كانت السيِّدة زينب (ع) مع الحسين (ع) الإنسانَ الَّذي عاش للرِّسالة كلِّها، لم تكن مسألتها مرتبطةً بالجوِّ العاطفيّ، كما يصوِّرها القرَّاء، وإن كان للعاطفة دورها القدسيّ في الَّذين يعيشون في قلب المأساة أو خارجها.. لقد عاشت زينب القضيَّة الإسلاميَّة، ولهذا تركت زوجها باتّفاقٍ معه، لأنَّه كان في شخصيَّته شخصيَّة عمِّه عليّ (ع)، وهو ابن أخيه، كما أنَّها قدَّمت ابنيها قربانين لله، ولم تستغرق في عاطفة الأمومة، ولم تستغرق في عاطفة الزَّوجيَّة،وإنَّما استغرقت في العاطفة الإسلاميَّة.
صلابةُ الموقف
لن نستطيع أن نفهم زينب (ع) إلَّا من خلال هذا الرّوح الإسلاميّ الذي كانت تعيشه. جاءت (ع) إلى كربلاء وهي تعتقد أنَّ كربلاء بحاجة إليها كما هي بحاجة إلى الحسين (ع)، فللرّجال دور في الرسالة، كما للنّساء دور في الرّسالة.. كانت لا تفهم أنَّ دور المرأة يتحرَّك في نطاق مسؤوليَّتها البيتيَّة، وإن كانت تحترم هذا الدَّور ولا تنتقص منه، ولكنَّها كانت كأمّها الطَّاهرة المعصومة السيِّدة الزَّهراء (ع) الَّتي سبقت عمرها، فكانت في عمر الشَّباب كما لو كانت في معنى التَّجربة في العمر، وفي معنى القوَّة في العمر، في سنِّ الخمسين أو الستّين، لأنَّ الرسالة أثقلت كلَّ كاهلها. وهكذا كانت السيِّدة الزَّهراء (ع) مع عليٍّ (ع) لا من خلال عاطفتها، ولكن من خلال رساليَّتها، ولذلك تحمَّلت آلام الرِّسالة وصبرها ووعيها ورساليَّتها، كما تحمَّلها عليٌّ (ع). كانت (ع) هذا النَّموذج من النّساء الَّذي يتميَّز بالعصمة والثَّقافة، ويتميَّز بالقيم الأخلاقيَّة والروحيَّة، هذا النموذج الّذي يشعر بأنَّه لا بدَّ أن يتحمَّل مسؤوليَّته عن الإسلام وعن المجتمع الإسلاميّ في إنقاذه من كلِّ الخطوط الَّتي تريد أن تسقط مسيرته، تماماً كمسؤوليَّة الرَّجل، طبعاً بحجم الإمكانات الجسديَّة والاجتماعيَّة الَّتي تحيط بها.
لذلك، فإنَّ زينبَ (ع)، ابنةَ عليٍّ وفاطمةَ؛ كانت ابنتَهما بالرّوح كما كانت ابنتَهما بالجسد، أخذت من عليّ (ع) الكثير من عناصر شخصيَّته، وأخذت من أمِّها الكثير، وقد كانت طفلةً معها تمتصّ روحانيَّتها وقوَّتها وعنفوانها، وتعيش آلامها، وقد جمعت ذلك كلَّه في تلك الشَّخصيَّة الرَّائعة القويَّة، في أعمق حالات المأساة. وأيّ امرأة تقفُ أمام كلِّ ذلك الجيش الحاقد، وأمام كلِّ الضَّحايا من الشّهداء من أهلها وأصحاب أخيها، تقف أمام ذلك المنظر الَّذي لا يطيق الإنسان أن يحدِّق فيه، فضلاً عن أن يعيش في داخله، وكان الحسين (ع) أمامها، وهي تقول - ولم تنس الله في تلك السَّاعة -: "اللَّهمَّ تقبَّلْ منَّا هذا القربان". فأيُّ قوَّة هي هذه القوَّة؟ أيُّ صلابة؟ أيُّ صبرٍ هو هذا الصَّبر؟ وأيُّ روحانيَّةٍ هي هذه الروحانيَّة؟!
عنفوانُ المرأةِ الرِّساليَّة
وانطلقت زينب (ع) بعد الإمام الحسين (ع) لتكمل الرّسالة، وكانت (ع) في المستوى العالي من الثَّقافة؛ ثقافة الإسلام، وثقافة التحدّي، وثقافة الواقع، وكانت في مستوى حالات العنفوان الَّذي وقفت به أمام ابن زياد، لتقول له: "وسيَجمَعُ الله بينَكَ وبينَهم، فتُحاجُّون إليه وتَختَصِمون عندَهُ، فانظُرْ لمَنِ الفَلَجُ يومئذٍ، ثَكَلتْكَ أمُّكَ يا بْنَ مرجانة"، ووقفت أمام أهل الكوفة، من أجل أن تنفذ إلى داخل الواقع الَّذي صنعوا فيه المأساة استجابةً للطّغاة، لتخطب تلك الخطبة الَّتي تمثِّل الوثيقة السياسيَّة الاجتماعيَّة الَّتي تصوِّر المجتمع الَّذي خرج لقتال الحسين (ع). وكانت قمَّة الموقف أمام يزيد، عندما قالَتْ له: "فكدْ كيدَكَ، واسعَ سعيَك، وناصِبْ جهدَكَ، فوالله لا تمحو ذكرَنا، ولا تميتُ وحيَنا".. كانت تتحدَّاه: الوحي وحينا ونحن حملناه، والذّكر ذكرنا، وهو الَّذي يمتدُّ مع كلِّ أذان وصلاة، عندما يؤذّن المؤذّن: "أشهد أنَّ محمَّداً رسولُ الله"، ويمتدُّ معنا عندما تُتْلَى الصَّلاة الإبراهيميَّة: "اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، كما صلَّيْتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ في العالمين".
وهكذا يمثِّل تاريخ زينب (ع) تاريخَ عنفوان المرأة الرِّساليّ، لتقول زينب لكلِّ امرأة فيما يأتي من الأجيال: إنَّني امرأة كما أنتنَّ نساء، وقد حملت المسؤوليَّة بكلِّ طاقتي. إنَّها تقول للمرأة: ليست المرأة ضعفاً، فالله لم يتحدَّث عن المرأة الضَّعيفة، بل تحدَّث عن الإنسان الضَّعيف، وكما أراد للرَّجل الضَّعيف أن يأخذ بأسبابِ القوَّةِ ليكون قوَّةً، أرادَ للمرأةِ الضَّعيقة أن تكون قوّةً وتأخذ بأسباب القوَّة؛ يمكن أن يكبر عقلها إذا كبّرته، ويمكن أن يستقيم قلبها في عاطفتها إذا حرَّكته في خطِّ الاستقامة، ويمكن أن تتفجَّر طاقاتها في العمل من أجل رفع مستوى مجتمعها، وصناعة الجوانب المضيئة في تاريخها.
لذلك، قد تكون للعاطفة قداستها، عندما نذكر الجوانب العاطفيَّة في تجربة السيّدة زينب (ع)، ولكنَّ زينب ليست بكاءً؛ إنَّ زينب هي العنفوان، هي القوَّة، هي الرّسالة، هي الحركيَّة الفاعلة، هي تكامل المرأة مع الرَّجل، حتَّى لو كان هذا الرجل في مستوى الإمام، لقد تكاملت معه؛ كانت تحدِّثه ويحدِّثها، وكان يفيض عليها علماً، كما أفاضت العلم على كلِّ مَنْ سمعها. ويروي عنها الكثير من الرّواة أحاديثَ كثيرة، فبعد أن رجعت إلى المدينة، كانت تحدِّث وتعظ وترشد، كما تقول بعض كتب السّيرة في تأريخها.
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 20/03/2002م.
كانت السيِّدة زينب (ع) مع الحسين (ع) الإنسانَ الَّذي عاش للرِّسالة كلِّها، لم تكن مسألتها مرتبطةً بالجوِّ العاطفيّ، كما يصوِّرها القرَّاء، وإن كان للعاطفة دورها القدسيّ في الَّذين يعيشون في قلب المأساة أو خارجها.. لقد عاشت زينب القضيَّة الإسلاميَّة، ولهذا تركت زوجها باتّفاقٍ معه، لأنَّه كان في شخصيَّته شخصيَّة عمِّه عليّ (ع)، وهو ابن أخيه، كما أنَّها قدَّمت ابنيها قربانين لله، ولم تستغرق في عاطفة الأمومة، ولم تستغرق في عاطفة الزَّوجيَّة،وإنَّما استغرقت في العاطفة الإسلاميَّة.
صلابةُ الموقف
لن نستطيع أن نفهم زينب (ع) إلَّا من خلال هذا الرّوح الإسلاميّ الذي كانت تعيشه. جاءت (ع) إلى كربلاء وهي تعتقد أنَّ كربلاء بحاجة إليها كما هي بحاجة إلى الحسين (ع)، فللرّجال دور في الرسالة، كما للنّساء دور في الرّسالة.. كانت لا تفهم أنَّ دور المرأة يتحرَّك في نطاق مسؤوليَّتها البيتيَّة، وإن كانت تحترم هذا الدَّور ولا تنتقص منه، ولكنَّها كانت كأمّها الطَّاهرة المعصومة السيِّدة الزَّهراء (ع) الَّتي سبقت عمرها، فكانت في عمر الشَّباب كما لو كانت في معنى التَّجربة في العمر، وفي معنى القوَّة في العمر، في سنِّ الخمسين أو الستّين، لأنَّ الرسالة أثقلت كلَّ كاهلها. وهكذا كانت السيِّدة الزَّهراء (ع) مع عليٍّ (ع) لا من خلال عاطفتها، ولكن من خلال رساليَّتها، ولذلك تحمَّلت آلام الرِّسالة وصبرها ووعيها ورساليَّتها، كما تحمَّلها عليٌّ (ع). كانت (ع) هذا النَّموذج من النّساء الَّذي يتميَّز بالعصمة والثَّقافة، ويتميَّز بالقيم الأخلاقيَّة والروحيَّة، هذا النموذج الّذي يشعر بأنَّه لا بدَّ أن يتحمَّل مسؤوليَّته عن الإسلام وعن المجتمع الإسلاميّ في إنقاذه من كلِّ الخطوط الَّتي تريد أن تسقط مسيرته، تماماً كمسؤوليَّة الرَّجل، طبعاً بحجم الإمكانات الجسديَّة والاجتماعيَّة الَّتي تحيط بها.
لذلك، فإنَّ زينبَ (ع)، ابنةَ عليٍّ وفاطمةَ؛ كانت ابنتَهما بالرّوح كما كانت ابنتَهما بالجسد، أخذت من عليّ (ع) الكثير من عناصر شخصيَّته، وأخذت من أمِّها الكثير، وقد كانت طفلةً معها تمتصّ روحانيَّتها وقوَّتها وعنفوانها، وتعيش آلامها، وقد جمعت ذلك كلَّه في تلك الشَّخصيَّة الرَّائعة القويَّة، في أعمق حالات المأساة. وأيّ امرأة تقفُ أمام كلِّ ذلك الجيش الحاقد، وأمام كلِّ الضَّحايا من الشّهداء من أهلها وأصحاب أخيها، تقف أمام ذلك المنظر الَّذي لا يطيق الإنسان أن يحدِّق فيه، فضلاً عن أن يعيش في داخله، وكان الحسين (ع) أمامها، وهي تقول - ولم تنس الله في تلك السَّاعة -: "اللَّهمَّ تقبَّلْ منَّا هذا القربان". فأيُّ قوَّة هي هذه القوَّة؟ أيُّ صلابة؟ أيُّ صبرٍ هو هذا الصَّبر؟ وأيُّ روحانيَّةٍ هي هذه الروحانيَّة؟!
عنفوانُ المرأةِ الرِّساليَّة
وانطلقت زينب (ع) بعد الإمام الحسين (ع) لتكمل الرّسالة، وكانت (ع) في المستوى العالي من الثَّقافة؛ ثقافة الإسلام، وثقافة التحدّي، وثقافة الواقع، وكانت في مستوى حالات العنفوان الَّذي وقفت به أمام ابن زياد، لتقول له: "وسيَجمَعُ الله بينَكَ وبينَهم، فتُحاجُّون إليه وتَختَصِمون عندَهُ، فانظُرْ لمَنِ الفَلَجُ يومئذٍ، ثَكَلتْكَ أمُّكَ يا بْنَ مرجانة"، ووقفت أمام أهل الكوفة، من أجل أن تنفذ إلى داخل الواقع الَّذي صنعوا فيه المأساة استجابةً للطّغاة، لتخطب تلك الخطبة الَّتي تمثِّل الوثيقة السياسيَّة الاجتماعيَّة الَّتي تصوِّر المجتمع الَّذي خرج لقتال الحسين (ع). وكانت قمَّة الموقف أمام يزيد، عندما قالَتْ له: "فكدْ كيدَكَ، واسعَ سعيَك، وناصِبْ جهدَكَ، فوالله لا تمحو ذكرَنا، ولا تميتُ وحيَنا".. كانت تتحدَّاه: الوحي وحينا ونحن حملناه، والذّكر ذكرنا، وهو الَّذي يمتدُّ مع كلِّ أذان وصلاة، عندما يؤذّن المؤذّن: "أشهد أنَّ محمَّداً رسولُ الله"، ويمتدُّ معنا عندما تُتْلَى الصَّلاة الإبراهيميَّة: "اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، كما صلَّيْتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ في العالمين".
وهكذا يمثِّل تاريخ زينب (ع) تاريخَ عنفوان المرأة الرِّساليّ، لتقول زينب لكلِّ امرأة فيما يأتي من الأجيال: إنَّني امرأة كما أنتنَّ نساء، وقد حملت المسؤوليَّة بكلِّ طاقتي. إنَّها تقول للمرأة: ليست المرأة ضعفاً، فالله لم يتحدَّث عن المرأة الضَّعيفة، بل تحدَّث عن الإنسان الضَّعيف، وكما أراد للرَّجل الضَّعيف أن يأخذ بأسبابِ القوَّةِ ليكون قوَّةً، أرادَ للمرأةِ الضَّعيقة أن تكون قوّةً وتأخذ بأسباب القوَّة؛ يمكن أن يكبر عقلها إذا كبّرته، ويمكن أن يستقيم قلبها في عاطفتها إذا حرَّكته في خطِّ الاستقامة، ويمكن أن تتفجَّر طاقاتها في العمل من أجل رفع مستوى مجتمعها، وصناعة الجوانب المضيئة في تاريخها.
لذلك، قد تكون للعاطفة قداستها، عندما نذكر الجوانب العاطفيَّة في تجربة السيّدة زينب (ع)، ولكنَّ زينب ليست بكاءً؛ إنَّ زينب هي العنفوان، هي القوَّة، هي الرّسالة، هي الحركيَّة الفاعلة، هي تكامل المرأة مع الرَّجل، حتَّى لو كان هذا الرجل في مستوى الإمام، لقد تكاملت معه؛ كانت تحدِّثه ويحدِّثها، وكان يفيض عليها علماً، كما أفاضت العلم على كلِّ مَنْ سمعها. ويروي عنها الكثير من الرّواة أحاديثَ كثيرة، فبعد أن رجعت إلى المدينة، كانت تحدِّث وتعظ وترشد، كما تقول بعض كتب السّيرة في تأريخها.
* من محاضرة عاشورائيَّة لسماحته، بتاريخ: 20/03/2002م.