍ يملك وسائل القوّة يكون قادراً على استعمالها كيفما يشاء. وإذا كان المستضعفون يملكون إرادة القوَّة، فإنهم يصنعون لأنفسهم قوَّة، ولا يستطيع المستكبرون أن يتحدّوهم بعد ذلك.
وهكذا نجد أنَّ أغلب الّذين يحاربون مع المستكبرين هم من المستضعفين، ولهذا يقول الله للمستضعفين إنَّ ضعفكم ليس حجّةً لأن تتوقَّفوا عن مصارعة المستكبرين.. ونحن نفهم من خلال المفهوم القرآني، أنّ الله لا يعتبر الضّعف عذراً للمستضعفين، إلا إذا استنفدوا كلّ التَّجارب دون نتيجة..
وعلى هذا الأساس، نفهم أنَّك عندما تكون ضعيفاً، فعليك أن لا تستسلم لضعفك، فلا تستسلم لضعفك الفكريّ، بل حاول أن تقوِّيه، ولا تستسلم لضعفك السياسيّ، بل حاول أن تقوِّي موقعك السياسيّ والعسكري والأمني، لأنَّ العالم يشغِّل كلَّ ما عنده من قوّة في سبيل أن يسحق الضّعفاء.
هناك ما يسمَّى بالعالم الثَّالث الآن، حيث لا إمكانات صناعيَّة أو زراعيَّة، ونحن نرى أنَّ العالم المستكبر يسعى ليمنع العالم الثَّالث من أن يحصل على قوَّته، فالآن أفريقيا غنيَّة بالثَّروات الطبيعيَّة، ولكنَّ الشّغل هو العمل على إفقار أفريقيا.. ونحن في آسيا كذلك، ثرواتنا الطبيعيَّة من البترول وغيره، لا ننتفع بها بسبب استعمارهم، حتى الدّول الّتي تملك البترول، فإنَّك تراها مدينةً بعشرات الملايين من الدّولارات، ولعلَّ زرع إسرائيل كان خطّةً استعماريّةً تتوافق مع الخطَّة الصهيونيَّة، في سبيل أن لا تتوحَّد البلاد العربيَّة والإسلاميَّة، وهي تعمل على أن تعطِّل كلَّ عمليَّة تنمية في البلاد العربيَّة.. ولهذا، بحسب التَّخطيط الاستكباريّ في العالم، كلّ وحدةٍ ممنوعة؛ الوحدة العربيَّة ممنوعة، الوحدة الإسلاميَّة ممنوعة، الوحدة الوطنيَّة في داخل كلِّ بلدٍ ممنوعة، لأنَّ الوحدة تعطي قوّةً، والقوَّة ممنوعة في العالم الثَّالث. ولهذا، علينا أن لا نستغرق في المسألة الداخليَّة، بل أن ننظر إلى الخطط الخارجيَّة والاستعمار الّذي يعمل على التّفتيت، ولهذا، فإنَّ كلَّ الحروب الدَّاخليّة يخطَّط لها، ويؤخذ من العناصر الدّاخليَّة المفردات التي تصنع الحرب..
وهناك كثير من النَّاس يجلبون الاستعمار إلى بلدانهم، لأنَّ عقليّتهم أصبحت عقليَّة استعماريَّة، والمخابرات تتحرَّك في كلِّ مكان، ففي الاستعمار هناك وظائف خاصَّة، فهذا يوظّفونه ملكاً، وذاك يوظّفونه رئيس جمهوريّة، وهذا رئيس أمن عام أو غير ذلك. ويضعون في المقابل جهة معيّنة، حتى يظلّ يسير كما يريدون، ولهذا، فإنَّ الاستكبار العالميّ يدفع بشيء إلى الواجهة إذا رأى خطراً، حتّى ينمّي الانقسام الدَّاخلي، فالجامعة العربيّة مثلاً أسِّست بقرار بريطانيّ لتسيطر بريطانيا على القرار العربي، ووظَّفت بريطانيا الجامعة العربيَّة لأميركا الَّتي أصبحت سيّدة المنطقة، وخافت أخيراً أن تتحوَّل الجامعة إلى قاعدة للاتحاد العربي، وخصوصاً مع المدّ الإسلاميّ، وأن تعيش، ولو في المستقبل، روحاً عربيّة توحّد العرب، فبادرت إلى مجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغاربة العرب، وأخيراً مجلس التّعاون العربيّ، وهناك شخصيّة خليجيّة وشخصيّة مغاربيّة وأخرى أعطيت الاسم العربيّ؛ هذه المحاور يراد لها أن تمنع أيَّ شيء تكامليّ على مستوى السَّاحة العربيَّة.
وكذلك المؤتمر الإسلاميّ، انطلق من خلال مباركةٍ أميركيَّة، وسلِّطت عليه قوى سياسيّة تملك المال الكبير، بحيث لا يملك أن يؤدِّي دوره إلا من خلال دعم هذه القوى، لهذا يراد للمؤتمر الإسلاميِّ أن يسيطر على الموقف الإسلاميّ. وهكذا مؤتمر عمان عمل على مباركة مجزرة مكَّة، والمؤتمر الإسلاميّ يراد من خلاله توجيه قرار المسلمين لمصلحة أميركا، وهم يعملون للفصل بين السنَّة والشّيعة كذلك، والمطلوب من المسلمين والمؤمنين والمستضعفين هو مواجهة هذا المخطَّط على أساس النَّفس الطَّويل، يعني أن نعمل على أن نتحرَّر في عقليَّتنا من المستعمر، ثم أن نتخلَّص من ضغطه، ثم نعمل على الضَّغط عليه.
وهكذا بالنِّسبة إلى إيران، كانت خاضعةً للطّاغية، وكانت تعيش في أجواء الحالة الطغيانيَّة، ولكنَّ المستضعفين عندما انفتحوا على مواقع القوَّة من خلال الإسلام ومن خلال القيادة الواعية، سقط عرش الطّاووس.
ثمَّ بعد عشر سنوات، أراد العالم المستكبر بكلِّ قوَّته أن يسقط إيران، من خلال الحصار العسكريّ والإعلاميّ والاقتصاديّ عليها، وربما لم تستطع إيران الإسلام أن تمتدَّ بعيداً في حربها، ولكنَّ العالم لم يستطع أن يسقطها. وحتى الآن، نلاحظ الكثير من الكلام بأنَّ إيران تنطلق من خلال قيادة إسلاميّة لا ترى إلا الإسلام أمامها، وترى أنَّ مسؤوليّة أيّ قيادة وأيّ شعب مسلم هو العمل ليشمل الإسلام العالم.. لهذا انطلق الإمام الخميني في خطابه الأخير، وهو يستعيد الثَّورة الإسلاميَّة العالميَّة الّتي ستكون في آخر الزّمان في خطِّ الإسلام، وهو يقول: لا بدَّ من أن يعرف الشَّرق والغرب أنَّنا كمسلمين في صراعٍ معه إذا أراد أن يمنعنا من الدَّعوة إلى الإسلام، وهو يتحدَّث عن مسألة أنَّنا نسعى لدولةٍ إسلاميَّةٍ واحدة في العالم، وبعض النَّاس قد ينكثون في ذلك، ولكن نحن من خلال وعد الله، ومن خلال مسألة الإمام المهدي، سوف نصل إلى ذلك من خلال عملنا.. ولهذا فإنَّ مسألة الإسلام هي طريقنا إلى الله، أن تكون داعيةً للإسلام، هذا هو الذي يقرّبك عند الله.
أمام هذا الواقع، علينا أن نتحمَّل مسؤوليَّة الإسلام كلِّه، وعلينا أن نملك الوعي الإسلاميّ لنتمرَّد على كلِّ الخطط الّتي تعمل على أن تشغلنا ببعضنا البعض في الدّائرة الإسلاميّة العامَّة أو الخاصَّة، لأنَّ ذلك يؤخِّر صنع القوَّة عندنا في سبيل أن نكون قوَّة للإسلام.
مواجهة المرحلة الصَّعبة
ولهذا نريد في هذه المناسبة الَّتي تجمعنا في أجواء الإمام المهدي، أن نحمِّل كلَّ النّاس مسؤوليّة أن ينطلق الاتّفاق الَّذي حصل بين الإخوة في أمل وحزب الله لينفَّذ جيِّداً على الأرض، وأن تفتح القلوب له قبل أن تفتح الأرض له، لأنَّنا لا نريد أن نكتفي بعدم القتال والنّزاع، بل لا بدَّ لنا من أن نعمل على أساس أن تتوحَّد الجهود في سبيل القضايا المصيريَّة، حتى تتحوّل اليد التي كانت تقاتل، إلى يدٍ تتعاون وتدعم لتصنع القوَّة من خلال ذلك. وإذا كنّا نلتقي على كلمات القرآن وسنّة رسول الله(ص)، فعلينا أن ننزع كلَّ غلٍّ وحقدٍ من قلوب المؤمنين، وعلينا أن نسعى في سبيل الإصلاح، لا أن يفتح كلّ واحدٍ دفاتره السّابقة.
والمراحل الّتي نعيشها الآن في كلّ المنطقة، لا في لبنان فحسب، هي من المراحل الصّعبة الّتي تحتاج إلى تكامل الجهود وتكامل المواقف، باعتبار أنَّ المسألة المطروحة في السّاحة هي مسألة أن تعود في لبنان الامتيازات الطائفية، ولكن بطريقة جديدة تتلاقى مع ما تريده المحاور الدوليّة وبعض المحاور العربيّة من مخطّطات لإضعاف المسلمين في لبنان، والمستضعفين حتى من غير المسلمين.
وهذه المرحلة من المراحل الصَّعبة الّتي تحاول بعض الجهات أن تطرحها على أساس أنها مسألة تحرير، لكن نريد أن نفكِّر في الموضوع دون انفعال: لماذا تطرح مسألة التّحرير من سوريا بهذا الحماس وبهذا الاندفاع وبهذا الشّكل، ولا تطرح مسألة التّحرير من الاحتلال الإسرائيلي الذي هو احتلال استيطاني يعمل على أن يلغي أيّ دور لغير سياسته؟ لقد جرّبه المسلمون والمسيحيّون في أكثر من موقع، والهجرة المسيحيّة من الجبل هي هجرة إسرائيليّة.
لماذا يتحدَّث عن إسرائيل بطريقةٍ يراد من خلالها التقرّب إلى العرب حتى يدخلوا في الدّائرة العربيَّة المتحالفة أو المتوازنة مع الدائرة الإسرائيليّة، من خلال الاستظلال بمظلّة عربيّة ترتفع فوقها المظلّة الإسرائيليّة، وترتفع فوق المظلّة الإسرائيليّة المظلة الأميركيّة، ولهذا كلّ الحديث في السّاحة العربيّة هو المصالحة مع إسرائيل. ونحن لا نريد أن نصدِّق هذا الكلام، بل نعتبر أنَّ هناك سياسة دوليّة تقف أميركا في مقدَّمها لتعمل على إضعاف بعض القوى الإقليميَّة، حتى لا تستطيع أن تواجه المخطَّطات القادمة في حلِّ المسألة الفلسطينيَّة.
لا يراد في المسألة إلغاء الدَّور السّوريّ، ولكن يراد الضَّغط، لا من خلال الوضع اللّبناني فحسب، بل من خلال الجوِّ السّياسيّ في المنطقة. وإلا فهؤلاء الَّذين يقولون: لا نقدر أن نحرِّر لبنان من إسرائيل لأنَّ سوريا تمنعنا من ذلك، ونلاحظ عليهم أنّهم يتحدَّثون بالطَّريقة الاستعراضيَّة.. ولكن، لماذا لماذا علينا أن نكون أرانب أمام الاستكبار "وعناترة أمام بعضنا البعض"؟
ما شغل ما يسمَّى بالجيش الجنوبي الَّذي تموِّله إسرائيل بالسِّلاح والمال وكلّ شيء؟ عندما تحدث أيّ عمليّة ضدّ هذا الجيش، فإنَّ الطَّائرات الإسرائيليَّة تتدخَّل فوراً، فهي تدعم الاحتلال الإسرائيليّ باسم تحرير الشَّريط، كما يدعم الكثيرون السّياسة الأميركيَّة باسم تحرير لبنان.
الحريّة لا تتجزّأ
إنَّ من يريد الآن أن يحرِّر البلاد من سوريا، فعليه أن يحرِّرها من أميركا ومن إسرائيل، فما شغل السَّفير الأميركي في وزارة الدِّفاع؟ هل شغله أن يقدّم تعازي أو يتفقَّد المكاتب هناك؟ لماذا يبقى "الجيش الجنوبي" محلَّ عطف كلّ هؤلاء الّذين ينادون بتحرير لبنان من سوريا، كما يقولون؟ افتحوا المعركة في الجنوب إذا كنتم حقّاً مع التَّحرير، وقولوا لكلِّ الجنود في الجيش الجنوبيّ والضّبّاط إنهم خونة.. فنحن نطرح السّؤال، ومن يتحدَّث عن الحريّة، فإنَّ مسألة الحريَّة لا تتجزّأ.
إنّنا لم نسمع أيّة كلمة تقال ضدَّ سعد حدَّاد من قيادة الجيش، ولا ضدّ أنطوان لحد الآن، بل نجد تعاطفاً بين الطّرفين، ونجد أنَّ "لحد" يبلغ دعمه لعون. لهذا نحن نعتبر أنَّ هذا الشِّعار ليس شعاراً حقيقيّاً، بل ينطلق من خلال اللّعبة السياسيَّة الّتي تريد أن تنقل الأزمة اللّبنانيَّة من مرحلةٍ إلى مرحلة، لأنَّ ما نعرفه من خلال خلفيّات الواقع السّياسيّ والعربيّ والأميركيّ، وربما الأوروبيّ، هو أن تدار المسألة اللّبنانيَّة حتى لا تتحرّك نحو الهاوية، بحيث يكون التّفجير مضبوطاً، ويكون الانفراج مضبوطاً، أن لا يكون هناك انفراج مطلق ولا تفجير مطلق، بل يكون هناك توازن يعمل لتحريك الوضع السياسيّ من خلال الوضع الأمنيّ وملء الفراغ السياسيّ، ريثما يستكمل الكبار لعبتهم في التَّخطيط لهذا البلد، على أن تكون كلّ حركة السياسة العربيّة والدّوليَّة في طبيعة المفاصل السياسيَّة والأمنيَّة في هذا البلد لحساب القضيَّة القادمة، وهي قضيّة حلّ مسألة الشَّرق الأوسط.
وإذا كان من يتحدَّث في الخارج أنّه لا بدَّ من أن ينظر إلى المسألة اللّبنانيَّة بعيداً عن مسألة الشَّرق الأوسط، فهذا ليس دقيقاً، لأنَّ الوضع الدَّولي يرفض ذلك، ولبنان لا يزال هو السّاحة التي يحتاجها الوضع الدّولي للتّفجير، والوضع العربي أيضاً يحتاج إلى الدّخان الذي ينطلق من لبنان، وهذا تحتاجه أيضاً المفاوضات بين منظّمة التّحرير الفلسطينيّة وأميركا. ولا تزال المسألة تحتاج إلى كثيرٍ من الدّخان حتى تحجب وضوح الرّؤية، ولا تزال الطّرق التي تشقّ في المسألة محيّرة، لأنّ الأميركيّين يتكلَّمون الشّيء ونقيضه، ولأنَّ الأوروبيّين لا يبتعدون عن الطريقة الأميركيّة، والعرب يتكلّمون بطريقة حائرة، وقد قلنا إنَّ المبادرة العربيَّة أميركيَّة، وسوف ينبئنا المستقبل بذلك. ولهذا علينا أن نتدبَّر أمرنا على أنَّ المشكلة لا تزال حيَّة، وأنَّ هناك وضعاً لا نستطيع أن نقول عنه إنّه انفجار كبير، لأنّه مضبوط. سنعيش مدّةً في هذا الجوّ، وسنعيش أكثر من هدنة في ذلك، والمرحلة ليست مرحلةً نتنفَّس فيها الهواء العليل.
إنَّ هذا الرّبيع بدأ حارّاً، وستكون رياحه حارّةً إلى مدّة طويلة. وعلينا أن نقول لصاحب الأمر(عج)، إنّنا ننتظرك هنا في مواقع الإسلام وفي مواقع الحريّة. وسنقول كما قال جدّه: هيهات منا الذّلّة، والله لا نعطيكم بأيدينا إعطاء الذَّليل، ولا نقرّ لكم إقرار العبيد.
[1] [القصص: 5، 6].