السيّد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي
(مستدرك الصحيحين، ج ٢، ص ٦٠١) روى بسنده عن ابن عباس عن أبيه، قال عبد المطلب: قدمنا اليمن في رحلة الشتاء، فنزلنا على حبر من اليهود، فقال لي رجل من أهل الزبور: يا عبد المطلب، أتأذن لي أن أنظر إلى بدنك ما لم يكن عورة؟ قال: ففتح إحدى منخريّ فنظر فيه، ثم نظر في الأخرى، فقال أشهد أنّ في إحدى يديك ملكاً وفي الأخرى النبوة، وأرى ذلك في بني زهرة، فكيف ذلك؟ فقلت: لا أدرى، قال: هل لك من شاعة قال: قلت وما الشاعة؟ قال زوجة. قلت: أما اليوم فلا، قال: إذا قدمت فتزوج فيهم. فرجع عبد المطلب الى مكة، فتزوج بنت وهب بن عبد مناف، فولدت له حمزة وصفية، وتزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب، فولدت رسول الله(ص)، فقالت قريش ـ حين تزوج عبد الله آمنة ـ فلح عبد الله على أبيه.
(طبقات ابن سعد ج ١ القسم ١ ص ١٠٤ ) روى بسنده عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، أن إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ابن عمهم، إنما كان عن حديث ابن الهيبان أبي عمير، قدم ابن الهيبان ـ يهودي من يهود الشام ـ قبيل الإسلام بسنوات، قالوا: وما رأينا رجلاً لا يصلّي الصلوات الخمس خيراً منه، وكان إذا حبس عنا المطر احتجنا إليه، نقول له: يا بن الهيبان اخرج فاستسق لنا، فيقول لا حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة فنقول وما نقدم؟ فيقول صاعاً من تمر أو مدين من شعير عن كلّ نفس. فنفعل ذلك، فيخرج بنا إلى ظهر وادينا، فوالله لن نبرح حتى تمرّ السّحاب فتمطر علينا، ففعل ذلك بنا مراراً، كلّ ذلك نسقي، فبينا هو بين أظهرنا، إذ حضرته الوفاة، فقال: يا معشر اليهود، ما الذي ترون أنه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا أنت أعلم يا أبا عمير. قال إنما قدمتها أتوكف خروج نبي قد أظلّكم زمانه، وهذا البلد مهاجره، وكنت أرجو أن أدركه فأتبعه، فإن سمعتم به، فلا تسبقن إليه، فانه يسفك الدّماء، ويسبي الذراري والنساء، فلا يمنعكم هذا منه. ثم مات، فلما كان في الليلة التي في صبيحتها، فتحت بنو قريظة، قال لهم ثعلبة وأسيد ابنا سعية وأسد بن عبيد فتيان شباب: يا معشر يهود، والله انه الرجل الذي وصف لنا ابو عمير ابن الهيبان، فاتقوا اللّه واتبعوه، قالوا: ليس به، قالوا بلى واللّه، إنه لهو هو فنزلوا وأسلموا وأبى قومهم أن يسلموا.
(طبقات ابن سعد، ج ١، القسم ١ ص ١٠٦) روى بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، قال زيد بن عمرو بن نفيل: شاممت اليهودية والنصرانية فكرهتهما، فكنت بالشام وما والاه حتى أتيت راهباً في صومعة، فوقفت عليه فذكرت له اغترابي عن قومي وكراهتي عبادة الأوثان واليهودية والنصرانية، فقال لي: أراك تريد دين ابراهيم يا أخا أهل مكة، إنك لتطلب ديناً ما يؤخذ اليوم به، وهو دين أبيك ابراهيم، كان حنيفاً لم يكن يهودياً ولا نصرانياً، كان يصلي ويسجد إلى هذا البيت الذي ببلادك، فالحق ببلادك، فإن نبياً يبعث من قومك في بلدك يأتي بدين إبراهيم بالحنيفية، وهو أكرم الخلق على الله.
(طبقات ابن سعد، ج ١، القسم ١) قبل الحديث السابق بلا فصل، روى بسنده عن عامر بن ربيعة، قال سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول: أنا أنتظر نبياً من ولد إسماعيل، ثم من بني عبد المطلب، ولا أراني أدركه وأنا أو من به، وأصدقه، واشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك، قلت هلم، قال: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشهر ولا بقليله، وليست تفارق عينيه حمرة، وخاتم النبوّة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يخرجه قومه منه، ويكرهون ما جاء به، حتى يهاجر إلى يثرب، فيظهر أمره، فإياك أن تخدع عنه، فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعته لك، ويقولون لم يبق نبي غيره، قال عامر بن ربيعة: فلما أسلمت، أخبرت رسول اللّه(ص) وسلم قول زيد بن عمرو وأقرأته منه السلام، فردّ عليه السلام وترحم عليه، وقال: قد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً.
(كنز العمال، ج ٦، ص ٣٠١) قال: عن حسان بن ثابت، قال: إني واللّه لغلام يفع ابن سبع سنين ـ أو ثمان سنين ـ أعقل كلما سمعت، إذ سمعت يهودياً يصرخ على أطم يثرب: يا معشر يهود، طلع الليلة نجم أحمد الذي به ولد. قال أخرجه ابن عساكر.
(طبقات ابن سعد، ج ١، القسم ١ ص ١٠٦) روى بسنده عن عائشة قالت: سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات، فلما كان ليلة ولد رسول اللّه(ص) قال في مجلس من مجالس قريش: هل كان فيكم من مولود هذه الليلة؟ قالوا لا نعلمه، قال: أخطأت واللّه حيث كنت اكره. انظروا يا معشر قريش واحصوا ما أقول لكم: ولد الليلة نبي هذه الأمة أحمد الآخر، فإن أخطأكم فبفلسطين، به شامة بين كتفيه سوداء صفراء، فيها شعرات متواترات، فتصدع القوم من مجالسهم وهم يعجبون من حديثه. فلما صاروا في منازلهم، ذكروا لأهاليهم، فقيل لبعضهم: ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام فسماه محمداً، فالتقوا بعد من يومهم، فأتوا اليهودي في منزله، فقالوا: أعلمت أنه ولد فينا مولود؟ قال: أبعد خبري أم قبله؟ قالوا: قبله واسمه أحمد، قال: فاذهبوا بنا إليه، فخرجوا معه حتى دخلوا على أمه، فأخرجته اليهم، فرأى الشامة في ظهره، فغشي على اليهودي ثم أفاق، فقالوا: ويلك مالك؟ قال ذهبت النبوة من بني إسرائيل، وخرج الكتاب من أيديهم، وهذا مكتوب يقتلهم ويبز أخبارهم، فازت العرب بالنبوّة، أفرحتم يا معشر قريش؟ أما واللّه ليسطون بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق الى المغرب.
(طبقات ابن سعد ج ١ القسم ١ ص ٩٧) روى بسنده عن عبد اللّه بن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: لما قدمت حليمة قدم معها زوجها وابن لها صغير ترضعه يقال له عبد اللّه، وأتان قمراء وشارف لهم عجفاء قد مات سقبها من العجف ليس في ضرع أمه قطرة لبن، فقالوا: نصيب ولداً نرضعه ومعها نسوة سعديات، فقدمن فاقمن أياماً، فأخذن ولم تأخذ حليمة ويعرض عليها النبي(ص)، فقالت: يتيم لا أب له، حتى إذا كان آخر ذلك أخذته وخرج صواحبها قبلها بيوم، فقالت آمنة: يا حليمة، اعلمي أنك قد أخذت مولوداً له شأن، واللّه لحملته، فما كنت أجد ما تجد النساء من الحمل، ولقد أتيت فقيل لي: إنّك ستلدين غلاماً فسميه أحمد، وهو سيد العالمين، ولوقع معتمداً على يديه رافعاً رأسه الى السماء، قال: فخرجت حليمة إلى زوجها فأخبرته، فسر بذلك، وخرجوا على أتانهم منطلقة وعلى شارفهم قد درت باللبن، فكانوا يحلبون منها غبوقاً وصبوحاً، فطلعت على صواحبها، فلما رأينها قلن: من أخذت؟ فأخبرتهن، فقلن: واللّه إنا لنرجو أن يكون مباركاً، قالت حليمة: قد رأينا بركته، كنت لا أروي ابني عبد اللّه ولا يدعنا ننام من الغرث، فهو وأخوه يرويان ما أحبا وينامان ولو كان معهما ثالث لروي، ولقد أمرتني أمه أن أسأل عنه، فرجعت به إلى بلادها، فأقامت به حتى قامت سوق عكاظ، فانطلقت برسول اللّه(ص) حتى تأتي به إلى عراف من هذيل يريه الناس صبيانهم، فلما نظر إليه صاح: يا معشر هذيل، يا معشر العرب. فاجتمح إليه الناس من أهل الموسم، فقال: اقتلوا هذا الصبي، وانسلت به حليمة، فجعل الناس يقولون: أيّ صبي؟ فيقول هذا الصبي، ولا يرون شيئاً قد انطلقت به أمه، فيقال: ما هو؟ قال: رأيت غلاماً وآلهته ليقتلنّ أهل دينكم، وليكسرنّ آلهتكم، وليظهرن أمره عليكم، فطلب بعكاظ فلم يوجد، ورجعت به حليمة إلى منزلها، فكانت بعد لا تعرضه لعراف ولا لأحد من الناس.
(طبقات ابن سعد ج ٣ القسم ١ ص ١٥٣) روى بسنده عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: قال طلحة بن عبيد اللّه: حضرت سوق بصري فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم، أفيهم أحد من أهل الحرم، قال طلحة: فقلت نعم أنا، فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قال قلت ومن أحمد؟ قال ابن عبد اللّه بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الانبياء مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تسبق إليه قال طلحة فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعاً حتى قدمت مكة، فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ (الحديث).
(طبقات ابن سعد، ج ١، القسم ١، ص ٩٩). روى بسنده عن داود ابن الحصين قال: لما خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله(ص) في المرة الأولى، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، فلما نزل الركب بصري من الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه، فلما نزلوا بحيرا، وكانوا كثيراً ما يمرون به لا يكلمهم، حتى إذا كان ذلك العام، ونزلوا منزلاً قريباً من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلّما مروا، فصنع لهم طعاماً ثم دعاهم، وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظلّ رسول اللّه(ص) من بين القوم، حتى نزلوا تحت الشجرة، ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة، وأخضلت أغصان الشجرة على النبي(ص) حين استظل تحتها، فلما رأى بحيرا ذلك، نزل من صومعته، وأمر بذلك الطعام، فأتي به وأرسل إليهم، فقال: إني قد صنعت لكم طعاماً يا معشر قريش، وأنا أحب أن يحضروه كلّكم، ولا تخلفوا منكم صغيراً ولا كبيراً، حراً ولا عبداً، فإنّ هذا شيء تكرّموني به، فقال رجل: إنّ لك لشأناً يا بحيرا، ما كنت تصنع بنا هذا، فما شأنك اليوم؟ قال: فإني أحببت أن أكرمكم ولكم حقّ، فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول اللّه(ص) من بين القوم لحداثة سنه، ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشّجرة، فلما نظر بحيرا إلى القوم، فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده، وجعل ينظر ولا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة على رأس رسول الله(ص)، قال بحيرا: يا معشر قريش، لا يتخلفن منكم أحد من طعامي، قالوا ما تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سناً في رحالهم، فقال: ادعوه فليحضر طعامي، فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد، مع اني أراه من أنفسكم! فقال القوم: هو واللّه أوسطنا نسباً، وهو ابن أخ هذا الرجل ـ يعنون أبا طالب ـ وهو من ولد عبد المطلب، فقال الحارث ابن عبد المطلب بن عبد مناف: واللّه، إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه، وأقبل به حتى أجلسه على الطعام، والغمامة تستر على رأسه، وجعل بحيرا يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته، فلما تفرّقوا عن طعامهم، قام إليه الراهب فقال: يا غلام، أسألك بحقّ اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك، فقال رسول اللّه(ص): لا تسألني باللات والعزى، فواللّه ما أبغضت شيئاً بغضهما، قال: فباللّه إلا أخبرتني عمّا أسألك عنه. قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه، فجعل رسول اللّه(ص) يخبره فيوافق ذلك ما عنده، ثم جعل ينظر بين عينيه، ثم كشف عن ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه، على موضع الصفة التي عنده، قال: فقبل موضع الخاتم، وقالت قريش إن لمحمد عند هذا الراهب لقدراً، وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب، يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال أبو طالب: ابني قال: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً، قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال هلك وأمّه حبلى به، قال فما فعلت أمّه؟ قال: توفيت قريباً، قال صدقت، ارجع بابن اخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود، فواللّه لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه عنتاً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، واعلم أني قد أديت إليك النصحية، فلما فرغوا من تجاراتهم خرج به سريعاً، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول اللّه(ص) وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا، فذكروه أمره فنهاهم أشدّ النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا نعم، قال: فما لكم إليه سبيل فصدقوه وتركوه، ورجع به أبو طالب، فما خرج به سفراً بعد ذلك خوفاً عليه، (أقول) ورواه الخطيب أيضاً في تاريخ بغداد مختصراً (ج ١ ص ٢٥٢). وقال فيه: فأخذ ـ يعني بحيرا ـ بيد رسول اللّه(ص) وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول ربّ العالمين، هذا بعثه اللّه رحمة للعالمين.
(طبقات ابن سعد ج ١ القسم ١ ص ٨٢) روى بسنده عن نفيسة بنت منية ـ أخت يعلى بن منية ـ قالت: لما بلغ رسول اللّه(ص) خمساً وعشرين سنة، قال له أبو طالب: أنا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا، وهذه عير قومك، وقد حضر خروجها إلى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيراتها، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك، وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له، فأرسلت إليه في ذلك وقالت له: أنا اعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك، وقال في حديث ساقه بعد هذا بحديث: فخرج مع غلامها ميسرة، وجعل عمومته يوصون به أهل العير، حتى قدما بصرى من الشّام، فنزلا في ظلّ شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبيّ، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة؟ قال: نعم لا تفارقه، قال هو نبيّ وهو آخر الأنبياء، ثم باع سلعته، فوقع بينه وبين رجل تلاح، فقال له: اِحلف باللات والعزى، فقال رسول اللّه(ص): ما حلفت بهما قطّ، واني لأمرّ فأعرض عنهما، فقال الرجل: القول قولك. ثم قال لميسرة: هذا واللّه نبيّ تجده أحبارنا منعوتاً في كتبهم، وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحرّ، يرى ملكين يظلان رسول اللّه(ص) من الشمس، فوعى ذلك كله ميسرة، وكأن اللّه قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له، وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون، فلما رجعوا، فكانوا بمر الظهران قال ميسرة: يا محمد انطلق إلى خديجة، فأخبرها بما صنع اللّه لها على وجهك، فانها تعرف لك ذلك، فتقدم رسول اللّه(ص) حتى دخل مكة في ساعة الظهيرة، وخديجة في علية لها، فرأت رسول اللّه(ص) وهو على بعيره وملكان يظلان عليه، فأرته نساءها فعجبن لذلك، ودخل عليها رسول اللّه(ص) فخبرها بما ربحوا في وجههم، فسرت بذلك، فلما دخل ميسرة عليها أخبرته بما رأت، فقال: قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام، وأخبرها بما قال الراهب نسطور، وبما قال الآخر الذي خالفه في البيع، وقدم رسول اللّه(ص) بتجارتها، فربحت ضعف ما كانت تربح، وأضعفت له ضعف ما سمت له.
(الإصابة، ج ١، القسم ٣، ص ١٨١) قال: ذكر الهيثم بن عدي في الأخبار عن سعيد بن العاص، قال: لما قتل أبي العاص بن سعيد بن العاص يوم بدر، كنت في حجر عمي أبان بن سعيد بن العاص، فخرج تاجراً الى الشام، فمكث سنة ثم قدم، وكان يكثر السب لرسول اللّه(ص)، فأول شيء سأل عنه أن قال: ما فعل محمد: فقال له عمي عبد اللّه هو واللّه في عز ما كان، وأعلاه امراً، فسكت أبان ولم يسبه، ثم صنع طعاماً وأرسل إلى سراة بني أمية، فقال لهم: إني كنت بقرية فرأيت بها راهباً يقال له بكاء لم ينزل الى الأرض أربعين سنة، فنزل يوماً واجتمعوا ينظرون اليه، فجئت فقلت لهم: ان لي حاجة فخلا بي، فقلت: إني من قريش وإن رجلاً منا خرج يزعم أن اللّه أرسله، قال: ما اسمه؟ قلت محمد، قال: منذ كم خرج؟ قلت: منذ عشرين سنة، قال: ألا أصفه لك؟ قلت: بلى، قال: فوصفه، فما أخطأ من صفته شيئاً، ثم قال لي: هو واللّه نبيّ هذه الأمة، واللّه ليظهرن. ثم دخل صومعته، وقال لي: اقرأ عليهالسلام، قال: وكان ذلك في زمن الحديبية.
(الهيثمي في مجمعه ج ٨ ص ٢٣١) قال: وعن أبي سفيان بن حرب ان امية بن ابي الصلت كان معه بغزة ـ أو قال بايلياء ـ فلما قفلنا قال: يا أبا سفيان، وساق الحديث (الى أن قال) قال: اني كنت أجد في كتبي نبياً يبعث من حرمنا فكنت أظن، بل كنت لا أشك اني هو، فلما دارست أهل العلم، اذا هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحداً أصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة، فلما أخبرني بنسبه، عرفت أنه ليس به حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه، قال ابو سفيان: فضرب الدهر ضرباته، وأوحى الى رسول اللّه، فخرجت في ركب من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية بن ابي الصلت، فقلت له كالمستهزئ به: يا أمية، خرج النبي الذي كنت تنتظره قال: أما إنه حق فاتبعه، قلت ما يمنعك من اتباعه؟ قال: الاستحياء من نسيات ثقيف، إني كنت أحدثهم أني هو، ثم يروني تابعاً لغلام من بني عبد مناف، ثم قال أمية: كأني بك يا أبا سفيان ان خالفته قد ربطت كما يربط الجدي حتى يؤتى بك اليه، فيحكم فيك ما يريد. (قال) رواه الطبراني.
(الهيثمي في مجمعه، ج ٨، ص ٢٣٢) قال: وعن جبير بن مطعم قال: كنت أكره أذى قريش للنبيّ(ص)، فلما ظننت أنهم سيقتلوه، خرجت حتى لحقت بدير من الديارات، فذهب أهل الدير الى رأسهم فأخبروه، فقال: أقيموا له حقه الذي ينبغي له ثلاثاً، ولما رأوه لم يذهب فانطلقوا الى صاحبهم فاخبروه، فقال: قولوا له قد أقمنا لك بحقك الذي ينبغي لك، فان كنت وصباً، فقد ذهب وصبك، وان كنت واصلاً فقد آن لك أن تذهب الى من تصل، وإن كنت تاجراً فقد آن لك أن تخرج الى تجارتك، فقال: ما كنت واصلاً ولا تاجراً وما أنا بنصب، فذهبوا اليه فأخبروه، فقال: ان له لشأناً فأسألوه ما شأنه؟ قال: فأتوه فسألوه فقال: لا واللّه، إلا أن في قرية ابراهيم ابن عمي يزعم انه نبي، فآذاه قومه، فخرجت لئلا أشهد ذلك، فذهبوا الى صاحبهم فأخبروه قولي، قال: هلموا، فأتيته فقصصت عليه قصصي، قال: تخاف أن يقتلوه؟ قلت: نعم، قال: وتعرف شبهه لو تراه مصوراً؟ قلت عهدي به منذ قريب، فأراه صوراً مغطاة يكشف صورة صورة، ثم يقول أتعرف؟ فاقول: لا، حتى كشف صورة مغطاة، فقلت: ما رأيت شيئاً أشبه بشيء من هذه الصورة به، كأنه طوله وجسمه وبعد ما بين منكبيه. قال: فتخاف أن يقتلوه؟ قلت: أظنهم قد فرغوا منه، قال: واللّه لا يقتلوه وليقتلن من يريد قتله، وإنه لنبي وليظهرنه اللّه، ولكن قد وجب حقّك علينا، فامكث ما بدا لك، وادع بما شئت (الحديث). قال رواه الطبراني.
*من كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج 1، ص 43- 53.